مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2019-10-02

حوكمة الهجرة في عالم مرتبك

على امتداد التاريخ الإنساني، ساهمت الهجرة في نشر الأديان وتعزيز التواصل الحضاري، ولعبت أدوارا كبيرة على مستوى تبادل الخبرات والمنجزات العلمية والفكرية، وتطوير المجتمعات في مناطق مختلفة من العالم.. وتحت ضغط التحولات المتسارعة والكبرى التي شهدها العالم خلال العقود الأخيرة، أصبحت تطرح إشكالات كبرى بالنسبة للدول المصدرة أو المستقبلة لها، وبخاصة مع تزايد العوامل المغذية للظاهرة، وتصاعد التيارات اليمينية في عدد من البلدان الغربية.
 
عادة ما تبرز الهجرة في أقاليم متباينة من الناحية الاقتصادية، كخيار لتحسين الأوضاع، والبحث عن فضاءات أكثر استقرارا وأمنا، وهو ما يعكسه الوضع في منطقة المتوسط، وعلى الحدود الأمريكية - المكسيكية. ولم تفلح الجهود الدولية والإقليمية والوطنية في وقف النزوحات والتدفقات البشرية في اتجاهات مختلفة، تحت ضغط عدد من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والسياسية والعسكرية..
 
فبين عوامل جاذبة من الشمال، وأخرى طاردة من جهة الجنوب، يبدو أن هناك الكثير من المؤشرات التي تؤكّد أن الظاهرة مرشّحة لمزيد من التطور والتنامي في السنوات القادمة، فالأزمات والنزاعات، سواء الداخلية منها أو الإقليمية أو الدولية، تتناسل في مناطق عديدة من الكرة الأرضية، فيما تزداد الهوة بين شمال غني وبإمكانيات اقتصادية ضخمة..، وجنوب ما زالت تعيش معظم بلدانه على إيقاع المشاكل الاقتصادية والاجتماعية.. كما أن هناك غياب واضح لاستراتيجية دولية متكاملة وشمولية تتيح التعاطي مع الظاهرة، بأسلوب متوازن يستحضر أبعادها الإنسانية..
 
جاء في تقرير المنظمة الدولية للهجرة لعام 2018، أنه في عام 2015، قدّر عدد المهاجرين الدوليين بحوالي 244 مليون شخص على الصعيد العالمي، بما يناهز 3,3 بالمائة من ساكنة العالم، فيما أضحت الهجرة الداخلية أكثر انتشارا، بحوالي 740 مليون شخص هاجروا داخل بلدانهم.. وتوقّفت المنظمة في تقريرها هذا، على حجم المآسي التي تواجه جزءا كبيرا من المهاجرين الذين يركبون غمار رحلات محفوفة بالمخاطر برّا وبحرا، حيث أشارت إلى وفاة 7927 مهاجرا في جميع أنحاء العالم، أو فقدوا خلال عام 2016، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 26 بالمائة على عدد المهاجرين المتوفين أو المفقودين في عام 2015 (6281 شخصا). 
 
كما نبّهت إلى الارتفاع الملحوظ في عدد المهاجرين المتوفّين والمفقودين المسجل في البحر الأبيض المتوسط بنسبة 36 في المائة خلال عام 2016، إذ انتقل العدد من 3785 مهاجرا في عام 2015 إلى 5143 مهاجرا في عام 2016، احتل معها المتوسط أكثر من 60 في المائة من مجموع حالات المهاجرين المتوفين والمفقودين عالميا خلال السنتين، ورغم تأكيد المنظمة على تراجع عدد الغرقى في حوض المتوسط خلال عام 2018، مقارنة مع عام 2016، فإنها تشير مع ذلك، إلى أن المنطقة ماتزال يحتل موقع الصدارة، من حيث عدد الغرقى والمفقودين على المستوى العالمي.
 
وبغض النظر عن السبل التي تتمّ بها الهجرة، سواء كانت قسرية أو طوعية، أو شرعية وغير شرعية، أو علنية وسرّية..، ورغم الانعكاسات الإيجابية للظاهرة سواء فيما يتعلق بالاستفادة من الخبرات والكفاءات البشرية، أو المساهمة في تحقيق التنمية، وتطوير اقتصاد الدول.. إلّا أن هناك الكثير من المواقف السياسية وحتى الأكاديمية.. التي تركز على الجوانب السلبية للظاهرة سواء بالنسبة للدول المصدرة أو المضيفة..
 
وبين رؤية قاتمة، تربط الهجرة بالتطرف والإرهاب والمعضلات الاجتماعية التي تطال الدول المستقبلة، وتحمّل فيها المسؤولية للدول المصدرة بعدم بلورة سياسات عمومية تضمن استقرار الأشخاص في بلدانهم..، ورؤية أكثر واقعية، ترى في الظاهرة جوانب إنسانية مشرقة، تستحضر انعكاساتها الإيجابية على تطور الدول المستقبلة في مختلف الميادين، وانتعاش اقتصاديات الدول المصدّرة، وتحمّل المسؤولية في جزء منها لتراكمات الاستعمار.. تظل الهجرة بحاجة إلى مقاربات استراتيجية ومحوكمة، تدعم التواصل الإنساني، وتستوعب المكتسبات التي حققها المجتمع الدولي في مجال حقوق الإنسان.
 
فالهجرة الآمنة، تفرض احترام القوانين والاتفاقيات الدولية ذات الصّلة، وتعزيز التعاون الدولي، مع العمل بشكل جاد على طريق المساهمة في تدبير الأزمات الدولية والإقليمية المغذّية للهجرة والنزوح عبر مبادرات فردية أو إطار المنظمات الدولية المختلفة، إضافة إلى تعزيز مشاريع التنمية في الدول المعنية بالظاهرة وإحداث صناديق تنموية في هذا الصدد، بعيدا عن لغة الإحسان والمساعدات المرحلية..
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره