2022-09-04
القوة العسكرية تجسيد لقوة الدولة الشاملة
لا ينصرف مفهوم القوة العسكرية إلى المعنى المادي فقط، الذي يشمل المعدات العسكرية، والقدرات التكنولوجية وجاهزية الجيوش القتالية، وإنما يتضمن كذلك الأثر المعنوي لهذه القوة، والمردود الناجم عنها، وخاصة التأثير في سلوك الآخرين أو الضغط عليهم لتبني سلوك بعينه تجاه قضية معينة، بمعنى آخر فإن التهديد باستخدام القوة العسكرية قد يؤدي نفس الأثر المرجو في حال استخدامها.
ولعل هذا ما يفسر حرص القوى الكبرى على الإعلان من حين لآخر عن منظومة متطورة من الأسلحة، بهدف تعزيز مصداقية استراتيجية الردع لديها في واجهة الدول المنافسة لها، حتى أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب صرح مرة قائلاً: “أن بلاده لا تريد استخدام سلاحها الأقوى في العالم بل تكتفي بامتلاكه”.
تندرج القوة العسكرية ضمن أدوات القوة الصلبة أو الخشنة التي تلجأ إليها الدول لتنفيذ أهداف سياستها الخارجية، وخاصة في إدارة الصراعات والأزمات الخارجية، على النحو الذي بدا واضحاً خلال حقبة الحرب الباردة، حينما كان سباق التسلح بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق أساس الردع المتبادل بينها، وما تزال القوة العسكرية في الوقت الراهن أهم أدوات تنفيذ السياسة الخارجية للقوى الكبرى والإقليمية في العالم، سواء بشكل مباشر من خلال استخدامها الفعلي أو غير مباشر من خلال التهديد باستخدامها لردع خصومها ومنافسيها.
رغم أن النظريات الدفاعية الحديثة تشير إلى أن القوة العسكرية لا يمكن أن يكتمل تأثيرها بمعزل عن جوانب القوة الأخرى، وخاصة التكنولوجية والاقتصادية والسياسية والثقافية، إلا أن التطورات والمعطيات التي شهدتها البيئتان الإقليمية والدولية في السنوات الماضية تشير بوضوح إلى أن القوة العسكرية ما تزال تمثل الركيزة الرئيسية للقوة الشاملة للدولة، والعامل الرئيسي في تحديد وزنها السياسي في النظام الدولي، وهذا يمثل عودة للنظرية الواقعية في العلاقات الدولية التي كانت تنظر للقوة العسكرية باعتبارها حجر الأساس في القوة الشاملة للدول، وأن السلوك الدولي والحروب والتحالفات والبحث عن الهيمنة والسعي لإيجاد التوازن في القوى يمكن التنبؤ به من خلال النفوذ العسكري لأعضاء النظام الدولي، ومن هذا المنطلق تسعى الدول لتعظيم قوتها العسكرية، باعتبارها أهم أدوات تحقيق مصالحها القومية.
يتفق العديد من خبراء الأمن القومي والاستراتيجية على أن القوة العسكرية ما تزال تشكل بالفعل الركيزة الرئيسية في تعظيم القوة الشاملة للدول، والأداء المثلي لتعزيز نفوذها السياسي في النظام الدولي، خاصة أن امتلاك دولة ما لقوة عسكرية كبيرة لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كانت تمتلك مظاهر القوة الأخرى، الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية وغيرها، بمعنى آخر فإن القوة العسكرية يمكن اعتبارها تجسيد واضح وحقيقي لقوة الدولة الشاملة.
هناك من يرى أن القوة العسكرية تشكل الأساس التي تنطلق من الدول في تعظيم قدراتها المختلفة، فهي من ناحية توفر البيئة التي تضمن للدول النمو والتطور في المجالات الأخرى، كما أنها تدعم السياسة الخارجية للدول، وتعزز مواقفها تجاه مختلف القضايا وتضفي عليها نوعاً من المصداقية والتأثير والفاعلية، وليس أدل على ذلك من أن استراتيجية الردع العسكري التي تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية تجاه بعض القوى الاقليمية في المنطقة كان لها أثرها الفاعل في تحجيم تحركاتها، لأنها كانت تدرك أن أي سلوك عدائي من جانب تلك القوى سيقابل بالحسم العسكري.
إن القوة العسكرية وما يرتبط بها صناعات دفاعية متطورة وبيئة تقنية متقدمة، تشكل أهم مقومات القوة الشاملة لأي دولة، ليس فقط لأنها تعزز من قوة ردع القوات المسلحة وتضمن استدامة تسليحها، وإنما أيضاً لأن هذه الصناعات تسهم في دعم اقتصاديات الدول، وإضافة روافد جديدة للتنمية، وتسهم كذلك تنمية مواردها البشرية وتعزيز قدراتها التكنولوجية.
لا يوجد تعليقات