مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2018-05-01

الصين والخليج العربي

الجميع يدرك مكانة الصين في النظام الدولي كلاعب مؤثر سياسياً واقتصادياً وأمنياً. فهي عضو دائم في مجلس الأمن، وثاني أقوى اقتصاد عالمي، وثالث أقوى قوة عسكرية. ولعل قوتها الاقتصادية تحتم عليها الاهتمام بمراكز الثقل الاقتصادي العالمية ومنها منطقة الخليج العربي، للمنطقة.  حيث يتمركز الإنتاج النفطي العالمي والذي تعتمد من خلاله الصين على أكثر من 50% من احتياجاتها من الطاقة من هذه المنطقة.
 
 لذلك ليس من المستغرب على الإطلاق لدولة بحجم الصين ألا تتجاهل منطقة حيوية بالنسبة لها وللاقتصاد العالمي مثل منطقة الخليج العربي. ولكن علينا في تحليل هذه العلاقة أن نفهم التالي:
إن منطقة الخليج العربي ليست منطقة نفوذ صينية بل هي منطقة نفوذ أمريكي، وبالتالي تدرك الصين بأنه لا يمكن لها أن تكون بديلاً عن الولايات المتحدة كحليف استراتيجي بالنسبة لدول الخليج العربية. لذلك فإن الصين لا تسعى لإزاحة الولايات المتحدة من المنطقة- كما يحاول الآخرون فعل ذلك من أمثال روسيا وإيران- ولاسيما أن الولايات المتحدة قائمة بدور حيوي ومهم بالنسبة للصين من خلال المحافظة على أمن واستقرار منطقة الخليج العربي وبالتالي ضمان تدفق النفط للسوق الصينية. لذلك فإن الحديث عن سعي الصين للسيطرة على المنطقة وأن تكون بديلاً عن الولايات المتحدة أمر مبالغ فيه وتحليل مغلوط لتفسير السياسة الصينية تجاه منطقة الخليج العربي على الأقل في المنظورين القريب والمتوسط. استمرار أمن واستقرار المنطقة حاجة صينية ضرورية لضمان نموها الاقتصادي. 
 
محاولة الصين خلق نفوذ لها في المنطقة تأتي عبر البوابة الاقتصادية ومن خلال تعزيز التبادل التجاري والاستثماري بين الجانبين الصيني والخليجي وربط المنطقة بمشروع الطريق والحزام الذي تتبناه الصين بقوة لتعزيز قوتها الاقتصادية وربط اقتصاديات دول ومناطق العالم المختلفة بالاقتصاد الصيني. فالاستراتيجية الصينية ليست عبر فرض نفسها بالقوة الخشنة كما تفعل قوى أخرى وإنما عن طريق القوة الناعمة بإنشاء شراكات اقتصادية قوية. وعلينا ألا نقلل من مثل هذه القوة، حيث أثبتت الصين قدرتها على ربط دول بها بسبب استثماراتها القوية فيها كالعديد من الدول الأفريقية والأسيوية التي أصبحت غير قادرة على الانفكاك من الالتزام المالي مع الصين، وهو ما أدى إلى سقوطها فيما يُعرف بفخ الديون. ولعل على دول الخليج العربي أن تأخذ بعين الاعتبار هذه الممارسة الصينية في علاقاتها التبادلية الاقتصادية مع الصين حتى لا تقع في ذات المستنقع الذي وقعت فيه كل من سيرلانكا، جيبوتي، قيرغيزستان، طاجيكستان، لاوس، المالديف، منغوليا، باكستان، ومونتينيجرو، والتي أصبحت عاجزة عن أن تفي بالديون المستحقة عليها للصين، مما جعل الصين تتدخل في شؤونها الداخلية. 
 
ليس للصين نية في الانخراط في شؤون المنطقة السياسية أو إقامة تحالفات مع أطراف ضد أطراف أخرى في المنطقة لأن ذلك سيفقد الصين القدرة على تحقيق المكاسب مع الجميع وبالتالي تقع في إشكالية الالتزام وتحمل تكاليف مثل هذه التحالفات. الصين مستفيدة حالياً من علاقتها مع جميع الأطراف الخليجية، فهي مستفيدة من علاقتها مع دول الخليج العربية ومستفيدة أيضاً من علاقتها مع إيران، وبالتالي فهي لا تريد أن تأخذ موقف طرف على آخر كي لا تخسر المصلحة المتحققة لها من علاقتها مع جميع الأطراف. وعليه فإن الحديث عن أن الصين يمكن أن تصبح حليفاً يعتمد عليه لدول الخليج العربية على سبيل المثال هو حديث مبالغ فيه لأن الصين مستفيدة من العلاقة مع جميع الأطراف ولا تريد أن تزج بنفسها في تحالفات تفقدها مثل هذه الميزة. لذلك فإن السياسة الخارجية الصينية تجاه منطقة الخليج العربي ستضل مرتبطة بالتعامل مع الجميع لعدم الإضرار بمصالحها. وهذا ما تعكسه السياسة الصينية تجاه قضايا منطقة الشرق الأوسط حيث أبقت على علاقاتها مع جميع الأطراف.
 
رغم مكانة الصين السياسية العالمية كعضو دائم في مجلس الأمن إلا أنها لا تسعى إلى تقديم مبادرات من شأنها إنهاء الخلافات والنزاعات الدولية بشكل فعلي. نعم قدمت الصين بعض المبادرات ولكن تظل تلك المبادرات محدودة وتتعدى كونها عمل دعائي أو دبلوماسي للصين. لكن لا تقدم الصين مبادرات ذات طابع إبداعي يختلف عما هو موجود بالفعل من مبادرات قائمة. وربما يعود ذلك إلى عدم رغبة الصين تحمل الأعباء السياسية والاقتصادية لعملية الاستمرار في المبادرات والعمل على إنجاحها. وفي منطقة الخليج العربي لم نجد دوراً من هذا النوع للصين في محاولة تقريب وجهات النظر أو حل الخلافات القائمة في المنطقة. ولعل الأمر الآخر المرتبط بهذا الموضوع هو قناعة الصين بأن الحل الأمثل للخلافات هو عبر الانفتاح والتعاون الاقتصادي والتنموي، وهو ما يهم الصين ومشروعها المستقبلي بهدف ربط اقتصاديات الدول الأخرى بالاقتصاد الصيني.
 
  لذلك فإن أي تحليل للسياسة الخارجية الصينية تجاه منطقة الخليج العربي لابد أن يأخذ في عين الاعتبار هذه النقاط لخلق فهم صحيح للتوجه الصيني
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره