مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2021-01-03

تركيا.. الحليف المتمرد

لا يمكن وصف العقوبات الأمريكية على تركيا التي جاءت على خلفية قرار الرئيس أردوغان بشأن شراء أنظمة صواريخ (أس 400) روسية الصنع بأنها عقوبات متعلقة برئيس يختتم فترته الرئاسية في فبراير القادم لتزامنها مع قرارين اثنين. القرار الأول: أن تلك العقوبات تأتي متزامنة مع مشروع عقوبات أوروبية ضد تركيا بسبب خلافاتها مع قبرص واليونان. والقرار الثاني: أنه متعلق بعقوبات من حلف شمال الأطلسي (الناتو) متعلق بشراء المنظومة الصاروخية الروسية، لأن ذلك يخالف شروط العضوية في الحلف وأي حلف عسكري آخر ولأن التعامل مع روسيا يعني تهديد للعقيدة العسكرية لأعضاء الحلف.
 
مشكلة تركيا ليس في الاختلاف مع الأصدقاء والحلفاء وإنما في العقلية التي تفكر في إدارة هذا الاختلاف والأزمات وهي نفس مشكلة النظام الإيراني حيث يتصفان بالمكابرة على الخطأ والعناد في المواقف، فبدلاً من القيام بسياسات تعدل منها سلوكياتها القائمة على «الانتهازية» السياسية في التعامل بين الولايات المتحدة وروسيا أو في تهديد استقرار الدول المجاورة لها بعد أن عاث نظام أردوغان فساداً بالمرتزقة السورية أو بتنظيم الإخوان المسلمين تجد مسئولي نظام أردوغان يصعدون من اللغة السياسية ويهددون بأن الذين سيطبقون العقوبات الاقتصادية عليها سوف يندمون وفي أفضل الحالات يترقبون انتهاء المدة المتبقية لرئاسة دونالد ترامب وبالتالي فإن الأمر سيعود إلى وضعه الطبيعي وكأن بايدن الذي أكد أكثر من مرة على رفضه لسياسات أردوغان سيتجاهل العقوبات. 
 
في الحقيقة يدرك المسئولون الأتراك أن وضع بلادهم صعباً وأنه في مأزق لأن العامل الأساسي لقصة نجاحه التنموية قائمة على الاقتصاد مع المجتمع الدولي وخاصة جواره الجغرافي من الأوروبيين والعرب، وهذا يعني الكثير في مفهوم نظرية «صفر مشاكل» حيث أن السياحة والصادرات التركية لن تبقى كما هي، هذا من جانب.
 
أما من جانب آخر فإن الإصرار على موقفها من العقوبات لن يكون له تفسير إلا أنه تموضع استراتيجي جديد في العلاقة بين المعسكر الغربي والمعسكر الشرقي (روسيا والصين) وهذا يعني إعادة ترتيب الدور التركي في الإقليم الذي امتد من أيام الحرب الباردة حيث لعبت تركيا دوراً متوازناً بين الغرب والشرق.
 
مسألة إعادة تركيا إلى «بيت الطاعة» الأمريكي وكذلك مسألة «قصقصة أجنحة» نظام أردوغان بغض النظر عمن سيكون في البيت الأبيض بايدن أو ترامب سيكون هو الهدف الأساسي خلال هذا العام، وفي حالة إصرار أردوغان على تقليد النظام الإيراني في التمرد على النظام الدولي فإن الأمر بالنسبة له ستكون أصعب في مواجهة العقوبات لأن المعارضة الداخلية لسياسات أردوغان لا تقل غضباً من الموقف الدولي والإقليمي والمجتمع الدولي لا يريد تكرار النسخة الإيرانية مرة أخرى في تهديد الاستقرار العالمي وبالتالي فالحل بيد أردوغان وفريقه السياسي في الحفاظ على التجربة التركية.
 
المخرج الوحيد لنظام أردوغان لإنقاذ نفسه من الوقوع في العقوبات الدولية يكمن في امتلاك الشجاعة السياسية لتصحيح أخطاءه التي دمرت قصة النجاح التركية في الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي وفق نظرية «صفر مشاكل» التي وضعها وزير الخارجية السابق أحمد أوغلو ودمرتها مغامرات أردوغان بدءاً من جواره العربي بالتدخل في سوريا واحتلال أراضيها مروراً بدعم تنظيم الإخوان المسلمين في مصر وليبيا وصولاً إلى أفريقيا من خلال دعم الإرهابيين وتهديد الغرب بالمهاجرين الهاربين من مناطق الأزمات في الشرق الأوسط، إلى أن خرب علاقته بحلفائه الاستراتيجيين ولم يعد حليف أمن، بهذا فقط تنجو تركيا من العقوبات.
 
غير هذا الخيار فإن على تركيا الاستعداد للخروج من حلف الناتو حتى لو كان يستضيف قاعدة «أنجرليك» العسكرية فإسرائيل اليوم في موقع سياسي أفضل في المنطقة من أي وقت مضى. كما أن على تركيا أن يضع في اعتباره أن الحليف الجديد له وهو روسيا لن يكون متقبلاً لتمرده المتكرر في مناطق نفوذه التقليدية مثل سوريا ومنطقة آسيا الوسطى التي ما يزال بوتين يعتبرها الحديقة الخلفية لبلاده.  
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره