مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2020-10-11

اتفاق السلام بين دولة الإمارات وإسـرائيل... الأبعاد والمعطيات الاستراتيجية

أثار الاعلان عن اتفاق دولة الامارات واسرائيل على اقامة علاقات ثنائية ردود أفعال اقليمية ودولية واسعة، كونه يعتبر الحراك السياسي الايجابي الأكثر تاثيراً في مسار العلاقات العربية ـ الاسرائيلية منذ أكثر من عقدين من الزمن، كما يعتبر القرار الأكثر تفاعلاً واستجابة لبيئة هذه العلاقات المعقدة، التي تعاني حالة جمود وتعقيدات ومتغيرات تتطلب تفكيراً خارج صندوق الحلول التقليدية، التي لم تفلح حتى الآن في تسوية القضية الفلسطينية ولا رفع المعاناة عن الفلسطينيين، بل حولتهم إلى مادة للمزايدات والمتاجرة السياسية بقضيتهم، وفي هذا العدد تسلط «درع الوطن» الضوء على كافة أبعاد الاتفاق وأهدافه الاستراتيجية متعددة الأمدية.
 
إعداد:التحرير
 
في الثالث عشر من اغسطس الماضي، صدر بيان مشترك للولايات المتحدة الأمريكية ودولة الإمارات وإسرائيل، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وبنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي، اتفقوا على اقامة علاقات رسمية بين الإمارات وإسرائيل، الأمر الذي يمثل تحولاً نوعياً استراتيجياً كبيراً في العلاقات العربية ـ الاسرائيلية، وأفاد البيان المشترك أنه «من شأن هذا الإنجاز الدبلوماسي التاريخي أن يعزز السلام في منطقة الشرق الأوسط، وهو شهادة على الدبلوماسية الجريئة والرؤية التي تحلى بها القادة الثلاثة، وعلى شجاعة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل لرسم مسار جديد يفتح المجال أمام إمكانيات كبيرة في المنطقة»، وأضاف البيان أنه «سوف تجتمع وفود من دولة الإمارات وإسرائيل خلال الأسابيع المقبلة لتوقيع اتفاقيات ثنائية تتعلق بقطاعات الاستثمار والسياحة والرحلات الجوية المباشرة والأمن والاتصالات والتكنولوجيا والطاقة والرعاية الصحية والثقافة والبيئة وإنشاء سفارات متبادلة وغيرها من المجالات ذات الفائدة المشتركة»، وتابع البيان أنه «نتيجة لهذا الانفراج الدبلوماسي وبناء على طلب الرئيس ترامب وبدعم من دولة الإمارات، ستتوقف إسرائيل عن خطة ضم أراض فلسطينية وفقا لخطة ترامب للسلام، وتركز جهودها الآن على توطيد العلاقات مع الدول الأخرى في العالم العربي والإسلامي.
 
ردود أفعال اقليمية ودولية مؤيدة
قوبل الاتفاق على اقامة علاقات ثنائية رسمية بين دولة الامارات واسرائيل بتعليقات وردود أفعال عربية ودولية مؤيدة وداعمة لهذه الخطوة التي وصفت بـ «التاريخية» و»الشجاعة» و» الجرئية» و»الفرصة» و»التطور الايجابي»، و يمكن الاشارة إلى أهمها فيما يلي:
 
الإمارات
• في أول إعلان رسمي إماراتي، قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في تغريدة على موقع «تويتر»، إنه «تم الاتفاق على إيقاف ضم إسرائيل للأراضي الفلسطينية. كما اتفقت الإمارات وإسرائيل على وضع خارطة طريق نحو تدشين التعاون المشترك وصولا إلى علاقات ثنائية»
 
أمريكا
• وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاتفاق بأنه «إنجاز تاريخي»، وقال عبر حسابه على تويتر، إنه «اتفاق سلام تاريخي بين أصدقائنا العظام إسرائيل والإمارات».
• رحّب المرشح الديمقراطي إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية جو بايدن الخميس باتفاق تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات، واعتبره «خطوة تاريخية» ستساعد على تخفيف التوتر في المنطقة. وقال نائب الرئيس السابق المتمرس بالعلاقات الخارجية في بيان حول الاتفاق الذي أعلنه منافسه الرئيس دونالد ترامب «اليوم، قامت إسرائيل والإمارات العربية المتحدة بخطوة تاريخية لجسر الانقسامات العميقة في الشرق الأوسط»
• أصدرت وزارات الخارجية في العديد من الدول حول العالم بيانات تأييد وترحيب بالخطوة التي وصفوها بـ»الفارقة» في مسار تعزيز السلم الإقليمي والعالمي، وسط إشادات بالدور الإماراتي الفاعل في هذا الإطار. وأكدت المواقف الدولية المؤيدة للمعاهدة أهمية الخطوة التي جاءت في توقيت حساس كانت فيه المنطقة بأمس الحاجة إلى مبادرات شجاعة قادرة على نزع فتيل الانفجار والتصادم الذي كانت تتجه إليه عملية السلام، منوهة بإسهام المعاهدة في فتح آفاق نحو مرحلة جديدة تستأنف بها المفاوضات المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
 
الأمم المتحدة
• رحب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بمعاهدة السلام بين دولة الإمارات وإسرائيل برعاية الولايات المتحدة الأمريكية ..مشيدا بالبيان المشترك حول الاتفاق على إيقاف ضم إسرائيل للأراضي الفلسطينية واتخاذ خطوات من شأنها إحلال السلام في الشرق الأوسط. وأعرب عن أمله في أن تخلق هذه الخطوة فرصة للقادة الفلسطينيين والإسرائيليين لإعادة الانخـــــراط في مفـاوضـــات هادفـــة من شأنها تحقيق حل الدولتين بما يتماشى مع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة والقانون الـــــــدولي والاتفــاقيــات الثنائية.
 
الاتحاد الأوروبي
• رحـــب الاتحــاد الأوروبي بمبـــاشـــــرة العلاقات الثنائية الكاملة بين إســرائيل والإمـــارات العربية المتحدة .. وقالت متحدثـــة باســم خدمـة العمل الخارجي الأوروبي في بروكسل إن الأنباء الواردة من دولة الإمارات وإسرائيل ممتازة، ونشيد بها وان العلاقات هي لصالح البلدين والاستقرار الإقليمي، مشيرة إلى أن الاتحاد الأوروبي يعمل على الدفع بحل الدولتين وتيسير المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وذكر بيان صدر في بروكسل عن الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية و الأمن باسم جميع دول الاتحاد : إن الإمارات العربية المتحدة و إسرائيل شريكان مهمان للاتحاد الأوروبي .. و إن إقامة علاقات ثنائية بينهما خطوة أساسية لتحقيق الاستقرار في المنطقة ككل.
• ورحب الممثل الأعلى الأوروبي للشؤون الخارجية والأمن جوزيب بوريل بمعاهدة السلام بين الامارات واسرائيل، وقال بوريل في تغريده له اليوم إن هذه الخطوة مفيدة لكلا البلدين ومهمة للاستقرار الإقليمي.
 
بريطانيا
•  رحب رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بالبيان المشترك للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة، واصفاً القرار بـ»النبأ السار»، وقال: كنت أتمنى بشدة ألا يمضي الضم في الضفة الغربية قدما ..وأكد أن معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل تضع المنطقة على الطريق الصحيح نحو شرق أوسط أكثر سلاما.
 
فرنسا
• وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قرار دولة الإمارات العربية المتحدة إقامة علاقات ثنائية مع اسرائيل بالقرار « الشجاع «، مشيدا بالاتفاق الثلاثي بين دولة الإمارات والولايات المتحدة و إسرائيل بشأن وقف الأخيرة ضم أراضي الضفة الغربية، وقال : أحيي القرار الشجاع لدولة الإمارات العربية المتحدة و آمل أن يساهم في إقامة سلام عادل و دائم بين الإسرائيليين و الفلسطينيين. ورحبت فرنسا بمعاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل، وقالت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان لها إن القرار الذي اتخذته السلطات الإسرائيلية في هذا السياق بإيقاف ضم الأراضي الفلسطينية هو خطوة إيجابية يجب أن تتحول إلى إجراء نهائي.
 
ألمانيا
• رحبت الحكومة الألمانية بمعاهدة السلام بين دولة الإمارات و إسرائيل .. وأكدت أن من شأنها أن تمضي قدما بالتسوية و الشراكة بين إسرائيل و العالم العربي، ورحب هايكو ماس وزير خارجية ألمانيا بالمعاهدة واعتبرها خطوة تاريخية، فيما أعرب شتيفن زايبرت الناطق باسم الحكومة الألمانية عن أمله في أن تمهد المعاهدة الطريق مجددا نحو حل الدولتين القائم على التفاوض.
 
روسيا
• رحبت وزارة الخارجية الروسية، في بيان لها، بالمعاهدة، مشددة على أن تعليق خطط الضم الإسرائيلية بموجب المعاهدة «خطوة مهمة»، وأكد البيان أن تطبيق خطط الضم الإسرائيلية كان سيفضي إلى إزالة أفق قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة وموحدة.
 
إيطاليا
• أعلنت ايطاليا عن ترحيبها بمعاهدة السلام بين الامارات وإسرائيل، وأعربت وزارة الخارجية الايطالية في بيان عن أملها في أن تساهم هذه الخطوة المهمة في إحلال السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ، مؤكدة أن تعليق ضم أجزاء من الضفة الغربية يشكل تطوراً إيجابياً نأمل أن يكون في صالح استئناف المفاوضات المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين في إطار حل الدولتين العادل والمستدام
 
النمسا
• رحبت وزارة الخارجية النمساوية بالبيان المشترك للولايات المتحدة و إسرائيل والإمارات، ووصفت معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل بأنها «خطوة تاريخية نحو شرق أوسط أكثر سلماً وازدهاراً».
 
بلجيكا
• رحبت مملكة بلجيكا رسميا بالمعاهدة ووقف قرار تل أبيب ضم الأراضي الفلسطينية بما يحافظ على حل الدولتين ويبقي فرص السلام قائمة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
 
الهند
• رحبت الهند بمعاهدة السلام بين الامارات واسرائيل، وأكد المتحدث الرسمي لوزارة الشؤون الخارجية الهندية دعم الهند للسلام والاستقرار والتنمية في غرب آسيا، مشيرا إلى أن كلا البلدين شريكان استراتيجيان رئيسيان للهند، وأضاف : تواصل الهند دعمها التقليدي للقضية الفلسطينية، نأمل في رؤية استئناف مبكر للمفاوضات المباشرة لإيجاد حل الدولتين المقبول.
 
كوريا الجنوبية
• رحبت كوريا الجنوبية، بمعاهدة السلام الإماراتية الإسرائيلية، واصفة إياها بأنها «فرصة لتحقيق السلام والاستقرار بالمنطقة»، وفقا لما أفاد به المتحدث باسم وزارة الخارجية كيم إن - تشول.
 
اليابان
• رحبت اليابان بالبيان المشترك بين الولايات المتحدة الأمريكية ودولة الإمارات وإسرائيل، واعتبرت وزارة الخارجية اليابانية معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل التي نجم عنها إيقاف خطة الضم الإسرائيلية لأراض فلسطينية، خطوة مهمة لتخفيف التوتر الإقليمي وتعزيز الاستقرار في المنطقة .
 
مصر
• رحب فخامة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بالبيان الثلاثي المشترك.. وقال: تابعت باهتمام وتقدير بالغ البيان الثلاثي المشترك الثلاثي حول الاتفاق على إيقاف ضم إسرائيل للأراضي الفلسطينية واتخاذ خطوات من شأنها إحلال السلام في الشرق الأوسط ..مثمناً جهود القائمين على هذا الاتفاق من أجل تحقيق الازدهار والاستقرار للمنطقة «.
 
سلطنة عمان
• أعربت سلطنة عمان عن تأييدها قرار دولة الإمارات العربية المتحدة بشأن العلاقات مع إسرائيل في إطار الإعلان التاريخي المشترك بينها وبين الولايات المتحدة وإسرائيل . وقالت وزارة الخارجية العمانية في بيانها إن سلطنة عمان تأمل أن يسهم ذلك في تحقيق السلام الشامل والعادل والدائم في الشرق الأوسط وبما يخدم تطلعات شعوب المنطقة في استدامة دعائم الأمن والاستقرار والنهوض بأسباب التقدم والازدهار للجميع.
 
موريتانيا
• أكدت موريتانيا دعمها لدولة الإمارات العربية المتحدة في المواقف التي تتخذها وفق مصالحها الوطنية ومصالح العرب والمسلمين وقضاياها العادلة.
 
ثوابت الامارات ومواقفها تجاه القضية الفلسطينية
• تأسست دولة الامارات على مجموعة من القيم والمبادىء الانسانية الراسخة في وجدان قيادة وشعب الاتحاد، وهو ما ينعكس في شغل دولة الإمارات العربية المتحدة المرتبة الأولى عالمياً، كأكثر الدول المانحة للمساعدات الإنمائية الرسمية مقارنة بدخلها القومي الإجمالي لعام 2013، محققة قفزة تاريخية في مجال منح المساعدات الخارجية الأمر الذي صعد بها من المركز الـ 19 في عام 2012، إلى المركز الأول في عام 2013، حيث بلغ حجم المساعدات الإنمائية الإماراتية أكثر من خمسة مليارات دولار أميركي. وقالت لجنة المساعدات الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن ما قدمته دولة الإمارات خلال عام 2013، يعتبر أكبر نسبة مساعدات إنمائية رسمية تقدمه دولة مقارنة بدخلها القومي الإجمالي وأن مساعدات دولة الإمارات زادت بنسبة 375 بالمائة في عام 2013 عن ما قدمته في عام 2012. ومن المعروف أن دولة الإمارات تضطلع بدور ريادي في ساحات العمل الإنساني والمساعدات التنموية على الصعيدين الإقليمي والدولي، ويحظي هذا الدور بثقة وتقدير الأمم المتحدة ومنظماتها الإنسانية التي اتخذت من دولة الإمارات مركزاً لحشد الدعم والمساندة للقضايا الإنسانية ومحطة رئيسية لقيادة عملياتها الإغاثية عبر العالم في حالات الكوارث والمحن والنزاعات والعنف والحروب للحد من وطأة المعاناة البشرية وصون الكرامة الإنسانية. وبطبيعة الحال يزداد هذا الاهتمام الانساني تركيزاً في حالة الشعب الفلسطيني بحكم روابط الأخوة وصلات القربي، والمسؤوليات القومية للامارات تجاه الأشقاء.
 
موقف الإمارات من القضية الفلسطينية
• لا خلاف على أن موقف دولة الامارات، قيادة وشعباً، تجاه القضية والشعب الفلسطيني منذ تأسيس دولة الاتحاد في الثاني من ديسمبر عام 1971 على يد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ـ طيب الله ثراه ـ ثابتة وراسخة ولم تتبدّل أو تتغير، فالامارات كانت وستبقى دوماً في صدارة الدول العربية الداعمة للشعب الفلسطيني، حيث كان القائد المؤسس يؤمن إيماناً راسخاً بترابط المصالح وحدة المصير وبضرورة وقوف الامارات إلى جانب الشعوب العربية من أجل تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية والتقدم، واضعاً الأساس القوي الذي تمضي عليها الدولة ـ حتى الآن ـ في بناء مواقفها واتجاهاتها وسياساتها حيال الدول والشعوب العربية. ولا تزال دولة الامارات تضع القضية الفلسطينية في صدارة اهتماماتها انطلاقاً من التزامها بواجباتها القومية تجاه أمن ومصالح الأشقاء العرب، وتضطلع الدولة بدورها تجاه هذه المسؤوليات من دون تردد، انطلاقاً من قناعة راسخة بأن أمن الامارات جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي، وقد عبَّر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة -حفظه الله- في كلمته بمناسبة اليوم الوطني الرابع والأربعين، عن هذا المبدأ الثابت، حينما أكد سموه أن «دولة الإمارات العربية المتحدة تؤمن بأن أمنها الوطني جزء من الأمن القومي العربي، وأن بناء موقف عربي قوي للتعامل مع متغيِّرات المنطقة وتحولاتها هو السبيل للحفاظ على المصالح العربية العليا، وتحصين المنطقة ضد التدخلات الخارجية» مشيراً سموه إلى أن هذه القناعة تفسر «حرص الإمارات على التنسيق والتعاون الكاملَين مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والدول العربية الأخرى؛ من أجل تعزيز قدرة العرب على حفظ أمنهم القومي في منطقة تعيش حالة من التحول الكبير، وتعاني مصادر خطر متعددة». ويذكر التاريخ موقف القائد المؤسس خلال حرب السادس من أكتوبر عام 1973، والتي نشبت قبل أقل من عامين من قيام دولة الامارات، حيث تغاضى ـ طيب الله ثراه ـ ما تتطلبه مراحل تأسيس وبناء الدول عادة من تجنب للانخراط في الأزمات والصراعات والحروب وتوفير الحد الأقصى من الاستقرار لتوفير الأجواء الملائمة لمراحل البناء الأولى، واتخذ موقفاً قومياً تاريخياً داعماً للدول العربية في صراعها العسكري مع إسرائيل، قائلاً عبارته التاريخية «النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي»، وفي مناسبات عدة، نستطيع أن نلمس حرص القيادة الرشيدة في دولة الامارات على التمسك بقيم زايد ومبادئه، ومن ذلك تأكيد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة «نحن دعاة سلام وخير ومحبة، لكننا في الوقت ذاته أصحاب عزم وهمة حينما يتعلق الأمر بتهديد أمننا أو أمن أشقائنا». وهي المرتكزات الأساسية التي تنطلق من الرؤية الاستراتيجية الاماراتية وتستمد منها أهدافها، وفي ذلك برهان على أن الحديث عن تحولات جذرية ومفارقة لنهج القائد المؤسس لا يعتد به وليس له أساس في الواقع، فالمسألة تتعلق بتغيرات في الأولويات والمتغيرات ومعطيات البيئة الاستراتيجية ما استلزم إحداث تغيير في الأدوات والتكتيكات الاماراتية لمواجهة تحديات البيئة الأمنية الاقليمية الجديدة التي أصبحت تموذج بالتهديدات والتحديات المتزامنة.
 
فلسطين في قلب أهتمام القيادة الرشيدة 
• ظلت فلسطين الوجهة الأولى للمساعدات التي تقدمها الإمارات على مدار أعوام وعقود عدة، بما يشير بوضوح إلى أن فلسطين كانت وما زالت في قلب اهتمام القيادة الإماراتية منذ زمن المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، واستمر هذا الاهتمام من القيادة الرشيدة لدولة الإمارات برئاسة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، حيث تؤكد التقارير الرسمية الفلسطينية أن دولة الإمارات العربية المتحدة تشغل المرتبة الرابعة بين أكبر 10 دول داعمة مالياً لدولة فلسطين منذ قيام السلطة الفلسطينية عام 1994. واستناداً إلى معطيات المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار «بكدار»، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة قدمت مساعدات بقيمة 2 مليار و104 ملايين دولار أمريكي للشعب الفلسطيني منذ قيام السلطة الفلسطينية. وتتفاوت هذه المساعدات ما بين دعم لميزانية السلطة الفلسطينية ومشاريع بنية تحتية دون أن تشمل هذه المعطيات مئات ملايين الدولارات التي قدمتها الإمارات العربية المتحدة للفلسطينيين من خلال وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) حيث تعد الإمارات من أكبر الجهات المانحة للأونروا، بأكثر من 828.2 مليون دولار أمريكي في الفترة من عام 2013 إلى أبريل 2020 لتمويل مختلف القطاعات في الأراضي الفلسطينية المحتلة. واستناداً إلى معطيات المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار «بكدار» فإن الدول العشر الأكثر تقديماً للمساعدات إلى الفلسطينيين هي: الاتحاد الأوروبي ومؤسساته، والولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وألمانيا، والنرويج، والبنك الدولي، والمملكة المتحدة، واليابان، وفرنسا. وللمفارقة هنا يمكن الاشارة إلى أن بعض الدول التي تحرض الفلسطينيين ضد الامارات، وفي مقدمتها قطر، لم تقدم سوى 756 مليون دولار أمريكي منذ عام 1994 ما يجعل ما قدمته لا يتجاوز ثلث ما قدمته الإمارات العربية المتحدة.
 
شواهد تاريخية 
• هناك شواهد تاريخية تعكس رسوخ موقف دولة الامارات في دعمها للشعب الفلسطيني، ومن ذلك فترات الأزمات العربية، مثلما حدث ابتداء من عام 2011 من تداع وفوضى في النظام الاقليمي العربي، حيث يكشف تقرير لوزارة التنمية والتعاون الدولي بدولة الامارات أن إجمالي المساعدات التي قدمت إلى الأراضي الفلسطينية في عام 2012 بلغت 507 ملايين و18 ألف درهم، بزيادة أربعة أضعاف على عام 2010 وبنسبة بلغت 40%. كما بلغت أعلى قيمة للمساعدات الانسانية الاماراتية عام 2009 حيث قدمت الدولة مساعدات للشعب الفلسطيني بلغت ما يزيد على 965 مليون درهم نتيجة التهالك الشديد الذي أصاب البنى التحتية نتيجة الحرب في قطاع غزة .
وتكفلت الإمارات قبل ذلك بإعادة وأحياء مدن بأكملها دمرتها إسرائيل، فقد أسهمت الإمارات عام 2002 بالتكفل بإعادة أعمار مخيم جنين بأكمله .
 
الدعم السياسي
• سياسياً، وتحديدا فيما يتعلق بالدعم السياسي الاماراتي للقضية الفلسطينية، فالتاريخ خير شاهد على ذلك، قديماً وحديثاً، ولا يمك اغفال الدور الريادي الذي قامت وتقوم به دولة الإمارات في دعم الشعب والقضية الفلسطينية، فتاريخياً، يجب الاشارة إلى أن دولة الإمارات وافقت على افتتاح مكتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في عام 1968، فيما استمر العمل في المكتب حتى العام 1988، حيث سارعت الدولة للاعتراف بالدولة الفلسطينية التي اعلنت في ذلك العام وتم تحويل مكتب منظمة التحرير إلى سفارة لدولة فلسطين، ثم اعتمدت العلاقة وتدرجت إلى تمثيل دبلوماسي كامل، تضمن افتتاح قنصلية عامة لفلسطين في مدينة دبي، بجانب السفارة في أبو ظبي. ويصعب هنا حصر المواقف والمشروعات التنموية التي قدمتها دولة الامارات للفلسطينيين منذ تأسيسها، كما تمسكت الدولة ـ ولاتزال ـ بموقفها الداعم لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، والوقوف المشرف بجانب الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.
 
شهادات
• هناك شهادات موثقة بالمئات لقادة ومسؤولين فلسطينيين حول طبيعة موقف الامارات تجاه الشعب الفلسطيني، ومنها ما قاله القيادي في حركة «فتح»، ديمتري دلياني، من أن ما يميز المساعدات المقدمة من الإمارات العربية المتحدة إلى الشعب الفلسطيني، أنها « صادقة وغير مشروطة سياسيا ونابعة من الإحساس بواجب قومي وفي سياق التضامن والمساندة العربية».  ويضيف دلياني:»لقد كانت الإمارات وما زالت سبّاقة في تقديم المساندة السياسية والاقتصادية والمالية للشعب الفلسطيني في كل المحافل الدولية، وسجلها في هذا المجال حافل وليس بحاجة إلى شهادة من أحد فهو يتحدث عن نفسه بنفسه». ويقول دلياني «الدعم الإماراتي لشقيقه الشعب الفلسطيني هو ليس دعما مشروطا بمواقف سياسية بمعنى أن الامارات العربية المتحدة ليست مثل قطر وتركيا اللتين تضعان الشروط السياسية للمساعدة، وإنما تقدم الدعم بهدف المساعدة الإنسانية مع التأكيد دوما على أولوية القضية الفلسطينية على أجندتها السياسية». ويتابع:» فلسطين بالنسبة للإمارات العربية المتحدة هي قضية القيادة والشعب، وهو ما تم التعبير عنه في أكثر من مناسبة».
 
الإمارات توقف ضم الأراضي الفلسطينية
• فيما يتعلق بمسألة ضم اسرائيل لأجزاء من الأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 1967 تحديداً باعتبار هذا الأمر أحد نقاط الجدل في موضوع الاتفاق الاماراتي الاسرائيلي على اقامة علاقات ثنائية، فإن للإمارات موقفاً واضحاً تجاه هذه المسألة، حيث أكد وزير الدولة للشؤون الخارجية، الدكتور أنور بن محمد قرقاش، اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، في دورة غير عادية - عقد عن بُعْد - لبحث المخططات الإسرائيلية، لضم أجزاء من الأرض الفلسطينية المحتلة في عام 1967، أن دولة الإمارات ترى في ذلك تطوراً خطيراً يعرقل مسار عملية السلام، ويقوّض الجهود الدولية لحل الصراع العربي - الإسرائيلي. واعتبرت دولة الإمارات أن ما تضمنه برنامج تشكيل الحكومة الإسرائيلية من فرض السيادة على مناطق بالضفة الغربية المحتلة أمر غير مقبول، ويخالف القوانين والقرارات الدولية، ويعرقل مسار عملية السلام. وأكدت دولة الإمارات أن «هذه الخطوات من شأنها المساس بالحقوق التاريخية والراسخة للشعب الفلسطيني، والمنصوص عليها في قرار مجلس الأمن رقم 478 لعام 1980»،  محذّرة من تداعياتها «الخطيرة في تقويض فرص السلام، وتغذية وتيرة النزاعات والتطرف والإرهاب في المنطقة». وجدّدت الدولة في هذا الاجتماع موقفها الثابت في دعم المساعي الرامية للتوصل إلى «حل دائم وعادل وشامل لقضيتنا الفلسطينية، مبني على حل الدولتين، وقيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية، ومبادئ مؤتمر مدريد»، وطالبت المجتمع الدولي بالاضطلاع بمسؤولياته، لإنهاء الأنشطة الاستيطانية كافة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ورفض الإجراءات الإسرائيلية المخالفة للقرارات الدولية ذات الصلة. وفي الاجتماع الطارئ للجنة التنفيذية لمنظمة التعاون الاسلامي على مستوى وزراء الخارجية والذي تركز جدول أعماله على بحث المخططات العدوانية الاسرائيلية بضم أجزاء من الأرض الفلسطينية المحتلة في العام 1967، قال قرقاش» إنّه ومن منطلق تأكيد حرص دولة الإمارات العربية المتحدة الدائم على مركزية قضية فلسطين التي أنشئت من أجلها منظمة التعاون الإسلامي، ودعمنا ومساندتنا في الوقوف بجانب الشعب الفلسطيني الشقيق ودعم مطالبه المحقة وذلك في إطار تغليب وتفعيل العمل السياسي الاسلامي المشترك، فإننا نؤكد بأن ما تضمنه برنامج تشكيل الحكومة الإسرائيلية من فرض السيادة على مناطق في الضفة الغربية المحتلة أمر غير مقبول ويخالف القوانين والقرارات الدولية ويعرقل مسار عملية السلام ويقوّض الجهود الدولية لحل القضية الفلسطينية». وشدّد قرقاش على أن هذه الخطوات من شأنها المساس بالحقوق التاريخية والراسخة للشعب الفلسطيني والمنصوص عليها في قرار مجلس الأمن رقم 478 لعام 1980 وعرقلة الوصول إلى حل سياسي دائم وفقاً للقرارات الدولية ذات الصلة. وطالبت كلمة الإمارات منظمة التعاون الإسلامي بـ»رسالة قوية لمواجهة التصعيد الإسرائيلي وتداعياته على القضية الفلسطينية والأمن والاستقرار في المنطقة والذي يقوض جهود إحلال السلام العادل والدائم وتمتع الشعب الفلسطيني بحقوقه الثابتة».
 
قرار الإمارات سيادي
• لم يطرأ أي تغيير يذكر على موقف الامارات بشأن دعم القضية والشعب الفلسطيني عقب الاتفاق على اقامة علاقات مع إسرائيل، بل إن أحد محفرات هذا الاتفاق هو حلحلة الجمود والمياه الراكدة في القضية الفلسطينية، والسعي لشراء الوقت وفتح ثغرة في جدار الجمود القائم من أجل استئناف الحوار الفلسطيني الاسرائيلي بحثاً عن تسوية عادلة للقضية. وقد أكد سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، في الكلمة التي ألقاها عبر تقنية الاتصال المرئي عن بعد، خلال لقاء نظمه في أبوظبي ممثلون للجالية الفلسطينية في الإمارات: «اليوم والإمارات تتخذ قرارها السيادي من أجل السلام والمستقبل أؤكد لكم أنكم في بلدكم الثاني بين أهلكم كما أؤكد أن هذه العلاقة ثابتة وراسخة ولن تتغير». وقال: «سنستمر في دعم القضية الفلسطينية على خطى الدعم التاريخي الذي قدمته الإمارات وهو موقف نابع من قناعة متجذرة لا تغيره أية اعتبارات».. وأضاف:» كما أود أن أطمئن جميع الحاضرين بأن الإمارات ترى أن خيار السلام استراتيجي وضروري للمنطقة وأن هذا الخيار لن يكون على حساب دعمنا التاريخي للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني الشقيق».
 
أبعاد الاتفاق التاريخي وأهدافه (رؤية تحليلية)
• يجمع الخبراء والمراقبون على أن بدء علاقات مباشرة بين اثنين من أكبر القوى الاقتصادية في الشرق الأوسط، من شأنه أن يؤدي إلى النهوض بالمنطقة من خلال تحفيز النمو الاقتصادي، وتعزيز الابتكار التكنولوجي، وتوثيق العلاقات بين الشعوب، وقد تابع الجميع حرص الامارات واسرائيل الفوري على التعاون وتسريعه فيما يتعلق بمعالجة وتطوير لقاح لفيروس كورونا المستجد. ومن خلال العمل معاً، وستساعد هذه الجهود في إنقاذ حياة الجميع بصرف النظر عن ديانتهم في جميع أنحاء المنطقة. 
 
• يشير أي تحليل موضوعي بعيد عن التشنج السياسي إلى أنه ليس من المنطقي أن يواجه الاتفاق على اقامة علاقات ثنائية بين دولة الامارات واسرائيل بردود فعل سلبية من جانب القادة والمسؤولين الفلسطينيين لأسباب واعتبارات عدة أولها أن الامارات لم تنصب نفسها متحدثاً باسم الجانب الفلسطيني في هذا الاتفاق، بل حرصت على توضيح هدفها الخاص بشراء الوقت وتحريك الجمود الذي يخيم على عملية السلام التي تحولت فعلياً إلى حالة وفاة اكلينيكية بفعل انقطاع قنوات الاتصال تماماً بين الأطراف المعنية بالعملية، ولاسيما على الصعيد الفلسطيني ـ الأمريكي، وثانيها أن الجانب الفلسطيني نفسه يرتبط باتفاق سلام مع إسرائيل منذ عام 1993 (اتفاق اوسلو) والذي اعقب سلسلة من اللقاءات في «واي بلانتيشن» (1998) و»كامب ديفيد» (يوليو2000) كما ان مقترح حل الدولتين الذي ظهر للنور في عام 2001 في عهد الرئيس جورج بوش الابن لم يقق أي اختراق يذكر للقضية،  كما لم تفلح الجهود الدولية والعربية في الضغط على اسرائيل من أجل التوصل إلى تسوية عادلة بناء على مبدأ الأرض مقابل السلام الذي أقره مؤتمر القمة العربية في بيروت عام 2002، كما اخفق الجانب الفلسطيني في انتزاع أي تنازلات من رؤساء الوزراء ووزراء الخارجية الاسرائيليين، الذين تعاقبوا على الحكم في تلك الفترة الطويلة، ومنهم اسحق شامير ورابين وشمعون بيريز وارييل شارون وايهود باراك وايهود اولمرت ثم نتيناهو، بل إن الأمور تتدهور سريعاً منذ الاعلان الاسرائيلي عن «ضم القدس الشرقية لتصبح مع القدس الغربية عاصمة موحدة»، ثم انهاء عمل وكالة «أونرا» بكل ما يعنيه من أبعاد وتفسيرات سياسية ليست في صالح القضية والشعب الفلسطيني،  ثم اخيراً قرار اسرائيل ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبالتالي ليس هناك وضع سياسي أسوأ مما تشهده القضية الفلسطينية في الوقت والظروف الراهنة، ولو اضفنا إلى ذلك المعطيات المرتبطة بتدهور النظام الجماعي العربي منذ عام 2011، والفوضى التي انتهت إلى مشهد عربي غير مسبوق تاريخياً من ناحية التشرذم والانقسام والارتباك والانكفاء على الداخل لمعالجة الأزمات المستعصية، كل ذلك يجعل رهان الامارات على فتح ثغرة والتفكير خارج صندوق البدائل التقليدية المتداولة منذ عشرات السنين مسألة منطقية تتماهى مع ديناميكية التفكير الاستراتيجي الاماراتي القائم على المبادرة والامساك بزمام المبادرة والسعى إلى حلول غير تقليدية.
 
• يجب أن يعترف الجميع بأن القضية الفلسطينية قد عانت أسوأ ظروفها ومراحلها في السنوات الأخيرة للأسباب سالفة الذكر، والأهم منها حالة الانقسام والصراعات الفلسطينية ـ الفلسطينية التي لم تفلح أي جهود عربية أو غير عربية في جسرها، ولا يجب أن ينسى أحد أن بعض هؤلاء القادة أنفسهم أن قد وقعوا على اتفاق اوسلو الذي يتضمن بنوداً مهمة منها اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بدولة اسرائيل علي 78٪ من اراضي فلسطين ، اي كل فلسطين ما عدا الضفة الغربية وغزة.
 
• عندما تقول الامارات على أنها قرار اقامة علاقات مع اسرائيل هو بالأساس حق سيادي، فهي تعني ما تقول؛ ففي القانون الدولي هناك ما يعرف بالحقوق الأساسية للدول، وجميع الدول تتمتع بهذه الحقوق باعتبارها لصيقة بوجودها وأساساً من أسسه، وهذه الحقوق هي التي توفر للدول مقومات «الشخصية الدولية»، وبالتالي فهي غير قابلة للالغاء ولا يمكن التنازل عنها، ومن أبرز هذه الحقوق «حق السيادة»، الذي يعني سلطة الدولة على اقليمها بما فيه من أرض وشعب وموارد، والحفاظ على السيادة حق مطلق للدول تنظمه القوانين والمواثيق والأعراف الدولية وميثاق الأمم المتحدة، وللدول مطلق الحرية في ممارسة حق السيادة ما لم تسىء أو تضر بالحقوق السيادية للدول الأخرى، وأن تكون ممارسة حقوق السيادة انطلاقاً وارتباطاً بنصوص القانون الدولي وقواعده وبما تنص عليه تعهدات الدول والتزاماتها الواردة في المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي توقع عليها. وبالتالي وفي ضوء ماسبق فإن أي رفض لقرار دولة الامارات أو اعتباره مساساً بحقوق الشعب الفلسطيني هو خلط للأوراق وخداع للذات،  لأن الامارات في هذا الشأن تمارس حقاً من حقوقها السيادية، كما سبق أن فعلت السلطة الفلسطينية ذاتها، وكذلك دول عربية تعد من دول المواجهة الرئيسية مع اسرائيل وأكثر ارتباطاً بالقضية والصراع الفلسطيني الاسرائيلي من المنظور الاستراتيجي، مثل جمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية، وبالتالي فليس هناك أمر طارىء أو خرق أو تجاوز لواقع عربي قائم بالفعل.
 
التهديدات التي تواجه المنطقة
• هناك نقطة استراتيجية يجب أن يعترف بها الجميع، وهي أن التهديدات التي تواجه الدول والشعوب العربية، بما فيها الشعب الفلسطيني لم تعد تقتصر على اسرائيل، بل إن هناك أطرافاً اقليمية غير عربية تمتلك مشروعات توسعية لها تداعيات أكثر خطورة على أمن ومصالح الشعوب العربية، فإيران التي تباهت من قبل باحتلال أربع عواصم عربية وفي الطريق لاحتلال العاصمة الخامسة، وتركيا التي تدخلت عسكرياً بشكل فج في سوريا وليبيا والعراق، لم تعد أطاعهم خافية على أحد، وبالتالي هناك واقع جيواستراتيجي جديد منذ عام 2011، يتطلب نمط تفكير مختلف وبدائل وحلول غير تلك التي سبق تجربتها وفشلها، من أجل مواجهة هذه التهديدات والتصدي للأخطار الجديدة عبر إعادة بناء علاقات الدول العربية مع جوارها الاقليمي وفقاً لمستويات الخطر والتهديد، وبناء على المعطيات الاستراتيجية القائمة والمصالح المشتركة وليس بناء على الشعارات الأيديولوجية، حيث أصبح نظام عربي كالنظام القطري يمثل خطراً وتهديداً على الأمن الوطني لدول مجلس التعاون بدرجة تفوق مصادر تهديد أخرى اعتادها الكثيرون. والأمر في هذا الشأن لا يتعلق بتحالفات عسكرية جديدة أو غير ذلك بل يتعلق ببناء شراكات استراتيجية واقتصادية وتنموية مع دول لها قواسم مشتركة في بناء مستقبل أفضل لشعوبها بدلاً من هدر الأموال في تمويل تنظيمات الارهاب والسعي لتحقيق الأطماع واستعادة مخططات استعمارية من أدراج التاريخ.
 
• أثبتت تجربة السنوات والعقود الماضية أن القطيعة والجمود و»النضال الكلامي» لن يجلب السلام ولن يعود سوى بمزيد من المعاناة على الشعب الفلسطيني، بفعل ازدياد وتنامي أجواء الشك والريبة وعدم الثقة بين الأطراف المختلفة، ومواصلة هدر الوقت وبالتالي ضياع المزيد من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وتآكلها بمرور الوقت .
 
• غير صحيح بالمرة ادعاءات بعض ادعياء المقاومة والنضال في المنطقة بأن الاتفاق الاماراتي الاسرائيلي له طبيعي عسكرية ويستهدف اطرافاً بعينها، فالحديث واضح عن بدء العلاقات المباشرة مع الجانب الإسرائيلي بتعزيز التعاون بين البلدين في مجالات التعليم والابتكار والصحة والطيران والزراعة والطاقة والعديد من المجالات الأخرى، التي ستخدم بلا شك مصالح البلدين، وتعود بالنفع على المنطقة كلها، لأن التنمية والازدهار لن يتحققا إلا من خلال السلام والتعاون بين دول المنطقة وشعوبها كافة.
 
• تحتاج منطقة الشرق الأوسط إلى بناء سلام حقيقي ودائم في المنطقة، سلام يرتكز على التعاون والتعايش السلمي والتسامح ويفتح آفاقاً للتنمية والأمن والاستقرار لجميع دول المنطقة، وذلك لن يتحقق سوى بالاستثمار في التنمية والأمن والاستقرار 
 
• وتوفير فرص للشباب من خلال تطوير قطاعات متنوعة في المنطقة، منها التعليم والتكنولوجيا والطاقة والبيئة والثقافة والسياحة وغيرها.
 
• يزعم البعض من العرب والفلسطينيين ومناصريهم وداعميهم من الأتراك والايرانيين أن الامارات تكسر المحرمات باقامة علاقات ثنائية مع إسرائيل ويتناسون أن هناك معاهدات واتفاقات سلام سابقة بين دول عربية واسرائيل قائمة منذ عشرات السنين؟ وأن بعض هذه الأطراف لهم علاقات شراكة وتحالف استراتيجي مع اسرائيل مثل تركيا، التي كانت أول دولة اسلامية تقيم علاقات مع اسرائيل!! ويجادل هؤلاء في أن قرار وقف ضم الأراضي الفلسطينية من جانب اسرائيل هو قرار مؤقت وليس نهائي، وحتى لو كان الأمر كذلك، أليس  كف يد  اسرائيل عن ابتلاع بقية الأراضي الفلسطينية قسراً، ولو بشكل مؤقت كما يقولون، يمثل خطوة ايجابية، لأن هذا الوقف يفترض أن يمنح الطرف الفلسطيني فرصة لا لتقاط الأنفاس والبحث عن مخرج للحل بدلاً من وضع المتاريس واغلاق جميع النوافذ وغير ذلك من ردود الأفعال الانسحابية التي اختبرتها القضية سنوات طويلة ولم تحقق شيئاً سوى المزيد من الخيبات والاخفاقات!
 
• الامارات تعرف جيداً حدود مسؤولياتها القومية وما يتطلبه دورها الخليجي والعربي، وبيانات الامارات الرسمية وتصريحات مسؤوليها واضحة كل الوضوح، وحين تمارس شؤون سيادتها على شأن من شؤونها الخارجية وتدير علاقاتها مع الدول وفق ما تراه ملائماً لمصالحها الاستراتيجية ويمكن أن تتوافر فيه فرصاً ايجابية لآخرين، فلا تتردد في أن تقدم على هكذا خطوة حتى لو كانت على غير هوى البعض، ولذا فقد أعلنت بكل شفافية منذ اللحظة الأولى أن الاتفاق كان مطلوباً لانقاذ حل الدولتين الذي كان ميتاً أكلينيكياً بفعل قرار اسرائيل ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبالتالي لم يكن هناك مخرجاً فعلياً بعد إغلاق كافة الأبواب سوى تحرك يخترق الجمود ويلقي بحجر في المياه الراكدة. لذا اتخذت الامارات قرارها وطالبت الفلسطينيين بالاستفادة من فرصة برزت إثر إزالة قضية الضم من على الطاولة ولو بشكل مؤقت، و»شراء الوقت» الذي «لن يستمر طويلاً» كما قالها د. أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية، فالأمور إذن واضحة لا لبس فيها ولا خداع للذات ولا للآخرين.
 
• لاشك أن الاعلان عن توقيع اتفاق سلام بين مملكة البحرين واسرائيل بعد أقل من شهر من الاعلان عن اتفاق السلام بين الامارات واسرائيل يؤكد صواب وشجاعة القرار الاماراتي، الذي يعكس رؤية استراتيجية واضحة تدركها الأطراف الخليجية والعربية، التي باتت تقتنع بضرورة البحث عن مسار بديل وطريق ثالث للتسوية النهائية للقضية الفلسطينية وإدارة العلاقات مع اسرائيل بشكل بعيد عن النمط الصراعي الذي فشل في تحقيق أهدافه طيلة العقود والسنوات الماضية، ولم يورث سوى الكراهية والحقد ولم يعد يخدم سوى تنظيمات الارهاب والتطرف التي تقوم بتوظيف القضية لمصلحتها.
 
رؤية ختامية
قرار دولة الامارات اقامة علاقات مع اسرائيل هو قرار سيادي بالدرجة الأولى ولكنه يصب في مصلحة الجانب الفلسطيني الذي يٌعرض عن قراءة أهداف وأبعاد وظروف القرار ولا يسعى للاستفادة من دور الامارات ومكانتها في حلحلة الموقف الاسرائيلي من أجل تحقيق مصالح الشعب الفلسطيني، ولعل مؤتمر الفصائل الفلسطينية الذي عقد مؤخراً يؤكد استمرار معضلة الشعارات التي تحكم النخب الفلسطينية؛ واجتماع عباس وهنية وتوافقهمها في هذا المؤتمر هو المثال الحقيقي على الخروج على الاجماع الرسمي بأن السلام خيار استراتيجي عربي، وليثبت أن الانقياد لأعداء العرب والمتآمرين عليهم في هذه المرحلة التاريخية الحساسة، هو العوار الاستراتيجي الكارثي الذي تتحمل القضية والشعب الفلسطيني عواقبه.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-02-26 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره