مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2019-02-20

الوسيط النزيه لقضايا المنطقة

في جميع القضايا التي تعصف بالمنطقة العربية لا يوجد طرف دولي ذو قوة تأثيرية دولية يمكن أن يكون نزيهاً في التوسط إلى حل الخلافات القائمة مثل جمهورية الصين الشعبية. فخلال العقود الماضية حاولت العديد من الدول الكبرى في النظام الدولي لعب دور الوساطة في حل مشاكل منطقة الشرق الأوسط ولكن من دون تحقيق نجاح يُذكر. 
فقوى دولية كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا، وقوى إقليمية كتركيا ومصر، ومنظمات دولية كالأمم المتحدة حاولت مراراً وتكراراً العمل على حل النزاعات الشرق أوسطية عن طريق الوساطة وتحقيق سلام دائم في المنطقة ولكنها لم تتمكن من ذلك. 
سبب الفشل في تحقيق السلام في المنطقة يعود بالدرجة الأساسية إلى أن مثل تلك الأطراف لا ينطبق عليها عنصر النزاهة الذي يجب أن يتمتع بها الوسيط ليكسب ثقة الأطراف المتنازعة. لذلك نستطيع القول بأن الحالة الشرق الأوسطية يمكن أن تقبل بالصين كوسيط في العديد من المشاكل والأزمات الإقليمية، لأن الصين هي أكثر الأطراف الدولية والإقليمية التي يمكن أن تتمتع بالنزاهة في الوساطة. فالصين دولة ليست دينية وبالتالي ليس لها ميل تجاه دين أو مذهب معين دون غيره، وليس لها طموح هيمنة سياسية، وخبرتها التاريخية مقبولة للجميع حيث أنها لم تكن دولة مُستعمرة لمناطق أو أقاليم في المنطقة، وعلاقتها مفتوحة مع الجميع، والجميع مستفيد من علاقته مع الصين. لذلك نستطيع القول بأن الصين يُمكنها أن تلعب دور الوسيط النزيه في المنطقة بشكل أفضل عن غيرها من القوى الدولية. 
ولعل دخول الصين على خط الوساطة سيوفر لها مجموعة من المكاسب من أهمها: أن ذلك سيعطيها السمعة الداخلية والخارجية بأنها قوة فاعلة في النظام الدولي ويعطيها المكانة التي تسعى الصين لتحقيقها مع فلسفة الرئيس الصيني الحالي شي جينبينغ، الذي يريد للعالم أن يعترف بالصين قوة فاعلة ومؤثرة في النظام الدولي. كما أن لعب الصين لهذا الدور سيعطيها النظرة العالمية بأنها دولة مسئولة في النظام الدولي. فهناك العديد من الانتقادات التي توجه إلى الصين إلى أنها دولة مستفيدة من فوائد النظام الدولي ولكنها لا تلعب دور رئيسي في المساهمة الفعلية في تقديم تلك الخدمات للمجتمع الدولي. وعليه فإن دخولها على خط الوساطة من شانه أن يعطيها هذه السمعة وهذا الدور. ويضاف إلى ذلك بالطبع الاستفادة الصينية الاقتصادية والسياسية في علاقتها مع تلك الدول، حيث أن الدخول في وساطة مع الدول المتنازعة سيبني علاقات قوية للصين مع مثل تلك الدول ويقوي من نفوذها في المنطقة. كل هذه هي مكاسب يمكن للصين أن تحققها من وراء لعبها لهذا الدور السياسي. 
رغم ذلك كله إلا أن الصين لم تأخذ على عاتقها هذا الجانب ولم تعطيه الاهتمام الأبرز في دبلوماسيته. فالصين ما زالت بعيدة عن لعب دور الوساطة بين الخصوم المتنازعة حتى في مناطق قريبة من حدودها مثل الوضع في شبه الجزيرة الكورية، حيث أن الصين ابتعدت عن الدخول بدور لها في الوساطة بين الجانبين الكوري الشمالي والكوري الجنوبي. ورغم أن الوضع في كوريا مختلف باعتبار أن الصين قد لا يمكن أن تكون وسيطاً نزيهاً هناك نظراً لتقاربها وتحالفها مع كوريا الشمالية إلا أن الوضع في منطقة الشرق الأوسط يختلف كل الاختلاف. فقدرة الصين على أن تكون وسيطاً نزيهاً هو أمر أكثر إمكانية للتحقق والنجاح في الحالة الشرق أوسطية. إلا أنه ورغم ذلك لا نرى الصين تلعب هذا الدور. لقد اكتفت الصين بالدخول كأحد الأطراف الساعية للتسوية في النزاعات الإقليمية مثل القضية الفلسطينية والقضية السورية إلا أنها لم تأخذ على عاتقها نشاط مستقل لها في تحقيق التسويات في المنطقة. فعمل الصين ظل دائماً مرتبطاً بالعمل الدولي الجماعي أكثر من العمل الفردي للصين في أي تسوية ما كانت. ورغم تعينها لمبعوثين خاصين لمسألة أو قضية معينة في المنطقة إلا أن دورهم ظل محدوداً. كما أن الحلول التي تقدمها الصين ظلت حلول عادية ولم ترقى إلى المستوى الإبداعي. وربما يعود ذلك إلى أن الصين لا تريد أن تتحمل مسئولية الوساطة، اعتقاداً منها بأن ذلك سيفرض عليها عبئاً دبلوماسياً لا تريد أن تقوم به أو لآن الصين تدرك بأن قوتها في التأثير محدودة. 
أياً ما كان التفسير لذلك إلا أن الصين بحق هي الدولة الكبرى الوحيدة القادرة على الدخول بقوة في حل النزاعات بين المتخاصمين في المنطقة نظراً لما تتمتع به من مزايا الوسيط النزيه، وهو ما لا تتمتع به أطراف أخرى. بقي فقط أن تأخذ الصين على عاتقها هذه المسئولية، وتتحمل جزءً من عبئ لعبة الدول الكبرى في السياسية الدولية.  
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره