مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2021-07-05

لا فائدة من التوتر الأمريكي الصيني

منذ عدة سنوات والعلاقات الأمريكية الصينية تشهد حالة من التوتر بدأت بشكل واضح مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب واستمر معها الرئيس الحالي جو بايدن وإن كانت بوتيرة أقل. ترامب اعتبر التوتر هو بمثابة صراع بين القوتين، في حين أن بايدن اعتبره تنافس ولكن ما زال يحمل في طياته قناعة إلى أن هذا التوتر هو توتر صراع بين البلدين ولاسيما في مجال القيم، حيث يعتبر بايدن أن القيم التي تحملها الصين وتحاول الترويج لها في الداخل والخارج تعارض القيم التي تؤمن بها الولايات المتحدة وتعمل على الترويج لها في الداخل والخارج.   
 
 
في علم السياسة يربط الدارسون الوضع الدائر بين الولايات المتحدة والصين بمفهوم فخ ثوسيديديس، وهو المفهوم الذي يربط الصراعات القائمة بين الدول الكبرى وفقاً لمفهوم أن الصراعات تنشأ نتيجة لوجود تخوف من الدولة القوية المهيمنة من تهديد دولة أخرى صاعدة في القوة، وبالتالي تخشى الدولة القوية من أن الدولة الصاعدة ستنافسها وتأخذ مكانتها، لذلك فإنها تتبع سياسة عدم السماح لها بفعل ذلك، وعندها تزداد فرص المواجهة والصراع بين الدولتين، سواء من قبل الدولة القوية التي لا تريد من الدول الصاعدة من أخذ مكانها وبالتالي تواجهها لوقف صعودها، أو من قبل الدولة الصاعدة التي تريد أن تستخدم نمو قوتها لزحزحة قوة الدولة القائمة. وبمقارنة الوضع الحالي بين الولايات المتحدة الدولة القوية والمهيمنة في النظام الدولي مع الصين الدول الصاعدة في النظام الدولي نلحظ أن متوسط الناتج القومي الصيني اليوم يشكل نحو 70% من الناتج القومي الأمريكي، وأن الصين ورغم سيطرة حزب واحد على الحكم إلى أنها صاحبة نموذج حكم ناجح في تحقيق الأهداف التنموية وينافس النموذج الأمريكي الذي دخلت عليه العديد من التحديات والصعاب التي شوهت من سمعته عالمياً. وبالتالي فإن الاختلاف موجود، والصراع حتمي، إذا لم تضع الأطراف المشاركة حداً له. 
 
 
تسعى الولايات المتحدة في عهد بايدن من أجل احتواء النفوذ الصيني إلى إشراك حلفائها في هذه العملية، إلا أن ذلك يضع الحلفاء في دائرة صعبة جداً في الاختيار بين من هو مهم بالنسبة لها وبين من هو أيضا مهم. وهذه معضلة كبيرة تضعها الولايات المتحدة للحلفاء. ولعل حدة التوتر الدائرة حول مسألة كوفيد-19 بين الولايات المتحدة والصين وانتقاد كل طرف للآخر بالاتهامات عطل الجهد الدولي لمواجهة وباء أضر بالعالم بأسره. كان يمكن لهذا الوباء الحد من انتشاره بشكل أفضل لو أن البلدين الكبيرين تعاونا من أجل تجاوز هذا الوباء وليس مواجهة كل طرف للآخر بسيل من التهم والتشكك. 
 
 
إن التوتر بين هذين البلدين لا يصب في صالح الأمن والاستقرار العالمين، فمن أجل ابعاد شبح المواجهة العسكرية المباشرة أو غير المباشرة وفرص الحروب التجارية والاقتصادية فإن على البلدين ضبط تنافسهم كي يكون تنافس محمود قائم على تحقيق الازدهار والتطور والتعاون العالمي من دون خلق فرص للمواجهة. ومن هنا نقول أن هذه المسئولية ملقاة على عاتق الطرفين وليس على طرف دون الآخر. فعلى الولايات المتحدة أن تعامل الصين كشريك اقتصادي مهم في النظام الدولي وإشراكه في العمل التعاوني السياسي والاقتصادي الدولي وعدم تجاهله؛ بالإضافة إلى العمل على جذب الصين للنظام العالمي ومؤسساته القائمة بالإغراء وليس المواجهة. وعلى الصين العمل على الحد من الشكوك الدولية في مسائل مهمة للعالم كمسألة هونغ كونغ وتايوان والتعامل مع المسلمين في إقليم كسينجيانغ، وهي أمور نعم تعتبر شأن داخلي صيني ولكن لها تبعاتها على النظرة العالمية تجاه الصين التي لابد أن تعززها الصين من خلال إبراز نفسها كدولة مسئولة في النظام الدولي ولا تسعى لفرض نفسها بالقوة وإنما تفرض نفسها من خلال التعاون والتعامل مع المجتمع الدولي بالشكل المقبول عالمياً.
 
 
من حق الصين أن تنمو وتتطور، ومن حقها أن تكون لاعباً دولياً نظراً لتأثيرها الكبير على المجريات الدولية لاسيما الاقتصادية، ولكن من حق المجتمع الدولي أن يثق ولو بدرجة بسيطة بان النهوض الصيني هو نهوض سلمي ليس بالكلام والتصريحات وإنما بالأفعال والأعمال التي تعطي الثقة في ذلك. 
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره