مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2012-09-01

مسؤولية الحماية

تتميز الدول ككيانات سياسية في النظام الدولي بميزة السيادة، والسيادة تعني السلطة العليا المطلقة التي تخول الدول القيام بما تراه مناسباً لحماية مصالحها لاسيما في شؤونها الداخلية، وعلى الدول احترام سيادة الدول الأخرى من خلال عدم التدخل في شؤونها الداخلية، وفي ما تراه كل دولة مناسباً لها، لذلك جاءت المواثيق الدولية بما فيها ميثاق الأمم المتحدة لتؤكد على ضرورة احترام الدول لسيادة بعضها البعض على أراضيها وشعبها، إلا أن السيادة ما عادت كما كانت في السابق مطلقة، بمعنى أصبح للسيادة اليوم بعض المحددات أو على الدول بعض الالتزامات التي يجب أن تقوم بها حتى لا تتعرض لانتهاك لسيادتها من الخارج، ولعل أهم المبادرات الدولية التي تم طرحها لتنظيم عملية السيادة هي مبدأ ما يعرف بـ "مسؤولية الحماية" والذي تم تبنيه من قبل الأمم المتحدة في 2005، وبالتالي أصبحت السيادة مسؤولية على الدول الالتزام بها، وليست حقاً مطلقاً تتميز به الدول كيفما شاءت، فتصرفات الدول الداخلية والخارجية لم تعد محصنة بمبدأ السيادة بل أصبحت محسوبة بمعايير معينة.
 
يقوم مبدأ "مسؤولية الحماية" على ثلاثة مرتكزات أساسية هي: أولاً، أن على الدول مسؤولية حماية شعبها من الإبادة وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والتصفية العرقية؛ ثانياً، على المجتمع الدولي تشجيع الدول ومساعدتها في تحقيق تلك المسؤولية؛ وثالثاً، في حال فشل دولة ما في الالتزام بحماية شعبها من تلك الجرائم فإن على المجتمع الدولي التحرك بشكل جماعي باستخدام كافة السبل من أجل حماية الشعب، بما في ذلك طبعاً استخدام القوة العسكرية.
 
هذا المبدأ جاء لينظم عملية التعامل مع التهديدات التي تتعرض لها الإنسانية من قبل حكومات بعض الدول في ظل وجود بعض المعوقات القانونية الدولية التي تعيق بروز تحرك دولي فاعل لردع تلك التهديدات مثل حق النقض الذي تتمتع به الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، فمع مبدأ "مسؤولية الحماية" أصبح للمجتمع الدولي القدرة على التحرك خارج إطار مثل تلك المعوقات لحماية الشعوب من الجرائم الكبرى ضدهم، فما حدث على سبيل المثال في عام 1999 من تحرك للناتو ضد القوات الصربية في خارج نطاق الأمم المتحدة بعد أن استخدمت كلاً من روسيا والصين حق النقض ضد التدخل يعتبر تطبيقاً لمبدأ "مسؤولية الحماية" والتي تمكنت من خلاله تلك القوات من منع جرائم كبرى كانت ستحدث ضد المدنيين من المسلمين، وذات الأمر يمكن أن يقال عن التدخل في ليبيا العام الماضي عندما قامت طائرات الناتو وبغطاء قانوني من الأمم المتحدة بتوجيه ضربات عسكرية لقوات العقيد معمر القذافي بداعي حماية المدنيين الليبيين من جرائم قوات العقيد في حال نجاح تقدمها ودخولها مدينة بنغازي، الأمر الذي أدى إلى القضاء على نظام القذافي في ليبيا.
 
ولعل الدافع وراء مثل هذا المبدأ هو حماية البشر من طغيان بعض الحكومات، لاسيما بعد الإخفاق الكبير الذي حدث في الصومال عام 1993، ورواندا عام 1994، والبوسنة والهرسك عام 1995، حيث الموقف الدولي كان ضعيفاً للغاية ولم يتحرك لوقف المجازر التي كانت ترتكب بحق البشر في مثل تلك الدول، الأمر الذي جعل تلك النماذج وصمة عار على جبين الإنسانية، "مسئولية الحماية" له بالطبع مؤيدوه ولكن له أيضاً معارضوه الذين يرون أن سيادة الدول يجب أن تُحترم باعتبارها مبدأ أساسياً نجح في تنظيم العلاقات بين الدول منذ العام 1948، لكن معارضتهم تنبثق أساساً من خوفهم على مصالحهم باعتبارها دول تتمادى في دعمها لدول ترتكب مثل تلك الجرائم في حق شعوبها، وأن أيديهم ملطخة هي أيضاً بالدماء، إلا أن الواضح أن هذا المبدأ استطاع أن يكسب مكانة في المجتمع الدولي ويصبح أحد أهم الوسائل التي يستخدمها المجتمع الدولي لتجاوز ضوابط النظام الدولي المعيقة لحماية البشر من بطش الأنظمة السياسية، وهو ما قد نراه يحدث في سوريا ضد بطش قوات بشار الأسد .
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره