مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2019-02-20

ثلاثون عاما على ميلاد الاتّحاد المغاربي.. ماذا تحقق؟

تحلّ بعد بضعة أيام، الذكرى الثلاثون لميلاد الاتحاد المغاربي المشكّل من المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا والتي تصادف تاريخ 19 فبراير/شباط من كل عام. ففي مثل هذا اليوم من عام 1989 تأسس اتحاد المغرب العربي في ظروف دولية وإقليمية ضاغطة، ما خلّف أجواء من التفاؤل في أوساط شعوب المنطقة برمتها.
 
فعلى المستوى الدولي، شكلت هذه الفترة بداية لتحولات كبرى انطلقت مع انهيار جدار برلين، ونهاية الحرب الباردة، وتوجه عدد من دول العالم إلى إعمال إصلاحات سياسية واقتصادية هامة. أما على المستوى الإقليمي، فقد تزايدت أهمية التكتلات الاقتصادية؛ كإطار للتنسيق والتعاون بين الدول، ومواجهة مختلف التحديات الداخلية والخارجية..
ظلّت فكرة البناء المغاربي حلما يراود الكثير من النخب المغاربية وزعماء حركات التحرّر الوطني ضدّ الاحتلال الأجنبي في المنطقة، وهو حلم يجد أساسه في المقومات البشرية والطبيعية والثقافية والحضارية.. المتاحة والتي تدعم هذا البناء، وتجعل منه خيارا استراتيجيا بكل المقاييس.. ولذلك خلّف التأسيس ارتياحا عميقا في أوساط الكثير من النخب الاقتصادية والسياسية بالمنطقة..
حرص الاتّحاد منذ إحداثه على إرساء إطاره التنظيمي والمؤسساتي انسجاما مع مقتضيات اتفاقية مراكش، حيث تم تنصيب الأمانة العامة التي يقع مقرّها بمدينة الرباط، وإحداث مجلس الشورى المتواجد بالعاصمة الجزائرية، والهيئة القضائية بالعاصمة الموريتانية نواكشوط، وكذلك الجامعة المغاربية والأكاديمية المغاربية للعلوم المتركّزة في العاصمة الليبية طرابلس، ثم المصرف المغاربي للاستثمار والتجارة الخارجية المتواجد في العاصمة التونسية.
في الوقت الذي راكمت فيه الكثير من التكتلات الاقتصادية في أوربا وآسيا وأمريكا وإفريقيا، مجموعة من المكتسبات التي أهلتها للتفاعل بشكل إيجابي مع المتغيرات الدولية الراهنة، لم تكن حصيلة الاتّحاد المغاربي لثلاثة عقود مضت، مرضية، بسبب الجمود الذي أحاط بمؤسساته وآلياته، ما كلّف المنطقة الكثير من الخسائر على شتى الواجهات.
ثمّة العديد من العوامل التي عرقلت مسار الاتحاد المغاربي، والتي يمكن اختزالها في عوامل تاريخية وأخرى خارجية، وأخرى متصلة بعملية اتخاذ القرار داخل الاتحاد والتي تطبعها المركزية.. ذلك أن معاهدة مراكش المنشئة لهذا الأخير؛ تشير في مادتها السادسة على أن: «لمجلس الرئاسة وحده سلطة اتخاذ القرار، وتصدر قراراته بإجماع أعضائه»، وهو ما دعّم تركيز المهام الحاسمة في يد مجلس الرئاسة؛ وحال دون تمكين باقي الأجهزة الأخرى من قبيل مجلس وزراء الخارجية أو مجلس الشورى.. من صلاحيات هامّة..
تزايدت حدّة الإشكالات والتهديدات التي تواجه الدول المغاربية مجتمعة في الوقت الراهن، سواء ما تعلق منها بتمدّد الجماعات الإرهابية في المنطقة، مستغلة الارتباكات الأمنية التي شهدتها ليبيا ومنطقة الساحل والصحراء؛ خلال السنوات الأخيرة، علاوة على التحديات الاقتصادية المطروحة بسبب تدنّي المعاملات التجارية والاقتصادية المغاربية، واختلال ميزان التفاوض مع دول الاتحاد الأوربي بصدد عدد من القضايا الاقتصادية والأمنية والاجتماعية المشتركة.. وكل هذا العوامل مجتمعة، تفرض تجاوز الخلافات واستحضار المشترك، لبناء تكتل إقليمي واعد، يسمح بكسب رهانات تنموية واستراتيجية، كفيلة باستثمار المقومات الوازنة المتوافرة، على طريق تحقيق التقدم والرفاه لشعوب المنطقة.
إن طريق كسب هذا الرهان لا تخلو من صعوبات، إذا استحضرنا الوضع الراهن القائم في ليبيا، والذي يستدعي إرساء تصور مغاربي يدعم استقرار المنطقة، وإذا أضفنا إلى ذلك تهافت القوى الدولية والإقليمية الكبرى على المنطقة العربية بشكل عام ومن ضمنها المنطقة المغاربية على وجه الخصوص، وتزايد أهمية التكتلات في عالم اليوم. ورغم كل ذلك فإن تفعيل البناء المغاربي هو خيار مشروع وقابل للتحقّق، وبخاصة إذا ما تمّ التركيز على المحدد الاقتصادي كسبيل لتشبيك المصالح بين الدول المغاربية وطيّ الخلافات بشكل سلس يدعم وحدة وسيادة الدول الأعضاء، ما سيشكّل حصنا ضد أية ارتدادات محتملة، وهو ما تؤكده التجربة الأوربية في هذا الصدد، إضافة إلى اعتماد مقاربات تشاركية ضمن آليات اتخاذ القرار داخل الاتحاد بالانفتاح على إسهامات الفاعل الاقتصادي وفعاليات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والجامعات ومختلف النخب المغاربية الداعمة لهذا المشروع.
رغم المشاكل التي تواجه الاتحاد وتكرّس جموده، إلا أنه سيظل مشروعا استراتيجيا للحاضر والمستقبل، وتفعيله سيسمح حتما بالمساهمة في إنعاش النظام الإقليمي العربي الذي يمرّ بأحلك فتراته حاليا.
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره