مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2021-03-03

أمريكا الدرس المفقود

تذهب إدارة أمريكية وتأتي إدارة أمريكية جديدة، وكل منها يحاول أن يخاطب العالم بعقل الأمريكان، وكأنه لا يوجد أحد على الجانب الآخر، وهذه مشكلة أمريكا، ما تؤمن به في الداخل تريد أن توصله للخارج، وإن كان بالقوة وفرض العقوبات والتهديد والوعيد مبتعدة كل البعد وللأسف الشديد عن قدراتها في القيادة بالمثل. 
 
تريد أمريكا من العالم أن يصبح كأمريكا ذاتها من حيث المبادئ والقيم والفكر وأسلوب الحياة، وكأن الآخرين يعيشون في غياهب الظلام ولا بد لواشنطن أن تنتشلهم منه. فلسفةٌ عرجاء، لا تنم إلا عن عنجهية ورغبة في الهيمنة والسيطرة. 
 
ها هو الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن يعود ليفعل ذات الشي الذي فعله من قبله رؤوسا أمريكا وفشلوا فشلاً ذريعاً وأدخلوا للأسف الشديد العالم في متاهات أمنية بسبب إستراتيجيتهم العرجاء والمتمثلة فيما يسمى بإستراتيجية فرض الهيمنة الليبرالية. كل ما يهم رؤساء أمريكا وخاصة الديمقراطيون منهم نشر مبادئ الفكر الليبرالي السياسي دولياً وبالتالي يتبعون استراتيجيات مليئة بالأخطاء ومن ثم يُلقون اللوم على غيرهم ولا يتعلمون من دروسهم. 
 
كل ذلك حدث بسبب قرارات سياسية خاطئة من قبل الولايات المتحدة تحت غطاء سياسة ما تسمى بالهيمنة الليبرالية. وللأسف الإدارات الأمريكية لم تتعلم من ذلك، ولربما كان الأقرب لتغير الأمر هو الرئيس السابق دونالد ترامب، إلا أنه لم ينجح بسبب عجزه عن وضع استراتيجية بديلة عن استراتيجية الهيمنة الليبرالية التي لم يكن يؤمن بها. واليوم نجد جو بايدن يعود من جديد ليتحدث عن الهيمنة الليبرالية، بل ويحاول أن يعطي دروساً في حقوق الانسان والديمقراطية للدول الأخرى ويربط سياسته الخارجية بهذه المواضيع، متجاهلاً كل التجاهل أن هذه الاستراتيجية لم تنجح مع الرؤساء الذين سبقوه من الحزبين بل أنها خلقت كل المتاهات التي نعيشها في عالم اليوم ولاسيما في منطقتنا العربية. فكيف يمكن له أن يعتقد بـأن هذه الاستراتيجية يمكن ان تنجح اليوم!
 
السيد بايدن عليه أن يدرك أن المنطقة العربية تتعرض لتهديد مباشر من إيران وأذنابها في المنطقة وليس من الإجراءات الدفاعية التي قامت بها دول الخليج العربي بقيادة السعودية للجم قوة إيران في اليمن. إن ما تقوم به السعودية هو عمل من المفترض أن ترحب به الإدارات الأمريكية لأنها وبكل بساطة فإن السعودية ومعها دول أخرى تقول أنها دول تتحمل مسئوليتها وأنها ليست راكبة بالمجان في تحالفها مع الولايات المتحدة الأمريكية كما يفعل الآخرون. فمن المفترض أن يأتي بايدن ليدعم هذه الدول وليس ليحد من قدراتها ويفرض عليها قيود لا منطقية ولا عملية ولو بمجرد الحديث عنها، لأنك تعطي الانطباع الخاطئ للأطراف الأخرى التي تحاول أن تحتويها وتضعف هيمنتها في المنطقة. نعم لا أحد يريد الحروب، وأولهم دول الخليج كالسعودية والإمارات اللتين امتطيتا ركب التنمية والمشاريع العملاقة التي من المفترض أن تُسيل لُعاب الشركات الأمريكية الراغبة إلى جني الأرباح من هكذا مشاريع. نعم لا السعودية ولا الإمارات تريدان الحروب أو المشاركة فيها ولكن ما هو الخيار المطروح من قبل بايدن وفريقه الدبلوماسي لإيجاد صيغة حل لليمن؟! إذا لم تتمكن الأمم المتحدة من فعل شي، فماذا عسى على بايدن أن يفعل؟! أتمنى أن تكون لديه استراتيجية واضحة لذلك، واتمنى أن تكون هرولته مع الإيرانيين قوامها إيجاد صيغة حل لليمن بحيث يصبح اليمن مصدر أمن واستقرار لا مصدر قلق لدول الخليج العربية. وإن كنت أتمنى كل ذلك، إلا أنني غير متفائل من أن يحدث شيء من ذلك، فرؤساء أمريكا لا يتعلمون من الدروس وللأسف الشديد.
 
إن ما تحتاج إليه منطقة الخليج العربي من رؤساء أمريكا ليس بالدفع نحو الهيمنة الليبرالية كما يؤمن بها أصحاب النظرية الليبرالية، ولا نحو توازن القوة العسكرية التي يؤمن بها أصحاب المدرسة الواقعية، فكلا هاتين المعادلتين أدخلتا المنطقة في دوامة معقدة من الأزمات والمشاكل. لذلك فإن ما نحتاج إليه هو الوصول إلى معادلة جديدة أكثر إبداعاً تخرجنا من دوامة صندوق الليبرالية والواقعية إلى فضاء جديد يتحقق فيه الأمن للجميع وفق منظور أمني جديد قوامة توازن الأمن لا القوة أو الهيمنة الفكرية.   
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره