مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2017-05-02

الأقطاب النووية الصاعدة ومستقبل السلام العالمي

ضمن مبادرة غير مسبوقة لا تخلو من خطورة وتحديات؛ تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من إجراء أول تجربة عسكرية ناجحة في صحراء نيفادا في شهر يوليو من عام 1945؛ أتاحت لها امتلاك سلاح استراتيجي هو السلاح النووي؛ قبل استخدامه ميدانيا - خلال نفس السنة - في تدمير مدينتي «ناكازاكي» و»هيروشيما» اليابانيتين لحسم مسار الحرب العالمية الثانية.
 
ومنذ ذلك الحين؛ سعت الكثير من الدول الكبرى كما هو الشأن بالنسبة لروسيا وإنجلترا وفرنسا والصين.. إلى امتلاك هذا السلاح المدمّر كخيار ردعي لضمان أمنها في محيط دولي سمته الصراع وتضارب المصالح.. حيث أجريت أكثر من خمسين تجربة نووية ما بين عامي 1945 و1951، فيما اقتصرت بعد الدول على الاستخدام السلمي لهذه الطاقة؛ كما هو الأمر بالنسبة لألمانيا والبرازيل واليابان..
 
وكسبيل لاحتواء ووقف انتشار هذا السلاح في مناطق مختلفة من العالم؛ وخصوصا بعد موجة استقلال الكثير من الدول؛ تمّ وضع معاهدة منع انتشار السلاح النووي وبدأ التوقيع عليها عام 1968؛ غير أن هذه الأخيرة لم تحل دون تزايد انتشار هذا السلاح في عدد من الدول الأخرى كالهند وباكستان وكوريا الشمالية وإسرائيل.. وهو ما خلف أجواء من الهلع والرعب.. مما حدا بالأمم المتحدة باعتبارها المسؤولة الرئيسية عن حفظ السلم والأمن الدوليين؛ إلى بذل جهود كبيرة للحد من انتشاره؛ والسعي لعدم الاستخدام الفعلي لهذا السلاح والاكتفاء عند امتلاكه باستخدامه كآلية للردع؛ مع الحثّ على استخدام الطاقة النووية في أغراض سلمية وتنموية.. حيث أصدرت عددا من التوصيات والقرارات في هذا الصدد، كما سعت إلى عقد العديد من اللقاءات وبلورة مجموعة من المعاهدات والمبادرات في هذا الشأن.
 
على الرغم من عدم استعماله منذ سنة 1945خلال الحرب العالمية الثانية؛ فإن مجرد امتلاك السلاح النووي يشكل في حد ذاته تهديدا حقيقيا للسلم والأمن الدوليين. وإذا كان هذا السلاح قد أسهم لعقود في إرساء نوع من التوازن الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق؛ من خلال امتلاك إمكانية الردع؛ فإن المتغيرات المتسارعة التي شهدها العالم في العقدين الأخيرين نتيجة تفكك الاتحاد السوفييتي؛ ساعدت مجموعة من الدول من ولوج الفضاء النووي بأشكال وسبل مختلفة..
 
حرصت الدول الكبرى المالكة لهذا السلاح على إغلاق أبواب الدخول إلى النادي النووي العسكري في وجه باقي الدول، وطوقته بمجموعة من الإجراءات والتدابير.. وقد كان للاختراق الهندي عام 1998 لهذا المجال الأثر الكبير في تكريس طريقة جديدة للدخول إلى هذا النادي؛ تنبني على الاختراق والتحايل وفرض الأمر الواقع قبل أن تتبعها كل من باكستان في سياق صراعها الهادئ مع الهند عام 1998، وكوريا الشمالية في سنة 2006 لتصبح البلد النووي التاسع في العالم؛ وهو ما يعد مؤشرا قويا على فشل النظام الدولي المرتبط بالحد من انتشار الأسلحة النووية.
 
إن سعي الدول إلى امتلاك هذا السلاح الاستراتيجي؛ أملته اعتبارات شتّى، تختلف من حيث خلفياتها وأبعادها، ففي الوقت الذي ترى فيه دول مدخلا لتأمين مصالحها في مواجهة تهديدات مختلفة؛ تعتبره دول أخرى مقوما رئيسيا للعب أدوار كبرى على الصعيد الإقليمي والدولي، فيما تنحو دول إلى هذا الاتجاه بدافع الهيمنة وبسط النفوذ.. كما هو الشأن بالنسبة لإسرائيل..
 
فالهند وباكستان تمكّنتا من الحصول هذا السلاح في ظل صراع تاريخي بينهما؛ وحرصهما على امتلاك مقومات الردع في مواجهة بعضهما البعض.. أما كوريا الشمالية بنظامها السياسي والاقتصادي المنغلق؛ وبرغم الضغوطات التي ما فتئت الولايات المتحدة تفرضها عليها في هذا الصدد؛ تمكنت بدورها من دخول النادي النووي بقوة في بداية القرن العشرين.
 
يبدو أن الكثير من القوى الدولية الصاعدة أصبحت مقتنعة بنجاعة وأهمية توخّي سبل السرية وفرض الأمر الواقع في تحقيق الاختراق النووي، وهو الأمر الذي تترجمه التوجهات الإيرانية الحالية..
 
حقيقة أن مراكمة سوابق دولية في هذا الشأن مع تنامي الصراعات الإقليمية؛ سيفتح باب سباق جديد وخطير للتسلح؛ بما يشكّل عنصر تهديد حقيقي للسلم والأمن على المستويين الإقليمي والدولي؛ وبخاصة عندما يتعلق الأمر بنظم سياسية وعسكرية “شمولية” ومنغلقة وهشة يمكن أن تتورط في قرارات غير محسوبة قد تزج بالعالم في حروب نووية مكلفة.. غير أن الوقف الحقيقي لانتشار هذا السلاح الفتاك؛ ينبغي أن يبدأ بتخلي جميع الدول؛ بما فيها الكبرى عن ترسانتها في هذا الخصوص؛ وبمراجعة الضوابط والمعاهدات الدولية ذات الصلة بصورة تدعم تحويل هذه الطاقة نحو الاستخدامات السلمية الداعمة للتنمية والرفاه الإنسانيين؛ والقطع مع المقاربات الانتقائية التي تتيح امتلاك هذه السلاح من قبل دول بعينها..
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره