2022-08-02
تداعيات قمة الناتو على الصين
عقدت في مدريد الشهر الماضي قمة حلف الناتو، التي وصفت بالتاريخية لمجموعة من الاعتبارات أهمها: أولاً، قبولها انضمام كل من فنلندا والسويد لعضوية الحلف، وهذه الدول تعتبر دول حساسة بالنسبة لروسيا باعتبارها دول محاذية أو قريبة حدوديا لها، وعليه فقد كانت دائماً ما تتبنى سياسة الحيادية في علاقتها مع روسيا والغرب في محاولة لعدم إثارة غضب موسكو.
ولكن اليوم قالتها وبكل صراحة كل من هلسنكي وستوكهولم بأنهما يُنهيان إستراتيجية الحياد لصالح التوجه للتحالف المعلن مع الغرب بالانضمام إلى حلف الناتو. بالطبع دخول عضوية الناتو تتطلب مصادقة برلمانات الدول الأعضاء، وبالتالي لربما تأخذ بعضاً من الوقت، ولكن الأهم أن هذه الدول أعلنت رغبتها الانضمام وحلف الناتو وافق على ذلك، فنحن الآن أمام مسألة وقت لا أكثر لتنضم هاتين الدولتين إلى الثلاثين دولة أخرى أعضاء في حلف الناتو. ثانياً، موافقة دول حلف الناتو على تقوية دفاعاتها في منطقة شرق أوروبا ورفع قدراتها العسكرية وتشكيل قوة تدخل سريع يتم تدريبها في الدول الأعضاء تكون مهمتها الاستعداد للذهاب بشكل سريع للدفاع عن دول الحلف في حالة الخطر، ورفع عدد تلك القوات من أربعين ألف جندي إلى ثلاثمائة ألف جندي.
وثالثا، تغيير النظرة الاستراتيجية للناتو وتبني مفهوم جديد مختلف عن السابق يضع روسيا ليست كشريك كما كان عليه التوجه سابقاً بل غدت روسيا اليوم التهديد المباشر للحلف، فالحلف يعلنها صراحةً بهذا التصنيف الجديد لروسيا بأنها هي عدوه المباشر . ورابعاً، أن توجه الناتو أضاف ولأول مرة ذكر الصين كجزء من نظرته الاستراتيجية الجديدة، والتي اعتبرت الصين بأنها من أولويات حلف الناتو للعشر السنوات القادمة باعتبارها دولة متحدية لقيم الناتو ومصالحه .
هذه كلها تطورات محورية تجعل من القمة تاريخية بكل معنى الكلمة، وفي اعتقادنا أن ضم الصين إلى قائمة أولويات الحلف هو تطور بارز، حيث أن الحلف يعلنها صراحة بأن اهتمامه لن يكون مرتكز فقط على أوروبا حيث كان التفويض الأصلي لنشأة الحلف، ولكنه يتجه اليوم إلى آسيا وبالأخص لاحتواء وربما مواجهة التحدي الصيني للقيم الغربية في منطقة شرق أسيا بالذات. لماذا الصين؟ لأنها وبكل بساطة هي الدولة صاحبة الطموح والإمكانيات القادرة على مواجهة القيم الغربية والنظام الدولي القائم على الأسس الغربية، وليست روسيا.
ويضاف إلى ذلك أيضاً إدراك الحلف بأن قوة روسيا وقدرتها على الاستمرار في إثارة التهديدات لدول أوروبا إنما مرده العلاقة الاستراتيجية القوية القائمة بين روسيا والصين. فروسيا تُعول كثيراً على الدعم السياسي والاقتصادي لروسيا وطموحاتها لمنع هيمنة الولايات المتحدة المنفردة على النظام الدولي. ولعل هذا العامل هو المشترك بين القوتين، كما تراه دول حلف الناتو وبالأخص الولايات المتحدة، التي تدرك بأن كلاً من الصين وروسيا تربطهما علاقات استراتيجية مردها الرغبة في منع سيطرة الولايات المتحدة وفرض هيمنتها على النظام الدولي. وكلا الدولتان تعملان على اتباع استراتيجيات من شأنها تقويض الهيمنة الأمريكية على مختلف مفاصل النظام الدولي، باعتبار أن الولايات المتحدة هي القوة الوحيدة القادرة على منع طموحات هاتين الدولتين للوصل إلى القيادة العالمية، من خلال فرض أجندتهم على الدول الأخرى.
وبالتالي عندما يأتي حلف الناتو ويعلنها صراحة بأن الصين أصبحت على أجندة اهتماماته فإن ذلك سيقابله إجراءات من نوع معين يقوم بها الحلف ولا تحبذها الصين مثل دعم القوة العسكرية لدول مجاورة للصين ولربما تقوية التعاون بين الحلف وتلك الدول، التي لا تفضل الهيمنة الصينية في منطقة أسيا كالهند واليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية وبالطبع تايوان - النقطة الأكثر خطورة في علاقة الصين مع الغرب. مثل هذه الإجراءات ستخلق حالة من التوتر من المتوقع أن تشهدها العلاقات الدولية ولاسيما في منطقة شرق آسيا، لذلك لا نستبعد أن تُلقي حالة التوتر تلك بضلالها على مختلف جوانب العلاقات الدولية للدول المتنافسة.
ارشيف الكاتب
لا يوجد تعليقات