لا يخفى على أحد أن إيران وتركيا برزتا بروزاً واضحاً كلاعبيين أساسيين في شؤون منطقة الشرق الأوسط لاسيما منذ سقوط العراق بعد الاجتياح والاحتلال الأمريكي له في عام2003. وكل من هاتين الدولتين حمل مشروعه الذي سعى إلى فرضه على المنطقة من خلال استثمار حالة عدم الاستقرار، ولعلنا نلحظ الحضور البارز لكل منهما في الملف السوري.
سوريا تمثل نقطة اهتمام لكلا الدولتين، فهي عمق إستراتيجي للمشروعين الإيراني والتركي. فإيران تنظر إلى سوريا على أنها حليف إستراتيجي وتمثل أداة إستراتيجية هامة وجزء لا يتجزأ من سياسة الممانعة التي تنتهجها إيران في علاقتها مع الولايات المتحدة والغرب. في حين أن تركيا تنظر إلى سوريا على أنها جزء من مشروعها لخلق نفوذ سياسي جديد لها في المنطقة تستطيع من خلاله أن تبرز نفسها كلاعب رئيسي في المعادلة الشرق الأوسطية بحيث يعتمد عليها الغرب في تواصله مع المنطقة.
في ظل هذين المشروعين جاء التنافس الإيراني التركي في سوريا، إلا أن الواضح أن النتيجة تصب في صالح إيران. فإيران ما زالت هي الأقوى، وهي الطرف الهجومي، في حين أن تركيا هي الطرف الأضعف وهي في الجانب الدفاعي أكثر منه في الجانب الهجومي. ويمكن لنا أن نرجع هذا الإخفاق التركي إلى حقيقة أن المشروع الإيراني كان مؤسس له منذ فترة زمنية طويلة، حيث أنه في الوقت التي كانت تركيا تعادي سوريا تمكنت إيران من أن تخلق تحالفاً إستراتيجياً لها مع سوريا استطاع أن ينجح نجاحاً كبيراً في خلق كيان سياسي موالي كل الولاء لإيران وتوجهاتها في المنطقة، في الوقت الذي فشلت في ذلك تركيا.
وعندما جاء حزب العدالة والتنمية للحكم في تركيا عمل على محاولة تغيير ذلك من خلال العمل على ربط سوريا اقتصادياً بالدرجة الأولى مع تركيا على أمل أن يؤدي ذلك لترابط سياسي، إلا أن اندلاع الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد ووقوف أنقرة مع الثورة أجهض على كل تلك الآمال التركية وأصبح نظام الأسد أكثر قوة في علاقته مع طهران.
كما أن الإخفاق التركي يعود أيضاً إلى أن تركيا بلد متنوع سياسياً، أي أنه وأن كان حزب العدالة والتنمية هو المسيطر على الحكم إلا أن المزاج السياسي للأتراك ليس كله مع حزب العدالة والتنمية، وإنه كذلك مزاج قابل للتغير. لذلك لا يستطيع الحزب أن يفرض تدخل تركي في سوريا بذات الحجم والأسلوب الذي تقوم به إيران، حيث أن الخوف أن ذلك سيدخل تركيا في مستنقع لا يمكن الخروج منه. فبينما ترسل إيران عناصرها لمساعدة النظام السوري تكتفي تركيا بتسهيل مرور السلاح. وبين ذلك كله هناك بالطبع الأكراد الذين تخشى تركيا من تحركهم ضدها في حالة استثمار النظام السوري للأكراد السورين والأتراك ضد تركيا.
من ذلك كله يتضح لنا بأن هناك العديد من العقبات التي تقف في طريق توجه تركيا للتوغل في سوريا بذات الطريقة التي تتوغل فيها إيران هناك، الأمر الذي يجعلنا نستخلص أن إيران مازالت هي المنتصرة بالدرجة الأولى في سوريا وليست تركيا.
لا يوجد تعليقات