مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2019-05-08

الدّبلوماسية الرّوحية ورهانات السّلام العالمي

بعد مرور زهاء ثلاثة عقود من الزّمن على نهاية الحرب الباردة، وما رافق ذلك من تبشير بولادة «نظام دولي جديد» يدعم تحقيق السلم والأمن الدوليين ونبذ الحروب، ويعزّز أداء الأمم المتحدة في هذا الصدد، ويرسّخ احترام حقوق الإنسان، وتشجيع الإصلاحات الديمقراطية وحماية البيئة.. ما زال الواقع الدولي يعجّ بالأزمات والنزاعات المسلحة، وبخرق القوانين والاتفاقيات الدولية المختلفة، وبتفشي المخاطر والتهديدات العابرة للحدود كالإرهاب وتلوث البيئة والجرائم الرقمية.. 
 
كما زادت معاناة عدد من الشعوب في مواجهة الاستبداد والاحتلال، كما هوالشأن بالنسبة لحال الشعب الفلسطيني مع تعسّف الكيان الإسرائيلي.. ولم تستطع الأمم المتحدة، مثلما هوالأمر بالنسبة لعدد من المؤسسات الدولية الأخرى، تحمّل مسؤولياتها في ترسيخ سلام عادل، يضمن حقوق الدول والشعوب في عالم مستقر وآمن..
 
لم يعد تحقّق الأمن في عالم اليوم مقترنا بغياب التهديدات العسكرية فقط، بقدر ما أضحت هناك مكوّنات عديدة تندرج ضمنه، فهناك الأمن الغذائي والأمن البيئي والأمن التشريعي والأمن القضائي والأمن المعلوماتي.. والأمن الروحي الذي يرتبط بالاعتقادات الدينية للأفراد داخل المجتمع والتي تشكل مكونا أساسيا لهويتهم وشخصيتهم.
 
يبدوأن الضوابط الدولية التقليدية التي أقرّها القانون الدولي ومختلف المواثيق والاتفاقيات الدولية، لم تعد قادرة على مواكبة التحولات الدولية الراهنة بتعقد وتسارع أزماتها وتشابك قضاياها، ما يفرض تطويرها، والبحث عن سبل موازية تساهم في تعميق التواصل والحوار الدولي على طريق ترسيخ سلام دولي مستدام، يدعم تحقيق الديمقراطية والتنمية.. وفي هذا السياق، تطرح أهمية الدبلوماسية الموازية التي يمكن أن تقودها الكثير من الفعاليات الدولية من جامعات ومراكز بحثية ومجتمع مدني عالمي وإعلام بنّاء.. إلى جانب الدبلوماسية الروحية التي تنطوي على أهمية كبرى بالنظر إلى ما يميّزها من قداسة واستحضار للمشترك الإنساني والحضاري.. 
 
على المستوى الإقليمي، لعبت الطرق الدينية والزوايا الصوفية أدوارا تاريخية هامة، أسهمت في ترسيخ التعايش والتواصل والتسامح بين الشعوب والأديان، وفي نبذ الخلافات والصراعات العرقية والطائفية والتّطرف..  في مناطق مختلفة من العالم، كما هوالحال في شمال القارة الإفريقية..
 
في شهر فبراير/شباط الماضي قام البابا “فرانسيس” بزيارة تاريخية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، ضمن أول زيارة له نحوبلد عربي وخليجي يمثّل فضاء لتعايش عدد من الحضارات والثقافات والأجناس..، حيث شكّلت حدثا إنسانيا متميّزا حمل مجموعة من الدّلالات الرّمزية على طريق ترسيخ السلام والتعايش بين الأديان، ومناسبة وقّع خلالها البابا مع شيخ الأزهر “وثيقة من أجل الأخوة الإنسانية”، في أعقاب “المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي”، تحمل دعوة إنسانية للعمل المشترك خدمة للأجيال القادمة، واحترام الحقّ في الحياة، وحرية العقيدة وحرية التعبير، وحماية دور العبادة.. وإدانة كل الممارسات المشينة التي تهدّد السلام، كالإرهاب.. مع التأكيد على أهمية التنشئة السليمة، وبأن الأديان لم تكن أبدا باعثة للحروب والتعصب وإراقة الدماء..
 
وفي شهر مارس من هذا العام زار البابا المغرب أيضا بدعوة من الملك محمد السادس، في ظرفية صعبة اتّسمت بتنامي خطورة الجماعات الإرهابية التي تبرّر أعمالها بالإسلام، وتصاعد المدّ اليميني المتطرّف في أوربا، وبعيد قيام أحد المتطرفين بالاعتداء على المصلّين داخل مسجدين في نيوزلاندا ما أسفر عن مقتل خمسين شخصا وسقوط عدد مماثل من الجرحى.. وقد شكّلت الزيارة مناسبة جدّد خلالها البابا دعوته لمجابهة التطرف والتعصب، و”تضامن” كل المؤمنين للدفاع عن حرية الضمير والحرية الدينية، باعتبارهما لصيقان بالكرامة الإنسانية، مع استنكار توظيف الدين في جرائم القتل والإرهاب. 
 
أما العاهل المغربي فأكّد على ضرورة استحضار البعد الديني في التربية، مبرزا أهمية هذه الأخيرة في مكافحة التطرّف.. لأن الذي يجمع الإرهابيين هو“الجهل بالدين”.. كما أصدر الطرفان “نداء القدس” الذي يدعوإلى المحافظة على هذه المدينة باعتبارها تراثا مشتركا للإنسانية، و”بوصفها رمزا.. للتعايش السلمي بالنسبة لأتباع الديانات التوحيدية الثلاث، ومركزا لقيم الاحترام المتبادل والحوار”، وإلى صيانة طابعها الخاص كمدينة متعدّدة الأديان.. 
 
يوما بعد يوم تتزايد الحاجة في هذا العالم المرتبك إلى أصوات عاقلة ومبادرات بنّاءة تدعم الحوار والتواصل الإنسانيين، وتمثّل الدبلوماسية الروحية أحد الروافد الحيوية لترسيخ قيم نبيلة تستحضر المشترك الإنساني لمواجهة تحديات تهدّد الجميع.
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-02-26 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره