مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2016-08-01

الإدارة بالأزمات.. السياق والمخاطر

ثمّة فرق شاسع بين إدارة الأزفمات كمفهوم يحيل إلى مجمل التدابير الرامية إلى السيطرة على الأحداث وعدم السماح لها بالخروج عن نطاق التحكم، والحد من تفاقم الصراعات والمشاكل السياسية والاقتصادية والعسكرية..من جهة؛ وبين الإدارة بالأزمات التي تتّصل بخدمة أهداف ضيقة؛ أو التمويه على الأزمات الحقيقية عبر سبل ملتوية ولا أخلاقية.. قد تصل إلى حدّ تفتيت الدول وإطلاق الإشاعات وإثارة النّعرات العرقية والطائفية والتحريض على العنف وإرباك التحالفات والمواثيق والمعاهدات الدولية..
 
وكما هو الأمر بالنسبة لتقنية إدارة الأزمات التي تتطلب وجود مقومات بشرية وتقنية واقتصادية وعسكرية تدعم التحكم في مسار المشكلات وتحول دون تمدّدها؛ فإن الإدارة بالأزمة أصبحت تستند بدورها إلى مقومات عدّة تدعمها مخرجات مراكز الأبحاث الاستراتيجية؛ وكذا الآلة الإعلامية من حيث توجيه وتعبئة الرأي العام..
 
لجأت الكثير من الأنظمة الشمولية إلى توظيف تقنية الإدارة بالأزمات في إخفاء العديد من إخفاقاتها؛ وتبرير سياساتها التعسفية والتوسعية؛ كما هو الشأن بالنسبة للنازية التي حاولت التغطية على جرائمها باختلاق أزمات وهمية وصورية.. كما انتعشت تقنية الإدارة بالأزمة في ظل اشتداد الحرب الباردة؛ بعدما اختلقت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي (سابقا) العديد من الأزمات كسبيل لتحقيق أهداف خاصة..
 
وتشير الكثير من التدخلات التي باشرتها الولايات المتحدة ما بعد الحرب الباردة؛ بذرائع مختلفة تراوحت بين "دعم الديمقراطية" و"فرض احترام حقوق الإنسان" أو "مكافحة الإرهاب" و"الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل".. أن هذه الدولة توظف هذه الإمكانية لتصفية حساباتها مع خصومها؛ وتحقيق مصالحها الضيّقة..
 
كما تؤكد الممارسة أن إسرائيل استطاعت بمكرها في كثير من المناسبات أن تحوّل اهتمام الرأي العام الدولي بأزمات حقيقية متصلة بتهويد القدس ومحو معالمه الإسلامية أو ببناء المستوطنات وإقامة الجدران العازلة أو قصف الأراضي المحتلة واعتقال وإبعاد الفلسطينيين عن أراضيهم.. نحو أزمات مصطنعة ومبتذلة ولا قيمة لها من المنظور الاستراتيجي.. 
 
كلما تعقدّت الأزمات واشتدّ حرج بعض صانعي القرار أمام الرأي العام؛ زادت إمكانية افتعال أزمات وهمية لتصريف نظيرتها الحقيقية.. ففي بداية الثمانينيات من القرن المنصرم؛ وجدت رئيسة الوزراء البريطانية "مارغريت تاتشر" نفسها أمام وضعية صعبة؛ من حيث انتشار الكساد بالبلاد وتنامي المعضلات الاجتماعية على مستوى ارتفاع نسبة البطالة.. مما أثر بالسلب في شعبيتها؛ وفي هذه الظرفية خاضت بريطانيا حربا لاستعادة "جزر الفوكلاند"؛ وهو ما سمح فيما بعد؛ بانتعاش الأوضاع الاقتصادية وبإعادة انتخابها (تاتشر) في عام 1983..
 
وعندما اشتد الخناق على الرئيس الأمريكي السابق "بيل كلينتون" محليا ودوليا في أواخر التسعينيات من القرن المنصرم؛ بسبب الفضيحة الأخلاقية المعروفة ب"مونيكا لوينسكي"؛ قام بقصف العراق في أواخر عام 1998 كسبيل للتمويه وتصريف الأزمة..
 
وكشف التقرير الذي أعدته لجنة مستقلة في بريطانيا برئاسة نائب وزير الداخلية السابق "جون تشيلكوت" والذي نشر يوم 6 يوليو/تموز 2016، أن غزو العراق في عام 2003 لم يكن مبررا، رغم الذرائع التي رفعتها بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية حينئذ في علاقة ذلك ب"الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل" و"مكافحة الإرهاب".. 
 
وفي المنطقة العربية؛ ظل النظام السوري لعقود طويلة يصدّر أزماته خارج الحدود كسبيل لتكريس الهيمنة والاستبداد؛ ولم يتردد بعد اندلاع "الحراك العربي" في توجيه أسلحته الفتاكة نحو الشعب السوري..
 
لا تخلو تقنية الإدارة بالأزمات على الصعيد العالمي من استهتار بالمواثيق والقوانين الدولية ومن خطورة وكلفة على عدة مستويات..؛ فهي تقوم في مجملها على الإشاعة واختلاق أزمات وهمية؛ وتوفير المناخ اللازم لتصاعدها وتمدّدها وللقبول بها كواقع؛ لأجل الهيمنة والابتزاز وتحقيق الغايات والمكاسب الخاصة بسبل ملتوية ومنحرفة..
 
إن أزمة القانون الدولي من حيث غموض العديد من مقتضياته وعدم مواكبته للتحولات الدولية المتسارعة؛ إضافة إلى أزمة المصداقية التي تعاني منها اليوم منظمة الأمم المتحدة؛ كلها عوامل تدعم اللجوء إلى هذه السبل الملتوية التي لا تخلو من تأثيرات سلبية ومخاطر على السلم والأمن الدوليين..".


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره