مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2019-09-03

قطر وصناعة الاحتلال

على نظام «الحمدين» أن يدرك أن المخاطر والتحديات التي يمكن أن يخلفها بناء قاعدة عسكرية تركية جديدة، لن تقتصر على تحقيق رغبتها في زيادة توتير العلاقات الإقليمية مع دول مجلس التعاون  الخليجي أو الاكتفاء في «مسخ» مفهوم السيادة الوطنية لدولة قطر خاصة وأنها بدأت تتبع نهج جديد في علاقاتها الدولية، كنوع لتهدئة قلقها، وهو اتباع أسلوب تنويع مصادر «احتلال» دولة قطر من خلال الاستعانة بالقوات الإيرانية والتركية.
 
ما يحدث على أرض قطر بشكل صريح هو ترسيخ تركيا لوجودها في المنطقة والعمل على تثبيت موقعها الاستراتيجي لأن الدفعة الجديدة من قواتها تختلف عن القوات السابقة التي جاءت في عام 2014 أنها تتميز بمواصفات أكبر من العدد وبحضور عسكري نوعي، منها الاستخبارات، كما تمتاز بمعدات عسكرية جديدة وبالتالي يكون الأخطر والأصعب على الدولة القطرية هو: تفكير قياداتها في إخراج هذه القوات من بلادها أو ما يعرف سياسياً، الاستقلال منها إذا أخذنا تواجدنا الحالي هو احتلال. 
 
 يزيد من صعوبة الأمر حالة تعامل الرئيس التركي طيب أردوغان مع أمير قطر الحالي (كما تظهره الصور) أن فيها من الاستعلاء والكبرياء الكثير ما يوضح عدم اقتناعه بمسألة أن دولته حليف لقطر، فهو في كل لقاءاته مع أمير دولة قطر تجده يمشي بعيداً عنه ومختالاً عليه حتى عندما يكون ضيفاً في قطر، وهو ما يعطي انطباعاً بأن هو صاحب القرار النهائي في هذه المسألة وغيرها كما يشير هذا السلوك سياسياً إلى صعوبة التفاهم مع أردوغان بقدر أن يملى عليه القرارات، هذا غير تلك الذهنية التركية الفوقية التاريخية باعتبارها امبراطوية حكمت دولة قطر في السابق وهي العقلية التي لا تختلف عن العقلية الفارسية والتي يعني العالم منها فالمسألة ليس فيها تكافئاً سياسياً بين الحلفاء بقدر ما هي ممارسة قوة إقليمية على دولة صغيرة ولن يتحقق الخلاص منها إلا بأثمان باهظة.
 
أغلبنا يدرك أن نظام أردوغان، الذي يشترك مع «نظام الحمدين» في دعم تنظيم «الإخوان المسلمين الإرهابي» يتفنن في استغلال حالة الرعب والقلق الذي يعيشه من دول المقاطعة له من إمكانية القيام بعمل عسكري الذي لا وجود له إلا في خيال «الحمدين» وتفكيرهم اللاوعي، وبالتالي فهو يوهمهم بأنه هو الذي يمكن أن يحميهم ويقدم خدمات له في الحفاظ على نظامهم واستمراريته مع أن العواقب البعيدة المدى والقصيرة لن تكون سهلة عليه.
 
إذا كان متخذ القرار القطري يصر على إضاعة عشرات الفرص التي تمنح له من دول جواره الخليجي ومواجهة حقيقته تجاوزاته في تخريب الاستقرار والأمن العربي فإن عليه أن يدرك واقع المخاوف وحجم الرعب الاستراتيجي الذي يمكن أن يخلفه تسليم قرارت سيادية لنظام يتم اتخاذ القرار فيه بشكل أوحد أو مركزي أو ما يمكن تسميته بالديكتاتوري حيث لا تأثير لمؤسسات النظام ولا للرأي العام فيها.
 
لأردوغان طموحات شخصية في تحقيق حلمه العثماني وما يقلق أن ينتقل هذا الطموح إلى من يأتي بعده وحينها فإن مسألة التخلص من «الاحتلال» التركي لن تكون بتلك السهولة التي ربما تكون مع الدول الغربية التي تقتصر طموحاتها وأهدافها في حماية مصالحها فقط وليس التدخل في شؤون الدول، كما يرجع خطورة هذه المغامرة القطرية براغماتية أردوغان التي يتعامل بها مع «حلفاءه» ورأينا أمثلة على ذلك في الإقليم مع سوريا وفي العالم مع الولايات المتحدة وروسيا، فكيف الأمر مع دولة صغيرة مثل قطر، حيث لا يجد حرجاً في التخلي عنه أو المساومة عليه. 
 
المقصود من هذا، أنه على «نظام الحمدين» أن يمتلك الشجاعة لمواجهة الحقيقة وعدم المكابرة من خلال التمعن والتفنن في خلق الفجوة في الداخل القطري باعتبار أن هذا التصرف له تبعات وطنية واقتصادية وخلق فجوة إقليمية متمثلة في زيادة استفزاز جيرانه. 
 
بعض القرارات لا تستقيم إلا بوضعها في إطار عقلاني كي يطابق المنطق وإلا فإنها تعني أنها عشوائية وغير مستقيمة وبالتالي علينا ألا نتوقع منها نتائج إيجابية أو منطقية، دعم تنظيمات إرهابية ومتطرفة هو بمثابة كمن يربى «حية» ويعتني بها فترة من الزمن ظناً منه أنه يستطيع ترويضها ولكن بمجرد أن تعود إلى طبيعتها الأصلية أو أن يتم التوقف عن الاعتناء سوف تلدغه. كما أن المكابرة مع الأشقاء من أجل التعاون معهم في وضع حد لأهداف أثبتت ضررها على الإقليم العربي وحتى على الدولة القطرية نفسها من خلال ممارسة سلوكيات تخدم أجندات من يسعون الخراب للمنطقة عن طريق القفز على الواقع واتباع سياسة الهروب إلى الأمام بدل  مواجهة الحقيقة ومعالجته فهذا عادة ما تكون نهايته وخيمة.
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره