مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2020-12-13

ماذا يعني فوز جو بايدن للخليج ؟

تمكن نائب الرئيس الأسبق جو بايدن من تحقيق الفوز على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة ليصبح - عندما يتم تنصيبه في العشرين من شهر يناير القادم - الرئيس رقم 46 للولايات المتحدة الأمريكية. جو بايدن معروفٌ لدول منطقة الخليج العربي، فقد كان نائباً للرئيس باراك أوباما في الفترة من 2009 وحتى نهاية 2016 وهي الفترة التي شهدت العديد من التقلبات في المنطقة العربية مع ما عرف بالربيع العربي، وتبنت الولايات المتحدة استراتيجية الانسحاب العسكري التدريجي من دول في منطقة الشرق الأوسط بهدف التوجه نحو الشرق، وعدم الدخول في حروب ومغامرات عسكرية جديدة، والتوصل إلى اتفاق مع إيران حول برنامجها النووي. 
 
 
لقد أدركت دول الخليج العربية أهمية كل تلك الخطوات التي سارت عليها إدارة الرئيس أوباما والتي الحقت الضرر بالمنطقة وهددت أمنها واستقرارها. لذلك لم يحظى الرئيس أوباما بشعبية بين أوساط الدائرة السياسية الخليجية. في حين أن الرئيس ترامب نجح نوعاً ما في إعادة تلك الثقة في فترة رئاسته بسبب موقفه المتشدد مع إيران والمتقارب مع دول الخليج العربية. لذلك فإن المتابعين للشأن الخليجي يبدون تخوفهم بناءً على خلفية الرئيس المقبل جو بايدن وعلاقته بفترة الرئيس باراك أوباما. وهذا التخوف في محله، فقد عبر هو بذاته في فترة حملته الانتخابية بأنه سيعود للمفاوضات مع إيران حول الاتفاق النووي. 
 
 
وهنا يمكننا أن نبرز بعض الملاحظات الهامة في هذا المجال. أولها، أن التفويض الذي أعطاه أكثر من 77 مليون ناخب أمريكي للرئيس بايدن مرتبط بشكل كامل بالوضع الأمريكي الداخلي بشكل رئيس. ولعل بايدن يواجه ثلاث قضايا رئيسية كبيرة جداً ستكون محور اهتمام سياسته، وهي: مواجهة تفشي وباء كورونا، وتراجع الاقتصاد الأمريكي، والانقسام الأمريكي الداخلي. هذه القضايا الثلاث ستكون هي محط اهتمام الرئيس بايدن إذا ما أراد أن يكون له أو لحزبه فرصة إعادة البقاء في السلطة لأكثر من أربع سنوات. ولكن هذا لا يعني أن الرجل سينعزل عن السياسة الخارجية، بل بالعكس فهو أمام تحدي لإعادة هيبة أمريكا ومسئوليتها الدولية، لذلك من هنا يأتي التوجس الخليجي من إمكانية التقارب الأمريكي مع إيران على حساب الدول الخليجية كما فعل ذلك مسئوله السابق أوباما.
 
 
في اعتقادنا أن أية فرصة لإعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران ستواجه بمعطيات جديدة تجعل العودة إلى الاتفاق السابق كما هو من دون تعديلات أمر غاية في الصعوبة. وذلك لمجموعةٍ من الاعتبارات أهمها أن إيران كشرت عن أنيابها بالفعل وقامت بالعودة الى التخصيب غير المراقب، واستمرت في تطوير قدراتها العسكرية الصاروخية بشكل مخالف للاتفاق الأصلي، وكثفت من تدخلاتها الاستفزازية والمرعبة في الشؤون الداخلية للعديد من الدول في المنطقة. وبالتالي العودة إلى الاتفاق بالشكل الذي كان عليه في ظل هذه التغيرات لا يمكن أن يحصل على الدعم الدولي الذي يُطالب به اليوم الكثيرون -وخاصة الأوروبيون ودول الخليج العربية - بضرورة التوصل إلى اتفاق جديد يتضمن مزيد من الالتزامات على الجانب الإيراني. كما أن تمرير أي اتفاق مع إيران يتطلب مراجعة الكونغرس الأمريكي وخاصة مجلس الشيوخ بناءً على ما يسمى بقانون مراجعة الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015. ولعل من ضمن أبرز المواضيع الدولية التي تجد توافق بين أعضاء الكونغرس حولها هو موضوع التهديد الذي تمثله إيران للولايات المتحدة والمجتمع الدولي. لذلك فإن السير في توجه لا يُرضي أعضاء الكونغرس ولاسيما الجمهوريون، الذي يحاول بايدن استرضاءهم من أجل إنجاح برنامجه الداخلي لمواجهة القضايا الثلاث الرئيسية التي تواجه فترته الرئاسية، أمر لا يصب في صالح الرئيس الجديد في البيت الأبيض. فبايدن أمام وضع سياسي منقسم في الولايات المتحدة ويتطلب مزيداً من الجهد من قبله لردم ذلك الانقسام في أسرع وقت ممكن كي لا يُفشل فترته الرئاسية. وعليه فإن إيران في اعتقادنا لن تكون الورقة التي يمكن ان يُضحي بايدن بعلاقته مع الجمهورين من أجلها.
 
 
نعم الولايات المتحدة دولة مؤسسات ولكن لا يمكن أن نقلل من الدور الذي يتمتع به رئيس الجمهورية في التأثير على السياسة الخارجية الأمريكية، فهو القائد الأعلى للقوات المسلحة وكبير الدبلوماسيين ويتمتع بحق الفيتو في علاقته مع الكونغرس. واعتقد أن بايدن اليوم لن يكون ذاته بايدن في عهد إدارة أوباما وإن أراد هو ذلك لأن الظروف مختلفة بشكل كبير، فالناخب الأمريكي اختاره لمواجهة ثلاث أهم وأخطر أزمات تواجه الولايات المتحدة اليوم، وإن لم يتمكن من حلها فسيدخل حزبه في أزمة جديدة هو في غنى عنها. ولعل حنكة هذا الرجل السياسية وخبرته التي تلقاها خلال الخمس عقود الماضية في العمل السياسي ستجعل منه شخص مختلف ومتزن في التعامل مع كافة الأمور بما فيها تلك المرتبطة بمنطقتنا الخليجية. 
 
 
فلا نعتقد أنه سيهرول نحو اتفاق مع إيران لن يكون منصفاً لجميع التحفظات التي يحملها الشركاء وترضي الداخل السياسي الأمريكي. أما عن دول  الخليج العربية فإن أكثر ما يُقلقها ليس الاتفاق مع إيران وإنما بقاء أمريكا ضعيفة وغير مهتمة بالمنطقة، فهذا من شأنه أن يشجع الآخرين على السير في نهجهم الاستفزازي والعدواني. 
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره