مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2022-09-04

الخطوط‭ ‬الحمر‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية

لا‭ ‬نبالغ‭ ‬إذا‭ ‬قلنا‭ ‬بأن‭ ‬الإشكاليات‭ ‬التي‭ ‬تضرب‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭ ‬هي‭ ‬إشكاليات‭ ‬مرتبطة‭ ‬بغياب‭ ‬خطوط‭ ‬الحمر‭ ‬المنظمة‭ ‬لعلاقة‭ ‬الدول‭ ‬ببعضها‭ ‬البعض‭. ‬فالحرب‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬والتوترات‭ ‬الأمريكية‭-‬الصينية،‭ ‬والأزمات‭ ‬الجارية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬كلها‭ ‬نتاج‭ ‬تداعيات‭ ‬غياب‭ ‬الإلتزام‭ ‬بالخطوط‭ ‬الحمر‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬تنظم‭ ‬علاقات‭ ‬الدول‭.‬
 
 
الخطوط‭ ‬الحمر‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬نوعان،‭ ‬نوع‭ ‬عالمي‭ ‬تفرضه‭ ‬المنظمات‭ ‬والمواثيق‭ ‬الدولية‭ ‬والتي‭ ‬توقعه‭ ‬وتصادق‭ ‬عليه‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬المواثيق‭ ‬هي‭ ‬التزامات‭ ‬دولية‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الالتزام‭ ‬بها‭. ‬فهذه‭ ‬القوانين‭ ‬تضع‭ ‬الخطوط‭ ‬الحمر‭ ‬في‭ ‬تعاملات‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭ ‬والتي‭ ‬يفرض‭ ‬عليها‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬العمل‭ ‬بالالتزام‭ ‬بها،‭ ‬وعدم‭ ‬مخالفتها‭. ‬أما‭ ‬النوع‭ ‬الثاني‭ ‬فهي‭ ‬الخطوط‭ ‬الحمر‭ ‬التي‭ ‬تنتج‭ ‬عن‭ ‬علاقات‭ ‬ثنائية‭ ‬أو‭ ‬مشتركة‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬ببعضها‭ ‬البعض،‭ ‬والتي‭ ‬تدخل‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الترتيبات‭ ‬المنظمة‭ ‬لعلاقتها،‭ ‬وتضع‭ ‬خطوطاً‭ ‬حمر‭ ‬تلتزم‭ ‬بها‭ ‬الدول‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬تؤدي‭ ‬تجاوزها‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬مواجهة‭ ‬عسكرية،‭ ‬اقتصادية،‭ ‬أو‭ ‬سياسية‭ ‬مهددة‭ ‬لأمن‭ ‬واستقرار‭ ‬الأطراف‭. ‬وهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الخطوط‭ ‬الحمر‭ ‬هو‭ ‬المطلوب‭ ‬في‭ ‬وقتنا‭ ‬الراهن‭ ‬ولاسيما‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬والدول‭ ‬المحورية‭ ‬في‭ ‬الأنظمة‭ ‬الإقليمية‭ ‬المختلفة،‭ ‬لماذا؟
 
 
لقد‭ ‬مر‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬بحالة‭ ‬من‭ ‬الاستقرار‭ ‬العالمي‭ ‬نوعاً‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬بسبب‭ ‬وجود‭ ‬خطوط‭ ‬حمر‭ ‬قائمة‭ ‬بين‭ ‬القوتين‭ ‬العظميتين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬هذه‭ ‬الخطوط‭ ‬الحمر‭ ‬ساعدت‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تُبقي‭ ‬الطرفين‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬منافسة،‭ ‬ولكن‭ ‬مُسيطر‭ ‬عليها‭. ‬فكل‭ ‬طرف‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬يتعدى‭ ‬تلك‭ ‬الخطوط‭ ‬الحمر‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬تنجرف‭ ‬الأمور‭ ‬إلى‭ ‬خارج‭ ‬السيطرة‭. ‬فالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬ظلاً‭ ‬رغم‭ ‬تنافسهم‭ ‬القوي‭ ‬على‭ ‬اتصال‭ ‬مباشر‭ ‬وبشكل‭ ‬دائم‭ ‬لضبط‭ ‬تلك‭ ‬المنافسة‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تخرج‭ ‬عن‭ ‬دائرة‭ ‬السيطرة‭. ‬وبعد‭ ‬سقوط‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي،‭ ‬انهت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الخطوط‭ ‬الحمر‭ ‬القائمة‭ ‬واعتبرت‭ ‬بأن‭ ‬انتصارها‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬خول‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تفعل‭ ‬ما‭ ‬تشاء،‭ ‬وتضع‭ ‬هي‭ ‬لنفسها‭ ‬خطوط‭ ‬حمر‭ ‬ترتبط‭ ‬بما‭ ‬تراه‭ ‬هي‭ ‬الأنسب‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إشراك‭ ‬الآخرين،‭ ‬وهنا‭ ‬دخلت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬الإشكاليات‭ ‬غير‭ ‬المنضبطة‭ ‬في‭ ‬حروب‭ ‬وأزمات،‭ ‬أدت‭ ‬بالدول‭ ‬الكبرى،‭ ‬أو‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬نفسها‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬دول‭ ‬كبرى،‭ ‬مثل‭ ‬روسيا،‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬المتطلعة‭ ‬لدور‭ ‬قيادي‭ ‬عالمي‭ ‬مثل‭ ‬الصين‭ ‬أن‭ ‬ترفض‭ ‬التوجه‭ ‬الأمريكي‭ ‬غير‭ ‬المنضبط‭ ‬بخطوط‭ ‬حمر‭ ‬تحترم‭ ‬مصالح‭ ‬وقيم‭ ‬الآخرين‭. ‬‭ ‬
 
 
فالمخرج‭ ‬الوحيد‭ ‬لحالة‭ ‬الفلتان‭ ‬الأمني‭ ‬الحادثة‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬والأنظمة‭ ‬الإقليمية‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬علاقات‭ ‬جديدة‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬والمحورية‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬خطوط‭ ‬حمر‭ ‬جديدة‭ ‬منظمة‭ ‬للعلاقات‭ ‬فيما‭ ‬بينها‭. ‬فروسيا‭ ‬والصين‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لها‭ ‬مصالحها‭ ‬التي‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬ترعاها‭ ‬وتحافظ‭ ‬عليها‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تقبل‭ ‬بمواجهة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لها‭ ‬بحجة‭ ‬أنها‭ ‬خارج‭ ‬إطار‭ ‬الخطوط‭ ‬الحمر‭ ‬الأمريكية‭. ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬لها‭ ‬خطوط‭ ‬حمر‭ ‬خاصة‭ ‬بها،‭ ‬ولو‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬اتجه‭ ‬إلى‭ ‬خلق‭ ‬ترتيبات‭ ‬ثنائية‭ ‬ومشتركة‭ ‬إقليمية‭ ‬ودولية‭ ‬معينة‭ ‬بين‭ ‬الخصوم‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬وضع‭ ‬الخطوط‭ ‬الحمر‭ ‬كأساس‭ ‬لتنظيم‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭ ‬البعض‭ ‬لأصبح‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬أكثر‭ ‬أمناً‭ ‬واستقرار،‭ ‬ولأصبح‭ ‬لدينا‭ ‬عدد‭ ‬محدود‭ ‬من‭ ‬الخلافات‭ ‬الإقليمية‭. ‬
 
 
ولكن‭ ‬كيف‭ ‬تُخلق‭ ‬هذه‭ ‬الترتيبات؟‭ ‬تأتي‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬خلق‭ ‬الثقة‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الابتعاد‭ ‬أو‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬التوازن‭ ‬في‭ ‬القوة‭ ‬والسير‭ ‬نحو‭ ‬خلق‭ ‬التوازن‭ ‬في‭ ‬الأمن‭. ‬فبدلاً‭ ‬من‭ ‬الاستثمار‭ ‬فيما‭ ‬يعزز‭ ‬المعادلة‭ ‬الصفرية‭ ‬في‭ ‬علاقات‭ ‬الدول،‭ ‬يمكن‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬السعي‭ ‬نحو‭ ‬خلق‭ ‬توازن‭ ‬في‭ ‬الأمن‭ ‬مع‭ ‬كافة‭ ‬الأطراف،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يأخذنا‭ ‬إلى‭ ‬المعادلة‭ ‬الربحية‭ ‬للجميع‭. ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المعادلة‭ ‬يتم‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬الخطوط‭ ‬الحمر‭ ‬التي‭ ‬ستنظم‭ ‬العلاقة‭ ‬الأمنية‭ ‬الربحية‭ ‬لجميع‭ ‬الأطراف‭. ‬بالطبع،‭ ‬الأمر‭ ‬ليس‭ ‬بالأمر‭ ‬السهل،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬جوهر‭ ‬العمل‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬نشطاً‭ ‬في‭ ‬درء‭ ‬المخاطر‭ ‬وإقامة‭ ‬أسس‭ ‬للسلام‭ ‬والاستقرار.          
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-02-26 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره