مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2019-07-01

العالم.. بين خطر الحرب ومخاض تحوّل النّظام الدولي

شهد العالم في السنوات الأخيرة تضاربا صارخا في المصالح بين عدد من القوى الإقليمية والدولية الكبرى، رافقه تلاحق مجموعة من الأحداث والأزمات الخطرة، التي زادت من توتّر العلاقات الدولية، وسمحت ببروز خطابات لا تخلو من تشاؤم، بشأن احتمالات اندلاع حرب عالمية ثالثة..
 
لم تعد الدّول لوحدها هي مصدر التهديدات المحيطة بالسلم والأمن الدوليين، بعدما تصاعدت حدّة المخاطر العابرة للحدود والتي مصدرها الأفراد والجماعات، كما هو الشّأن بالنسبة لجرائم الإرهاب والجرائم الإلكترونية وتهريب السلاح والبشر..
 
رغم تراجع الصراعات الإديولوجية منذ تسعينيات القرن الماضي، إلا أن مظاهر الصراع ازدادت، لتتخذ أبعادا ثقافية واقتصادية واستراتيجية.. ورغم اقتناع عدد من الدول بأهمية ونجاعة القوة الناعمة في تحقيق المصالح والأهداف المختلفة، إلا أن هذا الخيار لم يلغ حرص الدول على امتلاك عناصر القوة الخشنة في أبعادها العسكرية والاقتصادية، والسّعي لتوظيفها بسبل تتأرجح بين الردع تارة، والاستخدام المباشر تارة أخرى.
 
ثمّة الكثير من المؤشّرات والمعطيات التي يبني عليها، عدد من الخبراء والمهتمين رؤيتهم المتشائمة، بإمكانية نشوب حرب عالمية كبرى في الظروف الدولية الراهنة، أولها وجود عدد كبير من بؤر التوتر على امتداد مناطق مختلفة من العالم، بدءا بتوجّهات بعض الأقطاب النووية الصاعدة، التي تعكسها التطورات المتلاحقة والمتسارعة للملف النووي الإيراني، وما يرافق ذلك من تصعيد في الخطاب بين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، والمناورات والتوجهات العدائية التي تنهجها إيران في منطقة حبلى بالإشكالات والصراعات من جهة أخرى..، مرورا بالأزمة التي ما زال يطرحها تطوّر الملف النووي الكوري الشمالي بالنسبة لمنطقة شرق آسيا، أو بالنسبة للسلم والأمن الدوليين، مع إصرار «بيون يانغ».. على تطوير برنامجها النووي منذ اقتحام هذا المجال عبر فرض الأمر الواقع قبل سنوات(عام 2006).. وبالصراع المتجدّد بين الهند وباكستان، والذي يجر خلفه إرثا تاريخيا ثقيلا من الحروب والأزمات، التي ما زالت تلقي بظلالها القاتمة على مستقبل العلاقات بين الجارين، تذكيها مجموعة من العوامل المتصلة بقضية إقليم كشمير، ونشاط بعض الجماعات المسلّحة على الحدود، ومواقف بعض القوى الدولية من الصراع..
 
 إضافة إلى الأزمة القائمة بين الصين وتايوان، والأزمة الأوكرانية التي أفرزت حالة من التوتر في العلاقات الغربية – الروسية في أعقاب قيام هذه الأخيرة بضمّ منطقة القرم، ودعمها المتزايد للانفصاليين بشرق أوكرانيا.. وصولا إلى الأزمة السورية التي شكّلت محطة لصراع المصالح وتصفية الحسابات بين عدد من القوى الدولية والإقليمية الكبرى، على حساب تعميق الملف وتجاهل مآسيه الإنسانية..
وعلاوة على هذه العوامل، تزايدت حدّة الصراعات والحروب الاقتصادية والتجارية (بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية)، وتمدّد الأزمات المالية، فيما تصاعد حضور القوى اليمينية داخل المشهد السياسي الأمريكي والغربي بشكل عام، بمواقفه المثيرة للجدل إزاء عدد من الملفات والقضايا الداخلية والدولية (كالهجرة والتسلّح والتّكتل والبيئة..).. وعدم نجاعة مجلس الأمن والأمم المتحدة بشكل عام في تدبير الكثير من الأزمات الدولية، التي تركت لتجاذبات وتوافقات القوى الدولية الكبرى..
 
وفي مقابل هذه النظرة المتشائمة، لا يخفي البعض الآخر من المفكرين والخبراء والباحثين تفاؤلهم إزاء المستقبل، ويقلّلون من خطورة الوضع، ارتكازا إلى مجموعة من المبررات التي يمكن اختزالها في التشابك المذهل للعلاقات الدولية الراهنة في مختلف المجالات، إضافة إلى امتلاك عدد من القوى الإقليمية والدولية الكبرى لعنصر الرّدع المتجسد في السلاح النووي ومختلف الأسلحة الاستراتيجية الأخرى، ما يشكل حصنا منيعا ضد أية مواجهة عسكرية، قد تكون غير محسوبة ومكلفة بالنسبة للجميع..
 
وينضاف إلى ذلك أيضا تزايد حضور المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية ومساهماتها في تلطيف الأجواء وتدبير الأزمات الدولية، وكذلك الأمر بالنسبة لهيئات المجتمع المدني العالمي التي لا تتوقف الكثير من فعاليتها عن المطالبة بنبذ الحروب والصراعات.. 
 
غالبا ما يؤشر تفجّر الأزمات المختلفة إلى بداية حدوث تغيّر في الأنساق والنظم، ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن عودة روسيا والصين إلى واجهة الأحداث السياسية والاقتصادية الدولية، وطموح أقطاب إقليمية للعب أدوار متزايدة.. هو محاولة للتمرّد على الوضع الذي فرضته الولايات المتحدة بعد نهاية الحرب الباردة، ولذلك فالأمر لا يعدو أن يكون في حقيقة الأمر سوى إرهاصات ومخاضات سابقة لولادة نظام دولي جديد أكثر جلاء ووضوحا، بعد «نظام مبهم» فرضته الولاية المتحدة قبل عقدين من الزمن.
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره