مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2012-09-01

آسيا أولاً ركائز الإستراتيجية العسكريــة الأمريكية الجديدة

في أوائل يناير الماضي، كشف الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن وثيقة الإستراتيجية الجديدة للجيش الأمريكي، التي تدعو إلى وجود عسكري أمريكي أكبر في آسيا، وتقترح تقليصاً لحجم القوات في أوروبا، فما هي أبعاد هذه الإستراتيجية، وما هي أهدافها ونتائجها؟ وهل تمثل هذه الإستراتيجية تحولاً نوعياً في أولويات الاهتمام الأمريكية التقليدية حيال الحلفاء الأطلسيين في أوروبا؟.
 هذه وغيرها تساؤلات يعكف الباحثون والخبراء على البحث عن ردود وإجابات لها، وفي هذا الملف تحاول «درع الوطن» الإسهام في تسليط الضوء على ملامح الإستراتيجية الجديدة وتحليل أبعادها والمواقف المختلفة حيالها.
 
إعداد: التحرير
 
تبرز وثيقة الإستراتيجية الجديدة اهتماماً أمريكياً بالحفاظ على الاستقرار في الشرق الأوسط، وتشير الإستراتيجية الجديدة أيضاً إلى أن الولايات المتحدة ستواصل العمل لوقف البرامج النووية لكل من إيران وكوريا الشمالية، حيث جاء في الوثيقة أن «السياسة الأمريكية ستشدد على أمن الخليج العربي بالتعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي حيثما يكون مناسباً لمنع إيران من تطوير قدراتها النووية العسكرية والتصدي لسياساتها المزعزعة للاستقرار»، وتدعو الإستراتيجية أيضاً الجيش الأمريكي إلى «إعادة التوازن تجاه منطقة آسيا والمحيط الهادي» مع استمراره في التصدي النشط لخطر التطرف والإرهاب، وكتب الرئيس أوباما في مقدمة الإستراتيجية الجديدة للبنتاجون قائلاً «أمتنا في لحظة تحول»، وتدعو الإستراتيجية كذلك إلى زيادة الاستثمار في القدرات الالكترونية عبر الانترنت، وتشير إلى أن الترسانة النووية لأمريكا يمكن أن تتقلص دون أن تعرض الأمن القومي الأمريكي للخطر، ويأتي تحول التركيز إلى منطقة آسيا والمحيط الهادي وسط قلق متزايد في البنتاجون من الأهداف الإستراتيجية للصين التي تبدأ في نشر جيل جديد من الأسلحة، حيث تبدي الوثيقة القلق من أسلحة جديدة تعمل الصين وإيران على تطويرها وستجعل من الصعب على القوات البحرية والجوية الأمريكية استخدام القوة في الخارج، وكان الرئيس أوباما قد طرح مبادرة مراجعة الإستراتيجية الصيف الماضي بعد أن طلب من البنتاجون بدء التخطيط لتخفيضات كبيرة في ميزانية الدفاع الأمريكية بعد عقد من النمو، وتستهدف الإستراتيجية التعرف على الأولويات الإستراتيجية الأمريكية وتوجيه الإنفاق الدفاعي مع بدء تقليص حجم الجيش.    
 واتفق الرئيس أوباما مع الكونجرس في أغسطس 2011 على تقليص الإنفاق المتوقع على الأمن القومي بأكثر من 450 مليار دولار في السنوات العشر القادمة، واتفقا أيضاً على تخفيضات تلقائية في الإنفاق يمكن أن تخفض شريحة أخرى قدرها 600 مليار دولار من ميزانية البنتاجون ما لم يوافق الكونجرس على بديل آخر، ولم تتضمن وثيقة الإستراتيجية حجم القوات التي سيجري تقليصها ولم تعالج قضايا محددة متعلقة بالميزانية.  
ولكن مسؤولين في الإدارة الأمريكية تحدثوا عن أنه سيجري خفض أعداد أفراد الجيش والبحرية بنسبة تتراوح بين عشرة بالمائة و15 بالمائة في السنوات العشر القادمة، وفي هذا الإطار قال وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا أن الجيش الأمريكي سيكون «أصغر وأرشق»، وتبرز الإستراتيجية «المصالح الثابتة» للولايات المتحدة في أوروبا وأهمية حلف شمال الأطلسي، لكنها تقول أن توزيع القوات في أوروبا يجب أن «يتطور» مع تطور العصر، وقال مسؤولون في الإدارة الأمريكية أنه من المحتمل أن تجري الولايات المتحدة تخفيضات أكبر لعدد القوات البرية في أوروبا بمقدار لواء قتالي آخر وهي وحدة يتراوح عدد أفرادها بين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف طبقاً لتكوينها.
الموقف تجاه الصين
 قال محللون أن بكين يجب ألا تخشى السياسة الدفاعية الأمريكية الجديدة التي فسرت على أنها إستراتيجية أمنية «متطورة» في آسيا لإحداث توازن مع قوة الصين الصاعدة، وتنطوي هذه الإستراتيجية الدفاعية الجديدة على شراكات عسكرية في شتى أنحاء آسيا، كما تتضمن توسعاً للوجود العسكري الأمريكي كإشارة واضحة على الالتزام الأمريكي بالمنطقة وإن كانت ستقلص الحجم الإجمالي للقوات الأمريكية بما يتفق مع سياسة خفض الإنفاق الدفاعي التي كشفت عنها واشنطن في أواخر العام الماضي، وتشعر بكين بالقلق من الوضع الدفاعي الجديد الذي اتخذته واشنطن بعد أن انسحبت من العراق، وتستعد للانسحاب من أفغانستان، وترى أنها محاولة لتطويقها وتقييد نفوذها المتنامي.
من جانبها قالت أستراليا وهي حليف عسكري وثيق للولايات المتحدة التي بدأت بالفعل برنامجاً دفاعياً يتكلف 65 مليار دولار أسترالي أن عملية إعادة التوازن التي تقوم بها القوات الأمريكية في آسيا يجب أن لا تهدد الصين أو تهدد العلاقات التجارية بين أستراليا والصين وحجمها الإجمالي 113 مليار دولار أسترالي، وقال كيم بيزلي سفير أستراليا لدى واشنطن وهو وزير دفاع سابق «الموقف الأمريكي مركب للغاية وبطريقة نشجعها، أنها ليست إستراتيجية احتواء»، وقالت واشنطن إنها ستعمل مع الصين لضمان الأمن والرخاء الاقتصادي في المنطقة، لكنها ستستمر في التطرق إلى قضايا أمنية منها بحر الصين الجنوبي الذي تمر منه سنوياً تجارة حجمها خمسة تريليونات دولار، ومن المعروف أن النزاعات حول ملكية المناطق الغنية بالنفط والجزر في بحر الصين الجنوبي تشكل أكبر التهديدات الأمنية في آسيا، وتتنازع السيادة عليه بشكل كلي أو جزئي كل من الصين وتايوان والفلبين وماليزيا وفيتنام وبروناي، وستحتفظ الولايات المتحدة بموجب الإستراتيجية الجديدة بقواعد كبيرة في شمال آسيا في اليابان وكوريا الجنوبية.
 
وخلال زيارة لأستراليا في نوفمبر الماضي أعلن الرئيس أوباما عن نشر قوات من مشاة البحرية الأمريكية وسفن البحرية والطائرات في شمال أستراليا اعتباراً من عام 2012، وتتركز نقطة الخلاف الرئيسة بين واشنطن وبكين في بحر الصين الجنوبي، كما أن تايوان وفيتنام وماليزيا وسنغافورة وبروناي والفلبين دول لها مطالب سيادية في تلك المنطقة، وتضغط واشنطن من أجل تسوية دبلوماسية للخلافات القائمة، لكنها أوضحت دون أي شك أنها ترغب في الإبقاء على حرية الملاحة في ذلك الجزء الحيوي من المنطقة، ومن شأن رفع مستوى الحضور البحري العسكري الأمريكي في منطقة المحيط الهادي السماح لواشنطن بزيادة حجم التدريبات والمناورات التي تجريها هناك في السنوات المقبلة، كما أن واشنطن تخطط لأن ترفع القطع البحرية الأمريكية من وتيرة زياراتها للموانئ في منطقة جغرافية أوسع من المحيط الهادي، تشمل المحيط الهندي، وكانت القوات المسلحة الأمريكية شاركت خلال العام الماضي في 172 عملية تدريب ومناورات حربية ضمت 24 بلداً.
 
مستقبل التفوق العسكري الأمريكي
تنص الإستراتيجية الجديدة على إعلاء مكانة الولايات المتحدة في أوروبا والإبقاء على ترسانة نووية «أصغر»، وقد وعد الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالمحافظة على «التفوق العسكري» للولايات المتحدة في العالم رغم الاستقطاعات اللازمة في ميزانية الدفاع، مع إعطاء الأولوية لآسيا وإنهاء العمليات البرية الطويلة، وهذه الخطة التي تعكس التقشف الذي ينتظر ميزانية البنتاغون، تعطي الأفضلية  للسلاحين الجوي والبحري في مواجهة التحديات التي تطرحها إيران والقوة المتصاعدة للصين، مع التخلي عن عمليات مكافحة التمرد الطويلة والمكلفة التي طبعت سنوات ما بعد 2001 كما في العراق وأفغانستان، و«اختبار ميزانية الدفاع» هذا الذي يتحدث عنه المسؤولون الأمريكيون منذ أشهر، تمليه أساساً الصعوبات المالية التي تمر بها الولايات المتحدة التي تريد توفير 487 مليار دولار من ميزانية البنتاغون خلال عشر سنوات وفقاً لوزير الدفاع ليون بانيتا. 
وقال أوباما أن الولايات المتحدة «ستعزز وجودها في منطقة آسيا-المحيط الهادي واستقطاعات الميزانية لن تكون على حساب هذه المنطقة الحيوية»، ووعد الرئيس بأن تواصل الولايات المتحدة التزام الحذر و«اليقظة» في الشرق  الأوسط والاستمرار في تطوير تحالفات وشراكات إستراتيجية مثل الشراكة مع حلف شمال  الأطلسي التي «أظهرت في العديد من الحالات وأخيراً في ليبيا أنها عنصر مخفف للقوة»، وقال أوباما محذراً «نعم جيشنا سيصبح أقل عدداً لكن على العالم كله أن يعلم أن  الولايات المتحدة ستحافظ على تفوقها العسكري مع قوات مسلحة ماهرة، مرنة، وعلى استعداد للرد في جميع الظروف والتهديدات».
 وقال وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا «في الحقيقة ستبقى ميزانية الدفاع أكبر مما كانت عليه في نهاية إدارة الرئيس السابق جورج بوش (مطلع 2009)»، وستتجاوز دائماً مبلغ الميزانيات العسكرية للدول العشر الأكثر إنفاقاً على الدفاع بعد الولايات المتحدة. 
 
وسيتم خفض عدد القوات البرية من 565 ألف حالياً إلى 520 ألف جندي عامل بعد 2014، وربما حتى يخفض العدد إلى 500 ألف، وفقاً لمراقبين، في حين سيتم خفض عدد مشاة البحرية البالغ 202 ألف حالياً بنحو 15 إلى 20 ألفاً، ورغم أن وزير الدفاع وعد بأن تبقى للولايات المتحدة «القدرة على مواجهة وهزيمة أكثر من خصم في وقت واحد»، فإن الإستراتيجية الجديدة تضع حداً للعقيدة العسكرية الأمريكية التي تقضي بأن يتمكن الجيش الأمريكي من الانتصار في نزاعين كبيرين في وقت واحد حيث لم تعد تنص سوى على منع خصم ثان من «تحقيق أهدافه»، وتشير إلى احتفاظ الولايات المتحدة بقوة تستطيع كسب حرب مع امتلاكها القدرة على ردع أهداف خصم في حرب أخرى.
 
التحدي الصيني
يفرز النمو الاقتصادي الهائل للصين تحديات قوية للقيادة الأمريكية على مستوى العالم، وهو أحد المحددات المهمة في إعادة رسم خريطة القوة ونقل كفة الترجيحات من الغرب إلى الشرق، كما أن قدرات الصين العسكرية المتزايدة ترفع وتيرة التوتر لدى جيرانها الإقليميين في منطقة جنوب شرق آسيا، كما أن البحرية الصينية باتت لا تكف عن التجول في مناطق طالما هيمنت عليها البوارج والمدمرات الأمريكية، ومع اقتراب الصين من احتلال المركز الأول كأكبر اقتصاد عالمي يتعين عليها أن تحدد خياراتها: هل تترجم تلك القوة الاقتصادية إلى قوة عسكرية أو نفوذ سياسي دولي؟ وفي المقابل كان تراجع الاقتصاد الأمريكي يفرض أيضاً خيارات على أمريكا: هل تستجيب للواقع وتقوم بمزيد من التراجع والانسحاب الدوليين، أم تعيد ترتيب أوراقها وإعادة استغلال نقاط قوتها؟.
من جانبه توقع صندوق النقد الدولي أن تصبح الصين قادرة على تجاوز الولايات المتحدة كصاحبة أكبر اقتصاد عالمي قريباً، ويرى ريتشارد بوش مدير مركز الدراسات السياسية لمنطقة شمال شرق آسيا وكبير باحثي السياسة الخارجية بمؤسسة بروكينجز أن الخلاف لا يتعلق بإمكانية أن تصبح الصين أو لا تصبح صاحبة المركز الأول، وإنما توقيت حدوث ذلك يتعلق بالجدل المثار حالياً حول كيفية قياس الاقتصاد الصيني وتواضع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، ولكن فيما يتعلق بالناتج المحلي الإجمالي فمن المؤكد أن الصين ستصبح «رقم 1» خلال العقد الحالي أو العقد التالي على أقصى تقدير.
ومن المؤكد أن احتلال الصين المركز الاقتصادي الأول في العالم يعتبر إنجازاً كبيراً، ويكفي أن الصين كانت دولة فقيرة للغاية عندما وصل الحزب الشيوعي الصيني إلى السلطة عام 1949، وبعد مرور ثلاثين عاماً كانت ما تزال دولة فقيرة تعصف بها الاضطرابات السياسية المتوالية، ولكن جاء تخلي قادة الصين عن مركزية التخطيط من أجل بناء اقتصاد قائم على التصدير ليعزز تدفق الاستثمارات الخارجية والمشاريع المحلية، واستمر هؤلاء القادة على هذا المنوال، وإن لم يمنعهم من التكيف تبعاً للظروف، وكانت النتيجة هي تحسن مستوى المعيشة لمئات الملايين، وتغيير وجه الدولة تماماً، هذه المحطة، كما يرى باحثون، مهمة من الناحية النفسية قدر ما هي مهمة من الناحية الاقتصادية، فالصينيون يفخرون بحضارتهم، ويرون أن بلادهم ظلت ضحية للدول الغربية واليابان لأكثر من قرن، وأن استعادة الصين مجدها القديم ووضعها كواحدة من الدول الكبرى سيعيدان تلك المعادلة المغلوطة إلى وضعها الصحيح، خاصة إذا تم ذلك على حساب الولايات المتحدة التي ترتبط معها بكين بعلاقات أقل ما توصف به أنها «صعبة» طوال الستين عاماً الماضية، ولكن المناقشات حول تحول الصين إلى صاحبة أكبر ناتج محلي إجمالي في العالم عادة ما تأتي مصحوبة بمخاوف من أن يؤدي الصعود السريع لنجم جديد في سماء الاقتصاد إلى الإخلال بتوازن النظام العالمي، بل وربما إلى حافة الحرب، حيث من المعتاد أن تترجم الدول الكبرى اقتصادها القوي إلى قوة عسكرية ونفوذ سياسي كبيرين، التاريخ يطرح عدة سيناريوهات مختلفة، فإلى أي السيناريوهات تتجه الصين؟
يرى الباحث ريتشارد بوش مدير مركز الدراسات السياسية لمنطقة شمال شرق آسيا وكبير باحثي السياسة الخارجية بمؤسسة بروكينجز أن عالم اليوم يختلف عن عالم 1913، حيث:
أولاً: لا يعني وجود اقتصاد قوي أن تترجم الدولة هذه القوة إلى نفوذ سياسي عالمي بالضرورة.
ثانياً: إن الاقتصاد القوي لا يفرز بالضرورة جيشاً قوياً.
ثالثاً: إن احتلال المركز الأول اقتصادياً لا يعني بالضرورة حتمية نشوب حرب كونية.
رابعاً: إن نشوب الحروب لا يعود بالضرورة إلى رغبة قوة صاعدة في ممارسة نفوذها.
وأضاف أن كل هذه خيارات يتعين أن تفكر فيها الصين وهي تخطو أولى خطواتها كقوة اقتصادية عالمية، فأيها تختار؟ الخيار لا يقف عند حد صاحبة المركز الأول فقط، فالولايات المتحدة يمكن أن تعتبر احتلالها المركز الثاني مقدمة لتراجع أكبر وانسحاباً أكبر من قيادة الساحة الدولية، ويمكنها أيضاً إعادة بناء دعائم قوتها الاقتصادية التي أغفلتها طويلاً مثل التمويل الحكومي والتعليم والعلوم والتكنولوجيا.
 
جذور الإستراتيجية الأمريكية الجديدة 
تمتعت الولايات المتحدة بفترة من السيادة العسكرية شبه المطلقة منذ انهيار الإتحاد السوفيتي، إلا أن هجمات 11 سبتمبر 2001 والإخفاقات في حرب العراق، فضلاً عن الصعود السريع للنفوذ الصيني، جعلت من إعادة النظر في ركائز الإستراتيجية العسكرية الأمريكية شيئاً ضرورياً لا يمكن تجنبه، من هنا كانت مصادقة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش على وثيقة «مراجعة الموقف العالمي لوزارة الدفاع»، وذلك نتيجة تغير بيئة عمل القوات المسلحة الأمريكية في بداية القرن الحادي والعشرين، وعملية المراجعة تلك هي عملية مستمرة تساهم فيها بدرجات مختلفة وطبقاً لطبيعة كل جزء فيها وزارة الخارجية، الكونغرس وأجهزة المخابرات والوكالات الأمريكية الأخرى، وكذلك بعض الدول التي توجد على أراضيها قوات أمريكية. وتتمحور كل خلاصات الدراسات الإستراتيجية الحديثة في عالم ما بعد 11 سبتمبر 2001 على أهداف إستراتيجية جديدة، وبدلاً من التركيز التاريخي على ما سمي بالسلام الأمريكي Pax Americana، وهو السلام الذي يتوفر بتفوق عسكري أمريكي لا يضاهيه أي قوة عسكرية أخرى، حدث تغير في التوجه الإستراتيجي الأساسي، وأصبح التخطيط الاستراتيجي يركز على التحول العسكري الأمريكيMilitary Transformation بما يسمح بالحفاظ على هامش مقبول من التفوق العسكري، إضافة إلى دعم علاقات التحالف الإستراتيجية مع أعداد متزايدة من الدول. 
ومنذ تأسيس وزارة الدفاع الأمريكية عام 1947، كان كل التفكير الإستراتيجي الأمريكي يتعلق بكيفية الاستعداد لحرب ضد قوى كبرى، لكن أحداث 11 سبتمبر قلبت كل التوقعات بشأن حروب المستقبل، ومن هنا ساهم تنظيم القاعدة في تأكيد قناعة أن الولايات المتحدة لن تتورط في حروب تقليدية ضد دول في المستقبل المنظور، وهناك ثلاثة أسباب عجلت بضرورة مراجعة الإستراتيجية الأمريكية:
أولا: ظهور تهديدات جديدة لا يمكن توقعها وتقلص التهديدات التقليدية
تغيرت التهديدات التي تواجه الولايات المتحدة، وأصبحت تهديدات من النوع الذي لا يمكن توقعه كما كان في عهد الحرب الباردة التي مثلت حجر الأساس للعقيدة الإستراتيجية الأمريكية لما يقرب من 60 عاماً. وصاحب تغير التهديدات تغير بيئة العلاقات الدولية حيث صارت وحدات أخرى غير الدول تمثل تهديداً للأمن العالمي والأمن الأمريكي في نفس الوقت، تنظيم مثل القاعدة ساهم بدرجة كبيرة في هذا التغير بعدما قام بهجمات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، إضافة لتبنيه القيام بهجمات عديدة في دول أوروبية وآسيوية وأفريقية، ويمثل عدم توقع مصادر التهديدات وإمكانية تبلورها في هجوم ينظمه عدد قليل من الأشخاص تطلب إعادة النظر في العقيدة العسكرية الأمريكية لتحدد كيف لها أن تتعامل مع أخطار لا يمكن التنبؤ بها، وبالإضافة إلى الأخطار التي يمكن التنبؤ بها، هناك مخاطر يتوقعها الخبراء الإستراتيجيون الأمريكيون، والتي تتمثل في تهديدات تصدر من الصين أو كوريا الشمالية، أو حدوث حرب جديدة بين العدوين النوويين الهند وباكستان، أو التوترات المتكررة في منطقة الخليج العربـي أو منطقة البلقان، هذا بالإضافة إلى تطور عدد من المخاطر تتمثل في:
- تحديات أوروبية وصينية وهندية لمواجهة هيمنة الولايات المتحدة على الفضاء.
- تزايد التورط في حروب المدن، ومعارك في مناطق سكانية آهلة في حروب المستقبل.
- تطور حرب المعلومات لكسب مزايا إستراتيجية عن طريق استعمالها في معارك القتال أو استعمالها لجمع أسرار اقتصادية مهمة.
 
ثانياً: عامل التكنولوجيا
سمحت التطورات التكنولوجية للولايات المتحدة بالقيام بمهام تجسس وتنصت على أعدائها من داخل الولايات المتحدة، أو من الفضاء المتاح خارج حدود الدول، كذلك سمحت التكنولوجيا بسهولة وسرعة نقل القوات الأمريكية إلى أي مكان في العالم، وبإمكان طائرات مقاتلة أمريكية تنطلق من حاملات الطائرات المنتشرة حول العالم أن تدمر أهدافاً كبيرة في أي بقعة على الأرض، لكن في الوقت نفسه لم تكن التطورات التكنولوجية حكراً على الولايات المتحدة، فالدول جميعها تتسابق لتحصل على أحدث التكنولوجيات العسكرية، وتقوم هذه الدول بتطوير ترساناتها العسكرية في الوقت نفسه، وكذلك تسعى الجماعات الإرهابية المختلفة للحصول على تكنولوجيات وأسلحة متطورة خاصة مع توفر بعضها (أسلحة كيميائية بتكلفة قليلة)، وتطورت العقيدة العسكرية الأمريكية لتركز ليس على عدد القوات، وأعداد الدبابات والطائرات، بل على الإمكانيات والمقدرة المتاحة لهذه القوات.
 
ثالثاً: ضرورة مراجعة انتشار القوات الأمريكية حول العالم
تهدف عملية إعادة تقييم الإستراتيجية العسكرية الأمريكية إلى ما يحقق معه توزيع أفضل للقدرات العسكرية الأمريكية للمرة الأولى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية 1945، وتتضمن مبادئ هذه الإستراتيجية الجديدة ما يعكس تغير وجهة الاهتمامات الإستراتيجية الأمريكية في القرن الجديد، بالإضافة إلى تغير في سلوكيات الولايات المتحدة العسكرية تجاه حلفائها وأعدائها، وتمركزت إستراتيجية توزيع القوات الأمريكية حول العالم على افتراض مواجهة وردع عدو شيوعي ذو سلاح نووي وله حلفاء حول العالم، ومع اختفاء الخطر الشيوعي منذ ما يقرب من 15 عاماً لم يتغير توزيع القوات الأمريكية حول العالم بدرجة كبيرة. 
وللولايات المتحدة قوات عسكرية في 135 دولة في مختلف قارات العالم، وتنتشر القوات الأمريكية في كل العالم، وبجانب العراق يوجد نحو 400 ألف جندي أمريكي خارج حدود أمريكا، في اليابان وكوريا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وغيرها.
 
ويتفق خبراء الإستراتيجية العسكرية على عدم وجود حاجة لوجود قوات أمريكية في كل أركان العالم، ويمكن استبدال ذلك بتوفير قدرات نقل سريعة للقوات في أوقات الأزمات المفاجئة، بناءاً على العاملين السابقين (تهديدات جديدة والتكنولوجيا) ظهرت ضرورة للعامل الثالث المتمثل في ضرورة إعادة توزيع القوات الأمريكية حول العالم، ولم يعد من الضروري مثلاً الاحتفاظ بما يقرب من 70 ألف جندي في ألمانيا.
تاريخياً لم تشارك الولايات المتحدة بمفردها في أي من النزاعات العسكرية الكبيرة منذ بدايات القرن العشرين وحتى الآن، فالحرب العالمية الأولي والثانية، والحرب الكورية والحرب الباردة، وحروب الخليج وصولاً للحرب على الإرهاب، ولعب حلفاء الولايات المتحدة أدواراً مهمة في هذه الحروب، حديثاً وبعد 11 سبتمبر قامت الولايات المتحدة بعقد تحالفات تكتيكية عسكرية واستخباراتية مع دول لم يكن يتخيل صانع القرار الأمريكي عقد تحالف معها قبل 11 سبتمبر، دول شيوعية سابقة ودول تحكمها نظم ديكتاتورية تخالف مبادئها كل ما تقوم وتنادي به الولايات المتحدة، ويخدم حلفاء الولايات المتحدة أهدافها الإستراتيجية بصور مختلفة تتمثل في:
- الاستعانة بقوات مسلحة من هذه الدول عند الحاجة.
- توفير شرعية دولية للولايات المتحدة عند الحاجة لها.
- الحصول على تسهيلات عسكرية في أقاليم الدول الحلفاء.
- مشاركة المعلومات الاستخباراتية المفيدة للطرفين.
- المشاركة في التكلفة المالية للنزاعات العسكرية.
- منع قيام تحالف بين هذه الدول ومنافسين للولايات المتحدة في المستقبل (الصين- الهند).
 
رد الفعل الصيني
نقل الإعلام الصيني عن ضابط رفيع المستوى قوله إن بكين ستشدد يقظتها، ولكنها لن ترد على  القرار الذي أعلنه الجانب الأمريكي بشأن نقل معظم القطع البحرية إلى منطقة حوض المحيط الهادي بحلول عام 2020، وكان هذا التصريح الذي أدلى به الجنرال رين هايكوان، أول رد فعل علني صيني على ما قاله وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا بشأن إعادة نشر الأساطيل الأمريكية البحرية بحيث تتمركز 60 بالمائة منها في منطقة المحيط الهادي بحلول نهاية العقد الحالي، وقال الجنرال رين «أولاً، ينبغي ألا ننظر إلى هذا القرار الأمريكي بوصفه كارثة (بالنسبة للصين)، فأنا اعتقد أن هذا التغيير يمثل تعبير الولايات المتحدة عن مصالحها القومية وهو ردها على المشاكل المالية التي تمر بها، إضافة إلى كونه رداً على التطورات الأمنية على النطاق الدولي». وأكد الجنرال رين، نائب مدير الأكاديمية الصينية للعلوم العسكرية، وهي هيئة تسهم في رسم استراتيجيات القوات المسلحة الصينية، أن بكين لن تهمل السياسات الأمريكية الجديدة أو تتهاون معها، حيث قال «الجزء الثاني من ردي يتلخص في إننا لا ينبغي أن نتعامل مع هذا التطور بلا مبالاة، بل يجب علينا أن نفهم إننا نواجه تطورات ذات تعقيد بالغ وخطير وأن علينا رفع درجة يقظتنا للمخاطر وأن نستعد للتأقلم مع شتى الظروف المعقدة والخطيرة».
 
على الصعيد السياسي، صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية ليو وي مين، إن الصين تأمل في قيام الولايات المتحدة بدور إيجابي وبناء في منطقة آسيا- الباسفيك، وقال ليو أن الصين أعربت بشكل متكرر عن احترامها لوجود ومصالح الولايات المتحدة بمنطقة آسيا- الباسفيك وأنها تأمل في أن تحترم الولايات المتحدة أيضاً مصالح الصين هناك، وأضاف ليو إن الصين لا تزال تعتقد أن السعي إلى تحقيق السلام والاستقرار والتنمية هو الاتجاه العام والأمل المشترك للمنطقة، مشيراً إلى أن شؤون آسيا- الباسفيك يجب التعامل معها عن طريق المشاورات بين دول المنطقة.
يبدو أن ما تتحفظ بكين على الإعلان عنه رسمياً ورد في ردود فعل إعلامية، حيث ذكرت افتتاحية نشرتها صحيفة جلوبال تايمز الصينية أن المسؤولين ووسائل الإعلام الأمريكية دأبت في السنوات الأخيرة على استغلال قضية بحر الجنوب بحجة «حرية الملاحة»، وقالت الصحيفة الصينية أنه من غير الممكن إبقاء الولايات المتحدة خارج قضية بحر الجنوب تماماً، لكن هناك ضرورة متزايدة لرسم حدود التدخل الأمريكي في هذا الشأن. وبوجود هذه الحدود ستتمكن كل الأطراف من الحفاظ على أمن الملاحة في بحر الجنوب، وهكذا فقط يمكن دفع التسوية السلمية لقضية بحر الجنوب، والاتجاه تدريجياً نحو بنية أمنية جديدة في آسيا. وتابعت الصحيفة: أن أمريكا لديها مصالح في بحر الصين الجنوبي، لكنها ليست دولة متشاطئة له، وأن قيام أمريكا بتأسيس علاقات تحالف عسكري مع بعض دول المنطقة، أو تقديم دعم عسكري لأي طرف، أو إمضاء أي نوع من اتفاقيات الحماية هي أمور لا تهم الصين، لكن في المقابل فإن نزاعات الحدود البحرية في بحر الصين الجنوبي، هي قضايا مطروحة بين الصين والدول المعنية، وليست لها علاقة بأمريكا، والصين لن تسمح للولايات المتحدة بأن تحشر أنفها في هذه القضية، واستطردت الصحيفة الصينية فيما يبدو أنه موقف رسمي قائلة إن معالجة قضية بحر الصين الجنوبي لا تحتاج لقاضي، والصين ليست الطرف المتسلط ولا تسعى لهذه المكانة، في ذات الوقت تؤمن الصين بأن قضية بحر الجنوب يمكن أن تحل عبر التفاوض بين الدول المعنية، وأن هذه هي السبيل الوحيدة لضمان الاستقرار والسلام في آسيا.
 
وبعد ذلك جاء رد الفعل الصيني الأكثر وضوحاً من خلال صحيفة الشعب اليومية المعبرة عن الحزب الشيوعي الحاكم حيث ذكرت أن الولايات المتحدة بصدد تحويل آسيا إلى مسرح لعرض عضلاتها أو بالأحرى لتقديم عرض لـ «كمال الأجسام»، ولا شك أن «إعادة التوازن» المبني أساساً على زيادة التواجد العسكري، سيكسر التوازن القديم في المنطقة، ورأت الصحيفة أن واشنطن بحاجة إلى رفع مكانة آسيا داخل إستراتيجيتها التجارية، لزيادة صادراتها إلى منطقة آسيا وتوفير الوظائف وتقاسم منافع النمو الاقتصادي الآسيوي، لكن إذا عملت على زيادة التوتر والاحتقان في آسيا، فإن هذا من الواضح أنه لن يخدم المخطط الأمريكي لـ«مضاعفة الصادرات»، ورأت أن محاولة الولايات المتحدة الهيمنة عبر القبضة العسكرية، قد تقوض السلام والاستقرار الذي نعمت بهما آسيا طوال 30 عاماً الماضية، والثقة والمصالح المتبادلة التي تأسست بين مختلف الدول الآسيوية، وبذلك سيجلب إلى آسيا «زيادة التوتر»، وحذرت «الشعب» (الصحيفة الرئيسية التي تصدرها القوات المسلحة الصينية) من أن خطط الولايات المتحدة لتعزيز وجود قواتها البحرية في منطقة آسيا-الباسفيك تهدد بتوسيع الخلافات بين البلدين.
 
ما الذي ستعيد أمريكا تعديله في آسيا؟
ألقى وزير الدفاع الأمريكي بانيتا يوم 2 يونيو خلال الدورة 11 من حوار شانغريلاه كلمة بعنوان «أمريكا وإعادة التوازن في آسيا والمحيط الهادي»، تحدث فيها أساساً عن الدور الأمريكي في آسيا والمحيط الهادي وكيفية دفع الإستراتيجية العسكرية الجديدة «إعادة التوازن»، وما لفت الانتباه هو نشر 60 % من القوات البحرية الأمريكية في منطقة آسيا والمحيط الهادي، وتجدر الإشارة إلى أن الإستراتيجية العسكرية الجديدة التي أعلنتها الولايات المتحدة في يناير من العام الحالي، تهدف إلى نقل الثقل الإستراتيجي إلى آسيا، غير أن هذه العبارة أثارت جدلاً واسعاً في داخل الصين وخارجها، حيث نظر إلى كلمة «نقل» على كونها تحمل لبساً كبيراً، الأمر الذي دفع الأمريكيين إلى تغييرها بعبارة «إعادة التوازن»، والمعنى من ذلك هو أن الولايات المتحدة لم تغادر منطقة آسيا والمحيط الهادي مطلقاً، وإنما هي بصدد إجراء تعديل على اهتماماتها الخارجية، بعد نهاية حربي العراق وأفغانستان، وفي هذا الإطار تطرح تساؤلات حول ما الذي تعتزم واشنطن إعادة موازنته في آسيا:
أولاً، التوازن بين الإستراتيجية الأوروبية والآسيوية، حيث أصبحت الولايات المتحدة ترى بأن أوروبا لم تعد مركز ثقلها الإستراتيجي، وأن آسيا قد حلت مكانها، وقد صرح بانيتا بأن أمريكا ستواصل تعزيز تواجدها العسكري في منطقة آسيا والمحيط الهادي خلال 5 أو 10 سنوات القادمة.
ثانياً، التوازن الإستراتيجي العسكري، ستركز أمريكا أكثر على القوات البحرية والجوية، وبحلول عام 2020 ستكون البحرية الأمريكية قد غيرت بنية انتشارها العسكري الحالي «الانفتاح 5-5» في المحيطين الهادي والهندي، وستنشر أكثر من 60 % من سفنها الحربية في المحيط الهادي بما في ذلك؛ توزيع السفن العابرة للمحيطات والسفن المدمرة والغواصات والسفن المقاتلة الساحلية في المحيط الهادي، وستزيد عدد حاملات الطائرات إلى 6 حاملات، وأضاف بانيتا أنه إلى جانب زيادة الكمية، ستقوم الولايات المتحدة بنشر الغواصات والسفن الحربية الأكثر تطوراً، وأحدث المعدات الإلكترونية وأنظمة الاتصال، لرفع جودة التواجد العسكري في المحيط الهادي.
ثالثاً، «الإعادة» تمثل توازناً لنمط الانتشار، على عكس القواعد الكبرى الدائمة التي تم تأسيسها خلال الحرب الباردة، يأتي تعزيز التواجد العسكري الأمريكي في منطقة آسيا والمحيط الهادي هذه المرة للتنسيق مع الحلفاء والشركاء، عبر قبول مهام وقتية والمشاركة في مناورات وتدريبات وتحركات عسكرية مشتركة، وضمان استعمال موانئ التزويد والمطارات وغيرها من المنشآت في الدول المتعاونة، وهذا النمط من الانتشار يتميز بمنافعه الاقتصادية، وقلة النفقات وضعف التكلفة، إلى جانب ضعف حدة المعارضة السياسية داخل البلدان المتعاونة. 
 
دور الهند في الإستراتيجية الجديدة
تعددت في الأشهر الأخيرة زيارات المسؤولين الأمريكيين إلى نيودلهي، حيث تمحورت محادثات المسؤولين الأمريكيين حول نقل واشنطن أولوية إستراتيجيتها نحو آسيا حيث ترى واشنطن في نيودلهي شريكاً محورياً محتملاً، وقد تعززت العلاقات الأمنية مع الهند في السنوات الأخيرة لكن ما زال يتعين على المسؤولين الأمريكيين تحديد دور الهند في إطار إستراتيجيتهم الجديدة في المنطقة كما يرى محللون، وكانت الهند البلد الوحيد المذكور بالاسم كشريك حيوي في خطة الإستراتيجية الأمريكية الجديدة، ويقول مسؤولون أمريكيون أن البلدين يتشاركان التقاليد الديمقراطية والمخاوف حول موقع الصين وتهديد المتشددين الإسلاميين في جنوب آسيا، وقال مسؤول دفاعي أمريكي كبير «استراتيجياً نرى الهند كشريك مع الكثير من المصالح المشتركة»، لكن البلدين خاب أملهما بسبب عدم إحراز تقدم في المبادلات التجارية وفي قطاع الأسلحة خصوصاً.
ويرى مراقبون أن التعاون البحري الهندي مع دول شرق آسيا هو جزء داعم للإستراتيجية الأمريكية الجديدة، حيث شارك أسطول بحري هندي في تدريبات مشتركة مع قوات الدفاع الذاتي البحرية اليابانية مؤخراً، وأعلن أن هذه التدريبات ستكون الأولى بينهما بهدف التدريب من أجل تحسين المهارات الإستراتيجية، وقال القائد الهندي الأدميرال أجيت كومار إن هذه التدريبات ستكون مناسبة جيدة لقوات البلدين للعمل معاً ولتحسين مهارات الإدارة المتبادلة.
وقد دعا وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا الهند إلى تعزيز العلاقات الثنائية في مجال الدفاع معتبراً أن نيودلهي تشكل «محوراً» في الإستراتيجية العسكرية الأمريكية الجديدة، وأكد بانيتا أن الروابط العسكرية تحسنت بشكل واضح خلال العقد الأخير لكن ينبغي بذل مزيد من الجهود لكي تحتفظ القوتان بـ«طرق» الاقتصاد العالمي في المحيط الهندي وغرب المحيط الهادي، وقال بانيتا في خطاب ألقاه في معهد الدراسات والأبحاث الدفاعية في نيودلهي «لكي تضمن هذه العلاقة فعلاً الأمن لهذه المنطقة والعالم، علينا تعميق تعاوننا في مجال الدفاع»، مضيفاً «لذلك جئت إلى الهند»، وتابع «إن دولتينا بدأتا بشكل لا رجعة فيه فصلاً جديداً في تاريخنا» بعد تخطي الريبة المنبثقة عن فترة الحرب الباردة، لكنه رأى أن العلاقات الثنائية «يمكن بل يتوجب أن تكون أكثر إستراتيجية وأكثر براجماتية»، وأوضح أن الإستراتيجية الأمريكية، الجديدة تهدف إلى «توسيع شراكاتنا العسكرية وحضورنا في القوس الذي يمتد من غرب المحيط الهادي وشرق آسيا إلى منطقة المحيط الهندي وجنوب آسيا»، وأكد أن «التعاون في مجال الدفاع مع الهند يشكل محوراً في هذه الإستراتيجية».    ودعا بانيتا أيضاً إلى بذل مزيد من الجهود في الأبحاث وزيادة التمارين العسكرية، كما دعا البلدين إلى التفكير في المشاكل القانونية التي تطرحها الحرب المعلوماتية والتسلح الفضائي.
 
ويرى خبراء أن مهندسو العسكرية الهندية يعكفون على إعادة صياغة الجيش تأهباً لتهديد مزدوج من الصين وباكستان. فرغم أن رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ قد أكد في وقت سابق أنه لا يتوقع هجوماً من قبل الصين إلا أن العسكرية الهندية تأخذ احتياطاتها ولا تترك شيئاً للصدفة، فثاني أكبر جيوش العالم، الذي احتفل بعيده الرابع والستين في يناير الماضي، على وشك تنفيذ تحول رئيسي في هيكله التنظيمي واستراتيجياته الحربية بغية مواجهة تهديد مزدوج قد يأتي من الصين وحليفتها باكستان، ورغم أن الجيش الهندي قد بدأ التحقق من صحة نظريات التحول في الإستراتيجية العسكرية منذ عام 2010، إلا أن المناورات التي أجريت خلال شهري نوفمبر وديسمبر من العام الماضي تحت اسم  Sudarshan Shakti، لم تكتف بتطوير المفهوم فحسب، بل أضافت أبعاداً جديدة عدة لنظريات خوض الحروب في الهند، فللمرة الأولى، يستخدم الجيش الهندي بنجاح الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار لتقديم صور ومعلومات حية مباشرة من ميدان الحرب إلى قادة المعركة، بالإضافة إلى ذلك، تم اختبار روابط بث مباشر بين أجهزة الاستشعار ومعدات إطلاق النار، وهو ما يمكن القادة من اتخاذ قرارات بشكل فوري، حتى في الوقت الذي يجري فيه تبادل المعلومات بين المنصات والأفراد.
 
ولكن إذا كان المقصود من المناورات المذكورة التحقق من سلامة ومصداقية الإستراتيجية الحربية الهندية الجديدة ضد باكستان، فقد اتخذت سلسلة من التغييرات في القيادتين الشمالية والشرقية للجيش الهندي في هدوء على مدى السنوات الأربع الماضية بهدف إعادة تنظيم جهوزية الهند ضد الصين، إذ تم تجهيز فرقتان جديدتان وأضحت على استعداد تام للانتشار على خط المواجهة مع الصين، وهو ما أضاف مزيداً من القوة لقيادة المنطقة الشرقية وأتاح للجيش إعادة تنظيم فيلق احتياطي إلى تشكيل كامل ضد الصين.
 
قراءة في احتمالات التحالف الهندي ـ الأمريكي
ربما تأمل الولايات المتحدة في إنشاء تحالف عسكري واستراتيجي وثيق مع الهند، لكن من غير المتوقع أن تتحمّس الهند لهذا المقترح، ومن الممكن أن تواصل واشنطن ضغطها على نيودلهي للقبول بدور محوري في تحالف استراتيجي تقوده الولايات المتحدة، لكن الهند ستكون حليفاً متردداً، في أحسن الأحوال، لأنها لا تريد أن تغضب الصين، لذا ربما شعر وزير الدفاع الأمريكي، ليون بانيتا، بخيبة أمل لعدم تحقيقه أي اخترق كبير في محادثاته مع وزير الدفاع الهندي، أيه كي أنتوني، خلال شهر يونيو الماضي لكنه لم يعلن عن ذلك صراحة، وفي هذا الإطار أشار نيتين غوخيل في مقال نشرته مجلة «ذا دبلومات» (12 يونيو) أن وزير الدفاع الأمريكي، خلال جولته الآسيوية التي بدأت بحوار شانغريلا السنوي في سنغافورة، كان يأمل في مشاركة المؤسسة العسكرية الهندية في إعداد إستراتيجية توازن إقليمي يرى الكثيرون أنها تستهدف الصين على نحو مباشر. 
ما هو موقف الهند من ذلك؟ يقول الكاتب إن وزير الدفاع الهندي، أنتوني، رد على مقترح نظيره الأمريكي بأن الهند لا ترغب في أن يُنظَر إليها باعتبارها حليفاً شريكاً للولايات المتحدة.
لقد ظلت نيودلهي منفتحة تجاه المزيد من التعاون الثنائي مع واشنطن وتجري عدداً من المناورات العسكرية المشتركة معها، لكن الهند ما زالت متحفظة على إقامة أي تحالف عسكري أو حتى شراكة رسمية مع الولايات المتحدة، لماذا تتحفظ الهند؟ يرى الكاتب أن ذلك يعود جزئياً إلى عدم رغبة الهند في إغضاب الصين، منافستها الرئيسية في آسيا، والأهم من ذلك أن البرلمانيين والسياسيين في الهند لديهم تحفظات حول الولايات المتحدة نفسها، حيث يرون أن واشنطن وقفت إلى جانب باكستان في صراعها مع الهند خلال نصف القرن الماضي، لذلك حرص وزير الدفاع الهندي، أنتوني، على عدم التقرب العلني إلى واشنطن، بل كثيراً ما أمر مسؤولي وزارته بالتقليل من شأن المناورات العسكرية المشتركة مع الولايات المتحدة.
 
ورغم أن الهند قد وافقت على رفع مستوى التدريب للقوات المسلحة الأفغانية، فقد رفضت تقديم أي دعم علني لسياسات الولايات المتحدة بشأن بحر الصين الجنوبي والمحيط الهندي، ورغم أن الهند تدرك جرأة الصين وسعيها لتمديد نفوذها في كل من بحر الصين الجنوبي والمحيط الهندي، فإنها تفضل العمل مع الدول الصغيرة في المنطقة، مثل فيتنام والفلبين وإندونيسيا، وكذلك مع الصين، لحل التوترات الإقليمية، وقد طرح وزير الدفاع الهندي هذه القضايا نفسها خلال حوار شانغريلا ودعا إلى ضرورة بناء الإجماع بين الأطراف المعنية وتجنُّب النزاعات وأعرب عن أمله في حل القضايا التي برزت حول بحر الصين الجنوبي عن طريق الحوار والتفاوض.
لقد كان حديث وزير الدفاع الهندي الصريح محبطاً لوزير الدفاع الأمريكي، بانيتا، ولجهود الولايات المتحدة الرامية إلى إقامة تحالف مناهض للصين، رغم ذلك، ظل بانيتا متفائلاً ولم يُظهر خيبة أمله. 
لقد أصبحت الهند مؤخراً أكبر دولة مستوردة للأسلحة في العالم، وهي الآن بصدد شراء أسلحة أمريكية بأكثر من ثمانية مليارات دولار خلال العامين المقبلين، كما أنها تسعى لامتلاك تكنولوجيا متقدمة ومعدات ذات استخدام مزدوج، وإذا تمت هذه الصفقات، فسيكون ذلك بمثابة تحول كبير في موقف الولايات المتحدة الذي اتخذته في أواخر تسعينيات القرن الماضي عندما فرضت عقوبات على العديد من المؤسسات والشركات الهندية عقب الاختبارات النووية التي أجرتها الهند.
في ظل البيئة الجيوسياسية المتغيرة والانسحاب الأمريكي الوشيك من أفغانستان، تنظر واشنطن إلى الهند باعتبارها شريكاً حيوياً في ضمان الاستقرار والأمن في آسيا، بما في ذلك الأمن السايبري وأمن الفضاء الذي يعتبر مجالاً رئيسياً لإمكانية التعاون الثنائي.
 
إن الهند تخشى أن تجد نفسها في موقف حرج عندما تنسحب قوات الناتو من أفغانستان، لأن أولوياتها الأمنية تتطلب تلقّي تطمينات موثوقة حول خطط استتباب الأمن في أفغانستان وضمان عدم تحوّلها مرة أخرى إلى دولة طالبانية تابعة لباكستان، أما الولايات المتحدة فإنها تريد من الهند أن تخفّض وارداتها النفطية من إيران، لكن هيلاري كلينتون أعلنت أن الهند، على عكس الصين وسنغافورة، قد قامت بما يكفي في هذا الصدد لتنال إعفاء من العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران. 
 
لقد خرج الحوار الاستراتيجي بين البلدين بنتائج ملموسة في مجال الاقتصاد، فقد اتفق الطرفان على العمل من أجل عقد اتفاقية استثمار ثنائية بهدف استغلال إمكانات التعاون الهائلة، وفي الواقع، نجد أن القطاع الوحيد الذي تشهد فيه العلاقات الثنائية ازدهاراً هو قطاع الدفاع، فقد أصبحت الهند أكبر الدول المستوردة للأسلحة في العالم، ولا شك أن المصدرين الأمريكيين يستفيدون من ذلك، حيث بلغت صادراتهم للهند أكثر من ثمانية مليارات دولار خلال السنوات الأخيرة. 
عموماً، إن العلاقات الأمريكية مع الهند أضعف بكثير من علاقاتها مع الصين، كما أن التبادل التجاري الهندي مع الصين (74 مليار دولار في عام 2011) أكبر من التبادل التجاري مع الولايات المتحدة (58 مليار دولار)، ويأمل الأمريكيون في تغيير هذا الميزان لصالح بلادهم، لاسيما أن التجربة مع الدول الآسيوية الأخرى تفيد بعدم ضرورة زعزعة الثقة الأمريكية في قوة شراكتها مع الهند على المدى الطويل، حتى إذا استمرت العلاقات الاقتصادية الصينية مع الهند أقوى من العلاقات الأمريكية.
 
احتواء الصين
احتواء القوة الصينية يعني السيطرة الأمريكية على غرب المحيط الهادي، في هذا الصدد، قال نائب وزير الخارجية السابق وليام بيرنز: «المحيط الهادي سوف يكون الجزء الأكثر حيوية وأهمية من العالم بالنسبة للمصالح الأمريكية لعقود عدة مقبلة» وأضاف: «إنه يحتوي على أكثر من نصف سكان العالم، والعديد من الاقتصاديات الأكثر أهمية، والحلفاء الرئيسيين، والقوى الناشئة»، ولكي تظل الولايات المتحدة  قوية ومزدهرة، يرى بيرنز أنه يجب أن تركز طاقاتها في هذا المجال والتأكد من أن الصين لا تمد وتوسع سلطتها ونفوذها على حساب المصالح الأمريكية، ولا شك أن تنفيذ هذه الرؤية الجيوسياسية الكبرى ينطوي على تأثيرات واضحة في تطوير السياسة العسكرية، وينعكس بوضوح في الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، حيث قال الرئيس أوباما عند إعلانها: «سنقوم بتعزيز وجودنا في آسيا و(منطقة) المحيط الهادي، والقيود المفروضة على الميزانية لن تكون على حساب هذه المنطقة الحيوية» ومن جهته، قال وزير الدفاع ليون بانيتا: «إن القوات الأمريكية سوف تزيد ثقلها المؤسسي، وتركز على الوجود المعزز، وإظهار القوة، والردع في منطقة آسيا والمحيط الهادي»، ورغم أن الوثيقة السياسة لم تحدد مكونات عسكرية محددة، فقد كان واضحاً منذ البداية أنه سيتم التركيز على القوات البحرية - خاصة حاملات الطائرات المقاتلة - وكذلك الطائرات المتطورة والصواريخ، حيث يلاحظ اعتراض الرئيس أوباما على خطط القيام بأي تقليص في أسطول حاملات الطائرات، كما أن الولايات المتحدة سوف تستثمر أيضاً بشكل كبير في الأسلحة التي تهدف إلى هزيمة قدرات الأعداء المحتملين التي تعرف باسم A2/AD - الطائرات والصواريخ والسفن -المصممة للتفوق على القوات القتالية الأمريكية في المناطق المتنازع عليها، نظراً لأنه من المتوقع أن تقوم الصين بتعزيز قدرتها على استهداف القوات البحرية الأمريكية العاملة في بحر الصين الجنوبي ومناطق أخرى في محيطها، سيتم تزويد القوات الأمريكية بدفاعات أكثر قوة ضد هذه القدرات التي تعرف بـ A2/AD، ويستنتج من خطط البنتاجون الجديدة أنها سوف تركز على شرق وجنوب بحر الصين، وقبالة المياه الإيرانية وكوريا الشمالية، في هذه المناطق، قد يستخدم الخصوم المحتملين «مثل الصين» وسائل الحرب غير المتناظرة – مثل الغواصات والصواريخ المضادة للسفن، والحرب الالكترونية، لهزيمة أو شل القوات الأمريكية، ومن ثم، سوف تستثمر القوات الأمريكية في الأسلحة التي تضمن قدرتها على العمل في مثل هذه الساحات، وهذا يعني أن الولايات المتحدة سوف تضع أولوية قصوى للسيطرة على المحيط البحري لآسيا، رغم معارضة الصين وغيرها من القوى الصاعدة.
 
رؤى إستراتيجية صينية
يقول يوان بينغ مدير مركز الدراسات الأمريكية بالمعهد الصيني للعلاقات الدولية المعاصرة أن الرئيس الصيني هو جين تاو قام بزيارة للولايات المتحدة الأمريكية في يناير عام 2011، واتفق خلالها مع الرئيس باراك أوباما على إنشاء شراكة قائمة على الاحترام المتبادل والمنفعة المتبادلة، ما حدد اتجاه العلاقات الصينية – الأمريكية، وخلال زيارة نائب الرئيس الصيني شي جين بينغ للولايات المتحدة في فبراير عام 2012، تم تطبيق التوافق الذي توصل له رئيسا البلدين بشأن إقامة شراكة قائمة على الاحترام المتبادل والمنفعة المتبادلة، وقريباً بعد ذلك، أشارت هيلاري كلينتون في معهد الولايات المتحدة للسلام والأكاديمية البحرية للولايات المتحدة إلى أن الصين اليوم ليست الاتحاد السوفييتي السابق، وليست الولايات المتحدة على مشارف حرب باردة مع الصين، وأن المنافسة والتعاون حقق أفضــــل توازن في العلاقات الصينية ـ الأمريكية، وهذا الأمر لم يسبق له مثيل، وقال الرئيس أوباما مراراً وتكراراً، بأن ازدهار الصين جيد للولايات المتحدة مثلما ازدهار الولايات المتحدة مفيد للصين، وقد أدرك رؤساء الصين والولايات المتحدة أن بناء علاقات صينية ـ أمريكية جديدة في هذا العصر الخيار الوحيد لطي صفحة الصراع بين الدول الكبرى، وهذا موجز لأربعين عاماً من تاريخ تطبيع العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، وهي نتيجة هامة لتحليل بارد لتهدئة الوضع المحلي والدولي، أن الولايات المتحدة لم ترغب في إعطاء الفلبين «الدعم العلني» خلال الحوار الأمريكي ـ الفلبيني الأخير، لكنها اختارت «الحياد» نسبياً، وهذا يوضح رغبة الولايات المتحدة في وقوف على حياد بين الصين وحلفائها، والعمل مع الصين جنباً إلى جنب لبناء علاقات جديدة بين البلدين، وقال جيا شيو دونغ، زميل البحث البارز بمعهد الصين للدراسات الدولية، إن التعايش بين الاعتمادية المتبادلة والمنافسة أصبح سمة بارزة للروابط الصينية - الأمريكية، وأنه من غير الممكن معالجة قائمة طويلة من التحديات العالمية دون التعاون بين البلدين، وقال جيا أن التفاعل بين الصين والولايات المتحدة له أثر عظيم على الوضع الدولي، ولذا فإنه من الضروري بالنسبة للجانبين بحث إقامة نمط جيد من الروابط بضوء مصالحهما الوطنية، وتطور الوضع العالمي، وأكد أن الرغبة بالحوار والتعاون التي حققتها آلية الحوار الاستراتيجي والاقتصادي تعد عاملاً جوهرياً لبناء نمط جديد من العلاقات بين الصين والولايات المتحدة.
بعد زيارة نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الصين خلال العام الماضي، كتب مقالاً في صحيفة «نيويورك تايمز» بعنوان «نهوض الصين لا يعني انهيار أمريكا»، رأى فيه بايدن  بأن نجاح الصين سوف يجعل أمريكا أكثر ازدهاراً، وفي نفس السياق، قال شي جين بينغ في 16 يناير الماضي أثناء زيارة الرئيس السابق نيكسون إلى الصين التي تزامنت مع الذكرى الأربعين لبيان شنغهاي المشترك (بين الصين وأمريكا)، إن دفع العلاقات الصينية الأمريكية لمواصلة النمو الصحي والمستقر، هي مسؤولية الجانبين، وهي ما ينتظره المجتمع الدولي أيضاً، مشيراً إلى ضرورة أن يلتزم الجانبان بروح حريصة على بناء علاقات التعاون والشراكة الصينية الأمريكية.
 
أولوية آسيا مقابل أهمية أوروبا والشرق الأوسط
يرى خبراء أن إستراتيجية «آسيا أولاً» تعني وضع الشرق الأوسط وأوربا، اللتين كانتا صدارتين تقليديتين للاهتمام الأمريكي الدولي في مرتبة تالية لآسيا أو أقل من ذلك، فعلى مستوى الشرق الأوسط، شكلت إسرائيل، موجهاً رئيسياً للاستراتيجيات الأمريكية الخارجية المتعاقبة منذ سبعينيات القرن الماضي، وكانت إسرائيل في قلب الاهتمام الأمريكي الخارجي، ويرى خبراء ومحللين أن تراجع الدور الأمريكي في الشرق الأوسط خصوصا بعد حرب العراق،  والإفراط في تقديم الدعم لإسرائيل أدى إلى تصاعد نفوذ الإسلاميين في الشرق الأوسط، ووصولهم لسدة الحكم في العديد من الدول التي طالها الربيع العربي، تحت طائلة التحول الديمقراطي وباعتبار ذلك عارض من عوارض معاداة أمريكا وإسرائيل، وأتت خطوة سحب القوات الأمريكية من العراق، لتترجم عملياً تراجع الدور الأمريكي في الشرق الأوسط. 
وقد دأبت الولايات المتحدة على تكنية نفسها بالدولة «الأطلنطية»، لكن بعض المراقبين الأوروبيين يرون أن الإستراتيجية الأمريكية الجديدة تعني أن الولايات المتحدة باتت «دولة باسيفيكية» نسبة إلى المحيط الهادي، وهذا يعني الكثير للأوربيين، الذين احتموا لعقود تحت المظلة الأطلسية بقيادة أمريكية، والتي هجرتهم نحو المحيط الهادي وساحله الغربي بالتحديد، هذا يعني من وجهة نظر عسكرية، أن أهمية حلف شمال الأطلسي (الناتو) ستتراجع هي الأخرى، حيث يمكن اعتبار عام 2014، وهو التاريخ الذي ستنتهي به مهمة الناتو في أفغانستان، بمنزلة تحول مهمة في مستقبل حلف الأطلسي.
 
هل تغيرت الإستراتيجية الأمريكية حيال الصين؟
لم يحدد الرئيس اوباما في إعلانه التحول نحو آسيا، فيما إذا كانت الصين سوف تصنف على أنها عدو أم حليف؟، فقد يتساءل البعض كيف يمكن أن تكون الصين حليفاً للولايات المتحدة؟ .. والإجابة تقودنا إلى مقاربة تاريخية، تعود بنا إلى 100 عام مضت، ويومها دعمت الولايات المتحدة الثورة الصينية الوطنية بقيادة يات سين، حيث اعتبرت واشنطن الصين حينها حليفا مستقبلياً ـ ولعل من ثمار هذا التصنيف، نيل الصين مقعداً دائماً في الأمم المتحدة، برغم أنها كانت يومها بلداً ضعيفاً ومقسماً، بخلاف ذلك وبتأثير عقلية واصطفافات الحرب الباردة اعتبرت الولايات المتحدة الصين عدواً في الفترة بين الحرب الكورية 1950 وزيارة نيكسون للصين في 1972.
لكن زيارة نيكسون للصين، أثمرت تعديل الوضع إلى حد ما، حيث تصارع منذ ذلك الحين، اتجاهي رأي في واشنطن تجاه الصين، بين من يعتبرها حليفاً مستقبلياً وآخر يعتبرها عدواً مستقبلياً، وبتأثير المؤسسة الصناعية العسكرية الأمريكية التي تدعمها وتؤثر بها بريطانيا وإسرائيل، حرصت الإدارات الأمريكية السابقة على ترك باب الإجابة غامضاً، حول ما إذا كانت الصين عدو أم حليف، لكن الاتجاه العام البادي لنا، أن واشنطن تميل أكثر لاعتبار الصين حليفاً مستقبلياً، إذ يرتسم هذا الاتجاه منذ أن رفعت واشنطن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها على الصين إثر أحداث الانتفاضة الطلابية في تيانجمين، بالترافق مع صعود نجم الصين كقوة اقتصادية عالمية.
وترجم هذا الاتجاه عملياً، الإعلان الأمريكي الصيني الذي اعتمد خلال ولاية الرئيس السابق جورج بوش، والذي اعتبر الصين «شريكاً وقوة عالمية مسؤولة» تعمل جنباً إلى جنب مع الولايات المتحدة في القضايا العالمية.  
لذا فإن كان القصد من إستراتيجية أوباما «آسيا أولاً» استعداء الصين، فإن هذا يعد تحولاً في الاتجاه الذي حافظت عليه استراتيجيات الإدارات السابقة تجاه الصين، لكن اتجاه المحللين السائد، يزعم أن حالة التشوش والغموض في التصنيف الأمريكي للصين، لم يدخل عليه تغيير ما، تحت إدارة أوباما، إذ ظلت حالة «اللا وضوح» قائمة في هذا الصدد، وساهمت نتائج حربي العراق وأفغانستان  في أضعاف حجة وقدرة جماعة الضغط في دفع تصنيف الصين على أنها «عدو» قدماً، وهذا ما قدم فرصاً لجماعات ضغط أخرى، ولاسيما التيار المالي والتجاري، اللذان يحققان أرباحا مالية كبرى، من جراء عملهما في الساحة الصينية، وهما لا يرغبان في أن يخسرا البيئة التجارية والصناعية الصينية، إذا ما انصقلت الرؤية الأمريكية للصين بشكل نهائي على أنها «عدو»، لذا بات المستفيدين من الصين كعدو أقل بكثير من المستفيدين منها كحليف وشريك، الأمر الذي أفقد مساع الاتجاه الأول قوة المعني في المحاجة.
وفي ضوء هذا الاتجاه المستجد المتنامي في أمريكا، يبدو أن تيار الصناعة العسكرية، بدا هو الآخر يؤمن بضعف قدرته في اتجاه استعداء الصين، وهو ما مثلته الإستراتيجية الأمريكية الجديدة، والتي ابتعدت عن تسمية الصين أو غيرها كعدو، وتنازلت عن مفهوم شن حربين في آن واحد، وبدأت تركز على القوة الرشيقة والذكية في المواجهات العسكرية.
ويبدو أن تبني إدارة أوباما لإستراتيجية «آسيا أولاً» جاء في وقت متزامن مع إعلان التوصل إلى اتفاقية تجارة حرة مع كوريا الجنوبية، ومع نضوج المضي نحو اتفاقية التجارة الحرة العابرة للمحيط الهادي، التي طرحتها إدارة اوباما مع شركاء غرب المحيط الهادي، وهنا لا يمكن اعتبار أن هذا التزامن «مجرد صدفة»، بل جاء هذا الإعلان الأمريكي لخدمة أهداف عدة في آن واحد، فأولاً لتطمين حلفاء شمال شرق آسيا بالتحديد، من مخاوف أن يتركوا بلا غطاء أمريكي أمام النفوذ الصين المتنامي بشرق آسيا، وثانياً كي تقتنع دول شرق آسيا الديناميكية التجارية على المشاركة في تحمل أعباء الوجود الأمريكي الجديد، من خلال إبداء المرونة في إعادة هيكلة اقتصادياتها، بموجب ما تفرضه اتفاقيات التجارة الحرة مع أمريكا، لجعلها مواكبة  لمنهجيات التجارة الأمريكية، وهذا ما سيوفر للشركات الأمريكية فرص أعمال وأرباح، لطالما افتقدتها أمام رخص كلف الأعمال والدعم الحكومي المضطرد للصناعات في دول شرق آسيا.
 
هل يتأثر حلف الأطلسي بإستراتيجية «آسيا أولاً»؟
يرى دانيال كيوهان في دراسة صادرة عن مؤسسة فرايد إن التركيز المتنامي في سياسة الولايات المتحدة الدفاعية في القارة الآسيوية لا يشكل أي خطر على مستقبل حلف شمال الأطلسي، ويعتقد الباحث أنه رغم أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست مستعدة للتدخل في الشؤون الأوروبية إلا أنها في الوقت ذاته ليست بمعزل عن مسألة الأمن الأوروبي، وتقول الدراسة إن حلف شمال الأطلسي يشكل أهمية جيوسياسية مهمة بالنسبة للولايات المتحدة، إلا أن هذا التحالف يواجه مستقبلاً مربكاً بسبب القصور الأوروبي، إن سياسة الدفاع بالنسبة لدول أوروبا لا تشكل بعداً سياسياً مهماً لأن معظم الناخبين لا يعنيهم كثيراً سوى وضعهم الاقتصادي وقضايا البيئة ومشكلة الهجرة، ويعود هذا التوجه لدى الناخب الأوروبي لأنه لا يعتقد بوجود خطر مباشر يهدد أمنه الوطني، وهذه هي المشكلة في سياستهم الدفاعية إلى جانب شعورهم بالاستنزاف في الحملات العسكرية في أفغانستان والعراق، وهناك سبب آخر هو أن وزراء الدفاع الأوروبيون يواجهون صعوبة كبيرة في إجابة سؤال : ما هو دور القوات المسلحة في عالمنا المتغير بسرعة فائقة ؟ في حين أن الدول الآسيوية قد قاربت اللحاق بالركب، إلا إن حلف شمال الأطلسي لا يزال ينفق على سياسة الدفاع أكثر من أي طرف آخر ناهيك عن الولايات المتحدة، إن السؤال المهم في الموضوع هو ليس كم ينفق من الأموال على سياسة الدفاع بل يجب أن يكون السؤال كيف يجب أن تنفق هذه الأموال، بعبارة أوضح فإن المشكلة الحقيقية التي تواجه حلف شمال الأطلسي هو أن الحكومات الأوروبية غير متفقة حول كيف ومتى يجب استعمال القوة العسكرية، فمن الممكن تقسيم الدول الـ 26 الأعضاء في حلف شمال الأطلسي إلى ثلاث مجموعات : النشطاء والمدافعون والمنتفعون، حسب الدراسة.
تتابع الدراسة مشيرة أن النشطاء على استعداد لاستخدام القوة في الخارج، أما المدافعين فاستعدادهم أقل بسبب خطتهم التقشفية وتركيزهم للدفاع عن الوطن، في حين أن المنتفعين ينفقون القليل ويعملون الأقل وعملية حلف شمال الأطلسي في ليبيا خير مثال على هذه المسألة، فقط 6 دول أوروبية –  من أوروبا الغربية – نشرت طائراتها المقاتلة لتقصف أهدافاً أرضية، وبشكل مغاير للسياسة الدفاعية الأمريكية فإن سياسة أوروبا الدفاعية في معظمها محصورة في التركيز على المحيط الأوروبي، وبصريح العبارة فإن الولايات المتحدة قوة آسيوية في حين أن أوروبا ليست كذلك، حسب الدراسة، وتشير الدراسة أنه في حقبة الحرب الباردة قامت كل من فرنسا وبريطانيا بعملية عسكرية في قناة السويس لكنها لم تنضم للولايات المتحدة في حربها مع فيتنام، بالتأكيد سيسطر المؤرخون للمستقبل أن أفغانستان هي الحالة الاستثنائية التي انفصلت عن الواقع الذي كان سائداً ما قبل نشوب الحرب العالمية الثانية، فكل الدول الأوروبية التي شاركت في الحرب في أفغانستان شاركت بسبب علاقاتها الحميمة مع الولايات المتحدة وليس لأن أفغانستان تشكل تهديداً لأمنها الإقليمي، وتخلص الدراسة في نهاية هذه الورقة الأولى إلى القول  بأن تجربة أفغانستان من الممكن أن تتكرر إذا ما قررت أوروبا أن تتبع الولايات المتحدة لتخوض حروباً لا تشكل أي تهديد لأمنها الإقليمي، وتتابع الدراسة مشيرة أنه من المؤكد أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن أوروبا رغم أن البنتاغون قرر عدم التدخل في ليبيا، كما حصل في جورجيا فمن المرجح أن واشنطن تفضل أن تترك الأزمات في البلقان والقوقاز وشمال أفريقيا للأوروبيين، فالولايات المتحدة لديها ما يشغلها في الشرق الأوسط الكبير وآسيا، وبعبارة أوضح فإن الصفقة عبر الأطلسي تحتوي على ثلاثة أدوار : حلف شمال الأطلسي عليه الاستمرار في تأمين الدفاع عن الحدود الأوروبية في سياسته الأمنية في حين يتولى الاتحاد الأوروبي قيادة العمليات العسكرية الخارجية في الجوار الأوروبي حيث لا توجد أي مصالح للولايات المتحدة هناك في حين قد يعمل حلف شمال الأطلسي خارج الحدود الأوروبية عندما تريد الولايات المتحدة أن تكون طرفاً في المعادلة. 
والخلاصة أن هذه الدراسة ترى أن العالم يتغير ، والولايات المتحدة تكيف نفسها مع هذا التغيير ، لذلك يتعين على أوروبا أن لا تساورها المخاوف من تركيز الولايات المتحدة على القضايا الأمنية في القارة الآسيوية، أوروبا ستضطر للتعامل مع بعض الأزمات لوحدها، ولكن على أوروبا التفكير أيضاً بمصالحها الجماعية واستعدادها لاستخدام القوة في بعض الأحيان وإذا لم تقم أوروبا بدورها الأمني عبر الأطلسي فمن المحتمل أن تواجه مستقبلاً مضطرباً، وتخلص الدراسة بالقول أن الأمن الأوروبي سيبقى مهماً  للولايات المتحدة ناهيك عن قربها من الشرق الأوسط، لذلك فإن سياسة الدفاع للولايات المتحدة معنية كثيراً بحلف شمال الأطلسي،  فعلى أوروبا أن لا تقلق من عدم رغبة الولايات المتحدة للتورط في الشأن الأوروبي، بل عليها الآن أن تركز أكثر على علاقاتها مع العالم.
 
الإستراتيجية الأمريكية وأمن الخليج العربي
يبدي خبراء استراتيجيون شكوكاً حول قدرة وزارة الدفاع الأمريكية على تنفيذ استراتيجيتها العسكرية القائمة على ردع إيران والتركيز على  منطقتي آسيا والمحيط الهادي في آن واحد، وذلك بسبب قلة الإمكانيات مع تعدد المهام واستمرارها، ففي حين يسابق الجنرال جيمس ماتيس قائد القيادة المركزية الأمريكية الزمن لبناء حشود عسكرية حول الخليج العربي لردع إيران وتحسباً لأي عمل عسكري إيراني ولقصف أي أهداف داخل إيران في حال تطلب الأمر ذلك، وفي هذا الإطار اشارت تقارير منشورة في مجلة «فورين بوليسي» إلى أن المخططين العسكريين داخل البنتاجون لا يبخلون على ماتيس بالتعزيزات التي يريدها، ولكن منح الجنرال تلك التعزيزات لا يعني أنها بلا مقابل، حيث تأتي ومعها مخاطرها أيضاً، واليوم وقد وافق البنتاجون على زيادة تعزيزاته لدعم القوتين الجوية والبحرية بهدف ردع إيران يقفز سؤال: هل يستطيع المخططون العسكريون مواصلة تلك التعزيزات لتسوية مشكلة لا أحد يدري متى تنتهي، بينما تحتاج منطقة المحيط الهادي إلى تعزيزات إضافية لدعم القوتين الجوية والبحرية؟ إذا كانت الإجابة بالنفي فإن على البنتاجون أن يطرح بدائل لتلبية متطلبات ماتيس دون الإخلال بحاجة منطقة آسيا المتزايدة إلى السفن والطائرات، وإذا استمر منحنى التوتر في الخليج العربي في الصعود فربما جاء ذلك على حساب الخطط الأمريكية في منطقة المحيط الهادي، ويرى خبراء أن الحشد العسكري في منطقة الخليج العربي أخذ بُعداً جديداً في أواخر إبريل الماضي عندما كشف سلاح الجو الأمريكي النقاب عن وصول عدد لم يتم تحديده من طائرات F-22 الشبح، وفي 23 يونيو وصلت أربع سفن تابعة للبحرية الأمريكية لكسح الألغام، وهو ما يضاعف عدد هذه السفن هناك، في خطوة أخرى ترمي بلا شك إلى ردع صناع القرار العسكري في طهران عن أي مجرد التفكير في إغلاق مضيق هرمز.
قد يكون صحيحاً أن الجنرال ماتيس يتخذ الترتيبات اللازمة تحسباً لأي طارئ، لكن الحرب تظل مجرد افتراض، وهو ما يجعل من إيران مشكلة مفتوحة يتعين على ماتيس وخلفائه داخل القيادة المركزية إدارتها والتعامل معها لفترة زمنية غير محددة وغير معلومة، وفي هذه الحالة فإن تكريس ممارسات نشر الأسلحة وقت الحرب –كما فعل وزير الدفاع ليون بانيتا عندما وافق على طلب ماتيس للمبادرة بنشر مجموعة الطائرات القاذفة المحمولة على  متن حاملة الطائرات الأمريكية USS John C. Sternnis- بهدف إدارة مشكلة معلقة دليل مؤكد على أن إمكانيات سلاح البحرية أقل من أن تتحمل المسؤوليات التي ينتظرها المخططون الأمريكيون من هذا السلاح.
ويرى الخبراء أن على البنتاجون إيجاد السبل المناسبة لإشراك أسلحة الجو والمارينز (مشاة البحرية) والجيش في تحمل مسؤولية ردع إيران، وأن عليه أيضاً أن يعيد النظر في استراتيجيته العسكرية –المثقلة بالمهام والتي من الصعب الاستمرار في تنفيذها- تجاه الشرق الأوسط والمحيط الهادي.
 
أزمة سوريا ..واستراتيجية آسيا أولاً
تساءل مراقبون مراراً عن السبب الذي يمنع الرئيس أوباما من التدخل عسكرياً في سورية على الرغم من أنه أعلن العام الماضي أن منع عمليات القتل الجماعي - من النوع الذي مارسه الرئيس السوري بشار الأسد ضد شعبه - يعد من أهم مصالح الأمن القومي الأمريكي، وعلى الرغم من حرصه على التدخل في ليبيا للإطاحة بالقذافي من السلطة، ومما لاشك فيه أن الإطاحة بالأسد وقطع أواصر الصلة بين سورية وإيران ووضع حد لدورهما المدمر في لبنان يعد أكثر أهمية بالنسبة لمصالح الأمن القومي الأمريكي من حملة إنهاء حكم القذافي في ليبيا، ويرى المحللون الأمريكيون أن السبب في موقف إدارة أوباما تجاه سوريا هو انتخابات الرئاسة الأمريكية التي ستجري في نوفمبر القادم، فبعد سحب القوات من العراق والسعي إلى خفض الوجود العسكري في أفغانستان في أسرع وقت ممكن، لا يرغب الرئيس الأمريكي في التورط في صراع جديد في منطقة الشرق الأوسط، ولكن هذه هي نصف الحقيقة كما يرى محللون آخرون، بل يعتبرونه النصف الأقل أهمية، أما النصف الآخر الأكثر أهمية وراء موقف إدارة أوباما تجاه سوريا فيتمثل في التوجهات الاستراتيجية الجديدة، حيث قد قام أوباما في أعقاب ليبيا ومنذ بداية العام الحالي بإعادة تنظيم رؤيته الإستراتيجية، إذ أعلن عن سياسات تخطيط جديدة للبنتاغون وتخفيضات كبيرة في إنفاقات وزارة الدفاع، وأسفر ذلك عن تبني توجه جعل من الصعب، التفكير في التدخل في صراع على غرار الصراع السوري، وتشتمل حماية المصالح الإستراتيجية الكبيرة في سورية أيضاً على العديد من المخاطر العسكرية الهائلة، حيث أن الجيش السوري على الرغم من تداعيه يعد أشد قوة من ميليشيات القذافي؛ ومن ثم فإن الإطاحة بنظام الأسد تعد الجزء اليسير من العملية، فما يأتي في أعقاب ذلك سيكون أكثر صعوبة، ويشير المحللون إلى أن مستقبل سورية كُتب مجازاً في «الإستراتيجية الأمريكية الجديدة» التي أصدرها الرئيس أوباما في يناير عام 2012، والتي جعلت الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط تقتصر على حملة متواصلة لمكافحة الإرهاب ودور من الدعم الدفاعي يهدف «للدخول في شراكات مع الدول داخل وحول المنطقة»، كما ألغى الرئيس أوباما مبدأ خوض حربين في آن واحد، والذي كان السمة المميزة للسياسة العسكرية للولايات المتحدة منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية، وتستعد وزارة الدفاع الأمريكية إلى تغيير موضع تمركزها في منطقة الشرق الأوسط من الأرض إلى البحر، حيث يُقال إنها تنقل الوجود الأمريكي في المنطقة صوب المحيط الهادي، وعلى ضوء ذلك، يرى هؤلاء المحللين أن  نهج الإدارة الأمريكية إزاء سورية كان أول ترجمة للإستراتيجية الأمريكية الجديدة في آسيا واستمرار لسياسة انسحابها من المشاركة على الأرض في دول الشرق الأوسط.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره