2022-09-04
العالم.. وسياسة حافة الهاوية
عندما تقوم برصد سلوكيات الإدارة الأمريكية الحالية تجاه الدول المنافسة لها في بسط سيطرتها على النظام الدولي، فإنك تخرج بنتيجة واحدة: كأن الديموقراطيين يبحثون عن اشتباك سياسي قد يؤدي إلى حرب عالمية، هكذا تشير أغلب التحليلات السياسية. آخر تلك السلوكيات الزيارة الاستفزازية التي قامت بها رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، إلى تايوان (الجزيرة التي تدعي الصين أنها تابعة لها) في بداية شهر أغسطس الماضي.
الكل متابع التغيرات الحاصلة في السياسة الدولية منذ فبراير الماضي، حيث غزت روسيا أوكرانيا بعد استفزازات مقصودة لجر بوتين إلى حرب استنزافية، وحرب إعلامية لتشويه صورة بلاده أمام الرأي العام العالمي ولكن لم تنجح الخطة الأمريكية بعدما استطاعت روسيا من قلب الطاولة بقانون (الندرة) في الطاقة والغذاء على الغرب بأكمله. وفي حين أن العالم كله كان يعمل على إيجاد مخرج للأزمة الأوكرانية فاجأت بيلوسي بإصرارها على زيارة تايوان العالم ووضعه في احتمالات أجواء حرب جديدة، ولكن حسابات صينية أخرى مؤشراتها مازالت قائمة.
الولايات المتحدة كانت المثل الأعلى في تصور الدولة الحافظة على الاستقرار والأمن العالميين وهي الأقرب لفرض قانون دولي لكل من يخرج عليه، بل إن أهمية الولايات المتحدة كدولة كبرى لها مكانتها العالمية يتعدى دورها السياسي لتدخل في حالة من الرمزية عند الآخرين الراغبين في تأسيس دولة المؤسسات الناجحة في مختلف المجالات الحياتية والحضارية من التقدم الاقتصادي والصناعي وأحلام الحريات الحقيقية وغيرها، حتى أصبحت أمريكا عند الكثيرين عنواناً للتفوق.
كل تلك الصورة شوشته المحطات الأخيرة من سياستها الدولية الأمريكية منذ الانسحاب من أفغانستان ثم افتعال أزمة عالمية في أوكرانيا وتبعته زيارة بيلوسي، ومست الذاكرة الإنسانية فيما يخص الصورة الذهنية حول نوايا الإدارة الأمريكية في السياسة الدولية واعتبرت الأزمة الأكرانية والتايوانية هما الفصل بين الدول الكبرى التي أقامت نظماً دولياً بعد الحرب العالمية الثانية إلى اليوم ودولة ساعية لجر العالم إلى الحرب وبين فتح باب لتشكيل نظام دولي جديد لن يكون ذات القطب الواحد.
لا يمكن التأكيد بأن الولايات المتحدة تسعى لفوضى خلاقة من أجل إعادة نفسها لتكون الدول الوحيدة في النظام الدولي حتى وإن كان ما تقوم به الإدارة الحالية يوحي بذلك لكن المؤكد أن الكل في الحزب الديموقراطي الأمريكي يعمل من أجل ضمان الاستمرار في السلطة للفترة القادمة من خلال إيجاد أي إنجاز لهم سواء داخلياً أو إنجاز خارجي خاصة مع قرب الانتخابات النصفية في نوفمبر القادم فهي مؤشر حقيقي لاستمرارهم في الإدارة وفي الكونجرس.
بشكل عام هناك فضول فكري لدى كل المراقبين بما فيهم هنري كيسنجر واحد من أنجح وزراء الخارجية الأمريكية على مر العصور في معرفة حالة الاستفزاز الذي تمارسه أمريكا ضد روسيا والصين مع أن كيسنجر قدم لإدارة الرئيس بايدن نصيحة بعدم كسرهما والعمل على التعاون معهما لأجل الاستقرار العالمي واستمرار الولايات المتحدة في قيادة العالم.
إن قلق الناس هو السير الأمريكي على حافة الهاوية بالطريقة التي تجعل من الصعب استدراك السقوط فيما لا يحمد عقباه، الكل كان ينتظر أن تتعظ الإدارة الأمريكية الحالية من كارثة أوكرانيا ويتم التفكير ودراسة العواقب لكن إصرار بيلوسي أشبه بمن يغامر بكل أوراقه قبل أن يعلن إفلاسه السياسي.
بالنظر إلى نوعية التحديات التي تواجه الجميع في العالم مثل الإرهاب والتطرف والمناخ فإن تعاون الجميع بما فيها الولايات المتحدة والصين وروسيا هو ما تحتاجه الإنسانية حالياً أكثر من التنافس من أجل السيطرة على النفوذ الدولي.
ارشيف الكاتب
لا يوجد تعليقات