مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2020-04-30

عالم ما بعد كوفيد - 19

لقد عكست جائحة كوفيد - 19 أو فيروس كورونا العديد من التحديات للنظام العالمي الذي نعيش فيه، مما يشير وبصراحة إلى أن النظام العالمي الحالي وأسسه ستشهد بعض التغيرات والتأثيرات الكبيرة في المستقبل القريب. فعالم أو نظام ما بعد كورونا لن يكون هو ذاته نظام ما قبل كورونا. وهنا سنركز على تأثير جائحة كورونا على أحد أهم أسس النظام العالمي الا وهي العولمة وتطبيقها في عالم ما بعد كوفيد - 19. 
 
إن النظام العالمي لما قبل كوفيد - 19 اعتمد بشكل كبير على العولمة، التي استطاعت أن تُغير العالم إلى قرية صغيرة يتفاعل مع جوانبه المختلفة وفق أسس سهولة انتقال الأفراد والبضائع ورأس المال بما يحقق التنمية والتقدم لشعوب دول العالم. كانت الفكرة لدى الدول أن العولمة يمكن السيطرة عليها، إلا أن الأمر اتخذ منحى آخر، حيث أدخلت العولمة تحديات جديدة للدول، عرض مفهومها للأمن الوطني للخطر، وفي مقدمتها انتشار الأفكار المزعزعة للأمن والاستقرار، وانتقال الأمراض والأوبئة بين حدود الدول كما نشهده يحدث اليوم في العالم مع تفشي فيروس كورونا لمختلف دول وبقاع العالم. لقد كانت العولمة هي السبب الأول والرئيس وراء انتشار هذا الوباء بشكل سريع ومخيف، من نقطة ظهوره في أراضي الصين البعيدة كل البعد جغرافياً إلى مختلف دول العالم. فلولا سهولة الانتقال للأفراد لما تمكن هذا الفيروس من الانتشار بهذا الشكل الجنوني. لذلك فإن هذه الجائحة المتفشية في عالم اليوم ستفرض على الدول اتخاذ مزيد من السياسات والإجراءات التي من شأنها أن تحد من درجة الانفتاح العولمي الحادث في العالم. نعم ستبقى العولمة قائمة لأنها سبيل مهم لتحقيق التبادل المشترك بين دول العالم، ولكن حجم هذه العولمة وسرعتها ستلقى تراجعا في عالم ما بعد كوفيد - 19. 
 
لقد أثبت جائحة كوفيد - 19 أن الاعتماد على الغير ليس هو الخيار الأمثل في الأزمات. وهذه حقيقة يمكن أن تطبق على معظم الأزمات، حيث أن العالم إذا ما اتجه إلى أزمة مشتركة كبيرة تجده في البداية ينغلق على نفسه أكثر من أن يعمل على التعاون مع الأخرين لمواجهتها. وجائحة كورونا تعطي خير مثال على ذلك، حيث شاهدنا الانغلاق الدولي لكل دولة على نفسها، وأصبح همها وتفكيرها الأساسي منصب حول أمنها الوطني وكيفية حماية ذاتها وليس على مساعدة الآخرين حتى لو كانوا قريبين ومن حولها. فهذه أوروبا التي يُضرب في اتحادها الأوروبي المثل في التعاون والتنسيق المشترك، لم تُحرك ساكنا لدعم إيطاليا - الدولة الأوروبية العضو في الاتحاد والتي عانت بشكل كبير من هذا الوباء- في أزمتها مع كورونا. الكل اتجه إلى الأنانية السياسية، واتبع الاستراتيجية الواقعية التي تقول نفسي-نفسي أولا. وهذا في حد ذاته كسر واضح لفكر وممارسة العولمة التي تدعو للتواصل مع الغير لا الانعزال عنه.  
 
وأثبتت جائحة كوفيد - 19 كذلك أن الاعتماد على العولمة وفلسفة الاعتماد المتبادل بين دول العالم في انتقال البضائع لم تجدي بشكل فعال. فهناك العديد من دول العالم التي كانت تعتمد على استيراد المستلزمات الطبية الضرورية لمواجهة انتشار كورونا (كالكمامات، وسترات التمريض، وأجهزة التنفس الاصطناعي) غدت اليوم غير قادرة على الحصول على مثل تلك المستلزمات بالأعداد المطلوبة نظراً لتزايد الطلب العالمي وقلة المعروض. بل أن بعض الدول أصبحت تتنافس مع بعضها البعض، وبعضها يتصارع من أجل الحصول على تلك المستلزمات. هذا الأمر سُيلقي بضلاله على عولمة ما بعد كوفيد - 19، حيث سيجعل الدول تتجه إلى التصنيع المحلي والتقليل من الاعتماد الخارجي على العديد من المستلزمات والمنتجات الضرورية في فترة الأزمات. الأمر الذي سيقلل من الاعتماد العالمي المتبادل ويضعف بالتالي العولمة بشكل كبير، بداعي العمل على خلق الاكتفاء الذاتي من المنتجات المطلوبة في فترة الأزمات. وهذا أمر طبيعي، لكنه بالطبع يضرب في صميم فكرة الاعتماد المتبادل التي جاءت مع العولمة.  
            
فالعولمة ستكون إحدى أهم الجوانب المتضررة من تأثيرات جائحة كورونا. وبالطبع هناك العديد من الجوانب الأخرى المهمة ستتأثر هي أيضاً في نظام ما بعد كوفيد-19، وهذا ما سنتحدث عنه في المرات القادمة.
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره