2023-01-01
رؤية الصين الاستراتيجية لعلاقاتها مع دول مجلس التعاون
تعتبر رؤية الصين الاستراتيجية لمنطقة الخليج العربي والمنطقة العربية بشكل عام، جزءاً لا يتجزأ من الرؤية الاستراتيجية الصينية في مجملها، وهي رؤية قائمة على توظيف موارد وآليات القوة الناعمة الصينية في تحقيق الأهداف الاستراتيجية للبلاد، وامتلاك عوامل القدرة والتأثير في صناعة القرار الدولي عبر بوابة القوة الناعمة متمثلة في الاقتصاد والاستثمارات والتكنولوجيا والتجارة ونقل المعرفة وتبادل الخبرات.
ويعد بنك الاستثمار الآسيوي نموذج لهذه القوة بامكانياته التي تفوق مائة مليار دولار وبمشاركة قوى اقتصادية اسيوية مؤثرة مثل الهند وماليزيا وسنغافورة وتايلاند، لبناء إطار داعم للتنمية في منطقة شرق وجنوب شرق آسيا، كما تحرص الصين دائماً على توظيف قدراتها المالية الضخمة في كسب أصدقاء جدد عبر بوابة الاستثمارات الخارجية والتصدير إلى مختلف دول العالم ومناطقه. كما تعد مبادرة «الحزام والطريق» أبرز نماذج هذه الاستراتيجية الصينية.
ولا يختلف المراقبون على مكانة الصين في النظام العالمي الراهن، فهي ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، بعد الولايات المتحدة، وأحد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، وهذا بحد ذاته كفيل بجعل منطقة الخليج العربي أحد أولويات اهتمامها، سواء بحكم مسؤوليتها في الحفاظ على الأمن والاستقرار الدولي، أو بحكم مصالحها الاستراتيجية كدولة مستوردة للنفط تحصل على نحو 60% من احتياجاتها النفطية من منطقة الخليج العربي.
وتنظر الصين إلى أمن واستقرار المنطقة باهتمام خاص، ولكنها لا تمتلك رؤية استراتيجية قائمة على الهيمنة والنفوذ في دول المنطقة. والرؤية الصينية قائمة بالأساس على تعميق شبكة المصالح الاستراتيجية المتبادلة وبناء علاقات شراكة استراتيجية قائمة بالأساس على التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري وتبادل المنافع أو ما يعرف بشراكات القوة أو قوة الشراكات، وترى في هذه الشراكات ما يعادل الشراكات الأمنية وربما يفوقها تأثيراً وأهمية. وقد اعتادت الصين بناء مناطق مصالح لها عبر المدخلين الاقتصادي والاستثماري، فضلاً عن قطاعات التكنولوجيا والصناعة والثقافة، وقد نجحت عبر ذلك نجاحات لافتة في أفريقيا وآسيا ومناطق مختلفة من العالم، أي ان الصين تتوسع عبر القوة الناعمة القائمة على الشراكات الاقتصادية والاستثمارية بالأساس.
وتتميز الدبلوماسية الصينية بالتمسك بمبادئ الأمم المتحدة والسعي للحفاظ على سيادة الدول ومنع التدخل في شؤونها الداخلية، ولديها حساسيات تاريخية خاصة إزاء هذه الممارسات، وبالتالي ينظر إليها من منظور مغاير عن بقية القوى الكبرى في العالم. كما توفر لها هذه الميزة إمكانية بناء علاقات متوازنة مع جميع الدول وتوسيع هامش المناورة بعدم بناء تحالفات أو الدخول في محاور مع أطراف دون أخرى.
ورغم أن الصين لا ترتبط بتحالفات وإنما بشراكات استراتيجية مع أطراف متعددة، فإن علاقاتها مع جميع الأطراف الإقليمية تتيح لها أيضاً فرصة التأثير ولعب دور في الحفاظ على مرتكزات الأمن والاستقرار بما يخدم مصالحها القائمة على هذه الميزة، ولكن مع ملاحظة أن الصين لا تزج بنفسها في أي أدوار وساطة لتسوية الأزمات، ولا ترتبط كثيراً بمجموعات للتعامل مع التحديات الاستراتيجية التي تواجه السلام العالمي، ولو تطلب الامر ذلك تنخرط في هذا الدور ضمن مجموعة دولية متعددة الأطراف كما حدث في مجموعة 5+1، التي وقعت الاتفاق النووي مع إيران في عام 2015.
وفي منطقة الخليج العربي، تحرص الصين على إظهار التحدي الاستراتيجي المباشر للنفوذ الأمريكي ، وتنبع فلسفة الصين في هذا النهج من رغبة مخططي السياسة الخارجية الصينية في تفادي أي صدام يسفر عن صدام مصالح مدمر للعلاقات الصينية ـ الأمريكية، حيث لا ترغب الصين في نشوب حرب باردة بين القوتين العظميين، كما تتفادى بشكل أكثر الحاحاً الانزلاق إلى صدام عسكري، وتؤمن بفاعلية التمدد الاقتصادي والقوة في كسب الصين مكانة دولية عالمية متنامية على المدى البعيد من دون الحاجة إلى خوض صراعات صفرية مع الولايات المتحدة الأمريكية، ولهذا يلحظ الجميع أن الخطاب السياسي الخشن يظهر فقط في حالات معدودة مثل القضايا والأحداث المتعلقة بوحدة الصين وسيادتها الوطنية ولاسيما مايتعلق بسياسة “صين واحدة” وأي خلاف لها مع الدول المجاورة حول السيادة والجزر وغير ذلك، عدا هذه القضايا تحرص الدبلوماسية الصينية على التوازن والإبقاء على مصالحها الاستراتيجية مع مختلف الأطراف.
لا يوجد تعليقات