مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2019-11-11

الأزمات والفرص في السّياق العربي

رغم قساوة الأزمات، فإن غالبا ما تشكّل فرصا حقيقية للتفكير والتأمّل، ومراجعة الأخطاء والهفوات، وتصحيح السياسات والقرارات المختلفة على الصعيدين الوطني والدولي.
 
 
فقد ساهمت كل من الحرب العالمية الأولى، وكذلك الثانية بتداعياتهما الإنسانية والبيئية والمعمارية.. المدمّرة، في طيّ صفحات قاتمة من التاريخي الأوربي، بدءا بالتفكير في إنشاء منظمة دولية قادرة على نبذ الحروب وحفظ السلم والأمن الدوليين هي الأمم المتحدة، وبإرساء أسس نظام أوربي يدعم التنسيق والتعاون والتكتل في مختلف المجالات، وهو ما أثمر إحداث الاتحاد الأوربي الذي بات كأحد أهمّ وأقوى التكتلات الإقليمية في عالم اليوم.
 
 
وفي إفريقيا، سارعت الكثير من دول القارة التي عانت من المجاعات والانقلابات والحروب الأهلية إلى بناء نظم سياسية منفتحة وديمقراطية، سمحت بالقطع مع الكثير من الاختلالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.. فيما استطاعت الكثير من دول أوربا الشرقية التي ظلت لعقود حبيسة صراع إيديولوجي كلفها الكثير، إلى توظيف الارتباكات الناجمة عن سقوط الاتحاد السوفييتي ونهاية الحرب الباردة لصالحها، عبر اعتماد إصلاحات سياسية واقتصادية، أتاحت لها تبوؤ مكانة وازنة في النظام الدّولي الراهن..
 
 
ونفس الأمر يمكن أن يقال عن الكثير من الأقطار في أمريكا اللاتينية (البرازيل والمكسيك..) وفي شرق آسيا (كوريا الجنوبية، وإندونيسيا وسنغافورة..)، التي استفادت من الأزمات والإشكالات التي واجهتها على امتداد عدة عقود، لتستأثر بمواقع وازنة بين الأمم في الوقت الراهن اقتصاديا واستراتيجيا.
 
 
 منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي والمنطقة العربية، تعيش على إيقاع الأزمات المتتالية، بدءا بأزمة الخليج الثانية التي اندلعت في أعقاب دخول القوات العراقية إلى الكويت، وما تلاها من تدهور للعلاقات العربية البينية، وللنظام الإقليمي العربي برمّته، مرورا بالإشكالات والتحديات الكبرى التي رافقت “مفاوضات السلام” في الشرق الأوسط، والتي لم تفض إلى حل عادل ومستدام للقضية الفلسطينية، ودخول الأطراف الفلسطينية نفسها في صراعات دامية على السلطة.. وبالعقوبات التي فرضت على ليبيا في سياق ما يعرف ب”قضية لوكربي” وتفجر الأوضاع في الصومال، وفي السودان التي انتهت بانفصال الجنوب.. ودخول القوات الأمريكية إلى العراق عام 2003..
 
 
وجاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لتعقّد أوضاع المنطقة من جديد، مع التوجهات الأمريكية الملتبسة ل”مكافحة الإرهاب”، الذي تزايد انتشاره وتضاعفت مخاطره، وفي عام 2011، ستشهد الكثير من دول المنطقة احتجاجات شعبية عارمة، ضمن ما عرف بتحوّلات “الربيع العربي”، وهي المحطّة التي دخلت فيها الكثير من دول المنطقة كسوريا واليمن وليبيا.. في متاهات جديدة من الصراع والعنف تداخلت فيها عوامل داخلية بأخرى خارجية عدة، رغم بعض المكتسبات التي حققتها بعض الدول في هذا السياق، كما هو الشأن بالنسبة لتونس والمغرب والأردن..
 
 
وبمراجعة الوضع العربي الراهن بتناقضاته، وإشكالاته السّياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية المختلفة، تبدو على السطح خلاصة واضحة، مفادها أن الدول العربية لم تستفد من الأزمات المختلفة التي واجهتها على امتداد العقدين الأخيرين، ولم تتمكن من تحويلها إلى فرص واعدة تتيح لها استثمار المقومات الطبيعية والاستراتيجية والبشرية المتوافرة، أو مواجهة التهديدات والتحديات التي باتت أكثر خطورة، مع توجه بعض القوى الدولية والإقليمية إلى استغلال هذه الأوضاع وتعميقها أكثر عبر إعمال تدخلات وسياسات معادية لا تخفى آثارها وانعكاساتها السلبية على أمن واستقرار المنطقة..
 
 
  يشهد العالم تحوّلات ضخمة ومتسارعة، منذ نهاية الحرب الباردة، ما أفرز توازنات إقليمية وعالمية جديدة، بدا فيها العرب أكثر تضررا وأقل دينامية، رغم المقومات البشرية والجغرافية والاستراتيجية والبشرية المتاحة..
 
 
إن ما واجهته المنطقة العربية من معاناة وإشكالات متتابعة في العقدين الأخيرين، وما خلّفه ذلك من تداعيات داخلية وإقليمية، تشكّل في مضمونها دروسا وعبرا تستدعي الوقوف عندها، على طريق تحصين المستقبل، وبناء استراتيجية تكفل للمنطقة الاستفادة من إمكانياتها المختلفة والاستئثار بمكانتها اللائقة بين الأمم.
 
 
ويمكن القول إن تجاوز الأوضاع الصعبة التي باتت تعيشها المنطقة، تفرض الاستفادة من كل التجارب القاسية، عبر طي الخلافات البينية ونهج التوافق والحوار في تدبير النزاعات والأزمات، علاوة على بناء تحالفات جديدة تحقق مصالح المنطقة في أبعادها الاستراتيجية، مع تحصين الذات من خلال المراهنة على خيارات التنمية والممارسة الديمقراطية، وإصلاح ميثاق جامعة الدول العربية، كإطار للتعاون والتنسيق..
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-02-26 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره