مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2013-01-01

رسالة السودان لدول الخليج

إن القدرات والمكانة الإستراتيجية التي يتمتع بها السودان تجعله يتبوأ مكانة محورية للعالم العربي بشكل عام ولمنطقة الخليج بشكل خاص، فالموقع الجغرافي القريب من دول الخليج لاسيما المملكة العربية السعودية عبر البحر الأحمر والقدرات البشرية والإمكانات الاقتصادية من المفترض أن تجعل من السودان نقطة إستراتيجية هامة لدول منظومة مجلس التعاون الخليجي، إلا أن دول الخليج ابتعدت ومنذ فترة من الزمن عن السودان بحجة حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني في ذلك البلد بسبب الحروب المتتالية والأزمات من جهة، ولطبيعة النظام السياسي في السودان الذي خلق لنفسه الكثير من العداوات مع المجتمع الدولي لاسيما مع الدول الغربية بسبب خطابه المتشدد، إلا أن هذا الابتعاد الخليجي والغربي عن السودان ولد فراغاً استطاعت قوى أخرى أن تنجح في ملئه لاسيما الصين وإيران.
 
لقد أبعدت الأوضاع الأمنية في السودان والعقوبات المفروضة على النظام في الخرطوم دول الخليج عن السودان، ولكن هذا الابتعاد شجع نظام الخرطوم على التقارب مع إيران، وهذا التقارب ينظر إليه على أنه تقارب منطقي، حيث أن الخرطوم تبحث لنفسها عن حلفاء يقفون معها ضد ما يعتبرونه في السودان "هجمة أمريكية إمبريالية" ضد النظام السياسي، فالصين وروسيا وإيران هي دول تستطيع السودان الاعتماد عليها في مواجهة مثل تلك الهجمة، لذلك مدت السودان يدها لمثل تلك الدول، واستثمرت تلك الدول في الحالة السياسية في السودان لتحقيق مكاسب إستراتيجية لها، ففي الوقت الذي تفرض دول العالم لاسيما الغربي منه عقوبات على الخرطوم، وتسحب دول استثماراتها من ذلك البلد، تستقبل الخرطوم السلاح والبضائع والاستثمارات من حلفاء المواجهة مع الولايات المتحدة والغرب، وفي ذلك بالطبع خسارة واضحة لدول الخليج العربي بالذات، فالتعاون السوداني مع إيران لم يقتصر على الدعم السياسي والاقتصادي والأخلاقي بل تعداه إلى الدعم العسكري، وفي ذلك تحد واضح لدول الخليج العربي، فرسوا سفن حربية إيرانية في ميناء بورتسودان المطل على البحر الأحمر والذي لا يبعد كثيراً عن شواطئ الساحل السعودي فيه إشارة واضحة على مدى حساسية الوضع في السودان تجاه منطقة الخليج، حيث أن ذلك يشير بوضوح على أن إيران ليست متواجدة فقط في مياه الخليج العربي ولا في العراق واليمن وحسب، بل أيضاً في البحر الأحمر وفي السودان بالتحديد، أي أنها تحيط بمنطقة الخليج بشكل واضح، وهذه رسالة خطيرة عن حال المهددات الأمنية لمنطقة الخليج العربي.
 
لا أدري إن كان النظام السوداني يدرك مدى حساسية مثل هذا الوضع لدى الدول الخليجية التي تتوجس من نوايا إيران، أم أنه يستخدمها لتحقيق مصالح معينة في علاقته مع دول الخليج العربي، أو أنه وقع أسير وضع لا يستطيع الخروج منه وبالتالي فهو يتعامل مع الأمور بشكل برجماتي، ولكن المؤكد هو أن السودان بحاجة إلى دول الخليج ولاسيما السعودية في تلطيف الجو مع الدول الغربية لاسيما في مسألة قرار المحكمة الجنائية ضد الرئيس عمر البشير، لقد حاول النظام السياسي في السودان مراراً كسب ود الغرب من خلال تقديم بعض التنازلات لاسيما في مسألة انفصال الجنوب، إلا أنه لم يحصل على ما كان يتوقع أن يحصل عليه من الغرب، فكانت النتيجة مزيداً من المواجهة من خلال التوجه نحو دول التشدد، لكن ما لم تتوقعه دول الخليج العربي في وجهة نظرنا هو عمق التحالف السوداني-الإيراني، لاسيما مع اكتشاف ما يعتبر أنه منشأة عسكرية تعمل لصالح إيران في السودان، دول الخليج بالطبع ضد أن تنتهك سيادة السودان بالشكل الذي تم عليه الوضع من خلال قيام حسب ما يقال طائرات إسرائيلية بضرب المنشأة العسكرية، إلا أن دول الخليج لا يمكن إلا أن تتوجس من مثل هذا الأمر بغض النظر عن صحته أو خطئه. فوجود واقع لنشاط عسكري إيراني داخل السودان أو أية دولة عربية أخرى يثير مخاوف الدول الخليجية، حيث أن المثل اللبناني يظل بارزاً للأعين في نجاح إيران في زرع قوة عسكرية موالية لها في الجسد اللبناني والذي أصبح له دور فاعل في التفاعلات العربية، بالطبع نفت الخرطوم وجود منشأة عسكرية إيرانية على أراضيها، ولكنها لم تقدم لدول الخليج بالذات ما يؤكد إدعائها.
 
قد يكون نظام الخرطوم مسؤولاً عن ما يدور من مخاوف جديدة لدى دول الخليج العربي، إلا أن دول الخليج تتحمل أيضاً ذات المسؤولية، فهي التي تخلت عن السودان أو لم تعره الاهتمام الأكبر، ولم تنظر إلى الأهمية الإستراتيجية للسودان بالنسبة لها، فسقط السودان فريسة في يد أطراف أخرى تضع دول الخليج نصب عينها في تعاملها مع الخرطوم .
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره