مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2019-04-01

الخطوط الحمر في العلاقات الدولية

إن منظومة العلاقات الدولية تقوم على أسس ومبادئ تنظم علاقة الدول بعضها ببعض، وتمثل هذه الأسس والمبادئ خطوط حمر من المفترض ألا يتم تجاوزها من الأطراف الدولية. ولعل أهم أساس في العلاقات الدولية هو المصلحة الوطنية التي تجسد أمن واستقرار الدول. 
 
وجميع الدول في النظام الدولي لديها مصالح وطنية تُعتبر محورية لبقائها ككيانات سياسية، والإضرار بها يُعدُ خرقاً خطيراً من شأنه أن يؤدي إلى عواقب وخيمة لا تضر بدولة معينة وحسب بل يتضرر منها النطاق الإقليمي والدولي.
 
لذلك فإن الدول تحاول دائماً فهم المصلحة الوطنية للدول الأخرى والعمل على عدم تجاوزها. والنظام الدولي الذي نعيشه اليوم من المفترض أن يكون قائماً على مبدأ سلام ويستفاليا 1648، وهو السلام الذي أطرت لها معاهدة ويستفاليا التي وقعت في ذلك العام لتُقيمَ مفهوماً جديداً في العلاقات الدولية قوامه الدولة الوطنية وضرورة احترامها ككيان سياسي مستقل ذو سيادة على أرضه وشعبه. فهذا النظام أقام ما يمكن اعتباره خطوط حمر في العلاقات بين الدول أساسها احترام الدولة الوطنية وسيادتها على أرضها وشعبها. فالعيش بسلام وأمن واستقرار يتطلب الالتزام بهذه الخطوط الحمر.
 
إلا أن الحالة العالمية التي نعيشها اليوم والتي خلقت حالة من الفلتان الأمني في العديد من مناطق العالم إنما سببها الرئيس هو تجاوز الدول لتلك الخطوط الحمر وإعطاء نفسها الأحقية للتحرك خارج نطاقها الجغرافي. لقد فهم العالم ذلك في فترة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، حيث أعطتا تلك القوتين نفسهُما الحق في التدخل في شؤون الدول الأخرى وخلق خطوط حمر جديدة تتجاوز الخطوط الحمر التي خلقتها معاهدة ويستفاليا. لذلك انقسم العالم بشكل كبير إلى معسكرين، غربي بقيادة الولايات المتحدة وشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي. ودخل العالم في عهد منظومة خطوط حمر جديدة تؤطر إلى إنشاء مناطق نفوذ لكل قوى من القوتين الرئيسيتين في العالم. 
 
لكن الوضع لم يتوقف عند ذلك الحد بل أنه ومع سقوط الاتحاد السوفيتي برز نظام دولي جديد خرجت من خلاله قوى جديدة رئيسية وأخرى فرعية، وجميعها تسعى إلى خلق خطوط حمر جديدة لنفسها تتجاوز الخطوط الحمر التي خلقها سلام ويستفاليا والخطوط الحمر التي خلقتها الحرب الباردة. فعلى سبيل المثال نجد في الحالة الشرق أوسطيه بروز إيران كلاعب إقليمي يعمل على خلق خطوط حمر له بالتدخل في شؤون الدول الأخرى مثل لبنان وسوريا والعراق واليمن وغيرها من الدول متجاوزاً مبدأ احترام سيادة الدولة. علماً بأن مثل هذه الدول لم تكن جميعها تحت دائرة مناطق النفوذ الإيرانية. 
 
كانت علاقة العرب مع إيران في فترة الشاه أكثر استقراراً لأن إيران في تلك الفترة كانت مهتمة بمناطق نفوذها والتي كانت ترتبط بشكل أوسع في حدودها الشمالية والشرقية فيما كانت تتشارك النفوذ في بحر الخليج العربي مع الدول العربية المطلة على الخليج. وكانت هذه المعادلة محترمة من كافة الأطراف. إلا أن مجيء الإسلاميين وتوسعهم ببرنامجهم الإسلامي السياسي عمد إلى تجاوز مناطق النفوذ وخطوط الحمر التقليدية تلك من أجل خلق مناطق نفوذ وخطوط حمر جديدة في المنطقة. فالتدخل في لبنان وسوريا ومن ثم العراق واليوم في اليمن هو تجاوز واضح وصارخ للخطوط الحمر التي كانت قائمة في علاقة العرب مع إيران. لذلك فمن المنطقي جداً أن نجد ردة فعل القوى العربية غاضبة ورافضة لذلك التجاوز الإيراني. فالدول العربية لم تتجاوز الخطوط الحمر مع إيران إلا في الحالة العراقية عندما قامت الحرب بين البلدين، غير ذلك ظلت الدول العربية ملتزمة بمبدأ مناطق النفوذ واحترام الخطوط الحمر. إلا أن إيران تجاوزت ذلك وسعت لفرض نفوذها على العراق وسوريا ولبنان واليمن. وحدث ما حدث من حالة فلتان أمني صارخ في المنطقة.
 
لذلك نقول بأن عودة الخطوط الحمر مطلب أساسي وضروري لتحقيق الأمن العالمي. ولا يمكن ان يتحقق ذلك في ظل غياب سلام جديد يؤطر لمثل هذه الخطوط بشكل جديد يتماشى مع الوضع العالمي الراهن. وحتى لو أخفق العالم في تحقيق ذلك فإن مثل هذه المعادلة يمكن أن تتحقق في الإطار الإقليمي من خلال قيام دول إقليم معين بوضع خطوط حمر ومنظومة سلام جديدة تساهم في تحقيق الأمن والاستقرار في منطقتهم. 
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره