مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2012-06-01

من الشخصيات كانوا في المكان.. وبقوا في الذاكرة

هم شخصيات تواجدوا بالصدفة أو بطريق الحظ أو رماهم بحر الرزق مرة في المكان، ومروا على ذاكرتي التي كانت تتكون كصلصال قابل للتشكل، لكنهم وإن رحلوا، وربما نسوا أو نسيوا، غير أنهم ما برحوا يسكنون الذاكرة، ويدقون بواباتها بين الحين والحين كجنود من التاريخ خدموا روما والقيصر، وكللوا بغار النصر، والمجد كثيراً، هكذا أراهم أو يتراءون لي كلما عنّت الذاكرة، وحنّت أوتار القلب متذكرة شيئاً جميلاً، وفعلاً خيّراً قاموا به أولئك النفر، مؤكدين أنهم لم يتركوا المدينة دون أن تكون بصمات لأيديهم، وخدوش لأظافرهم على جدرانها، ومشاغبات ظلت عالقة في رؤوس أمثالي، ممن يذكرون، وقلما ينسون المخلصين، ولو بكلمة حب، وذكر ود، شخصيات توالت على مراحل العمر، وحجزوا مكانهم في القلب، فلهم الدعوات كثيراً وأبداً.
جاء من عُمان بعد أن كدته التجارب في شركات النفط في سواحل الخليج، وربما عمراً مبكراً قضاه في زنجبار أو ممباسا، ظفر بتعليم في الكويت متعثر، ودراسات مسائية، وعمل فيها، جاءت به الصدف إلى مدرستنا الإعدادية يدرّسنا اللغة الإنجليزية، كان قصيراً، متيناً، متمكناً من اللغة، وبلكنة إنجليزية تشبه كثيراً لكنة أهل الريف البريطاني، درّسنا لسنوات ثلاث، بعدها رحل يتبع رزقه وحظه، وربما مغامراته وأسفاره التي يتمناها أن لا تنتهي، الأستاذ مبارك العُماني الذي لم نعرف له أسماً ثانياً، شكراً لأنك فعلت شيئاً جميلاً، وخيّراً في الرأس. جاء من فلسطين، وحمل إلينا حنينها، مرة يصف البرتقال فنرى فلسطين فيه، ومرات يتوله على الزيتون وأشجاره القديمة، فنرى فلسطين فيه، كان الزعتر والزيت وكلمات من شاعر كسميح القاسم ودرويش، يكفينا أن نرى فلسطين كلها، بكل تضاريسها، لحق علينا في الصفوف الثانوية، كان يدرّسنا اللغة العربية، يبدو أنه كان من مثقفي القاع، وممن يحملون أشياءهم النبيلة بين الضلوع، لا يمكن إلا أن يكون منتمياً، عرّفنا أن المطالعة أجمل شيء في العربية، والقراءة من أمتع أمور الحياة، كان يأتي إلى المدرسة على دراجة نارية، ويجيد العزف على الناي، ويقتطع وريقات من صحف ومجلات قديمة وجديدة لنقرأها سوية، كانت لديه أسئلة تزلزل الثوابت في ذاك العمر، الأستاذ زهير شبيطة، شكراً لأنك فعلت شيئاً جميلاً، ومشاغباً في الرأس. جاء من مصر، كان مسؤولاً عن مكتبة المدرسة في فترات لا يكون للمدرسة نشاط مسرحي، لكنه في الأساس كان مسؤولاً عن فريق التمثيل فيها، بقينا معه في مرحلتي الإعدادي والثانوي، قدمت معه مسرحية "وآ.. إسلاماه" بدور قطز، ومسرحية "قاضي قرطبة" بدور القاضي، ومسرحية "معارك الردة" بدور خالد بن الوليد، هو من عرّفني بالمسرح اليوناني، ومسرح شكسبير، وتوفيق الحكيم، شخصيته بطولها المسرحي، وهدوء نبرة صوته، وهندامه مثل أي باشا، وسيارته "البيجو" البيضاء القديمة، وثقافته الواسعة أثرت فيّ بشكل عميق، شكراً للأستاذ والمخرج المسرحي أحمد ماهر، لأنك تركت شيئاً جميلاً، ومؤثراً في الرأس. جاء من العراق، كنا في المرحلة النهائية للصفوف الابتدائية، درّسنا الفن والرسم، وعرفنا على وقته كيف يعني اللون شيئاً آخر في الحياة، وإن الشجر الذي نرسمه يجب أن يكون من البيئة، وأن تقارب الأحجام من واقعها، والنسبية، وشيء مبسط عن تشريح الجسد هو أمر من الفن، علينا أن ندركه، لا أن نفهمه في عمرنا الصغير، كان أقرب لأن يكون صديقاً أكثر من أستاذ بسيارته "الفولسويغان البيتلز" الحمراء، وشعره الأسود الطويل وبنطاله "الشارلستون" الأسود، وقميصه الأصفر الفضفاض، الأستاذ عامر البياتي، شكراً لأنك فعلت شيئاً جميلاً، وملوناً في الرأس. جاء من الأردن، كان يدرّسنا التاريخ، كان طيباً كتلك المادة الجميلة والتي تعلق في الصدر دون استئذان، يجبرنا تعامله معنا، وأريحيته ودماثة خلقه أن نتفوق في تلك المادة دون أي دوائر حمراء، كان تاريخه الذي يدرّسه لنا أقرب إلى نفسه مثالياً، وخالياً من أسئلة الضجيج، ورفع المصاحف على أسنة الرماح، وإلتقاء سيفين مسلمين، وانتهاء الخلافة إلى ملك عضوض، كان يجنبنا أسئلة كان يعرف اجابتها، غير أننا لم نكن مخلصين لتعاليمه التي سرعان ما خالفناها باتجاه أسئلة التاريخ المضطربة، وحكايات أحداثه الدامية، وقتها عرفنا التاريخ المخالف، وقلنا ليتنا بقينا على تاريخ الأستاذ الطيب القلب، الدمث، محمد عكور الذي ترك لنا في الرأس والذاكرة شيئاً جميلاً من التاريخ العربي المجيد .


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره