2022-09-04
الخطوط الحمر في العلاقات الدولية
لا نبالغ إذا قلنا بأن الإشكاليات التي تضرب النظام الدولي في الوقت الراهن هي إشكاليات مرتبطة بغياب خطوط الحمر المنظمة لعلاقة الدول ببعضها البعض. فالحرب الأوكرانية، والتوترات الأمريكية-الصينية، والأزمات الجارية في منطقة الشرق الأوسط كلها نتاج تداعيات غياب الإلتزام بالخطوط الحمر التي من المفترض أن تنظم علاقات الدول.
الخطوط الحمر في العلاقات الدولية نوعان، نوع عالمي تفرضه المنظمات والمواثيق الدولية والتي توقعه وتصادق عليه كل دول العالم باعتبار أن تلك المواثيق هي التزامات دولية على جميع دول العالم الالتزام بها. فهذه القوانين تضع الخطوط الحمر في تعاملات الدول في المجالات ذات الصلة والتي يفرض عليها النظام الدولي العمل بالالتزام بها، وعدم مخالفتها. أما النوع الثاني فهي الخطوط الحمر التي تنتج عن علاقات ثنائية أو مشتركة بين الدول ببعضها البعض، والتي تدخل من خلالها الدول في بعض الترتيبات المنظمة لعلاقتها، وتضع خطوطاً حمر تلتزم بها الدول كي لا تؤدي تجاوزها إلى حالة مواجهة عسكرية، اقتصادية، أو سياسية مهددة لأمن واستقرار الأطراف. وهذا النوع من الخطوط الحمر هو المطلوب في وقتنا الراهن ولاسيما بين الدول الكبرى في النظام الدولي بشكل عام والدول المحورية في الأنظمة الإقليمية المختلفة، لماذا؟
لقد مر النظام الدولي بحالة من الاستقرار العالمي نوعاً ما بعد الحرب العالمية الثانية بسبب وجود خطوط حمر قائمة بين القوتين العظميتين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي خلال فترة الحرب الباردة، هذه الخطوط الحمر ساعدت على أن تُبقي الطرفين في حالة منافسة، ولكن مُسيطر عليها. فكل طرف يحاول أن لا يتعدى تلك الخطوط الحمر كي لا تنجرف الأمور إلى خارج السيطرة. فالولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ظلاً رغم تنافسهم القوي على اتصال مباشر وبشكل دائم لضبط تلك المنافسة حتى لا تخرج عن دائرة السيطرة. وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي، انهت الولايات المتحدة الخطوط الحمر القائمة واعتبرت بأن انتصارها في الحرب الباردة خول لها أن تفعل ما تشاء، وتضع هي لنفسها خطوط حمر ترتبط بما تراه هي الأنسب لها من دون إشراك الآخرين، وهنا دخلت الولايات المتحدة في سلسلة من الإشكاليات غير المنضبطة في حروب وأزمات، أدت بالدول الكبرى، أو التي ما زالت تنظر إلى نفسها على أنها دول كبرى، مثل روسيا، أو تلك المتطلعة لدور قيادي عالمي مثل الصين أن ترفض التوجه الأمريكي غير المنضبط بخطوط حمر تحترم مصالح وقيم الآخرين.
فالمخرج الوحيد لحالة الفلتان الأمني الحادثة في النظام الدولي بشكل عام والأنظمة الإقليمية بشكل خاص يتمثل في بناء علاقات جديدة بين الدول الكبرى في والمحورية قائمة على خطوط حمر جديدة منظمة للعلاقات فيما بينها. فروسيا والصين على سبيل المثال لها مصالحها التي تريد أن ترعاها وتحافظ عليها فلا يمكن لها أن تقبل بمواجهة الولايات المتحدة لها بحجة أنها خارج إطار الخطوط الحمر الأمريكية. كل دولة لها خطوط حمر خاصة بها، ولو أن المجتمع الدولي اتجه إلى خلق ترتيبات ثنائية ومشتركة إقليمية ودولية معينة بين الخصوم تقوم على أسس وضع الخطوط الحمر كأساس لتنظيم علاقاتها مع بعضها البعض لأصبح النظام الدولي أكثر أمناً واستقرار، ولأصبح لدينا عدد محدود من الخلافات الإقليمية.
ولكن كيف تُخلق هذه الترتيبات؟ تأتي عن طريق خلق الثقة بين الدول من خلال الابتعاد أو التقليل من التوازن في القوة والسير نحو خلق التوازن في الأمن. فبدلاً من الاستثمار فيما يعزز المعادلة الصفرية في علاقات الدول، يمكن الاستثمار في السعي نحو خلق توازن في الأمن مع كافة الأطراف، وهو الذي من شأنه أن يأخذنا إلى المعادلة الربحية للجميع. في هذه المعادلة يتم الاتفاق على الخطوط الحمر التي ستنظم العلاقة الأمنية الربحية لجميع الأطراف. بالطبع، الأمر ليس بالأمر السهل، ولكن هذا هو جوهر العمل الدبلوماسي الذي من المفترض أن يكون نشطاً في درء المخاطر وإقامة أسس للسلام والاستقرار.
ارشيف الكاتب
لا يوجد تعليقات