مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2017-09-06

كوريا الشّمالية.. بين مناورات الرّدع وواقع العزل

رغم التحولات الكبرى التي شهدها العالم منذ بداية التسعينيات؛ بعد تراجع البعد الإديولوجي لصالح المقوّم الاقتصادي ونظيره التكنولوجي..؛ ممّا دفع الكثير من الدول التي ظلت تسبح لعقود في «فلك موسكو» إلى اعتماد إصلاحات اقتصادية وسياسية هامّة.. ظلّت بعض الأنظمة منكفئة على نفسها  ولم تنخرط في الدينامية التي فرضتها هذه المتغيرات تحت ذرائع ومبررات مختلفة..
 
  اقتنعت كوريا الشمالية مبكّرا أن الولوج إلى النادي النووي في ظل التدابير الصارمة التي فرضتها المعاهدة الدولية لمنع انتشار السلاح النووي أضحى أمرا مستحيلا.. ورغم انضمامها لهذه الأخيرة؛ فإن إصرارها على امتلاك عنصر الردع والرغبة في تأمين؛ دفعها للانسحاب منها عام 2003؛ لتنهج بعد ذلك سبلا ملتوية لاقتحام هذا المجال اعتمادا على سياسة فرض الأمر الواقع؛ وهو ما تحقق لها في عام 2006 عندما أعلنت بشكل رسمي نجاح تجربتها النووية الأولى..
 
توالت بعد ذلك التجارب والجهود على هذا الطريق.. وهو ما خلف أجواء من القلق والترقب في أوساط عدد من الأطراف الإقليمية ككوريا الجنوبية واليابان.. والقوى الدولية الكبرى كالولايات المتحدة التي لم تتوان عن فرض عقوبات اقتصادية وعسكرية صارمة على نظام «بيونغ يانغ» الذي أدرجته ضمن لائحة «الدول المارقة» و»محور الشر»..
 
تصرّ كوريا الشمالية من جانبها على تحدّي التهديدات والضغوطات الأمريكية والاستمرار في تطوير إمكانياتها النووية؛ فقد أكّد وزير خارجيتها أخيرا؛ استعداد بلاده لتلقين «درس قاس» لأمريكا؛ معتبرا أن برنامجها النووي لا يقبل التفاوض.. بل وصل الأمر إلى حدّ التهديد باستهداف جزيرة «غوام» في المحيط الهادي بالصواريخ البعيدة المدى؛ قبل التراجع عن ذلك..
 
لم تفلح الإدارات الأمريكية المتعاقبة في إغراء أو إرغام النظام الكوري الشمالي على التراجع عن طموحاته وتوجهاته النووية؛ أو المراهنة على إسقاطه من الداخل رغم الإكراهات الاجتماعية والاقتصادية التي تعرفها البلاد.. 
 
يشير الكثير من الباحثين إلى أن المرونة التي تقابل بها بعض القوى الدولية الكبرى هذا الملف؛ كما هو الشأن بالنسبة لروسيا؛ أو الصين التي تحتكر زهاء 90 بالمائة من المبادلات التجارية الخارجية مع هذا البلد..  أسهم بشكل ملحوظ في تمادي كوريا الشمالية على طريق تحدّي الضغوطات الغربية والأمريكية ومراكمة عدد من التجارب التي دعمت مشروعها النووي..
 
ما زالت الولايات المتحدة الأمريكية تزاوج في تدبيرها لأزمة الملف النووي لكوريا الشمالية بين سياسة «العصا» بما تحيل إليه من ضغوطات وتهديدات؛ وسياسة «الجزرة» بما تنطوي عليه من إغراءات اقتصادية ودفع بعض القوى الإقليمية كالصين لإيجاد مخرج ملائم.. غير أن ثمّة مستجدات حدثت أخيرا من شأنها تضييق الخناق على النظام الكوري الشمالي..
 
ففي الخامس من شهر غشت/ أغسطس 2017 وبالموازاة مع استعداد الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الجنوبية للقيام بمناورات عسكرية بحرية.. أصدر مجلس الأمن قراره رقم 2371 بموجب الفصل السابع من الميثاق الأممي، بموافقة الدول الكبرى بما فيها الصين وروسيا، أعرب فيه عن بالغ قلقه إزاء التجربتين النوويتين اللتين أجرتهما كوريا الشمالية بتاريخ 03 و28 تموز/ يوليو 2017؛ كما دان هذا السلوك الذي اعتبره شكلا من أشكال تهديد السلم والأمن الدوليين؛ مبديا قلقه أيضا إزاء الصعوبات والإكراهات التي يعانيها الساكنة داخل هذا البلد جرّاء سعي النظام القائم إلى توظيف الإمكانات المالية والاقتصادية المتاحة في سبيل التسلّح النووي على حساب متطلبات التنمية والحاجات المتزايدة للمواطنين..
 
وتضمّن القرار فرض عقوبات صارمة على هذا البلد تمحورت حول حظر استيراد الفحم والمنتجات البحرية والحديد والرّصاص؛ وحظر استقبال عمال من كوريا الشمالية؛ والتضييق على الاستثمارات في هذا البلد وتجميد الأموال بعض الأفراد والمؤسسات.. فيما أصدرت رابطة الأسيان من جانبها بيانا عبرت فيه عن «قلقها العميق» بشأن التوجّهات الأخيرة لكوريا الشمالية؛ التي تشكّل تهديدا خطيرا للسلم والأمن الدوليين.. بما يزيد من عزل هذا البلد عن محيطه الإقليمي والدولي..
 
رغم تركه باب الحوار الدبلوماسي مفتوحا؛ يصرّ الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» في تعاطيه مع الملف على إطلاق تهديدات صارمة بدت في جزء كبير منها جدّية؛ وفي مقابل ذلك يرفع نظام «بيونغ يانغ» خطاب التحدّي اقتناعا منه بامتلاك مقومات الردع.. وفي ظل أزمة الثقة القائمة بين الطرفين والتي تبقي الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات؛ تطرح أهمية بلورة مساع حميدة ووساطات دولية وإقليمية تحدّ من تصاعد الأزمة؛ بما يحفظ ماء وجه الأطراف المعنية ويسهم في تحقيق أمن مستدام في منطقة حبلى بالتّحديات والمخاطر..
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-02-26 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره