مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2019-07-01

آفاق استراتيجية واعدة للعلاقات الإماراتية ـ الألمانية

في ضوء نتائج زيارة محمد بن زايد إلى برلين: 
 
الزيارة التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة إلى جمهورية ألمانيا الاتحادية في شهر يونيو 2019 تؤسس لمرحلة جديدة من الشراكة الاستراتيجية بين الدولتين، ليس فقط لأنها أظهرت مدى التوافق الثنائي حول مجمل القضايا الإقليمية والدولية، خاصة فيما يتعلق بتوحيد الجهود بشأن مكافحة التطرف والإرهاب، والعمل على إيجاد حلول سياسية للأزمات المختلفة التي تشهدها دول المنطقة، والتصدي للسياسات العدائية والتدخلية لإيران، التي تنطوي على تهديد واضح للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، وإنما أيضاً لأن هذه الزيارة المهمة توجت بتأكيد الدولتين على العمل من أجل ترسيخ هذا الشراكة في المجالات المختلفة خلال الخمسة عشرة عاماً المقبلة  في مختلف المجالات.  
 
زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى ألمانيا .. الأهمية والتوقيت
حظيت زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى برلين باهتمام غير مسبوق في ألمانيا، رسمياً وشعبياً وإعلامياً، وهذا يعكس المكانة الكبيرة لسموه والتقدير الكبير لدوره الفاعل في تطوير الشراكة الاستراتيجية بين الدولتين، والارتقاء بها في مختلف المجالات. وقد رحبت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بزيارة سموه، قائلة: «يسعدني أن ولي عهد أبوظبي جاء إلى برلين مجدداً وأرحب به ترحيباً جميلاً، حيث كانت زيارته الأخيرة إلى برلين خلال عام 2016 فيما زرت أنا الإمارات عام 2017». وأضافت «إن لقاءها مع سموه تناول مجموعة واسعة من المواضيع المشتركة خصوصاً الشراكة الاستراتيجية التي نحتفي بمرور 15 عاماً على إبرامها بيننا». وأكدت المستشارة الألمانية أن المحادثات التي جرت مع سموه عكست الحرص على تعميق العلاقات وهذا ما ترجمه البيان المشترك الذي أصدرناه.
 
لقد جاءت زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى ألمانيا في توقيت بالغ الأهمية، سواء بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط التي تشهد تصعيداً غير مسبوق بين الولايات المتحدة وإيران، أو بالنسبة للعالم أجمع نتيجة تزايد الخلافات بين القوى الكبرى حول العديد من القضايا الإقليمية والدولية، ومن ثم فإن هذه الزيارة كانت فرصة مهمة لتنسيق المواقف بين الإمارات وألمانيا إزاء مجمل هذه القضايا. وقد أظهرت المباحثات التي أجراها سموه مع العديد من المسئولين الألمان خلال هذه الزيارة بوضوح المكانة العالمية لدولة الإمارات من جهة، وتأثيرها المتنامي في تشكيل مواقف القوى الكبرى إزاء القضاء الإقليمية والدولية، بعد أن ثبت أن الإمارات تشكل بالفعل عامل رئيسي في تعزيز أسس الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.
 
 
نتائج استراتيجية مهمة
عقد كل من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، والمستشارة الاتحادية الدكتورة أنجيلا ميركل مباحثات معمقة بشأن الوضع الأمني الراهن في الخليج الناجم عن سياسات إيران العدائية، والقضايا ذات الصلة بالأمن الإقليمي وتعزيز التعاون السياسي والاقتصادي والإنساني والثقافي بين البلدين، وقد أسفرت هذه المباحثات نتائج بالغة الأهمية، على الصعد كافة، السياسية والأمنية والاقتصادية، تمثلت في التالي:
 
1 - تأكيد توافق الدولتين حول مجمل القضايا الإقليمية والدولية، ففيما يخص الأمن الإقليمي أوضحت المستشارة الألمانية أن البلدين لديهما المزيد من التعاون في المنطقة، حيث شملت المحادثات الأوضاع في سوريا وليبيا واليمن. وأعرب الجانبان عن قلقهما إزاء تنامي التوترات في المنطقة نتيجة السياسات الإيرانية غير المسئولة. وفيما يتعلق باليمن، أكدت الدولتان أهمية التوصل إلى حل سياسي استناداً إلى مبادرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني اليمني، وجميع القرارات ذات الصلة الصادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ولا سيما قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2216. كما شدد البلدان على أهمية تنفيذ اتفاق استوكهولم وفقاً لقراري مجلس الأمن رقم2451 ورقم 2452 والتزامهما بتحقيق هذه الغاية، وأعرب الجانبان أيضاً عن تأييدهما للجهود المتواصلة التي يبذلها مارتن غريفيث، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن. هذا في الوقت الذي يعتبر فيه الدولتان من أهم الجهات المانحة لشعب اليمن، وهما ملتزمان بالاستجابة بفعالية للحالة الإنسانية الراهنة.
 
 وفيما يتعلق بإيران، أعربت كل من دولة الإمارات وألمانيا عن قلقهما إزاء تنامي التوترات في المنطقة، ودعيتا إيران إلى القيام بدور إيجابي والامتناع عن اتخاذ أي خطوات تصعيدية. وأكدت الدولتان أن مراعاة سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية أمر أساسي لضمان الأمن والاستقرار الإقليميين، وذلك في إشارة واضحة إلى رفضهما لاستمرار التدخلات الإيرانية في شئون العديد من دول المنطقة. وفي ما يتعلق بليبيا، أكدت كل من الإمارات العربية المتحدة وألمانيا أنه لا يمكن أن يكون هناك حل عسكري للصراع الدائر، وأن الإطار السياسي للمبعوث الأممي غسان سلامة يمثل الخيار الأفضل لتجاوز الأزمة السياسية الحالية، وأن الحيلولة دون تصعيد الصراع أمر بالغ الأهمية لتحقيق الاستقرار في المنطقة وهو أولوية بالنسبة للمجتمع الدولي ككل. كما أن مكافحة الإرهاب والتطرف قضية محورية بالنسبة لمستقبل ليبيا.
 
وفيما يتعلق بالأزمة السورية، أكدت الدولتان أن الصراع الدائر في سوريا لا يمكن حله بالوسائل العسكرية، كما دعمت الدولتان الجهود التي يبذلها المبعوث الخاص للأمم المتحدة جير بيدرسن في مساعيه لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، ويدعوان جميع الأطراف المعنية إلى دعم تلك الجهود.
 
2 - تعزيز التعاون الأمني وتأكيد الالتزام المشترك بمكافحة التطرف والإرهاب بجميع أشكاله، على الصعيدين الإقليمي والدولي، حيث يرى الجانبان أن الإرهاب والتطرف العنيف يهددان النظام الدولي، وشددا على رفضهما القاطع لجميع أشكال الإرهاب، التي تمثل تهديداً للسلم والاستقرار الدوليين، وضمان التعاون الأمني في هذا الصدد، فضلاً عن دعم الدولتين لمختلف الجهود الرامية إلى تعزيز الأمن والسلم الإقليمي والدولي. 
 
3 - الارتقاء بمستوى العلاقات الاقتصادية بين الدولتين تناولت مباحثات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، مع بيتر ألتماير، وزير الاقتصاد في جمهورية ألمانيا الاتحادية، وعدداً من ممثلي مختلف الشركات الألمانية الكبيرة والمتوسطة والصغيرة آفاق التعاون الاقتصادي بين الدولتين في المجالان كافة، وحرص سموه على تأكيد أن النهج الاقتصادي لدولة الإمارات العربية المتحدة يعتمد على الانفتاح والتنوع والمرونة، وإقامة الشراكات التي تعتمد على التنمية المستدامة. وأشار سموه إلى مسارات التعاون بين البلدين في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والتكنولوجية والفرص الواعدة لتنميتها، بما يلبي تطلعات البلدين في توسيع آفاق هذا التعاون، منوهاً بأهمية البناء على العلاقات المتميزة التي تجمع البلدين لتحقيق شراكة مثمرة بينهما، خاصة أن البلدين يمتلكان رؤية تنموية واضحة تنعكس بصورة متميزة في مختلف المشاريع والمبادرات والشراكات التي ينفذانها في القطاعات كافة، بجانب استثمارهما بقوة في الموارد البشرية وفي صناعة المستقبل. وأكد سموه أن دولة الإمارات تملك الإمكانيات والبيئة المناسبة لعمل مختلف الشركات العالمية وتحرص على تذليل الصعوبات كافة التي قد تواجه الشركات أو المستثمرين.
 
وبالفعل فقد تضمن البيان الختامي الصادر في نهاية الزيارة التأكيد على أهمية تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الدولتين، وذلك عبر عدة طرق، أهمها تشجيع التبادل التجاري بين الشركات الصغيرة والمتوسطة في البلدين، من خلال الدعم الذي توفره حوافز المناطق الحرة في دولة الإمارات، ومنصة دعم أعمال الشركات الصغيرة والمتوسطة في الخارج والتي تتخذ من دبي مقراً لها، حيث يهدف كلا البلدين إلى دعم الشركات، لا سيما الصغيرة والمتوسطة، في الوصول إلى أسواقهما من خلال استخدام أدوات السياسات الاقتصادية الخارجية. إضافة إلى تطوير التعاون في القطاعات المهمة مثل الطيران، واستكشاف الفضاء، والسياحة، والتعليم، والنقل، وتقنية المعلومات، والطاقة (التقليدية والمتجددة)، والرعاية الصحية، وتفعيل التعاون في مجال الطيران مما يتيح زيارة أكثر من 600,000 سائح بين البلدين، وتوسيع نطاق التعاون مع الشركات المصنعة للطائرات التي لها حضور في ألمانيا مثل شركة إيرباص.
 
الإمارات وألمانيا .. علاقات استراتيجية متنامية 
تربط الإمارات وألمانيا بعلاقات استراتيجية وتاريخية منذ عام 1972، أسسها المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مع الرئيس الألماني الأسبق ريتشارد فون فايتسكر خلال زيارته لبون عاصمة ألمانيا الغربية عام 1986. واليوم يوطدها ويستمر على النهج ذاته صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ، حفظه الله. 
 
لقد ظلت العلاقات الإماراتية - الألمانية راسخة وقوية، وتطورت مع مرور السنوات، حتى وصلت إلى حد الشراكة الاستراتيجية في كل المجالات. وفي عام 1986، استقبل ريتشارد فون فايتسكر الشيخ زايد، طيب الله ثراه، بحفاوة بالغة في قصر هامرشميدت، المقر الدائم لرئيس ألمانيا الغربية آنذاك، في العاصمة بون، وعقدا جلسة مباحثات مطولة، أعقبتها مباحثات أجراها المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد، طيب الله ثراه، مع المستشار هيلموت كول. ووضعت هذه المباحثات الأساس القوي لعلاقات استراتيجية وشراكة سياسية واقتصادية بين البلدين، توجت بتوقيع الدولتين لاتفاقية الشراكة الاستراتيجية في عام 2004، ومنذ ذلك التاريخ شهدت العلاقات نقلة نوعية في المجالات المختلفة.
 
وتعتبر العلاقات الإماراتية- الألمانية علاقات تاريخية وشاملة، تطورت على مدى العقود الماضية، ولم تتوقف عند العلاقات والاتفاقيات السياسية والدبلوماسية حول مختلف القضايا الإقليمية والدولية، بل تعدت تلك المجالات لتصل إلى المجالات الاقتصادية والثقافية والعلمية. ولهذا فإن هذه العلاقات تعد نموذجاً للعلاقات القوية بين الأصدقاء، حيث تتطور باستمرار في المجالات المختلفة، كما يتزايد التوافق بين الدولتين حول مجمل القضايا الإقليمية والدولية، ولهذا ينظر إلى هذه العلاقات باعتبارها تمثل أهم مرتكزات الحفاظ على الأمن والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي، ولعل أهم مؤشرات قوة هذه العلاقات:
 
1 - تواصل التنسيق والزيارات المتبادلة: فقد وصل عدد لقاءات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، تسعة لقاءات كان آخرها خلال زيارة سموه لألمانيا في شهر يونيو 2019، وقد أسهمت هذه اللقاءات في تعزيز التعاون، وتقوية العلاقات بين الدولتين، ترسيخاً للتعاون الدولي الثنائي. ومنذ عام 2006، سجلت أبوظبي وبرلين 8 لقاءات تاريخية جمعت الطرفين، حيث كان اللقاء الأول في برلين قبل 13 عاماً، بينما سجلت المستشارة الألمانية أول زيارة إلى الإمارات في عام 2007. وزار صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ألمانيا 5 مرات، وكانت في أعوام 2006 و2009 و2012 و2014 و2016، لتصبح زيارته لبرلين في يونيو 2019 هي السادسة، فيما زارت ميركل الإمارات ثلاث مرات في سنوات 2007 و2010 و2017، تأكيداً على استمرارية تطوير الشراكة الاستراتيجية، وأبدت الدولتان اهتماماً بالعلاقات الاقتصادية والقضايا السياسية المختلفة.
 
وفي يناير 2014، وشهر أغسطس عام 2015، قام سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، بزيارتين إلى برلين، وأجرى خلالهما محادثات مع الدكتور فرانك فالتر شتاينماير -الذين كان وزيراً لخارجية ألمانيا آنذاك- والذي زار أبوظبي في مارس 2016 لإجراء محادثات مع صاحب السمو ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وسمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان.  
 
وتجسد هذه الزيارات المتبادلة مستوى التعاون السياسي والتفاهم والتوافق بين الدولتين في الرؤى إزاء مجمل القضايا الإقليمية والدولية، حيث تتعاون الدولتان في عدد من القضايا المطروحة على الساحة الدولية، ومنها التعاون في إطار مجموعة أصدقاء الشعب السوري، حيث ترأس البلدان مجموعة عمل إعادة الإعمار والتنمية، وكذلك صندوق إعادة إعمار سوريا، كما يتشاركان في قيادة مجموعة عمل إرساء الاستقرار في إطار مكافحة تنظيم “داعش” الإرهابي. في الوقت ذاته، فإن الدولتين متفقتان على توحيد الجهود والرؤى المشتركة لكبح جماح الإرهاب، لتحقيق قيم السلام والتعايش السلمي والتسامح. فدولة الإمارات العربية المتحدة تبذل جهودا حثيثة لمكافحة جميع أشكال الإرهاب والتطرف والتنظيمات السرية والمتطرفة، وتلعب دورا فاعلا داخل التحالف الدولي لمحاربة “داعش” الذي تشارك فيه ألمانيا أيضا لتطهير المنطقة من الإرهابيين.
 
ويظهر التوافق بين الدولتين أيضاً في الانسجام في مواقفهما السياسية تجاه القضايا العالمية وما يحظى به البلدان من ثقة عالمية واحترام دولي كبير، ما شكّل أرضية مشتركة في مجال التعاون على الأصعدة كافة.
 
2 - تطور العلاقات الاقتصادية: في مارس من عام 2019، عقدت في العاصمة الألمانية برلين الدورة الـ11 من اللجنة الإماراتية- الألمانية للتعاون الاقتصادي والتجاري والفني، واتفق الجانبان خلالها على التعاون في عدد من المجالات تشمل، التجارة والاستثمار والعلاقات الاقتصادية، وزيادة التجارة الثنائية غير النفطية في السلع والخدمات وتنويعها عبر تسهيل الوصول إلى الأسواق في البلدين، وتكثيف المشاركة في المعارض التجارية وملتقيات الأعمال في كلا البلدين، إضافة إلى تشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة على تعزيز تواجدها بأسواق البلدين، والتعاون في مجال الاقتصاد الأخضر والخدمات المستدامة، وتشجيع الشركات الألمانية لتعزيز مشاريعها الخاصة بالصناعة والبنية التحتية والتطوير العقاري في أسواق الدولة، وتم وضع أطر للتعاون وتبادل الخبرات ونقل المعرفة في مجال المواصفات والمقاييس في عدد من الأنشطة والقطاعات، وسيتم دراسة نماذج للتعاون وتبادل الخبرات في العلوم الطبية، وكذلك تنفيذ برامج للتبادل الدراسي بين المؤسسات الأكاديمية المتخصصة في البلدين، وتم التأكيد على أهمية الشراكة الإماراتية الألمانية في مجالي الزراعة والغذاء.
 
وأهم ما يميز العلاقات الاقتصادية بين الدولتين أنها متنوعة وتتضمن عدة مجالات، في ظل توافر فرص استثمارية متميزة بين الجانبين. وهذا التنوع يعزز الشراكة الاقتصادية بين البلدين، لا سيما في القطاعات المتعلقة باقتصاد المستقبل القائم على المعرفة، حيث تحرص الشركات الألمانية على افتتاح مقار إقليمية لها بالإمارات، التي تعد مكان انطلاق لأسواق المنطقة، ومن المؤشرات المهمة التي تكشف قوة العلاقات الاقتصادية بين الدولتين:
 
* تستحوذ الإمارات على 22% من مجمل التجارة العربية الألمانية لتكون الشريك العربي التجاري الأول لألمانيا. فيما تعد ألمانيا سابع أكبر شريك تجاري عالمياً للإمارات وأكبر شريك تجاري أوروبي.
 
* في المجال السياحي، استقطبت الإمارات العام الماضي 2018 نحو 800 ألف سائح ألماني بنمو يتجاوز 11% مقارنة بعام 2017، فيما ارتفع عدد السياح الألمان بأبوظبي العام الماضي بنحو 8.2% إلى 142 ألف سائح، كما ارتفع عدد الزوار من ألمانيا إلى دبي بنسبة 12% إلى 567 ألف زائر.
 
*حققت التجارة الخارجية غير النفطية بين الإمارات وألمانيا في السنوات العشر الأخيرة نموا بنسبة 57.8%، حيث ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين من 30.84 مليار درهم في 2010 إلى 48.7 مليار درهم في 2018، منها 10.4 مليار دولار تجارة مباشرة، وأكثر من 2.8 مليار دولار حجم التجارة بين المناطق الحرة في البلدين، حسب تقرير صادر عن قطاع التجارة الخارجية في وزارة الاقتصاد الإماراتية. 
 
* بلغت واردات الإمارات من ألمانيا خلال عام 2018 نحو 10.9 مليار دولار، فيما سجلت الصادرات غير النفطية من الإمارات للأسواق الألمانية نحو 878 مليون دولار، بينما حقق نشاط إعادة التصدير بين البلدين نحو 1.4 مليار دولار. 
 
*تجاوزت قيمة الاستثمارات الألمانية في أسواق دولة الإمارات ملياري دولار، حيث تعمل في السوق الإماراتي 16390 علامة تجارية ألمانية، بينما بلغ عدد الوكالات التجارية الألمانية المسجلة في الإمارات نحو 517 وكالة، فيما وصل عدد الشركات الألمانية العاملة بالسوق الإماراتي نحو 91 شركة. 
 
* تحظى ألمانيا بمشاركة متميزة في إكسبو 2020 دبي، حيث توجد 231 شركة ألمانية مسجلة على منصة السوق الإلكترونية العالمية لإكسبو 2020. وتستثمر ألمانيا 50 مليون يورو في جناحها الواقع في منطقة الاستدامة وسيمتد على مساحة 4.5 آلاف متر مربع.
 
3 - التعاون في مجال الثقافة والفنون: هناك قواسم ثقافيّة مشتركة عديدة تجمع الإمارات وألمانيا، تسهم في تأصيل العلاقات بين الدولتين، حيث توجد العديد من المبادرات الثقافيّة المشتركة، والتي سعى البلدان من خلالها إلى تمهيد الطريق أمام الكتاب والأدباء والباحثين عن المعرفة، من الطرفين للاطلاع على تفاصيل المجتمعين الإماراتي والألماني على حد سواء، الأمر الذي يصبّ في إطار تقوية العلاقة بين البلدين الصديقين.  فعلى أرض الإمارات، تجلت المشاريع الألمانية الثقافية، التي وقف خلفها ولا يزال “معهد جوته”، على رأسها مشروع “كتب- صنعت في الإمارات”، والذي أطلقه المعهد بالتعاون مع المجلس الإماراتي لكتب اليافعين؛ بهدف تشجيع وتطوير كتب إماراتيّة الصنع للأطفال واليافعين، كتبت ورسمت بأنامل إماراتية لتعكس القيم والتقاليد وثقافة دولة الإمارات العربية المتحدة. وانطلق هذا المشروع في عام 2012، وتمكن من إلهام العديد من الكتاب الإماراتيين لإنتاج قصصهم الخاصة.  
 
وساهمت عملية التبادل الثقافي بين البلدين في فتح الطريق أمام العديد من الحوارات الأدبيّة وورش العمل الثقافيّة المختلفة، الأمر الذي أثرى العلاقة بين البلدين، وعزز من الحوار بين الحضارتين العربية والغربية. وتعد مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، واحدة من أبرز المؤسسات المحلية التي ساهمت في تعميق العلاقات الثقافية الإماراتيّة الألمانيّة، والتي تتجدد سنوياً خلال فترة انعقاد معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، والذي يشهد مشاركة إماراتيّة فاعلة. وتحرص هيئة الشارقة للكتاب ومؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، خلال المعرض على إطلاق العديد من الكتب والمؤلفات الجديدة والتي تحمل تواقيع عدد من الأدباء الإماراتيين المعروفين، كما تعمل الهيئة والمؤسسة على تعزيز علاقاتها مع أعمدة الفكر والثقافة في أوروبا.
 
ولا يقتصر التعاون الثقافي بين الدولتين على الناحية الأدبية، وإنّما يمتد ليشمل الجوانب الفنيّة أيضاً، عبر المشاركة الإماراتيّة السنوية في مهرجان برلين السينمائي الدولي، والذي يعد أحد أهم المهرجانات السينمائية على مستوى العالم. وكان للفنون التشكيليّة والبصريّة نصيب من العلاقات الثقافيّة بين الطرفين، وفي هذا القطاع تحتضن الإمارات العديد من الفنانين التشكيليين الألمان، الذين نجحوا خلال السنوات الماضية، في تنظيم معارض فردية وجماعية لهم، في عدد من الجاليريهات الفنيّة الموزعة في دبي والشارقة وأبوظبي.  
 
4 - التعاون في القطاع الصحي: أصدر المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، خلال زيارة علاجية لألمانيا في منتصف سبعينيات القرن الماضي، وبعد أن لمس مستوى جودة الخدمات الصحية فيها، أمرًا لوزير الخارجية آنذاك معالي أحمد خليفة السويدي، بإنشاء المكتب الصحي في ميونخ، حيث تولى عبيد سالم الزعابي مسؤولية إنشائه، وفعلا تم افتتاحه في ميونخ عام 1977، وحتى اليوم تعتبر الشراكة في القطاع الصحي بين البلدين من أهم شراكات التعاون والتي يتم تعزيزها باستمرار، خاصة أن القطاع الصحي في ألمانيا يتمتع بسمعة رفيعة المستوى في مجال التكنولوجيا الطبية والرعاية الصحية والصناعات الدوائية على مستوى العالم، وتعد ألمانيا من أهم الدول الجاذبة للسياحة العلاجية نتيجة مزج نظامها الصحي بين العلم والبحث والصناعة والطب، إضافة إلى أنها أكبر الأسواق الأوروبية لمنتجات الرعاية الصحية.  
 
وتعد ألمانيا اليوم من أهم الشركاء الاستراتيجيين لدولة الإمارات في المجال الصحي والسياحة العلاجية ، إذ يسعى البلدان إلى تعزيز العلاقات الثنائية وتطويرها في مختلف المجالات، ومنها تعميق التعاون بين وزارتي الصحة ووقاية المجتمع في الدولة، والاتحادية الألمانية للصحة، ويعزز ذلك اتفاق اللجنة الاقتصادية الإماراتية - الألمانية بزيادة التنسيق بين الجانبين في التعليم الطبي والممارسة الصحية مع ألمانيا خلال السنوات المقبلة، والتأكيد على التعاون في بناء المستشفيات وإدارتها والتبادل النشط فيما يتعلق بالمعلومات الطبية والأبحاث وآخر مستجدات قطاع الرعاية الصحية على المستوى العالمي.
وفي إطار جهودها لتوفير فرص التعليم والتدريب المبتكرة لموظفيها، قامت هيئة صحة دبي بتوقيع اتفاقية تعاون مع نقابة الأطباء في برلين والجمعية الألمانية لجراحة العظام والإصابات والحوادث، وتشمل هذه الاتفاقية برنامج إعداد الأطباء الإماراتيين في تخصص العظام والكسور وذلك لأول مرة في الخارج، والهدف هو الحصول على البورد الألماني في إطار البرنامج المشترك بين أطراف الاتفاقية، بالتعاون مع مستشفى راشد ومستشفى الشاريتيه في برلين، ويتم في البرنامج إعداد الأطباء لمدة 5 سنوات في الدولة وآخر سنة في ألمانيا، حيث تشمل آخر سنة الامتحان النهائي لدى نقابة الأطباء برلين. وهناك عدد كبير من الأطباء الإماراتيين الذين يرغبون في الحصول على التخصص الطبي من خارج الإمارات، ومنهم من يفضل الدراسة في ألمانيا، ويوجد حاليا نحو 40 طبيباً إماراتياً في مختلف المستشفيات الألمانية.
 
ووفقا للإحصاءات الرسمية، فقد بلغ إجمالي عدد المرضى الذين تم علاجهم في ألمانيا عام 2016 (5616) مريضا، يرافقهم 9321 مواطنا، وبلغ إجمالي تكاليف العلاج والمصروفات التشغيلية أكثر من مليار ونصف درهم.
 
5 - التعاون في مجال التعليم: هناك مكاتب وأفرع عديدة في أبو ظبي ودبي تابعة لعدة هيئات رسمية ألمانية، مثل الهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي «DAAD”، ومعهد “جوته” اللذان أنشئا عام 2006 ليكونا المركز الرئيسي للهيئتين في منطقة الخليج، فضلاً عن ذلك، هناك عدة مشروعات تعاون بين مؤسسات التعليم العالي في كلا البلدين، إذ افتتحت في مطلع عام 2012 الكلية الألمانية الإماراتية للعلوم اللوجستية بأبوظبي، كما بدأ في العام نفسه برنامج المنح الدراسية بالتنسيق بين الهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي ووزارة التربية والتعليم في الإمارات لدعم إقامة الطلاب الإماراتيين في ألمانيا بغرض الدراسة. كما ألحق ديوان ولي عهد أبوظبي ألمانيا ببرنامج شباب السفراء، بحيث يزور الطلاب الإماراتيون دورة للغة الألمانية بمعهد جوته ويجتازون عدداً من التدريبات لدى الشركات في ألمانيا يتعرفون من خلالها على عالم الأعمال فيها.
 
مرتكزات الشراكة الإستراتيجية الإمارتية- الألمانية
أهم ما يميز العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية ألمانيا الاتحادية أنها علاقات تاريخية وشاملة، استطاعت أن تطور نفسها باستمرار على مدار 47 عاماً في مختلف المجالات، فلم تتوقف فقط عند حد التنسيق السياسي والدبلوماسي إزاء القضايا الإقليمية والدولية، وإنما امتدت إلى المجالات الاقتصادية والتجارية والثقافية والعلمية، بل إن الإمارات تعد من أوائل دول المنطقة التي تجمعها شراكة استراتيجية مع ألمانيا منذ عام 2004، وهي شراكة ترتكز على مجموعة من الأسس، التي تضمن لها التطور بشكل متواصل، لعل أبرزها:
 
1 - الإرث التاريخي: العلاقات الإماراتية الألمانية قديمة ومتجذرة ومبنية على ثوابت ومعتقدات آمنت بها قيادات البلدين، فعلاقة دولة الإمارات الرسمية مع ألمانيا بدأت مع قيام الاتحاد، وترجع العلاقات بين الدولتين إلى العام 1972، حيث غرس المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس دولة الإمارات، طيب الله ثراه،  أسس هذه العلاقات، وعمق أواصرها من بعده القيادة الرشيدة برئاسة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة ، حفظه الله، حتى صارت دولة الإمارات الشريك الاقتصادي الأول لألمانيا في العالم العربي.
 
 وتقديراً للدور الكبير الذي قام به المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد ، طيب الله ثراه، في ترسيخ أسس هذه العلاقات، قامت مجلة «ديسكفر مي» الألمانية، بالتعاون مع معهد جوته في الإمارات، بإصدار عدد خاص بمناسبة «عام زايد» الذي وافق العام الماضي 2018، حيث تناول العلاقات الألمانيّة الإماراتيّة مع التركيز على حياة وفترة حكم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، إذ يوثق الإصدار ثنائي اللغة (العربيّة والألمانيّة) وتطور العلاقات الوثيقة والودية بين الإمارات وألمانيا ويبرز جهود الجالية الألمانيّة في مجالات الأعمال والتنمية والتعليم والمجتمع والثقافة والتي هدفت إلى تعزيز العلاقة المتينة والمثمرة بين البلدين.
 
2 - حرص قيادتي الدولتين على تطوير هذه الشراكة والارتقاء بها في مختلف المجالات، وهذا ما أشار إليه بوضوح صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، خلال لقائه مع فخامة فرانك فالتر شتاينماير رئيس جمهورية ألمانيا الاتحادية الصديقة خلال زيارته الأخيرة إلى ألمانيا، حينما قال سموه: « إن دولة الإمارات العربية المتحدة تولي العلاقات مع جمهورية ألمانيا الاتحادية أهمية خاصة، وتحرص على توثيق الروابط بين البلدين، خاصة في المجالات التي تتعلق باقتصاد المستقبل، وما يتصل به من تكنولوجيا وابتكار وبحث علمي وغيرها»، هذا في الوقت الذي أعرب فيه الرئيس الألماني عن أمله أن «تعمل هذه الزيارة المهمة على تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين في مختلف المجالات ودفعها إلى آفاق أرحب وأوسع».
 
3 - الإدراك المشترك لأهمية هذه الشراكة الاستراتيجية ليس فقط للدولتين، وإنما لدول المنطقة والعالم أجمع، بالنظر إلى مشاركة الدولتين الفاعلة في مختلف الجهود ودعم المبادرات التي تستهدف تعزيز أسس الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، فالدولتان - كما أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال زيارته إلى ألمانيا- شريكتان في العمل من أجل السلام والاستقرار على الساحتين الإقليمية والدولية، وترسيخ قيم التسامح والتعايش بين البشر، وأن لديهما موقفاً مشتركاً من نبذ الإرهاب، وضرورة التصدي للقوى التي تدعمه، أو تبرِّر ممارساته.
 
4 - المصالح المشتركة التي تعزز باستمرار هذه الشراكة وتدفعها قدماً إلى الأمام في مختلف المجالات، ففي الوقت الذي تحرص فيه الإمارات على تعزيز علاقاتها مع ألمانيا، باعتبارها دولة أوروبية كبيرة لها تأثيرها السياسي والاقتصادي الكبير في الساحة الدولية، فإن ألمانيا من جانبها تبدي اهتماماً خاصاً بعلاقاتها مع الإمارات، لما تمثله من أهمية كبيرة وما تقوم به من أدوار فاعلة ومؤثرة في محيطيها الإقليمي والدولي.
 
وفي الوقت الذي تعد جمهورية ألمانيا الاتحادية قاطرة الاقتصاد في القارة الأوروبية وتتميز بتنوعها الاقتصادي وارتفاع مستوى الصناعة وجودة قطاع الخدمات وكذلك العلاقات التجارية الضخمة سواء مع جيرانها في الاتحاد الأوروبي أو على المستوى العالمي نظرا لما تتمتع به من سمعة ممتازة في التكنولوجيا ذات الكفاءة العالية والاستغلال العالي للقيمة. فإن دولة الإمارات تعد مركزا تجاريا وماليا مهما في المنطقة والعالم وتعمل على بناء اقتصاد متنوع قائم على المعرفة ولديها بيئة مثالية لجذب الاستثمارات الخارجية في ظل ما تتميز به من انفتاح واستقرار ومنظومة تشريعات عصرية إضافة إلى قيم التعايش والتسامح وقبول الآخر الراسخة فيها وهو ما يشجع الاستثمارات الألمانية للعمل في الإمارات ويساعد على فتح أسواق منطقة الخليج العربي أمام المنتجات الألمانية حيث تعد الإمارات بوابة تجارية واقتصادية أساسية لدخول أسواق المنطقة.
 
5 - الإيمان المشترك بمنظومة القيم الإيجابية المشتركة التي تعلي من التسامح والتعايش والتقارب بين الأديان والثقافات، حيث أشادت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خلال مباحثاتها مع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، بنموذج الإمارات في التسامح والتعايش، وخاصة مبادرة «عام التسامح» التي أطلقتها دولة الإمارات هذا العام، باعتبارها تعكس تجذر قيم التسامح والتعايش في المجتمع الإماراتي، كما أشادت بزيارة قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية للإمارات، وكذلك استضافة الدولة الألعاب العالمية للأولمبياد الخاص، التي تميزت نسختها هذه بمشاركة طيف واسع من مكونات شعب الإمارات والمقيمين فيها. وأشادت ميركل بدور الإمارات في بناء الجسور بين الأديان والطوائف المختلفة وضرورة مواجهة التطرف والكراهية من خلال التفاهم بين الشعوب إضافة أهمية مكافحة الإرهاب الدولي.  
 
وتتفق كل من الإمارات وألمانيا على أن التعصب هو أحد الأسباب الرئيسة لانتشار التطرف والإرهاب، ودائماً ما يؤكدان على أهمية تكثيف الجهود للتصدي لهما باعتبارهما الخطر الرئيسي الذي يهدد الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي. وضمن هذه الجهود، قامت سفارة الإمارات العربية المتحدة في برلين، بالتعاون مع السفارة البابوية التابعة للكرسي الرسولي في ألمانيا، بتنظيم فعالية ثقافية في 23 فبراير 2019، في إطار إعلان عام 2019 “عاماً للتسامح” وتزامناً مع الزيارة التاريخية التي قام بها قداسة البابا فرنسيس إلى الإمارات العربية المتحدة، واستهدفت هذه الفعالية الثقافية دعم الحوار بين الأديان، ليس بين المسلمين والمسيحيين فحسب، وإنما أيضاً بين الشرق والغرب لتسريع التبادل الثقافي بين أتباع جميع الديانات. وفي هذا الإطار، تتفق الإمارات وألمانيا على أن التسامح والتعايش السلمي وقبول الآخر والتعددية الثقافية والتنوع هي قيم عالمية جوهرية.
 
زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وتأثيرها في مسار الشراكة الاستراتيجية:
تدشن زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة إلى جمهورية ألمانيا الاتحادية لمرحلة جديدة من الشراكة الاستراتيجية الإماراتية- الألمانية، أكثر شمولية تهتم بمجالات اقتصادية، وبملفات الطاقة والتكنولوجيا والتعليم، وغير ذلك، في سياقات سعي الإمارات إلى تنمية علاقاتها السياسية والاقتصادية والثقافية أيضاً، والتحالف مع القوى التي تدرك أهمية السلم والأمن ونبذ الكراهية والتطرف والإرهاب في العالم أجمع. 
 
لقد وضعت هذه الزيارة الأسس للشراكة بين الدولتين خلال الخمسة عشرة المقبلة، وهذا ما عبر عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد بقوله:”سعدت بلقاء المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، مسيرة التعاون بين بلدينا تاريخية وممتدة، تعززها روابط الشراكة الاستراتيجية، وسنعمل معاً على تدعيمها والارتقاء بها، موقفنا راسخ في دعم جهود السلام العالمي، وإعلاء قيم التسامح والتضامن الإنساني، ونبذ التطرف والتصدي للإرهاب”. وأضاف سموه: “إن الزيارة إلى ألمانيا تؤكد أن لدينا خريطة طريق جديدة.. 15 سنة مقبلة.. نتطلع إلى أن يتضاعف التبادل التجاري بصورة أكبر”.  
ويعد البيان الختامي الصادر في نهاية الزيارة بمنزلة خارطة طريق لمستقبل الشراكة الاستراتيجية بين دولة الإمارات وجمهورية ألمانيا، فوفقاً لهذا البيان يلتزم الجانبان بتعزيز شراكتهما الاستراتيجية في الذكرى الخامسة عشرة من إبرام الاتفاقية بينهما، وذلك عبر العمل على الارتقاء بالعلاقة إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة، وستتيح هذه الشراكة لدولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية ألمانيا الاتحادية استكشاف مزيد من مجالات الاهتمام الأخرى، بما فيها المجالات التالية:
 
1 - التعاون والتنسيق السياسي:
*يؤكد الدولتان التزامهما بزيادة نطاق الحوار والمشاورات السياسية، بصورة منتظمة، على مستوى رفيع وزيادة وتيرة إجراء هذه المشاورات.
*الاتفاق على المساهمة المشتركة في المنتديات الدولية للأمن، على سبيل المثال مؤتمر ميونيخ للأمن، الذي انعقد في الفترة ما بين 15 - 17 فبراير 2019، ومنتدى صير بني ياس المزمع عقده في الفترة من 15 - 17 نوفمبر 2019 في أبوظبي، والمقرر أن يستضيف الجولة الخامسة من المشاورات السياسية بين الإمارات وألمانيا.
* تكثيف الزيارات البرلمانية بينهما.. ففي العام 2018 / 2019، أجريت عدة زيارات قام بها أعضاء من البرلمان الألماني إلى الإمارات العربية المتحدة، مما أبرز جدوى المناقشات المثمرة بشأن المسائل ذات الاهتمام المشترك على الصعيد البرلماني.
 
2 - تعزيز التعاون الأمني، وتنسيق الجهود الإقليمية والدولية للتصدي للتحديات التي تهدد الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، وذلك من خلال:
*تأكيد الالتزام المشترك بمكافحة التطرف والإرهاب بجميع أشكاله، على الصعيدين الإقليمي والدولي، حيث يرى الجانبان أن الإرهاب والتطرف العنيف يهددان النظام الدولي. ويؤكد الجانبان مجدداً رفضهما القاطع لجميع أشكال الإرهاب، التي تمثل تهديداً للسلم والاستقرار الدوليين، وضمان التعاون الأمني في هذا الصدد.
 
*العمل على حشد الجهود بشأن قضايا مكافحة الإرهاب، وتبادل الخبرات والمعلومات حول مكافحة الإرهاب، وتعزيز التدريب الفردي وبناء القدرات في هذا الصدد. وتحقيقاً لهذه الغاية، يسعى الجانبان إلى الانخراط في تعاون ملموس في مجال مكافحة الإرهاب.
 
*تأييد قرار الأمم المتحدة رقم 2462 الذي تمت الموافقة عليه بالإجماع، وشاركت في رعايته دولة الإمارات وألمانيا، ويطلب القرار من الدول الأعضاء اتخاذ المزيد من الخطوات لمنع تمويل الإرهاب ومكافحته ومحاسبة الدول الراعية للإرهاب.
 
*الترحيب بالعديد من الشراكات والتعاون القائم بين البلدين في مجال الأمن، على سبيل المثال المحادثات التي أجريت بين ممثلي القوات المسلحة من الجانبين، والتي تعقد كل ثمانية عشر شهراً، وقد عقدت آخر مرة في برلين في شهر مارس 2019.. ويحرص البلدان على تعزيز الحوار الثنائي القائم في هذا المجال.
 
*اضطلاع الدولتين بدور رئيسي في تعزيز الاستقرار في إقليميهما، إلى جانب الإسهامات الإيجابية في الشؤون العالمية، مع إيلاء أهمية خاصة في هذا الصدد إلى التعددية، والقانون الدولي والنظام القائم على القواعد القانونية، والمؤسسات الدولية كوسيلة للتصدي للتحديات المشتركة وتحقيق التعايش السلمي.
 
* التأكيد على أهمية التمسك بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة والنظام الدولي القائم على القواعد القانونية، وسيعمل كلا الجانبين على تحقيق ذلك من خلال عقد مشاورات على مستوى الخبراء، وإنشاء منتديات من أجل تبادل الآراء حول القضايا السياسية الرئيسية مثل اليمن وإيران وليبيا والساحل الأفريقي.
 
3 - تطوير العلاقات الاقتصادية، والارتقاء بمستوى الشراكة بين الدولتين من خلال:
* زيادة التعاون الاقتصادي الثنائي، وتبادل أفضل الممارسات والمعايير، إضافة إلى تعزيز التبادل التجاري والاستثمارات وفرص الأعمال التجارية.
 
* زيادة المشاورات الاقتصادية المؤسسية الدورية رفيعة المستوى، لا سيما اللجنة الاقتصادية المشتركة، التي عقدت اجتماعها الحادي عشر في برلين في شهر مارس 2019. ونوه الجانبان أيضاً إلى أهمية المجلس الألماني الإماراتي المشترك للصناعة والتجارة الذي يسعى إلى توثيق العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وكذلك إنشاء مركز استشاري خاص جديد للشركات الألمانية في المنطقة الحرة لـ”مركز دبي للسلع المتعددة”، كما تمثل أيضاً في دوسلدورف في سبتمبر 2018.
 
* تطوير مجالات جديدة للتعاون ضمن ما يطلق عليه “الثورة الصناعية الرابعة” ليشمل التعاون في مجال الفضاء الإلكتروني والنظم، من شأنه أن يلعب دوراً فاعلاً في العلاقات الاقتصادية في المستقبل.. ويرى الجانبان توافر الفرص المتاحة للاستفادة المتبادلة من سياسات الاستراتيجيات الوطنية للذكاء الاصطناعي لكل منهما، بما في ذلك استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي الصادرة في أكتوبر 2017، والاستراتيجية الألمانية للذكاء الاصطناعي الصادرة في نوفمبر 2018. ويهدف كلا البلدين إلى العمل معاً لتبادل أفضل الممارسات في هذا المجال. وإضافة إلى ذلك، يعتزم البلدان دعم التعاون بين الشركات ومعاهد البحوث.
 
*التعاون في مجال التحول الرقمي وربط عمليات الإنتاج على امتداد سلسلة القيمة العالمية عبر الإنترنت، من منطلق أن ذلك يوفر إمكانات اقتصادية كبيرة لاقتصاديات كلا البلدين. ويشدد البلدان على أهمية تعزيز تعاونهما الثنائي بين الشركات بعضها البعض وبين الشركات ومؤسسات البحوث في كلا البلدين في مجال التطبيقات التقنية الحديثة واستخدامها في تحقيق التنمية المستدامة.
 
* دعم جميع القطاعات، والتعاون في تنمية رأس المال البشري من خلال المؤسسات القائمة، فضلاً عن الشراكة بين القطاع العام والخاص، فهذا يشكل أمراً مهماً لتحقيق التكاتف والترابط لتعزيز العلاقات الاقتصادية في المستقبل.
 
* التعاون في مجال استكشاف الفضاء المتمثل في التوقيع على مذكرة التفاهم في شهر نوفمبر 2017 بين وكالة الإمارات للفضاء والمركز الألماني للفضاء الجوي بشأن التعاون وتبادل المعلومات والخبرات في مجالات علوم الفضاء والبحوث والتكنولوجيا والنظم.
 
* ستشارك ألمانيا بشكل كبير في معرض إكسبو 2020 الذي تستضيفه دبي.. وسيتم تمثيل جمهورية ألمانيا الاتحادية بجناح مبتكر واستشرافي، بعنوان «ملتقى ألمانيا».. وسيكون معرض إكسبو 2020 فرصة سانحة لتسليط الضوء على التعاون الألماني الإماراتي في بناء مستقبل مزدهر ومستدام للعالم.
 
4 - تعزيز الشراكة في مجال الطاقة، والتركيز بشكل خاص على الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، من خلال:
*التزام الدولتين بالشراكة في مجال الطاقة والتي أبرمت في العام 2017، لتكثيف الحوار في مجال الطاقات المتجددة وكفاءة استخدامها، ونشر الطاقات المتجددة وزيادة كفاءة الطاقة بهدف الوفاء بأهداف اتفاقات باريس، فضلاً عن الاستفادة من المزايا الاجتماعية-الاقتصادية للطاقات المتجددة. 
 
*دعم التحول العالمي في مجال الطاقة، والتعاون في إطار الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا) التي انعقد مؤتمرها التأسيس في عام 2009 والتي تتخذ من أبوظبي مقراً لها، ومركز الابتكار والتكنولوجيا التابع لها في بون.
 
* تعزيز التعاون في مجال الطاقة بين البلدين بشكل أكبر في العام 2018، عندما أصبحت “وينترشال” أول شركة نفط وغاز ألمانية تحصل على حصة في منطقة امتياز في أبوظبي من خلال نسبة (10%) في حقول حيل، وغشا، ودلما وغيرها من حقول الغاز الحامض البحرية.
 
*في ظل الالتزام المستمر بالمشروع المشترك الذي استمر لمدة عشر سنوات بين أدنوك ومجموعه ليند الألمانية، تم توقيع مذكرة تفاهم لبحث التوسع في تعاونهما.. ومن المقرر اتخاذ المزيد من الخطوات مع نمو الشركتين معاً لتلبية الطلب المتوقع على الغاز الصناعي لمجمع الصناعات التحويلية في الرويس التابع لمجموعة أدنوك، كجزء من استراتيجيتها للنمو الذكي لسنة 2030.
 
5 - المساعدات الإنسانية: أكد البيان الختامي التزام الدولتين الراسخ بتقديم المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين في جميع أنحاء العالم، من خلال:
*بحث السبل الكفيلة بتوطيد التعاون والحوار الثنائي في مجال المساعدات الإنسانية.
 
*العمل على تحسين وصول المساعدات الإنسانية وتوفير الخدمات الإنسانية. ويشددان على مسؤولية المجتمع الدولي في ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى من هم بحاجة إليها.
 
6 - الثقافة: في ظل السعي المستمر لزيادة التفاهم المتبادل بين ثقافتي البلدين، تحرص دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية ألمانيا الاتحادية على مواصلة تعزيز المشاركة الثقافية الثنائية بين شعبيهما. ويعتزم البلدان توسيع تعاونهما الثقافي، وتعزيز القيم المشتركة للتسامح والتعايش وقبول الآخر وبحث إمكانيات التعاون في مجال حفظ التراث الثقافي الدولي. وأكدت الدولتان استعدادهما لتعزيز التعاون الثقافي، لا سيما من خلال انتهاج سياسة فاعلة لإقامة المتاحف والمعارض، وإجراء الجلسات الحوارية بشأن السياسات الثقافية، والسعي نحو إنشاء فضاءات مفتوحة للتبادل الثقافي، بما في ذلك المجالات الإبداعية.
 
7 - تعزيز التعاون في مجال التعليم والبحث العلمي من خلال دعم المؤسسات والجامعات، وكذلك تبادل البعثات الدراسية واستقطاب الطلاب من كلا البلدين.
 
8 - تعزيز التعاون في مجال البيئة والتغير المناخي من خلال الالتزام المشترك  بالتصدي للتحديات العالمية التي يفرضها التغير المناخي والتخفيف من حدتها، مسترشدين بتنفيذ اتفاق باريس للمناخ، فضلاً عن تحولهما إلى استخدام مصادر الطاقة منخفضة الكربون، والعمل على تنمية الاقتصادات الخضراء.. ويلتزم الجانبان بزيادة التعاون على الصعيد البيئي، لا سيما في ما يتعلق بالتعاون الثلاثي مع البلدان الأخرى.
 
خـاتمــــة
الشراكة الاستراتيجية بين الإمارات وألمانيا مرشحة لنقلة نوعية خلال الخمسة عشر عاماً المقبلة، تضيف إلى ما تم تحقيقه من إنجازات خلال السنوات الماضية، خاصة أن الدولتين مدركتان لأهمية هذه الشراكة وحريصتان على الارتقاء بها في مختلف المجالات، وهذا ما جسدته وعكسته زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، إلى ألمانيا، والتي كرست صورة الإمارات الإيجابية باعتبارها نموذجاً عالمياً ومثالاً يحتذى به في مجال التسامح والتعايش، وباعتبارها قوة إقليمية فاعلة ومؤثرة وصاحبة تأثير استراتيجي كبير في منطقة الشرق الأوسط، وتقود الجهود الرامية إلى تعزيز أسس الأمن والاستقرار في محيطها الإقليمي، حتى أن صحيفة «ذود دويتشه تسايتونغ»، أحد أبرز الصحف الألمانية، قالت في تقرير نشرته على موقعها الإلكتروني، :» إن الإمارات تملك إمكانيات سياسية واقتصادية كبيرة جدا، تجعلها قوة عظمى في العالم».
 
في الوقت ذاته، فإن البيان الختامي الصادر في نهاية زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى ألمانيا قد رسم بوضوح آفاق الشراكة الاستراتيجية بين الدولتين للخمسة عشر عاماً المقبلة، وتكمن أهمية هذا البيان ليس فقط لشموله لمختلف مجالات التعاون بين الدولتين كما سبق الإشارة، وإنما أيضاً لأنه أبرز خصوصية هذه الشراكة لا سيما في مواكبتها للمجالات التي تتعلق باقتصاد المستقبل والثورة الصناعية الرابعة ، وتضمينها للمجالات الإنسانية والثقافية والتعليمية، ما يمنح هذه الشراكة عمقاً حضارياً وشعبياً خاصاً، ويجعلها نموذجاً للشراكات المتطورة باستمرار.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره