مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2017-07-10

الحذر من إطلاق المارد

في عام 2015 نشرت لي دراسة علمية في مجلة Digest of the Middle East Studies الأمريكية - وهي مجلة تعنى بشؤون الشرق الأوسط – بعنوان “التهديدات الرئيسية لدول مجلس التعاون في فترة ما بعد الربيع العربي”. وفيها حددت تهديدين رئيسيين لدول مجلس التعاون الخليجي وفقاً لمفهوم الأمن في العلاقات الدولية. وقد تم تأطير هذه التهديدات في إطار فكري باعتبارها تهديدات وجودية للقيم التي تقوم وتعتمد عليها دول مجلس التعاون الخليجي.
 
وهذه التهديدات تتمثل في الفكر السياسي الإسلامي (بشقيه السني الجهادي والشيعي الإيراني) والفكر الليبرالي. قد يكون تهديد الفكر الليبرالي قد تراجع نوعاً ما بعد فشل الربيع العربي في تحقيق أهدافه، إلا أنه مازال موجوداً باعتباره مهدداً فكرياً قد يبرز من جديد في أي لحظة. إلا أن تهديد الفكر السياسي الإسلامي بشقيه السني الجهادي والطائفي الإيراني أصبح هو الأكثر بروزاً ووضوحاً في المنطقة. وهو ما ينذر بخطر جسيم يتهدد دول المنطقة بقيمها الحاضرة ولاسيما مع عدم إدراك بعض الأطراف الخليجية   ولاسيما دولة قطر لعظمة التهديد القادم من مثل هذا الفكر، حيث نجدها وللأسف تحاول أن تستغله لتحقيق أهداف تكتيكية آنية من دون أن تقرأ بدقة خطورة هذا الأمر الاستراتيجية على المنطقة بأسرها ومن دون تميز.
 
 
علماء الأمن الدولي في علم السياسة يؤكدون أن مفهوم الأمن مرتبط بالتهديدات للقيم التي تعتمد عليها الدولة باعتبارها محدد أساسي لماهيتها، وهذا يشمل النظام السياسي والنظام الاجتماعي والثقافي للدولة. غياب التهديد لمثل هذه القيم، التي تمثل مرتكز أساسي لبقاء الدولة واستمرارها، يعتبر أمر إيجابي ويصب في صالح أمن الدولة. في حين أن وجود مثل هذه التهديدات لتلك القيم يعني أن الدولة تعاني خللاً في منظومة أمنها الوطني مما يعرضها إلى خطر التدهور وزوال ماهيتها التقليدية.
 
 
وبتطبيق هذا الأمر على الحالة الخليجية فإن الملاحظ أن دول الخليج العربي الأعضاء في منظومة مجلس التعاون الخليجي تتشارك في ذات القيم السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية. فجميعها دول محافظة اجتماعياً، ووراثية سياسياً، ومنتجة لذات المنتج اقتصادياً. لذلك فأي تهديد لتلك القيم في أية دولة خليجية سيكون بمثابة تهديد لذات القيم في الدول الخليجية الأخرى. مما سيجعل تلك الدول في حالة من الارتباك في التعامل معها. وليس أكثر خطراً على دول منظومة المجلس من وجود تهديد للقيمة السياسية الحاكمة في المنطقة باعتبارها القيمة الضامنة لأمن واستقرار دول المنطقة والكفيلة لبقاء العقد الاجتماعي القائم في المنطقة بين الحاكم والمحكوم منذ فترة طويلة من الزمن. فالإخلال بهذه القيمة إخلال بأمن واستقرار الدول الخليجية.
 
 
اليوم تواجه المنطقة خطراً واضحاً من حركات الجهاد الإسلامية السنية من أمثال القاعدة وداعش والاخوان المسلمون وكذلك من المشروع الطائفي الشيعي الإيراني. كلاهما يحمل ذات الأجندة والساعية إلى قلب النظام القائم في المنطقة وإنشاء نظام جديد يعتمد على الفكر الذي تعتمد عليه تلك الأطراف. فالحركات الجهادية الإسلامية السنية جميعها يدعو إلى إقامة الخلافة الإسلامية أو الدولة الإسلامية الكبرى أي توحيد الدول الإسلامية جميعها تحت راية إسلامية واحدة تحمل الشعارات التي تؤمن بها تلك الحركات الجهادية. وبالتالي لا مكان للدولة الوطنية كالسعودية أو الإمارات أو عمان أو قطر أو الكويت أو البحرين في مثل هذه المعادلة، فجميعها سيكون مجرد إمارات تابعة لدولة واحدة هي الدولة الإسلامية بقيادة مثل تلك الجماعات وأفكارها الشيفونية المتشددة. وذات الأمر يمكن أن يقال عن المشروع الطائفي الشيعي الإيراني الساعي إلى تحقيق ذات المبدأ الذي تسعى له الحركات الجهادية السنية ولكن بتقوية الشيعة ضد السنة وإقامة تحالف دولي شيعي ضد الدول السنية. وفي ذلك تفكيك لوحدة الدولة الوطنية في المنطقة.
 
 
لذلك فمن يفكر من الدول الخليجية أو غيرها من الدول الإسلامية بدعم مثل تلك الجماعات من أجل تحقيق بعض المكاسب التكتيكية هنا أو هناك هو أمر غاية في الخطورة، لأن في ذلك تعزيز وتقوية لمثل تلك المشاريع التي لا تصب في صالح المشروع الوطني في الدول الوطنية القائمة حالياً في المنطقة. فليحذر الجميع ولاسيما في الدول الخليجية التي تُعتبر بمعيار السياسة الدولية دول صغيرة لا تستطيع أن تواجه الأخطار الوجودية بشكل منفرد. فمتى ما نُزع القيد من يد المارد بأي حجة ما كانت، لن يكون بمقدور مثل هذه الدول تقيده من جديد، فلا قطر ولا غير قطر سيكون بمأمن من شرها.  
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره