مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2012-07-01

كوريا الجنوبية ... الإعجاز بالإنجاز!

لا يصل الإنسان إلى الحقيقة عن المجتمعات من دون أن يزورها، هذا ما تعلمته من خلال الأسفار التي تثريني وتجعلني أكثر غنىً بتجاربي واحتكاكي بالمجتمع، حين تزور هذا البلد أو ذاك غص في عمق أهله، مشكلة الكثيرين أنهم يقابلون فقط أهاليهم هناك حين يسافرون، ولا يدخلون بعمق في صميم المجتمع الذي زاروه وهذا يفوت عليهم الكثير من الأمور الغنية والثرية التي كان يمكن أن يحصلوا عليهم لو أنهم قللوا الاحتكاك بنطاقهم الضيق ودخلوا إلى صلب المجتمع، وهذا ما أنصح به المبتعثين أن يضعوا لهم شقةً لا تختلف عن شقق بلدانهم، وأن يغيروا من شللهم، ذلك أن الشلل تشلّ أحياناً وتطمس شخصيتك وتلغي قيمة اطلاعك على الآخر، كنتُ ولازلت مع هذه الفكرة، وقد اتضحت لي أكثر أثناء زيارتي لكوريا الجنوبية، وكم كانت غنية هذه الزيارة.
 
 
أظن أن احتكاكنا نحن كخليجيين بالغرب أكثر من احتكاكنا بالشرق، وهذا يعود إلى المشتركات الثقافية بيننا وبين الغرب، نعم مشتركات ثقافية، ذلك أننا نشترك معهم في الانتماء للأديان الإبراهيمية مما يجعل الأذواق قريبة في الأكل والشرب والعيش وتفاصيل كثيرة، على عكس الشرق الذي تطغى عليها الديانات غير السماوية والتي تتمحور حول البوذية أو الكونفوشيوسية وغيرها، ومن الغريب أن يغضب البعض حين نقول أن الولايات المتحدة وأوروبا دول متدينة بمجتمعاتها، مثلاً المجتمع الأمريكي متدين على عكس ما يظنّ بعض الوعاظ، هذا التقارب بيننا وبين الغرب جعل الناس يطمئنون لأوروبا وأمريكا كثيراً بسبب هذه المشتركات، من هنا غاب عنا الشرق كثيراً، إذ من النادر أن تجد شخصاً يسعى لأن يمتلك شقة في سيؤول أو بكين أو غيرهما، بينما يسعى لأن يسكن باريس أو لندن أونيويورك، من هذه الناحية كان انبهاري بكوريا الجنوبية كبيراً لأنها فتحت لي كوة في عمق الغيبة عن هذا الشرق الكبير. 
 
 
هذا التنين الكوري يبهر بتفاصيله الكثيرة بالغنى الثقافي والاجتماعي، بل لفت نظري التسامح بين الكوريين، رغم اختلاف الديانات وتنوعها، بل ورغم كون نصف الكوريين لا يدينون بدين أصلاً، ومع ذلك يسود الوئام والتسامح والاحترام، ولا عجب فهو مجتمع بطبعه أخلاقي، مثلاً وعلى الرغم من الانفتاح الثقافي والعولمي الذي طرأ على الثقافة الكورية، بقي المجتمع متمسكاً بالكثير من العادات والتقاليد المتعارف عليها.
كوريا الجنوبية بئر يستحق أن ينزل إليه ويكتشف عمقه، وليت أننا في الخليج نعطي الشرق ولو بعض الاهتمام للنهل من معين تسامحه وثقافته، فالإرث الثقافي في الشرق لا يعد ولا يحصى، لنتذكر الثقافات والأعماق والتعدديات في كوريا الجنوبية، فهي تلهم زائرها، كوريا الجنوبية استطاعت أن تكون من الدول الكبرى في العالم صناعياً وشقت طريقها منذ القرن العشرين، والماشي في شوارع سيؤول يدرك أن هذه الأمة الكورية لم تنهزم رغم التحديات الطاحنة والانكسارات العديدة، غير أنها مثل طائر الفينيق الذي ينهض من الرماد.
 
 
لنقرأ معاً هذه الأرقام: 
كان متوسط دخل الفرد سنوياً في كوريا في العام 1987 دولاراً في العام، وبلغ متوسط دخل الكوري الجنوبي في العام 2011 ما يعادل 22,500 دولار، كانت الصادرات في 1962 تعادل قيمتها 45,7 مليون دولار وفي العام 2011 بلغت الصادرات 555,200 مليون دولار، أما الاستيراد الكوري الجنوبي في العام 1962 فبلغ 421,8 مليون دولار، وفي العام 2011 بلغ الواردات 424,400 مليون دولار.
كانت الصادرات الكورية في الستينات: الحديد الخام، والحبار، والسمك الخام، أما في 2011 فكانت أهم صادرات كوريا الجنوبية: الناقلات البحرية الضخمة، حيث تمتلك كوريا أضخم 6 ناقلات في العالم، والمنتجات النفطية، والشرائح الالكترونية.
 
 
وارتفع متوسط أعمار الكوريين مع فارق المعيشة والتعليم والخدمات الصحية من متوسط 52,6 عاماً للرجال و53,7 للنساء في العام 1962 إلى 77 عاماً للرجال و84 عاما للنساء، بينما كانت نسبة الملتحقين بالكليات من خريجي الثانويات العامة في 1962 لا تتجاوز  8,4 % وقفزت في العام 2011 لتبلغ 82 % .
إنها أمة عظيمة استطاعت أن تهزم كل الانكسارات.
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره