مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2018-05-01

الدّبلوماسية الرّقمية في عالم اليوم

شهدت تقنيات الاتصال الحديثة تطورا مذهلا خلال العقود الأخيرة، بصور انعكست على مختلف العلاقات والقضايا الوطنية والدولية في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية.. فقد أسهمت هذه المتغيرات وما رافقها من ثورة تكنولوجية ومعلوماتية في تعزيز التواصل الإنساني، وتراجع مفهوم السيادة الصارم بفعل الهامش الضيق الذي أصبح يفصل بين ما هو وطني وما هو دولي. وأحدث ظهور الإنترنت ثورة حقيقية في هذا الصدد، بحكم الإمكانات والفرص التي يستأثر بها؛ على مستوى تعزيز هذا التواصل الذي منح للعلاقات الدولية بعدا جديدا، مع ظهور شركات رقمية عالمية، وتزايد الإقبال على شبكات التواصل الاجتماعي والنشر الإلكتروني بشكل عام.
 
أضحت المواقع الإلكترونية منبرا للخدمات الإعلامية الإدارية والمعاملات التجارية والاقتصادية والمالية، وبوابة للتّسويق بكل أصنافه، ومن جهتها تحوّلت شبكات التواصل الاجتماعي من قنوات للتعارف والتواصل إلى آليات فعالة للتأثير والترافع وتشكيل الرأي العام الداخلي والدولي.. بصدد عدد من القضايا الحقوقية والاجتماعية والسياسية..
 
 برزت مفاهيم جديدة تعكس التأثيرات الكبرى التي خلفتها الثورة المعلوماتية والتكنولوجية، فبدأ الحديث عن “الحكومة الإلكترونية” التي تحيل إلى توظيف الشبكة العالمية للإنترنت في تعزيز التواصل بين المؤسسات الحكومية من جهة، وبينها وبين المواطن من جهة أخرى، بشكل يدعم الشفافية والولوج إلى المعلومات ويضمن الجودة والحوكمة في الأداء.. وعن “المواطن العالمي” أو “المعولم” و”العالم قرية صغيرة” و”العالم الافتراضي” الموازي للعالم الواقعي، و”الأمن الرقمي”..، كما برز مصطلح جديد في العلاقات الدولية، ويتعلق الأمر ب”الدبلوماسية الرّقمية”..
 
تطورت الدبلوماسية في عالم اليوم، من حيث مهامها وأطرافها وآلياتها، فهي لم تعد تقتصر على التمثيل التقليدي للدول، بل أصبحت فنا يعنى أيضا بتدبير الأزمات المختلفة وجلب الاستثمارات وتعزيز المصالح العليا للدولة في جوانبها المتجدّدة والمتطورة؛ بالإضافة إلى المساهمة في تعزيز السلم والأمن الدوليين..
 
أتاح تطوّر العلاقات الدولية وتشابكها، وتعقّد المصالح والقضايا والأزمات..؛ تطوير الدبلوماسية نحو مزيد من العقلنة والانفتاح، بما يضمن جودة و»دمقرطة» هذه الأخيرة.. وهو ما أتاح المجال لبروز ما يعرف ب»الدبلوماسية الموازية» التي تقودها مختلف الفعاليات..
 
برزت معالم “الدّبلوماسية الرّقمية” مع التطوّر والانتشار الكبيرين لاستخدام الإنترنت، وظهور شركات رقمية ضخمة لها وزن دولي يتجاوز في قوته وتأثيراته عددا من الدول، وما أتاحه ذلك من فرص للتأثير في الرأي العام، وتدبير المعلومات والخدمات المختلفة، والمرافعة بشأن الحقوق والحريات، وتعزيز التعاون الاقتصادي والثقافي.. 
 
أسهمت تسريبات “ويكيليكس” وما خلّفته من ارتباك في السياسات الخارجية لعدد من الدول الكبرى، في الالتفات إلى الفرص التي تتيحها هذه الدبلوماسية، وهكذا انخرط الكثير من الزعماء السياسيين في توظيف المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي في الترويج لأفكارهم ومشاريعهم وقراراتهم، كما هو الأمر بالنسبة للرئيس الأمريكي “ترامب”، فيما اتّهمت بعض الأطراف الأمريكية روسيا بالتدخل “الرقمي” في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة.
 
وأمام الفرص والتحديات التي أصبحت تطرحها المنشورات والمعاملات الإلكترونية، وما يقتضيه الأمر من توظيف لهذا الفضاء خدمة للمصالح الحيوية ودعم تصدير التقنيات والبرامج المتصلة بهذا الخصوص، ومواجهة الانعكاسات السلبية التي تطرحها “الحروب والاختراقات الرقمية”، والتحكم في التدفقات المسيئة ومواجهة الترويج والإشادة بالعنف والإرهاب، وصدّ الاعتداءات على الملكية الفكرية لإرساء الثقة في المعاملات الإلكترونية..، قامت الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2002 بإحداث مكتب متخصص في شؤون الدبلوماسية الإلكترونية، فيما عيّنت الدانمرك خلال العام الماضي (2017) سفيرا لها لدى شركات كبرى تعنى بالتكنولوجيا الحديثة والتواصل الاجتماعي داخل الولايات المتحدة الأمريكية (“غوغل” و”فايس بوك” وتويتر” و”أمازون”..)، وقامت فرنسا بتعيين سفير لها متخصّص في المجالات الإلكترونية.. فيما أولت السويد أهمية كبرى للموضوع..
 
ولعبت شبكات التواصل الاجتماعي دورا كبيرا في دعم ومواكبة “الحراك العربي”، بعدما كسّرت احتكار المعلومات من قبل الإعلام الرسمي ونقلت المعاناة، وساهمت في بناء رأي عام داخلي ودولي داعم للتغيير بالمنطقة..
 
تختزن «الدبلوماسية الرقمية» إمكانيات مذهلة بالنسبة للأفراد والمؤسسات والدول، إذا ما وظّفت بشكل جيّد، فهي تدعم «دمقرطة» وشفافية وانفتاح هذا المجال الذي ظل يدبّر بقدر من التحفّظ والانغلاق، كما أنها تسهم في إرساء قدر من التفاعل مع المحيط، وتوظيف التكنولوجيا الحديثة خدمة للمصالح الاستراتيجية للدول والشعوب.. وإضفاء طابع من الإنسانية والإبداع على الممارسات الدبلوماسية.
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-02-26 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره