مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2015-12-01

هل ستهيمن الصين على القرن الحادي والعشرين؟

سؤال يشغل بال الكثيرين؛ والكثيرون للأسف ينجرفون وراء تفسيرات ليست بالعلمية لتقدير مستقبل النظام الدولي. ولعل خبرتنا في دراسة العلاقات الدولية والنظام الدولي ودراسة الحالة الصينية بالذات تجعلنا أكثر ميلاً لإطروحة أن الصين لا يمكن أن تهيمن على النظام الدولي، كما أنه لا يمكن لأي دولة بمفردها السيطرة عليه. بمعنى آخر نحن ذاهبون نحو نظام دولي متعدد الأقطاب تسيطر على مجرياته عدة قوى دولية على رأسها بالطبع الولايات المتحدة ومعها الصين والاتحاد الأوروبي وروسيا، وربما الهند والبرازيل. أي أن الحديث عن أن الصين ستحل محل الولايات المتحدة في قيادة العالم أمر مبالغ فيه وذلك لعدة أسباب.
 
السبب الأول هو أن الطرف الآخر المنافس لمكانة الصين العالمية – الولايات المتحدة - مازال يتبوأ مركز الصدارة في النظام الدولي. ففي كل مجال من مجالات التنمية تجد الريادة للولايات المتحدة. فأكبر الشركات الإقتصادية في العالم مازالت تتربع على عرشها الشركات الأمريكية، ومازالت الجامعات الأمريكية هي المتصدرة لقائمة أفضل الجامعات في العالم. وهذه الصدارة ليس من المتوقع لها التراجع في المنظور القريب والمتوسط. لذلك لا يتوقع للشركات الصينية ولا الجامعات الصينية أن تأخذ مكان الشركات والجامعات الأمريكية في الصدارة في أي وقت قريب.
 
السبب الثاني هو أنه ورغم أن الصين تتجه نحو أخذ الصدارة في المجال الاقتصادي بحيث تصبح أكبر دولة اقتصادية في العالم وفقاً لموشر دليل القوة الشرائية خلال العشر سنوات القادمة إلا أنها ستبقى متراجعة عن الصدارة الأمريكية وفقاً لمشر دليل متوسط الدخل القومي ومتوسط دخل الفرد. كما أن النمو الاقتصادي الصيني يعتمد بشكل اساسي على القطاع التجاري أي أن الاقتصاد الصيني يعتمد على التصدير لمنتجاته للعالم ولا سيما المنتجات الاستهلاكية الرخيصة ولا يعتمد على الابتكار والابداع بل على التقليد لما هو قائم. فالهواتف الذكية الصينية مثلاً لا تقدم شيئاً جديداً في مجال تقنية الاتصالات ولكنها تحاكي ما هو موجود في هذا المجال من قبل شركات الهواتف الأمريكية والكورية الجنوبية. وهذا هو الأسلوب الياباني في السابق، ورغم أن اليابان قد طورت من ذاتها إلا أنها لم تستطع الاستمرار في المنافسة، فظلت على ما هي عليه ولم تتقدم، ولم تستطع بذلك أن تتجاوز الولايات المتحدة وتصبح قطباً دوليا. فهيكلية الاقتصاد الصيني هيكلية هشه حيث تعتمد على سيطرة الدولة على الاقتصاد وبالتالي تبعد فرص الابداع والتطور بشكل كبير. 
 
السبب الثالث مرتبط بالحالة الغير مستقرة حول مستقبل الصين كدولة موحدة في ظل مطالبة أطراف عدة بالانفصال مثل المسلمين في غرب البلاد، والبوذيين من أهل التبت، والتايوانيين في الشرق. كل هذه المطالب تنذر بأن حالة التفكك الغير مستبعده ستمثل إذا ما حدثت صدمة كبيرة تضعف الصين بشكل كبير.
 
السبب الرابع هو أن من يريد منافسة الولايات المتحدة وإزاحتها من مكانتها عليه أن يفعل ذلك بأسلوب يعمل على تغير الوضع القائم لصالح وضع جديد يصب في صالحه. إلا أن الواضح أن الصين اليوم لا تعمل على تغير الوضع القائم بشكل كبير آلا في بعض الحالات البسيطة جداً كما هو الحاصل في سعيها الخجول لانشاء نظام اقتصادي ينافس نظام برايتون وودز الأمريكي. الصين تدرك أن استقرار النظام الحالي يمثل مصلحة لها، لأنه يساعدها على النهوض السلمي الذي تسعى لتحقيقه، وعليه فليس من مصلحتها منافسة هذا الوضع حتى لا تضر بخطة نموها التي وضعتها لنفسها. فهي لن تعمل على إزالة الوجود الأمريكي العسكري في مناطق عدة في العالم بما فيها منطقة شرق أسيا لأنها تعلم أن ذلك الوجود يحقق الأمن والاستقرار في تلك المنطقة وبالتالي يحقق النمو للاقتصاد الصيني. تخيلوا لو أن واشنطن قررت ترك اليابان وكوريا الجنوبية بسبب ضغط صيني فماذا سيحدث؟ اليابان وكوريا الجنوبية ستصبحان قوتان نوويتان لتحقيق التوازن العسكري مع الصين، وهذا ما لا يصب في صالح الصين على الإطلاق، فليس للصين الرغبة لخلق مثل هذه الحالة.
 
الصين قوة صاعدة، وفيها من الصبر للهيمنة، مما يجعلها لا تستعجل ذلك، فالنظام الدولي سيضل متعدد الأقطاب حيث الصين أحد أطرافه الرئيسية. 
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-02-26 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره