مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2018-07-01

قمّة ترامب وكيم.. والسّلام الصّعب

 بعدما وصلت أزمة الملفّ النووّي لكوريا الشمالية إلى مرحلة الذّروة؛ مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وإطلاقه لتصريحات لا تخلو من وعيد وتهديد لوقف التوجهات والمطامح الكورية في هذا الصدد من جهة، وخروج الزعيم الكوري الشمالي بمواقف صارمة باستهداف الولايات المتحدة نفسها ولمصالحها في المنطقة من جهة أخرى.. بدأت الأجواء تتلطف؛ مع انعقاد القمة التاريخية بين رئيس كوريا الجنوبية «مون جي» ونظيره الكوري الشمالي «كيم جونغ أون» (أبريل 2018) في منطقة «بانمنجوم» الحدودية، لتخفيف حدّة الصراع والتوتر القائمين، وإرساء قدر من الثقة والتواصل بين الجانبين..
 
أعقب القمة إصدار بيان مشترك، تم التأكيد فيه على ضرورة إقرار معاهدة سلام بين الجانبين، والحدّ من التسلح العسكري ومن التوجهات المعادية للطرفين، وتعزيز التواصل الإنساني عبر لمّ شمل العائلات المتضررة من الحرب السابقة.. وهو ما خلّف أجواء انفراج وتفاؤل لتحقيق السلام في شبه الجزيرة الكورية التي طبعها التوتر على امتداد عقود عدّة..
 
بعد هذا التقارب؛ بدا أن هناك جهودا حثيثة تبذل لإرساء سلام مستدام في هذه المنطقة، انخرطت  فيها العديد من القوى الإقليمية الكبرى كالصين التي قامت بمساع حميدة ووساطات في كل الاتجاهات، للحيلولة دون تأزم الأوضاع في محيطها الإقليمي، وللتقليل من كلفة الصراع، والبحث عن حلّ يمنع التدخلات الأجنبية في المنطقة..
 
وفي خضمّ هذه الأجواء، انعقد بتاريخ 12 يونيو 2018؛ لقاء تاريخي آخر جمع كلا من «كيم جونغ» و»دونالد ترامب»، لاحتواء تداعيات تطوّر الملف النووي الكوري الشّمالي، ووضع أرضية تسمح بالمحافظة على السلم والأمن إقليميا ودوليا.. بدل سلام مؤقت وهشّ..
 
إن سعي الولايات المتحدة وكوريا الشّمالية إلى عقد هذا اللقاء، تحكّمت فيه حسابات مصلحية لكلا البلدين، ففي الوقت الذي تطمح فيه «بيونغ يانغ» إلى كسر  العزلة التي تطوقها بفعل العقوبات الاقتصادية المفروضة من الجانب الأمريكي.. تسعى الولايات المتحدة من جانبها إلى تأمين محيطها في مواجهة الأسلحة الاستراتيجية والبعيدة المدى لكوريا؛ والتي أصبحت تهدّد الحدود والمصالح الأمريكية بشكل جدّي..
 
لم يخف الطرفان الأمريكي والكوري الشمالي تفاؤلهما بشأن مستقبل العلاقات بين البلدين والتفاهم بصدد الملف النووي، فقد عبّر»ترامب» عن ارتياحه إزاء هذه القمة، وعن استعداد بلاده لبناء علاقات جديدة مع كوريا، بعد تعهد الرئيس «كيم» بتدمير مواقع الصواريخ البالستية، المستعملة في إجراء التجارب النووية.. فيما اعتبر هذا الأخير، أن الأمر يتعلق ببداية جيّدة لتجاوز الشكوك، وبناء السلام؛ رغم التحديات والصعوبات المطروحة، مبرزا استعداد بلاده للعمل الجادّ لتحقيق هذا الرهان.
 
أثمر اللقاء توقيع وثيقة تعهد من خلالها الطرفان بإخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية، وتقديم الضمانات الأمنية لكوريا الشمالية، وبإقامة علاقات جديدة، ومتابعة المفاوضات..
 
خلّف اللقاء ومخرجاته ترحيبا دوليا واسعا، فكوريا الجنوبية عبرت عن ارتياحها لهذه الخطوة التي طوت زمن الحرب الباردة، أما الصين فأعلنت أن الأمر ينبّئ بتاريخ جديد، ودعت إلى نزع السلاح من شبه الجزيرة الكورية، وهو الموقف نفسه الذي عبّر عنه الاتحاد الأوربي، فيما رحّبت روسيا باللقاء، أما الأمم المتحدة فدعت إلى استثمار هذه الخطوة لنزع السلاح النووي من المنطقة.. فيما حذّرت إيران الطرف الكوري من مغبة تصديق «ترامب» الذي تنصل من الاتفاق النووي المبرم معها..
 
إن دخول أطراف دولية وإقليمية كبرى، كما هو الشأن بالنسبة للصين، وروسيا واليابان.. على خطّ توفير أجواء من الثقة الداعمة لهذا اللقاء، ستمنح مخرجاته مصداقية أكبر..
 
لا شك أن التوصل إلى تسوية متكافئة تحفظ ماء وجه كل الأطراف المعنية بهذا الملف، سيفرز مناخا جديدا، كما قد يفضي الأمر إلى إحباط كل الطموحات الإيرانية الرامية إلى امتلاك السلاح النووي..
حقيقة أن العقوبات الأمريكية على «بيونغ يانغ» ما زالت قائمة وخاضعة لتقييم الأوضاع الميدانية، لكن ثمّة الكثير المؤشرات التي تحيل إلى قدر من التفاؤل، بعد تعهّد الولايات المتحدة بوقف مناوراتها العسكرية مع كوريا الجنوبية بالموازاة مع هذه المفاوضات..
 
رغم أهمية القمّة، تظلّ الكثير من الأسئلة معلّقة، فهل تسمح كوريا الشمالية بالتخلي عن ترسانتها النووية التي ترى فيها وسيلة لحماية نظامها السياسي؟ وهل تدفع الولايات المتحدة في اتجاه توحيد الكوريتين وهي التي أعاقت ذلك تاريخيا؟    
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره