مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2022-01-02

الإمارات بين الولايات المتحدة والصين

إن التوتر الدائر بين الولايات المتحدة والصين منذ فترة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب يُلقي بضلاله على العديد من دول العالم بما في ذلك دولة الإمارات العربية المتحدة. فدولة الإمارات تقيم علاقات متميزة بين الطرفين، فهي على علاقة استراتيجية مع الولايات المتحدة قوامها التعاون الأمني من أجل ضمان سلامة وأمن المنطقة من التهديدات التي يمكن أن تُثير القلاقل للمصالح القائمة فيها، وهي كذلك على علاقة استراتيجية مع الصين قوامها التعاون الاقتصادي من أجل الدفع نحو تنويع الاقتصاد الإماراتي وبناء شراكات اقتصادية مع دولة محورية بحجم الصين. فهذه الشراكات الاستراتيجية الأمنية مع الولايات المتحدة، والاقتصادية مع الصين تعتبر جزءاً مهماً في استراتيجية دولة الإمارات الساعية إلى تعزيز البيئة الأمنية والاقتصادية للدولة من أجل تحقيق التقدم والازدهار لبرامج التنمية التي تصبو لها دولة الإمارات وتسعى إلى تحقيقها في مشروعها التنموي الرائد في المنطقة،  ومن أجل بناء شراكات سياسية مثمرة مع الدول الفاعلة في النظام الدولي.
 
إلا أن دخول البلدين الكبيرين - الولايات المتحدة والصين - في حالة توتر في علاقتهما مع بعضهما البعض قد يخلق في بعض الأحيان حالة من الضغط غير المرغوب على دولة الإمارات كي تتخذ مواقف مؤيدة لطرف ضد طرف آخر. وهذا ما حدث مع الولايات المتحدة بالذات والتي على ما يبدو بأنها لا يعجبها توجه الدول الشريكة معها إلى إقامة علاقات قوية ومتينة مع الصين التي تعتبرها واشنطن المنافس الأبرز لقوتها ونفوذها ومكانتها العالمية. ربما للولايات المتحدة الحق في أن تفكر كيفما شاءت ولكن أيضا للدول الأخرى الحق في تنويع علاقاتها وشراكاتها الدولية من منظور ما يحقق مصلحتها الوطنية. والصين دولة ناهضة بشكل لا يستطيع أحد أن يتجاهل نهوضها سواء كان ذلك النهوض مخيف للبعض كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة أو أنه فرصة للآخرين والاستفادة منه كما هو الحال مع الجزء الأعظم من دول العالم بما في ذلك دولة الإمارات. فالصين الدولة التجارية الأولى في العالم وثاني أكبر اقتصاد عالمي، ودولة الإمارات تستثمر بشكل كبير في موقعها الجغرافي وما تمتلكه من مقومات لوجستية في أن تكون مركز تجاري يربط الصين بالعالم وخاصة بمنطقة الشرق الأوسط. ولقد نجحت في ذلك بالفعل. لذلك لا يمكن لدولة الإمارات أن تُضحي بهذه المكانة الاقتصادية الكبيرة في سبيل إرضاء هواجس أمريكية لن تأتي بالمنفعة الكبيرة على دولة الإمارات. 
 
نعم، تُقدر دولة الإمارات العربية المتحدة شراكتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة لكنها لا تود أن تكون طرفاً في معادلة التوتر الحالي والصراع المستقبلي بين قوتين كبيرتين على الساحة الدولية وذو علاقة متطورة مع دولة الإمارات. فدولة الإمارات انتهجت استراتيجية الحيطة في التعامل مع الدول الفاعلة في النظام الدولي بشكل عام والنظام الإقليمي بشكل خاص عبر الانفتاح على الجميع وبناء شراكات وعلاقات ذو منفعة مشتركة تبعد الدولة عن الدخول في متاهات الخلافات والصراعات. لذلك فعندما تأتي واشنطن وتضغط على بعض الدول باتخاذ مواقف داعمة لها ومناوئة لأطراف أخرى مؤثرة، فإن مثل هذه الدول لها الحق في حماية نفسها من الدخول في هكذا مواقف برفض قبول هكذا توجه، وخاصة إذا لم تقدم واشنطن البديل المناسب الذي يعوض مثل هذه الدول عن ما ستخسره من جراء اتخاذها مواقف داعمة لواشنطن. هذه المشكلة الكبيرة الموجودة في واشنطن وهي أنها تحاول الضغط على الدول لاتخاذ مواقف مؤيدة لها من دون أن تقدم بدائل لمثل هذه الدول تشجعها على الأخذ بالموقف الأمريكي ويعوضها خسارة الابتعاد عن خصم الولايات المتحدة كما هو الحال مع الصين. كل دول العالم تستشعر هذه المشكلة الأمريكية، لذلك فإن الكثيرين منهم لا يساريون الولايات المتحدة.  
 
الولايات المتحدة ترفع راية تخويف العالم من الصين وما تفعله، ولكنها لا تمنح الدول بدائل هي بحاجة لها تجعلها تقول نعم لواشنطن ولا لبكين. هذا الموقف الأمريكي لا يمكن ان يحصل على دعم دول العالم لاسيما تلك التي لا ترى في التوجه مع الصين تهديداً لها وإنما تراه منفعة ومصلحة مطلوبة. تماماً كما هو الحال مع دولة الإمارات العربية المتحدة التي بنت علاقات طيبة مع الصين قوامها المنفعة المشتركة، فلا يمكن للإمارات أن تنهي استثمارها الناجح لإرضاء رغبات الولايات المتحدة الأمريكية، وخاصة في الوقت الذي نرى فيه تراجع للدور الأمريكي عن أخذ زمام المبادرة لحماية أمن واستقرار المنطقة ودعم دول المنطقة على الثبات بقوة وحزم في مواجهة التهديدات المؤثرة على أمنها واستقرارها.        
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره