مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2018-08-01

روسيا.. ورسائل المونديال

 أسدل الستار أخيرا على فعاليات نهائيات كأس العالم في دورته الواحدة والعشرون بروسيا، وهي المناسبة التي طالما شكلت فرصة للدول المضيفة للاستفادة منها على مستويات عدة عبر توظيف حجم الزوار والزخم الإعلامي الذي يرافق ذلك، للترويج لثقافة البلد المضيف ولمقوّماته السياحية والحضارية والاقتصادية، وجلب الاستثمارات وتسويق الصورة عن بلد منفتح على العالم.
 
  تبرز الممارسة إلى أن الكثير من الدول استثمرت استضافة هذا الحدث العالمي بشكل ذكيّ مكّنها من تحقيق إقلاع اقتصادي وتنموي، وهو ما تعكسه الكثير من التجارب، فقد اقترن التحوّل الاقتصادي والسياسي الذي ميّز إسبانيا في العقود الأخيرة بثلاث أحداث رئيسية كان من ضمنها تنظيم كأس العالم لكرة القدم عام 1982، إلى جانب وصول حكومة “فيليبي غونثاليث” إلى الحكم خلال نفس السنة، والانضمام إلى الاتحاد الأوربي عام 1986..
 
فيما حققت جنوب إفريقيا عام 2010 إيرادات ضخمة من هذا التنظيم، ونفس الأمر ينطبق على البرازيل التي تمكنت من إنعاش اقتصادها عام 2014 بأكثر من 30 مليار دولار جراء هذا الاحتضان..
وإذا كانت فرنسا قد فازت بكأس العالم لهذه الدورة، فإن روسيا وبشهادة الكثير من المتتبعين والمختصين وإدارة (الفيفا)، كسبت رهان تنظيم هذا الملتقى العالمي بصورة ناجحة وراقية على عدة مستويات..
 
فقد عبّر رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) السويسري “جياني إنفانتينو” عن إعجابه الكبير بالظروف الجيدة التي مر منها هذا المونديال، مؤكدا أنه الأفضل في التاريخ منذ أول دورة احتضنتها الأورغواي عام 1930.
 
واستطاعت روسيا بذلك أن تبعث بعدد من الرسائل إلى العالم، مفادها أن هذا البلد الذي ظل الإعلام الغربي يصوّره بشكل لا يخلو من قتامة على المستويين الاجتماعي والتنموي.. منذ تفكك الاتحاد السوفييتي في بداية التسعينات، وباعتباره لا يملك مقومات الرّيادة كقطب قادر على منافسة الولايات المتحدة والغرب بشكل عام على قيادة العالم المعاصر، قد تعافى من مجمل الأزمات التي ورثها عن الاتحاد المنهار، واستطاع أن يراكم إصلاحات سياسية واقتصادية وتنموية سمتها الانفتاح، جعلته في مصاف الدول الكبرى، ليس فقط على المستوى العسكري كما يروج لذلك، وإنما بالنظر أيضا إلى مقومات اقتصادية وتقنية وبشرية أخرى..
 
إن منح شرف الاستضافة وبالنظر إلى الشروط المطلوبة في هذا الصدد، هو في حدّ ذاته شهادة واعتراف بامتلاك هذا البلد لشروط كفيلة باحتضان لقاء عالمي من هذا القبيل، ضمن سباق تنافسي مع عدد من الدول الطامحة لهذا الرهان..
 
ويبدو أن روسيا كانت في الموعد مع هذا الحدث العالمي الذي نظمته بحرفية عالية واستطاعت من خلال ذلك جني الكثير من المكاسب وبعث العديد من الرسائل، فعلى المستوى الاقتصادي، تشير كل المعطيات والأرقام الصادرة في هذا الخصوص إلى أن روسيا التي استثمرت إمكانيات ضخمة لتحديث الملاعب وتطوير البنيات التحتية من طرق وفنادق واتصالات ومواصلات.. بتكلفة وصلت إلى حوالي 13 مليار دولار، لتكون في مستوى الحدث الرياضي، ستكسب من هذا الأخير إمكانيات اقتصادية ومالية تتجاوز بكثير حجم نفقاتها في هذا الخصوص، قدرها البعض بحوالي 100 مليار دولار، تشكلها إيرادات الإقامة بالفنادق وتذاكر الدخول للملاعب وزيارة المرافق السياحية.. وبخاصة وأن إجراء المباريات وزعت على إثنى (12) ملعبا على امتداد إحدى عشرة(11) مدينة داخل البلاد..
وعلى المستوى الأمنى، وعلى عكس بعض المخاوف والشكوك التي أثارتها بعض وسائل الإعلام الغربية في هذا الخصوص مع التهديدات التي أطلقتها بعض التنظيمات المتطرفة(تنظيم داعش)، فقد مرّت أجواء المونديال في ظروف جيدة ما ستكون له انعكاسات إيجابية على قطاعات حيوية أخرى كالاستثمار والسياحة.. في المستقبل.
 
وعلى المستوى السياحي، تمكنت روسيا من تجاوز تلك الصورة النمطية والمنغلقة التي طالما سوقتها بعض القنوات الغربية؛ عبر تسويق مقوماتها الحضارية والثقافية مستثمرة في ذلك العدد الهائل من الزوار الذين حجّوا إليها، وكذا نقل المباريات إلى المشاهدين الذين قدر عددهم بحوالي مليار مشاهد على امتداد مناطق مختلفة من العالم..
 
وعلى المستوى الاستراتيجي، توفّقت روسيا إلى حد كبير في الترويج لبلد منفتح يساير التطورات العالمية في أبعادها المختلفة، والتأكيد على أن الحضور الدولي المتزايد لهذا البلد على مستوى تدبير عدد من القضايا والأزمات الدولية يجد سنده في حالة الانتعاش الاقتصادي والاستقرار السياسي الذي تعزّز مع الرئيس “يلتسين” خلال السنوات الأخيرة..
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره