مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2020-09-03

معاهدة السلام .... قرار سيادي

 
 
 
بقلم :العقيد الركن/ يوسف جمعة الحداد
رئيس التحرير
 
 
تؤكد دولة الإمارات العربية المتحدة مجدداً أنها صوت السلام والحكمة والواقعية، التي تسعى من خلال مبادراتها الشجاعة والجريئة إلى تعزيز أسس الأمن والاستقرار وتحقيق السلام في المنطقة، فمنذ الإعلان قبل أيام عن اتفاقها مع إسرائيل حول مباشرة العلاقات الثنائية الكاملة برعاية الولايات المتحدة، وردود الأفعال الدولية لا تتوقف عن تأييد هذه المبادرة المهمة في مضمونها وتوقيتها، ليس فقط باعتبارها تمثل اختراقاً جوهرياً في ملف الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، ومحاولة جادة لإحياء المفاوضات المتجمدة منذ سنوات، وإنما أيضاً، وربما الأهم، لأنها تعيد مجدداً حل الدولتين إلى الواجهة بعدما كاد يتلاشى، خاصة أن إسرائيل بمقتضى هذا الاتفاق تلتزم بالتخلي عما يسمى بـ «خطة الضم» التي كانت تسعى من ورائها إلى التوسع في بناء المستوطنات وفرض أمر واقع على المفاوض الفلسطيني.
 
 
إن التأييد الدولي الكبير لهذا الاتفاق من جانب الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والعديد من القوى الدولية هو لا شك يعد اعترافاً بقوة التأثير السياسي لدولة الإمارات، كما يعكس في الوقت ذاته التقدير الكبير للجهود والمبادرات التي تبذلها قيادتها الرشيدة من أجل بناء السلام في منطقة الشرق الأوسط. كما أن هذا الاتفاق هو تعبير عن الحكمة التي تميز تعامل الإمارات مع القضايا المصيرية التي تهم العالمين العربي والإسلامي، حيث تم التوصل إليه بعد قراءة دقيقة للتطورات التي تشهدها المنطقة والعالم من حولنا، وبعد قناعة راسخة بأن السلام هو الطريق لإنهاء الصراعات والأزمات التي تشهدها المنطقة، والتأسيس لمرحلة جديدة من الأمن والاستقرار والتنمية والرفاه. 
 
 
إن قيمة هذا الإنجاز الدبلوماسي تتضح إذا ما تم الأخذ في الاعتبار حقيقة رفض إسرائيل لمختلف الدعاوى والمبادرات التي تطالبها بالتخلي عن «خطة الضم»، وإصرارها على المضي قدما في تنفيذها لكنها استجابت في نهاية المطاف إلى صوت السلام الذي أطلقته الإمارات، لأنها تدرك أنها طرف فاعل ومؤثر في صناعة السلام في المنطقة، وتحظى مبادراتها بالقبول والمصداقية على الصعيدين الإقليمي والدولي، وتستطيع بالفعل تحريك المياه الراكدة في هذا الملف المعقد والمتشابك. لقد جاء هذا الاتفاق في توقيت بالغ الدقة كانت فيه المنطقة على وشك الانفجار إذا نفذت إسرائيل «خطة الضم»، بدليل أن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والعديد من القوى الدولية حذرت خلال الأشهر الماضية من أن هذه الخطة ستؤدي إلى موجة من العنف وموت خطة السلام القائمة على حل الدولتين والتي تم التفاوض بشأنها لعدة عقود، لهذا فإن أهمية الخطوة التي اتخذتها الإمارات إنما تكمن في كونها تمهد الطريق لبناء سلام حقيقي قابل للحياة والاستدامة، تنعم جميع شعوب المنطقة بثماره الإيجابية في المستقبل.
 
 
وسيسجل التاريخ بأحرف من نور كيف أن المبادرة الإماراتية أعادت الحياة إلى عملية سلام الشرق الأوسط إلى مسارها الطبيعي بعد أن كانت قد تراجعت عن اهتمامات المجتمع الدولي في الآونة الأخيرة، خاصة أن رؤية الإمارات لعملية السلام تحظى بقبول المجتمع الدولي، لأنها ترتكز على حق شعوب المنطقة في الأمن والاستقرار والازدهار، وتعزز من قيم التسامح والتعايش وقبول الآخر، ولهذا حرصت أن يتضمن الاتفاق مع إسرائيل والولايات المتحدة التأكيد على نقطة جوهرية، وهي أن الأماكن المقدسة في القدس ينبغي أن تظل مفتوحة أمام المصلين من جميع الأديان، لتقطع بذلك الطريق على قوى التطرف والتعصب في المنطقة التي طالما سعت، وما تزال، إلى إذكاء نيران الصراعات الدينية، والانطلاق منها في تأجيج خطاب الكراهية والتحريض على العنف، وبالشكل الذي يضع المنطقة على حافة بركان قابل للانفجار في أي لحظة. 
 
 
تؤكد خبرة السنوات الماضية أن القرارات الشجاعة لا يأخذها إلا القادة الاستثنائيون الذين يمتلكون القدرة على قراءة الواقع واستشراف المستقبل، ولهذا فإن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، يعد نموذجاً لهؤلاء القادة، ليس فقط لأنه يمتلك رؤية عميقة وفهم متكامل لتطورات المشهدين الإقليمي والدولي، وإنما أيضاً، لأنه صاحب مواقف مشهودة في الحفاظ على مقتضيات الأمن القومي العربي، والدفاع عن قضايا أمته العربية والإسلامية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، لهذا فإن هذا الاتفاق الذي يربط بين إقامة الإمارات علاقات مباشرة مع إسرائيل وبين تخلي الأخيرة عن خطة «الضم» والانخراط في عملية السلام هو في حقيقته انحياز لمصالح الشعب الفلسطيني، والانتصار لقضيته العادلة، وهو في الوقت نفسه قرار سيادي لا نقبل التدخل فيه.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره