مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2022-09-04

القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬تجسيد‭ ‬لقوة‭ ‬الدولة‭ ‬الشاملة

 
 
 
 
 
 
 
لا‭ ‬ينصرف‭ ‬مفهوم‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬إلى‭ ‬المعنى‭ ‬المادي‭ ‬فقط،‭ ‬الذي‭ ‬يشمل‭ ‬المعدات‭ ‬العسكرية،‭ ‬والقدرات‭ ‬التكنولوجية‭ ‬وجاهزية‭ ‬الجيوش‭ ‬القتالية،‭ ‬وإنما‭ ‬يتضمن‭ ‬كذلك‭ ‬الأثر‭ ‬المعنوي‭ ‬لهذه‭ ‬القوة،‭ ‬والمردود‭ ‬الناجم‭ ‬عنها،‭ ‬وخاصة‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬سلوك‭ ‬الآخرين‭ ‬أو‭ ‬الضغط‭ ‬عليهم‭ ‬لتبني‭ ‬سلوك‭ ‬بعينه‭ ‬تجاه‭ ‬قضية‭ ‬معينة،‭ ‬بمعنى‭ ‬آخر‭ ‬فإن‭ ‬التهديد‭ ‬باستخدام‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬نفس‭ ‬الأثر‭ ‬المرجو‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬استخدامها.‭ ‬
ولعل‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬حرص‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬على‭ ‬الإعلان‭ ‬من‭ ‬حين‭ ‬لآخر‭ ‬عن‭ ‬منظومة‭ ‬متطورة‭ ‬من‭ ‬الأسلحة،‭ ‬بهدف‭ ‬تعزيز‭ ‬مصداقية‭ ‬استراتيجية‭ ‬الردع‭ ‬لديها‭ ‬في‭ ‬واجهة‭ ‬الدول‭ ‬المنافسة‭ ‬لها،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬السابق‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬صرح‭ ‬مرة‭ ‬قائلاً‭: ‬“أن‭ ‬بلاده‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬استخدام‭ ‬سلاحها‭ ‬الأقوى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬بل‭ ‬تكتفي‭ ‬بامتلاكه”‭.‬
 
تندرج‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬ضمن‭ ‬أدوات‭ ‬القوة‭ ‬الصلبة‭ ‬أو‭ ‬الخشنة‭ ‬التي‭ ‬تلجأ‭ ‬إليها‭ ‬الدول‭ ‬لتنفيذ‭ ‬أهداف‭ ‬سياستها‭ ‬الخارجية،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الصراعات‭ ‬والأزمات‭ ‬الخارجية،‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬الذي‭ ‬بدا‭ ‬واضحاً‭ ‬خلال‭ ‬حقبة‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬حينما‭ ‬كان‭ ‬سباق‭ ‬التسلح‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬السابق‭ ‬أساس‭ ‬الردع‭ ‬المتبادل‭ ‬بينها،‭ ‬وما‭ ‬تزال‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭ ‬أهم‭ ‬أدوات‭ ‬تنفيذ‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬للقوى‭ ‬الكبرى‭ ‬والإقليمية‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬سواء‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استخدامها‭ ‬الفعلي‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التهديد‭ ‬باستخدامها‭ ‬لردع‭ ‬خصومها‭ ‬ومنافسيها‭.‬
 
رغم‭ ‬أن‭ ‬النظريات‭ ‬الدفاعية‭ ‬الحديثة‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكتمل‭ ‬تأثيرها‭ ‬بمعزل‭ ‬عن‭ ‬جوانب‭ ‬القوة‭ ‬الأخرى،‭ ‬وخاصة‭ ‬التكنولوجية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬والثقافية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬التطورات‭ ‬والمعطيات‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬البيئتان‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬تشير‭ ‬بوضوح‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬ما‭ ‬تزال‭ ‬تمثل‭ ‬الركيزة‭ ‬الرئيسية‭ ‬للقوة‭ ‬الشاملة‭ ‬للدولة،‭ ‬والعامل‭ ‬الرئيسي‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬وزنها‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬الدولي،‭ ‬وهذا‭ ‬يمثل‭ ‬عودة‭ ‬للنظرية‭ ‬الواقعية‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تنظر‭ ‬للقوة‭ ‬العسكرية‭ ‬باعتبارها‭ ‬حجر‭ ‬الأساس‭ ‬في‭ ‬القوة‭ ‬الشاملة‭ ‬للدول،‭ ‬وأن‭ ‬السلوك‭ ‬الدولي‭ ‬والحروب‭ ‬والتحالفات‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬الهيمنة‭ ‬والسعي‭ ‬لإيجاد‭ ‬التوازن‭ ‬في‭ ‬القوى‭ ‬يمكن‭ ‬التنبؤ‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬النفوذ‭ ‬العسكري‭ ‬لأعضاء‭ ‬النظام‭ ‬الدولي،‭ ‬ومن‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق‭ ‬تسعى‭ ‬الدول‭ ‬لتعظيم‭ ‬قوتها‭ ‬العسكرية،‭ ‬باعتبارها‭ ‬أهم‭ ‬أدوات‭ ‬تحقيق‭ ‬مصالحها‭ ‬القومية‭.‬
 
يتفق‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬خبراء‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬والاستراتيجية‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬ما‭ ‬تزال‭ ‬تشكل‭ ‬بالفعل‭ ‬الركيزة‭ ‬الرئيسية‭ ‬في‭ ‬تعظيم‭ ‬القوة‭ ‬الشاملة‭ ‬للدول،‭ ‬والأداء‭ ‬المثلي‭ ‬لتعزيز‭ ‬نفوذها‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬الدولي،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬امتلاك‭ ‬دولة‭ ‬ما‭ ‬لقوة‭ ‬عسكرية‭ ‬كبيرة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتحقق‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬تمتلك‭ ‬مظاهر‭ ‬القوة‭ ‬الأخرى،‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬والتكنولوجية‭ ‬وغيرها،‭ ‬بمعنى‭ ‬آخر‭ ‬فإن‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبارها‭ ‬تجسيد‭ ‬واضح‭ ‬وحقيقي‭ ‬لقوة‭ ‬الدولة‭ ‬الشاملة‭.‬
 
هناك‭ ‬من‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬تشكل‭ ‬الأساس‭ ‬التي‭ ‬تنطلق‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬تعظيم‭ ‬قدراتها‭ ‬المختلفة،‭ ‬فهي‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬توفر‭ ‬البيئة‭ ‬التي‭ ‬تضمن‭ ‬للدول‭ ‬النمو‭ ‬والتطور‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬الأخرى،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬تدعم‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬للدول،‭ ‬وتعزز‭ ‬مواقفها‭ ‬تجاه‭ ‬مختلف‭ ‬القضايا‭ ‬وتضفي‭ ‬عليها‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬المصداقية‭ ‬والتأثير‭ ‬والفاعلية،‭ ‬وليس‭ ‬أدل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬استراتيجية‭ ‬الردع‭ ‬العسكري‭ ‬التي‭ ‬تتبناها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تجاه‭ ‬بعض‭ ‬القوى‭ ‬الاقليمية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬أثرها‭ ‬الفاعل‭ ‬في‭ ‬تحجيم‭ ‬تحركاتها،‭ ‬لأنها‭ ‬كانت‭ ‬تدرك‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬سلوك‭ ‬عدائي‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬تلك‭ ‬القوى‭ ‬سيقابل‭ ‬بالحسم‭ ‬العسكري‭.‬
 
إن‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬وما‭ ‬يرتبط‭ ‬بها‭ ‬صناعات‭ ‬دفاعية‭ ‬متطورة‭ ‬وبيئة‭ ‬تقنية‭ ‬متقدمة،‭ ‬تشكل‭ ‬أهم‭ ‬مقومات‭ ‬القوة‭ ‬الشاملة‭ ‬لأي‭ ‬دولة،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لأنها‭ ‬تعزز‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬ردع‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬وتضمن‭ ‬استدامة‭ ‬تسليحها،‭ ‬وإنما‭ ‬أيضاً‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬الصناعات‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬اقتصاديات‭ ‬الدول،‭ ‬وإضافة‭ ‬روافد‭ ‬جديدة‭ ‬للتنمية،‭ ‬وتسهم‭ ‬كذلك‭ ‬تنمية‭ ‬مواردها‭ ‬البشرية‭ ‬وتعزيز‭ ‬قدراتها‭ ‬التكنولوجية‭.‬
 
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره