مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2020-07-06

معضلة الخليج التحالفية

وفقاً لنظرية التحالفات الدولية تبرز ما يسمى بمعضلة الأمن في التحالفات، وهي نظرية تقول بأن الدول التي تعتمد على دول أقوى منها وتتحالف معها للمحافظة على أمنها تقع في معضلة أمنية مفادها الخوف الدائم من السقوط في الفخ أو تخلي الدولة القوية عنها في أي وقت. دول الخليج العربي تعيش هذه الحالة في هذه الفترة.
 
فهي في تخوفٍ دائمٍ من أن الدولة الكبرى التي تعتمد علىها ألا وهي الولايات المتحدة قد تُدخلها في فخ المواجهة مع إيران وبالتالي تدخل في دوامة من عدم الاستقرار والتهديد من دولة جارة تمتلك من عناصر التهديد ما يمكن أن تُلحق به الضرر على جيرانها؛ أو قد تتخلي عنها، ولاسيما في هذه الفترة التي نجد السياسة الأمريكية تحاول الابتعاد عن التركيز على المنطقة بسبب تراجع أهميتها الاقتصادية كمصدر للنفط لها بعد أن أصبحت الولايات المتحدة ذاتها دولة رئيسية منتجة للطاقة في العالم. ولعل سياسات الرئيس دونالد ترامب المتجهة للداخل والمقللة للعب الولايات المتحدة الدور القيادي في العالم تثير الكثير من المخاوف في المنطقة الخليجية عن مصير هذا التحالف.
 
لذلك نجد دول الخليج العربي تتجه إلى اتباع سياسة الحيطة للتقليل من هاجس مخاوف معضلة تحالفها مع الولايات المتحدة الأمريكية. سياسة الحيطة مفادها أن على الدول أن لا تضع كل بيضها في سلة واحدة بل علىها أن تلجأ إلى التنويع كأسلوب للحيطة والحذر. وعلىه اتجهت دول الخليج إلى تقوية علاقاتها الإستراتيجية مع دول محورية في النظام الدولي كالصين وروسيا. ولكن هذا التوجه لاسيما تجاه الصين وروسيا له محدوديته. فهو من جانب يثير مخاوف الحليف الرئيس ألا وهو الولايات المتحدة التي تسعى كل من الصين وروسيا إلى منافسة دورها العالمي، ومن جهة أخرى فإن هذه الدول – الصين وروسيا – لا تشارك دول الخليج العربية مخاوفها من العدو الأبرز للأمن والاستقرار في المنطقة. فبينما ترى معظم دول الخليج أن إيران هي المهدد الأبرز لأمن المنطقة فإن كل من الصين وروسيا تعتبران إيران جزءاً من التحالف الخفي القائم بينهما لإضعاف مكانة  الولايات المتحدة العالمية. وبالتالي فإن نظرتهم لأمن الخليج تتطلب إشراك إيران في المعادلة كما اقترحت ذلك بشكل علني روسيا. 
 
وعليه فإن هذه الرؤية تحتاج إلى أن تُغير دول الخليج العربي من نظرتها إلى إيران، وهي النظرة التي لطالما تُصر علىها دول الخليج بأن على إيران أن توقف تدخلاتها ودعمها للجماعات المسلحة المهددة للأمن الوطني في الدول العربية، وأن توقف نظامها التسلحي الهجومي المتسارع والخاص بإنتاج الصواريخ الباليستية وسعيها لامتلاك السلاح النووي. معادلة صعبة تتطلب أحد الطرفين إما الطرف الخليجي أو الطرف الإيراني أن يتنازل عن موقفه. هذا الأمر يُصعب ويُعقد إمكانية الدور الصيني والروسي في المنطقة. 
 
  بالإضافة إلى ذلك فإن الصين وروسيا ليس لديها القابلية أو القدرة في الوقت الراهن ان تلعب دور الساعي للمحافظة على أمن المنطقة. فهي دول لا تتمتع بوجود عسكري في المنطقة يخولها لعب دور فعال في المحافظة على أمنها. وهو ما يمكن أن يعقد الأمر على قدرة هذه الدول على لعب دور الحليف المحافظ على أمن المنطقة. كما أنه يمكن القول بأن هذه الدول ولاسيما الصين ليس لديها الرغبة في الوقت الراهن أن تلعب هذا الدور لأنه يزيد من حجم المسئولية الملقاة على عاتقها. الصين مستفيد بارز من حالة الدور الذي تقوم به الولايات المتحدة للمحافظة على أمن المنطقة وضمان مرور النفط عبر مضيق هرمز. الصين مستفيدة من ذلك بشكل كبير، لذلك تتمنى لهذا الحال أن يستمر لأكبر قدر من الوقت، باعتبارها راكبة بالمجان بمعنى أن الغير يتحمل تكلفة حماية المنطقة وهي تستفيد من عوائد تلك الحماية. لذلك فإن الصين تريد لهذه الحالة الاستمرار لطالما أنها في طور التطور والنهوض السلمي للقمة والقيادة العالمية. 
 
من خلال ذلك تجد دول الخليج العربي نفسها في معضلة بين الحليف التقليدي المتردد عن القيام بدوره المطلوب (الولايات المتحدة)، والحلفاء المتوقعون الذين ليست لديهم القدرة على لعب الدور كما تريده دول الخليج العربي (الصين وروسيا)! هذا هو التفكير الاستراتيجي الذي يجب على دول الخليج العمل من خلاله وحوله بشكل جدي لإيجاد الحلول لتجاوز المعضلة. وربما محاولة التفكير خارج الصندوق الضيق الذي يحكم التفكير الاستراتيجي في المنطقة هو الكفيل بان يوجد لنا مخرج من هذه المعضلة. 
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره