مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2019-04-01

تكلفة الحروب في السّياق العربي

تحيل الحرب إلى تلك المواجهة العسكرية التي تتمّ لفترة طويلة أو قصيرة عبر استخدام قوات مسلّحة منظمة بين طرفين أو أكثر، بغية تحقيق أهداف ومكاسب معينة، وتسفر عن ضحايا بشرية ومادية وطبيعية.. كما أنها تتصل باللجوء إلى استخدام القوة عوض الاحتكام إلى القانون والسّبل الدبلوماسية والقضائية في تدبير الخلافات والأزمات وتسوية المنازعات الدولية.
 
وقد عرّفها “كارول فون كلاوزفيتس”(Carl Von Clausewitz 1780- 1831) باعتبارها مجرّد امتداد للسياسة بوسائل أخرى تنطوي على قدر من العنف لإرغام الخصم على التنازل والانصياع. 
 
ورغم حرص ميثاق الأمم المتحدة على تحريم اللجوء إلى القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية، وحثّ الدول على تسوية نزاعاتها عبر وسائل قضائية ودبلوماسية مختلفة، فإن واقع العلاقات الدولية يبرز لجوء الكثير من الدول بصورة مكثفة إلى استعمال القوة العسكرية في تدبير خلافاتها.
 
ولما كانت الحرب أمرا واردا في العلاقات الدولية، فقد تم وضع قانون ينظّمها، لتجاوز مظاهر القسوة والانتهاكات الجسيمة، واستهداف المدنيين وجرائم الإبادة.. التي يمكن أن تشوبها. ويتعلق الأمر بالقانون الدولي الإنساني الذي لا يمنع هذه الظاهرة، بقدر ما يحاول وضع ضوابط للعمليات العسكرية والأسلحة المستخدمة وحماية المدنيين وتنظيم وضعية الحياد..، وهو يقوم (القانون الدولي الإنساني) على فكرة الضرورة التي تسمح باستخدام مختلف السّبل التي تستهدف إخضاع الخصم من جهة أولى، وعلى فكرة الإنسانية التي تنحو إلى عدم استهداف المدنيين بالعمليات العسكرية والتقليل من الخسائر المحتملة في هذا السياق..
 
ورغم التراجع الملحوظ في حدّة الحروب والنزاعات العسكرية الدولية بعد نهاية الحرب الباردة، وما تلا ذلك من لإقرار اتفاقيات ومبادرات ترمي إلى الحد من التسلح.. إلا أن الكثير من مناطق العالم ما زالت تشهد بين الفينة والأخرى حروبا ونزاعات عسكرية مختلفة من حيث أسبابها ونطاقها وتداعياتها.. 
 
 وتشكّل المنطقة العربية إحدى أكثر المناطق التهابا منذ بداية التسعينيات من القرن المنصرم، بسبب اندلاع الكثير من الحروب والنزاعات المسلحة في عدد من دولها (العراق والصومال والسودان وفلسطين..)، وقد ساهمت تحولات الحراك في المنطقة منذ عام 2011 في تأجيج الأوضاع العسكرية من جديد، حيث دخلت العديد من الدول العربية في متاهات من العنف والصراع (اليمن وسوريا وليبيا)، وارتفعت نسبة الواردات من الأسلحة بشكل مثير، ما أفرز انعكاسات ومخاطر مختلفة كانت تكلفتها مدمرة على المستويات الاقتصادية والتنموية والسياسية والإنسانية، ما دفع بالكثير من الأشخاص إلى الهجرة وطلب اللجوء بحثا عن فضاءات أكثر أمنا واستقرارا..
 
وفي هذا السياق، أفاد النائب الأول لرئيس مجموعة البنك الدولي لأجندة 2030 للتنمية المستدامة العالمية، أخيرا، أن هناك دراسات تفيد بأن التكلفة الإجمالية للحروب والنزاعات المسلحة التي طالت الكثير من البلدان العربية منذ عام 2010 إلى عام 2018 تناهز 900 مليار دولار أمريكي.
 
لا شك أن هذه الإمكانيات الضخمة التي يتم إهدارها في مجال التسلح والحروب، كان بالإمكان استثمارها في تخفيض نسب المديونية التي تثقل عاتق الكثير من دول المنطقة، وفي تحقيق التنمية والرفاه وتجاوز عدد من المعضلات الاقتصادية والاجتماعية داخل المجتمعات العربية..
 
تطرح مع هذه التكلفة الباهظة الكثير من الأسئلة المقلقة، ففي الوقت الذي بات فيه الحديث مكثّفا داخل الدول الكبرى في الوقت الراهن عن حروب بلا خسائر، وعن مقولات جديدة تدعم تجاوز القوة العسكرية التقليدية إلى حروب حديثة ناعمة، توظف فيها الثقافة والإعلام والاقتصاد وتكنولوجيا المعلومات.. مازالت هذه الدول نفسها تؤجج الأوضاع السياسية والأمنية في كثير من بؤر التوتر في العالم، وبخاصة في عدد من دول المنطقة، كما هو الحال بالنسبة للعراق وليبيا وسوريا.. ما يدفع الكثير منها إلى الدخول في معارك عسكرية تقليدية في إطار نزاعات داخلية أو حروب إقليمية.. تزيد من تفاقم أوضاعها السياسية والاجتماعية والأمنية.. وتسهم من جانب آخر في إنعاش تجارة السلاح لدى الكثير من الدول الكبرى المصدّرة..
 
وقد زاد من حدّة الإقبال على هذا الخيار الملكلّف، تصاعد وانتشار «الجماعات الإرهابية» في عدد مناطق التوتر في المنطقة، كما هو الحال بالنسبة لتنظيمي «القاعدة» و»داعش»، والتي ساهمت من جانبها في استنزاف إمكانيات وقدرات عدد من الدول.
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره