مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2023-01-01

رؤية‭ ‬الصين‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬لعلاقاتها‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون

 
 
 
 
 
 
تعتبر‭ ‬رؤية‭ ‬الصين‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬لمنطقة‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬والمنطقة‭ ‬العربية‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬جزءاً‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬الرؤية‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الصينية‭ ‬في‭ ‬مجملها،‭ ‬وهي‭ ‬رؤية‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬توظيف‭ ‬موارد‭ ‬وآليات‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة‭ ‬الصينية‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬للبلاد،‭ ‬وامتلاك‭ ‬عوامل‭ ‬القدرة‭ ‬والتأثير‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬القرار‭ ‬الدولي‭ ‬عبر‭ ‬بوابة‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة‭ ‬متمثلة‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والاستثمارات‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬والتجارة‭ ‬ونقل‭ ‬المعرفة‭ ‬وتبادل‭ ‬الخبرات‭.‬
 
ويعد‭ ‬بنك‭ ‬الاستثمار‭ ‬الآسيوي‭ ‬نموذج‭ ‬لهذه‭ ‬القوة‭ ‬بامكانياته‭ ‬التي‭ ‬تفوق‭ ‬مائة‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬وبمشاركة‭ ‬قوى‭ ‬اقتصادية‭ ‬اسيوية‭ ‬مؤثرة‭ ‬مثل‭ ‬الهند‭ ‬وماليزيا‭ ‬وسنغافورة‭ ‬وتايلاند،‭ ‬لبناء‭ ‬إطار‭ ‬داعم‭ ‬للتنمية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬شرق‭ ‬وجنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا،‭ ‬كما‭ ‬تحرص‭ ‬الصين‭ ‬دائماً‭ ‬على‭ ‬توظيف‭ ‬قدراتها‭ ‬المالية‭ ‬الضخمة‭ ‬في‭ ‬كسب‭ ‬أصدقاء‭ ‬جدد‭ ‬عبر‭ ‬بوابة‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الخارجية‭ ‬والتصدير‭ ‬إلى‭ ‬مختلف‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬ومناطقه‭. ‬كما‭ ‬تعد‭ ‬مبادرة‭ ‬‮«‬الحزام‭ ‬والطريق‮»‬‭ ‬أبرز‭ ‬نماذج‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الصينية‭.‬
 
ولا‭ ‬يختلف‭ ‬المراقبون‭ ‬على‭ ‬مكانة‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬الراهن،‭ ‬فهي‭ ‬ثاني‭ ‬أكبر‭ ‬قوة‭ ‬اقتصادية‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬بعد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وأحد‭ ‬الأعضاء‭ ‬الدائمين‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي،‭ ‬وهذا‭ ‬بحد‭ ‬ذاته‭ ‬كفيل‭ ‬بجعل‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬أحد‭ ‬أولويات‭ ‬اهتمامها،‭ ‬سواء‭ ‬بحكم‭ ‬مسؤوليتها‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬الدولي،‭ ‬أو‭ ‬بحكم‭ ‬مصالحها‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬كدولة‭ ‬مستوردة‭ ‬للنفط‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬60‭% ‬من‭ ‬احتياجاتها‭ ‬النفطية‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭. ‬
 
وتنظر‭ ‬الصين‭ ‬إلى‭ ‬أمن‭ ‬واستقرار‭ ‬المنطقة‭ ‬باهتمام‭ ‬خاص،‭ ‬ولكنها‭ ‬لا‭ ‬تمتلك‭ ‬رؤية‭ ‬استراتيجية‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬الهيمنة‭ ‬والنفوذ‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭. ‬والرؤية‭ ‬الصينية‭ ‬قائمة‭ ‬بالأساس‭ ‬على‭ ‬تعميق‭ ‬شبكة‭ ‬المصالح‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬المتبادلة‭ ‬وبناء‭ ‬علاقات‭ ‬شراكة‭ ‬استراتيجية‭ ‬قائمة‭ ‬بالأساس‭ ‬على‭ ‬التعاون‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والتبادل‭ ‬التجاري‭ ‬وتبادل‭ ‬المنافع‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بشراكات‭ ‬القوة‭ ‬أو‭ ‬قوة‭ ‬الشراكات،‭ ‬وترى‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الشراكات‭ ‬ما‭ ‬يعادل‭ ‬الشراكات‭ ‬الأمنية‭ ‬وربما‭ ‬يفوقها‭ ‬تأثيراً‭ ‬وأهمية‭. ‬وقد‭ ‬اعتادت‭ ‬الصين‭ ‬بناء‭ ‬مناطق‭ ‬مصالح‭ ‬لها‭ ‬عبر‭ ‬المدخلين‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاستثماري،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬قطاعات‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬والصناعة‭ ‬والثقافة،‭ ‬وقد‭ ‬نجحت‭ ‬عبر‭ ‬ذلك‭ ‬نجاحات‭ ‬لافتة‭ ‬في‭ ‬أفريقيا‭ ‬وآسيا‭ ‬ومناطق‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬العالم،‭ ‬أي‭ ‬ان‭ ‬الصين‭ ‬تتوسع‭ ‬عبر‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬الشراكات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاستثمارية‭ ‬بالأساس‭. ‬
 
وتتميز‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الصينية‭ ‬بالتمسك‭ ‬بمبادئ‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬والسعي‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬سيادة‭ ‬الدول‭ ‬ومنع‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬شؤونها‭ ‬الداخلية،‭ ‬ولديها‭ ‬حساسيات‭ ‬تاريخية‭ ‬خاصة‭ ‬إزاء‭ ‬هذه‭ ‬الممارسات،‭ ‬وبالتالي‭ ‬ينظر‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬مغاير‭ ‬عن‭ ‬بقية‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬كما‭ ‬توفر‭ ‬لها‭ ‬هذه‭ ‬الميزة‭ ‬إمكانية‭ ‬بناء‭ ‬علاقات‭ ‬متوازنة‭ ‬مع‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭ ‬وتوسيع‭ ‬هامش‭ ‬المناورة‭ ‬بعدم‭ ‬بناء‭ ‬تحالفات‭ ‬أو‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬محاور‭ ‬مع‭ ‬أطراف‭ ‬دون‭ ‬أخرى‭.‬
 
ورغم‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬لا‭ ‬ترتبط‭ ‬بتحالفات‭ ‬وإنما‭ ‬بشراكات‭ ‬استراتيجية‭ ‬مع‭ ‬أطراف‭ ‬متعددة،‭ ‬فإن‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭ ‬الإقليمية‭ ‬تتيح‭ ‬لها‭ ‬أيضاً‭ ‬فرصة‭ ‬التأثير‭ ‬ولعب‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬مرتكزات‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬بما‭ ‬يخدم‭ ‬مصالحها‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الميزة،‭ ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬ملاحظة‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬لا‭ ‬تزج‭ ‬بنفسها‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬أدوار‭ ‬وساطة‭ ‬لتسوية‭ ‬الأزمات،‭ ‬ولا‭ ‬ترتبط‭ ‬كثيراً‭ ‬بمجموعات‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬التحديات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬السلام‭ ‬العالمي،‭ ‬ولو‭ ‬تطلب‭ ‬الامر‭ ‬ذلك‭ ‬تنخرط‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬ضمن‭ ‬مجموعة‭ ‬دولية‭ ‬متعددة‭ ‬الأطراف‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬مجموعة‭ ‬5‭+‬1،‭ ‬التي‭ ‬وقعت‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2015‭. ‬
 
وفي‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬تحرص‭ ‬الصين‭ ‬على‭ ‬إظهار‭ ‬التحدي‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬المباشر‭ ‬للنفوذ‭ ‬الأمريكي‭ ‬،‭ ‬وتنبع‭ ‬فلسفة‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬من‭ ‬رغبة‭ ‬مخططي‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الصينية‭ ‬في‭ ‬تفادي‭ ‬أي‭ ‬صدام‭ ‬يسفر‭ ‬عن‭ ‬صدام‭ ‬مصالح‭ ‬مدمر‭ ‬للعلاقات‭ ‬الصينية‭ ‬ـ‭ ‬الأمريكية،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬ترغب‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬نشوب‭ ‬حرب‭ ‬باردة‭ ‬بين‭ ‬القوتين‭ ‬العظميين،‭ ‬كما‭ ‬تتفادى‭ ‬بشكل‭ ‬أكثر‭ ‬الحاحاً‭ ‬الانزلاق‭ ‬إلى‭ ‬صدام‭ ‬عسكري،‭ ‬وتؤمن‭ ‬بفاعلية‭ ‬التمدد‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والقوة‭ ‬في‭ ‬كسب‭ ‬الصين‭ ‬مكانة‭ ‬دولية‭ ‬عالمية‭ ‬متنامية‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬البعيد‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬خوض‭ ‬صراعات‭ ‬صفرية‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ولهذا‭ ‬يلحظ‭ ‬الجميع‭ ‬أن‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬الخشن‭ ‬يظهر‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬معدودة‭ ‬مثل‭ ‬القضايا‭ ‬والأحداث‭ ‬المتعلقة‭ ‬بوحدة‭ ‬الصين‭ ‬وسيادتها‭ ‬الوطنية‭ ‬ولاسيما‭ ‬مايتعلق‭ ‬بسياسة‭ ‬“صين‭ ‬واحدة”‭ ‬وأي‭ ‬خلاف‭ ‬لها‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬المجاورة‭ ‬حول‭ ‬السيادة‭ ‬والجزر‭ ‬وغير‭ ‬ذلك،‭ ‬عدا‭ ‬هذه‭ ‬القضايا‭ ‬تحرص‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الصينية‭ ‬على‭ ‬التوازن‭ ‬والإبقاء‭ ‬على‭ ‬مصالحها‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬مع‭ ‬مختلف‭ ‬الأطراف‭.‬
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-02-26 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره