مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2012-06-01

مقاعد التقاعــد

موظفٌ أنا، أستيقظ صباح كل يوم متوجهاً إلى عملي بكل همتي ونشاطي، استفتح مع إشراقة شمسه، يوماً جديداً ومستقبل لغد يأتي بالأفضل، وتمر سنون عمر المرء وهو في عمله، يأتي ثمار كده وتعبه بما حصده من إنتاج، وما وصل إليه من مناصب ودرجات ورتب، ليفكر بعدها في مصير لابد من إتيانه ألا وهو "التقاعد".
فكلمة التقاعد هي من المصدر اللغوي (قَعَدَ)، والتقاعد عن الأمور هي عدم الاهتمام بها، بينما يأتي تعريف "أحيل إلى التقاعد أو بلغ الموظف سن التقاعد" أي السن القانونية للتوقف عن مزاولة العمل بالوظيفة وصرف مبلغ شهري لمعاشه. والتقاعد في حياة الأشخاص الموظفين، عملةٌ ذات وجهين، الأول قد يكون إيجابياً، والآخر قد يحوّله البعض بإرادته إلى سلبٍ لطاقته وجهده وعمره وفكره وحتى صحته. إن التقاعد يمثل للفريقين - وأعني بهما الإيجابي والسلبي - إحدى حالتين، فمن تنطبق عليه رؤية الكأس الممتلئ، سيرى أن التقاعد بالنسبة له هو صفحة جديدة وختام لمسيرة قد انقضت، وانفتاح آخر على حياة أجلت بعض مشاريعها أو خططها حتى حين، فجاء التقاعد ليحيل صفة التقاعد إلى عمل جديد وانطلاقة أخرى في عالم رحيب، فكثيراً ما نسمع أو نشاهد من ينتظر لحظة تقاعده لينطلق في رحلة جديدة من أيام عمره القادمة ليحقق أو ليتفرغ بكامل اهتمامه وعنايته لهوايات أو أعمال كان يرى من الصعوبة بمكان توافقها مع نظام عمله وأيامه وساعاته، فيأخذ قسطاً من الراحة ليباشر ما قد حجبه عمله عن القيام به لظروف هي خارجة عن نطاق سيطرته، فتغدو الحياة لديه حياةً سعيدة، وفرصةً سانحة للتجديد والتطوير فيما هو آت من الأيام المقبلات.  أما ذاك الذي يرى النصف الفارغ من الكأس، فهو يعيش حياة القلق والضيق والكدر والتعاسة، وكأن ما حلّ عليه من أمر لم يدر في خلده ذات يوم، كما يرى أن عجلة الحياة قد توقفت لديه، فتصيبه ما يسمى بـ" صدمة التقاعد"، فيعتريه من الإحباط واليأس ما الله به عليم، إلى الدرجة التي تصير فيها حياته حلقة من الأزمات النفسية والصحية، فقد وجد الدكتور"بالمور" الأستاذ بمركز "دراسات الأسرة" في جامعة "روك" بالولايات المتحدة الأمريكية، أن كمية الطاقة اليومية التي كان يبذلها المتقاعد قبل تقاعده؛ تتعطل ولكنها لا تندثر، وفي حال عجز المرء عن استثماره لهذه الطاقة المعطلة فإن ذلك سيؤدي بطبيعة الحال إلى العديد من الاضطرابات النفسية والعصبية وحتى العاطفية إلى جانب الخلافات الاجتماعية. ولا يقف تأثير "صدمة التقاعد" عليه فقط، بل يمتد أثرها على من حوله من أفراد عائلته أو صحبه أو حتى جيرانه، فتراه في حالةً من الانغلاق والانعتاق عن مباهج الدنيا وزينتها، وأن ما حدث له هو مصاب جلل وخطب عميم، فهو يحسب التقاعد موتاً بطيئاً قد أصيب به هيكل حياته، أو أنه وقفٌ للتنفيذ على ما سحب عنه من امتيازات، ومسؤوليات، وسلطات، فتستحيل حياته إلى كآبة وملل بسبب إحساسه بعدم القيمة أو الفائدة، وقد يحيل بعض المتقاعدين حياة الآخرين ممن معهم إلى جحيم بتدخلاتهم وتعليقاتهم على كل صغيرة وكبيرة لكل ما يرونه أمام ناظرهم.   فإذا كان التقاعد يمثل للبعض منا مرضاً عضالاً، كانت الدواعي الوقائية والاحترازية من أجل مقاومته هي بالاستعداد له بالأسلوب الأمثل، فالتخطيط لما بعد التقاعد ضرورة حتمية تفرضها معطيات الحياة، فكان لزاماً أن يدرك المرء أنه ما من أمر باق، ولا من أبدية لأي ظرف، فالكمال أو البقاء والدوام هي صفة ربانية تخلو منها حياتنا البشرية.
 
دلالة..
ما يمكنني أن ادلل عليه في مقالي، هو ضرورة الاستعداد، وأن نبدأ من فورنا في التخطيط لمرحلة قادمة من عمرنا، وأن نضع قائمة بتلك الأمور التي نحبها وكنا نتمنى القيام بها ويعوزنا الوقت لقضائها وتلبيتها. وأن نحيل محنة التقاعد إلى منحة. 
فحياة التقاعد، ستظل بما فيها سلاحاً ذا حدين، إما انطلاقة لأولئك الذين يريدون الحياة في اتجاه مغاير ومسار جديد، أو نقطة توقف وشلل تام لكل حركة أو نشاط أو هدف في الحياة، لأولئك الذين أغلقوا الأبواب عن كل الأسباب.
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره