مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2018-02-01

أنـانـيـــة قائــــد

بقدر ما يبدو الإيثار سلوك نبيل، إلا أن الأنانية ليست في كل أحوالها رذيلة، أو سيئة، بل إنها في بعض المواقف تعتبر قمة الفضيلة وغاية والذكاء، أتدري لماذا؟
 
لأن الأنانية تعني تقديم مصلحتك الشخصية أولاً، تعني أن تكون رغبتك أولوية ليس قبلها قبل، وهنا تحديداً لابد أن تعرف أن تقديم نفسك قبل كل شيء أمر صحي في بعض المواقف، لأنك حين تكون جائعاً فأنت لست في أحسن أحوالك لتقدم شيئاً صالحاً، وفي حال كنت مكبوتاً أو محروماً، فإنك غير صالح للتعاطي مع المواقف، وفي بعض الأحوال جاهزيتك شرط لإتمام المهمة على أكمل وجه، وإذا لم تكن جاهزاً فإن الإخفاق سيؤثر على من حولك، وعلى الأداء وجودته، بعض الأمور تمثل ضغط هائل لست مكلفاً بتحمله، لذا لا تخجل من أنانية تخدمك أنت وبالتالي تخدم الصالح العام، ويمكن فهمها حين تكون في مواجهة إنقاذ أحدهم من حريق، أو اختناق، فإنك مجبر على تأمين نفسك أولاً، لكي تتمكن من إنقاذ حياة الآخر، لأنك لو قدمت الإيثار في غير محلة، تكون الخسارة روحك مع روحه، لذا تحتاج أن تكون جاهزاً وأن تكون آمناً لتتمكن من تقديم المساعدة، تتنفس أنت أولاً، ثم تلتفت للآخر، لكن لو فعلت العكس سيختنق الجميع.
 
ذاك هو الوجه المشرق لفضيلة الأنانية في بعض الأمور، لكن وجهها المظلم والأشد سواداً، حين تكون مسؤولاً، أباً كنت أم مديراً أم قائداً، فإنها أبشع أنانية يمارسها الإنسان، فالأب الأناني يدمر أهله، لص رخيص يسرق حياة أسرته، والمدير الأناني باب فساد يُشرَع على مصراعيه، لأنه من شرّع قانون الغاب في منشأته، فالقوي سيسحق الضعيف، وكل موظف حينها سيخدم أجندته الخاصة التي تضمن نصيبه، أما القائد الأناني فإنه الأسوأ على الإطلاق، لن تجد تأثيراً أكثر بشاعة من تأثيره، لأنه حين يعيش من أجل ذاته، ومن أجل عرشه، فإنه يحرق شعباً بأكمله، ويذبح وطنه بسكين ليست حادة، إمعاناً في التعذيب، لأن القائد لابد أن يكون وطنياً أكثر من الوطنية نفسها، يؤمن بالوطن إيماناً مطلقاً، لا تردد فيه، ولا هوادة، فلكل وطن جناحين، شعب وقائد، لابد أن تكون الحركة بينهما متناغمة، ومتفاهمة، لأن الهدف تفادي السقوط، معالجة الاهتزاز، الهروب من الخطر، التحليق عالياً، ومتى اختل أحدهما فإن النهاية تقترب، نهاية مخزية، كتب عنها التاريخ، ولايزال الحاضر يكتب ويرصد كيف تنهار دول تورطت بقائد أناني، كلما تحرك انتفخ، وسحب دولته للهاوية.    
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره