مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2020-10-08

قراءة سياسية في الخطوة الإماراتية مع إسرائيل

اتجهت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، منهية بذلك مقاطعتها للدولة العبرية، ولتنضم إلى كل من مصر والأردن في قائمة الدول العربية التي تُقيم علاقات دبلوماسية طبيعة مع إسرائيل. في هذه المقالة سأقدم قراءة سياسية لهذه الخطوة من  وجهة نظر المتخصص في العلاقات الدولية والمهتم بالشأن السياسي الخارجي الإماراتي، والتي تُعبر عن وجهة نظري العلمية الخاصة. تحليلنا لهذه الخطوة يقول بأن اعتبارات المصلحة الإماراتية والنظرة الإماراتية لواقع السياسة في المنطقة هو الذي جعلها تتجه نحو هذه الخطوة. وهنا يمكن إجمال تفسيرات هذه الخطوة في التالي:
 
أولاً، إن الحالة المُزرية التي وصلت إليها القضية الفلسطينية بسبب تحكم أصحاب الأجندات الخاصة غير الوطنية في استغلال القضية الفلسطينية للمتاجرة بها من أجل مشاريعهم أدخل المنطقة العربية في متاهات انقسام وحالة من التراجعات التي لم ولن تخدم القضية الفلسطينية ولا العرب لا من قريب ولا من بعيد. فالإمارات أرادت أن تقول كفى للإتجار بالقضية الفلسطينية، وكفى لإهدار الطاقات العربية في مشاريع خاسرة لا تخدمنا بل تُعيدنا للوراء وتُضيع علينا فرص الانتقال إلى الأمام. فالإمارات لم تشأ أن تُبقي نفسها في دوامة ذلك الصندوق المغلق الذي يستنزف قدراتها وطاقاتها بعيداً عن ما يمكن أن يحقق النهوض والاستمرار في التنمية.  
 
ثانياً، لقد كثُرت المشاريع التدميرية لمنطقتنا العربية، وساير هذه المشاريع أطراف عربية وللأسف الشديد، وهذه المشاريع تستخدم القضية الفلسطينية لصالح أجندتها الذاتية وأحداث الشق العربي. فحال العالم العربي اليوم أصبح في شتات كبير. فإيران تستغل بقاء القضية الفلسطينية للمحافظة على ديمومة فكرة المظلومية لحشد التأييد الشعبي والعربي والإسلامي ضد إسرائيل والولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة. وهي وللأسف لم تقدم شي للقصية الفلسطينية يُفيد نحو إقامة الدولة الفلسطينية سوى دعم الانشقاق الفلسطيني الداخلي وتعزيز معاناة الفلسطينيين. وتركيا تستخدم القضية الفلسطينية لشعاراتها الزائفة وهي تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وتبادلاتها الاقتصادية معها كبيرة، وتشتري السلاح الإسرائيلي! ومن ثم تأتي مثل هذه الدول لتأجج الشارع العربي ضد أنظمته الحاكمة! فالإمارات من خلال تحركها بالتوجه إلى قبول إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل فإنها تقول بأن على العرب أن يقفوا في مواجهة النفاق السياسي التركي والإيراني فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وأن تكون لهم كلمة لا تساير خطهم الذي يريدونه للمنطقة السير من خلاله لاستمرار حالة العداء بين الدول العربية وإسرائيل من أجل خدمة أجنداتهم ومشاريعهم.  
 
ثالثاً، نقول في السياسة بأن عدو عدوي صديقي، كما نقول أن الدول عليها ترتيب أعداءها أو خصومها الاستراتيجيين. الواقع يقول بأن إسرائيل ليست عدواً مباشراً لدولة الإمارات أو الخصم الأول لها، وإنما العدو المباشر  والخصم الأول اليوم هي الدول التي تحمل مشاريع تفكيكية للدولة الوطنية العربية مثل تركيا وإيران. فتركيا تدعم وبصراحة صارخة تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي وتمولهم بهدف تعزيز نفوذهم في الدول العربية وتقوية شوكتِهم بين شعوب المنطقة بهدف إيصالهم إلى السلطة. 
 
وإيران تدعم النعرات الطائفية بين شعوب المنطقة العربية من أجل تقوية العناصر الشيعية الموالية لها في دول المنطقة؛  لذلك فان التعاون مع إسرائيل من شأنه أن يخلق درجة من التوازنات في السياسة الإقليمية، وهي رسالة واضحة بأن الدول الخليجية قادرة على أن توسع دائرة شركائها الاستراتيجيين.     
         
وأخيرا، هذا التقارب مع إسرائيل هو رسالة واضحة لواشنطن ومن فيها ممن يتخذون القرار السياسي تجاه المنطقة العربية بأن دولة الإمارات دولة مسئولة في النظام الإقليمي ولا تحمل أجندات تؤثر سلباً على المصلحة الأمريكية في المنطقة والتي لطالما ربطها بعض المُشرعون في واشنطن بإسرائيل. رسالة الإمارات لواشنطن أننا دولة نتشارك في المصالح مع الولايات المتحدة وبالتالي لا يمكن أن تؤخذ مواقفنا على أنها مضرة بالمصلحة الأمريكية في المنطقة. رسالة مهمة حيث لطالما حاول البعض في واشنطن إثارة التشكيك حولها لدى البعض هناك. إسرائيل طرف مؤثر في واشنطن، وبالتالي التقارب معها يخدم مصلحة الإمارات في عاصمة القرار العالمي.  
 
أعتقد بأن هذا التحرك الإماراتي يصب في المصلحة الإماراتية والمصلحة الفلسطينية أيضاً، حيث أنه أصبح اليوم هناك طرفاً عربياً فاعلاً متواجد بشكل مباشر على الخط مع إسرائيل يمكن ان تكون كلمته مؤثرة في تل أبيب تجاه القضية الفلسطينية، وهذا ما ستسعى دولة الإمارات في وجهة نظرنا إلى السير فيه من خلال علاقتها الطبيعية مع إسرائيل. 
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره