مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2021-04-04

الجهل والجبهات المفتوحة

المتتبع للأحداث الدولية وتفاصيلها ومجرياتها وتداعياتها يدرك تماما ان هناك الكثير من الجبهات المفتوحة التي تسعى معظم الدول الى سدها والتقليل من آثارها الآنية- وتلك الأكثر خطورة- الآثار المتجذرة والتي تمتد الى فترة زمنية طويلة قد تحدث ما لا يمكن إصلاحه! او قد تستدعي فترة زمنية لا يقل مداها عن المدى الزمني الذي ظلت فيه الجبهات مفتوحة أو الآثار موجودة!
 
 مصطلح “ الجبهات “ قد يذكرنا للوهلة الأولى من قراءته بالجبهات العسكرية أو ما يعرف بجبهات القتال وهي الساحات أو الحدود التي تشهد صراعا ونزاعا مسلحا بين جبهتين أو أكثر للحصول على حق أو انتزاع حق الغير! هذا المفهوم حاليا تغير وتنوع من حيث الاستخدام وكذلك المعنى خصوصا في مجال السياسات الدولية وذلك بسبب التحولات الجيوسياسية المتسارعة وحجم الصراعات العسكرية والسيبرانية المنتشرة مما دفع العديد من الدول الى البحث عن ديناميكيات جديدة لمجاراة كل تلك التحولات. وهذا يعني ان مصطلح “الجبهات المفتوحة “ ومدلولها قد توسع ليشمل الوسائل الغير عسكرية التي تمهد للغزو العسكري أو السياسي من خلال وسائل فكرية “ناعمة” تستخدم الشبكة العنكبوتية لبث المضامين المدروسة التي يتعرض لها الجميع بمحض اراداتهم ويتأثر بها بالطريقة التي تجعل الأهداف من هذه المضامين متحققة!
 
 ولعل المنصات الرقمية واعتمادنا عليها وتواجدنا في المجتمعات الافتراضية –زمنيا-  والذي يفوق الزمن الذي نتواجد فيه في الواقع، سارع في تحقيق أهداف القائمين على تلك الجبهة وعلى رأسها نشر الجهل للتمكن من السيطرة على العقول وقيادتها بطريقة خبيثة نحو أهداف أخرى تسهم في اضعاف المجتمعات من خلال أفرادها (الجهلة)! فيكفي ان نعرف ان استخدامنا واستفادتنا من كل تلك المنصات يتوقف على بياناتنا الشخصية وكشف خصوصياتنا، حتى ندرك ان اتجاهاتنا وطرق تفكيرنا وتفضيلاتنا وتفاصيل حياتنا مكشوفة لمن يريد ان يعرفها ويدرسها جيدا حتى يستهدفنا من خلالها!
 
بمعنى آخر، الهيمنة الفكرية والثقافية لأي دولة تتحقق من خلال تمكّنها من عقول الأفراد وحشوها بأفكار تخدمها وتسهل من غزوها الفكري! فكلما زاد تعلقنا بقشور “ التقدم التكنولوجي” زاد معه جهلنا، وكلما كان الغرض الوحيد من استخدام المنصات الرقمية هو الترفيه سهلنا المهمة على أعداءنا! هي ليست “ نظرية المؤامرة” كما يحلو للبعض ان يفسر الطرح الواقعي المبني على قراءات واستنتاجات تحتاج –فقط- النظر بتمعن لمجريات الأحداث وطبيعة البشر في محيط أصبحت كل اهتماماته ظاهرية وسطحية! فكم من مفهوم تغير معناه، وكم من أخلاق – ُعرفنا بها- أختفت! وكم من جاهل أصبح قائد رأي بفضل شبكات التواصل الاجتماعي!
 
خلاصة القول، أعداءنا الظاهرين معروفين، لكن عدونا اللدود “خفي” لا يراه الا من تسلح بالمعرفة، بالوطنية الحقيقة التي تدفعه الى مشاركة حكوماته في جهودها نحو الوقوف بكل قوة وحزم أمام هذه الجبهات المفتوحة والتغلب عليها، فالمجتمعات القوية المتماسكة تعول كثيرا على أصحاب العقول النيرة القارئة المتعمقة في الأحداث والمدركة لخطورتها على أنفسها وأوطانها والملتزمة بمسؤولياتها! عدونا الحقيقي هو “ الجهل “ الذي أصبح واضحا في أحاديث ومواقف بعض أبناء هذا الجيل.. نسأل الله السلامة!
 
السطر الأخير ...
عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 
((إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يُبْقِ عالمًا اتَّخذ الناس رؤوسًا جهالاً، فسُئِلوا فأفتوا بغير علم؛ فضلوا وأضلوا))؛ متفق عليه.
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-02-26 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره