مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2013-11-01

الأمن الوطني..المفهوم والأبعاد والمرتكزات

بقدر ما تنطوي التطورات المعاصرة في القرن الحادي والعشرين على فرص اقتصادية وسياسية وعلمية وتكنولوجية واعدة، فإنها تشتمل أيضاً على عوامل تهديد عدة للأمن القومي للدول كافة، بل قد يكون من باب المفارقة أنه كلما ازداد تقدم الدول وتطورها تنموياً في المجالات كافة ازدادت بالتبعية المهددات والتحديات الأمنية.
وفي هذا الإطار، تواجه الدوائر والأوساط السياسية الرسمية المسؤولة عن حماية مصالح الدولة بيئة استراتيجية شديدة التعقيد والخطورة، وأكثر غموضاً وتبايناً عن الظروف السابقة. 
 
إعداد: التحرير
 
في هذا العدد، تسعى «درع الوطن» إلى فتح ملف الأمن الوطني للتعرف على هذا المفهوم وأبعاده ومرتكزاته والعوامل المؤثرة فيه، والتطورات التي طرأت على هذا الموضوع الحيوي في ظل التحولات التكنولوجية المتسارعة التي تركت بصماتها على مختلف المجالات، بما في ذلك الأمن الوطني للدول كافة.
 
لقد أكد الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية «أن اللحمة الفريدة القائمة بين الشعب الإماراتي وقيادته الحكيمة تعد الركيزة الكبرى لكل ما نلمسه في واقعنا اليوم من تقدم ورفاه وأمن واستقرار عز نظيره». جاء ذلك في محاضرة ألقاها سموه في نهاية سبتمبر الماضي حول الأمن الوطني في كلية الدفاع الوطني بأبوظبي. وأشار سموه إلى أن مسؤولية الأمن وتحققه على نحو شامل ودائم في ربوع الوطن لا تقتصر على المؤسسات العسكرية والشرطية حصراً، بل إن جميع القطاعات المدنية والخاصة معنية بهذا الأمر، لافتاً إلى أهمية التنسيق الدائم والفعال بين مختلف تلك المكونات لتحقيق المنجز العام. وأعرب سموه عن ثقته بأن هذه الكلية (كلية الدفاع الوطني)، والتي يترأس مجلسها  الأعلى الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ستصبح حتماً رافداً جديداً من روافد الاستقرار والأمن والرخاء التي تشهدها البلاد بفضل القيادة الحكيمة لحضرة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، إلى جانب أخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله. وقال سموه: «يسرني أن أرى اليوم إحدى الثمرات التي غرستها أيادي القائد في أرض الوطن من خلال رؤيتي لهذا الصرح الأكاديمي المتميز وهو يشع نشاطاً لتقديم المهارة والمعرفة الحديثة لنخبة من أبناء الوطن ومن شتى القطاعات والجهات، فيعمل على تأهيلهم وصقلهم ليكونوا في طليعة صفوف حماة الوطن القادرين على تحديد تحديات الأمن الوطني وتقييمها، والغيورين على عزته ومجده، والساهرين على أمنه ورخاء شعبه، والمدافعين عن طهارة أرضه وإشراقة رايته زاهية في سمائه وبحره». وقدم سموه مدخلاً تاريخياً استقصى فيه أبرز التطورات والمراحل التي مر بها مفهوم الأمن الوطني متوقفاً بالدراسة والتحليل عند أهم الآراء التي قالها الخبراء والمختصون بهذا المفهوم، كما تطرق إلى الأحداث العالمية الكبرى التي أثرت وتأثرت به سلبياً وإيجابياً. وتناول سموه جملة من المحاور والموضوعات المتعلقة بمفهوم الأمن الوطني كأهميته وركائزه وأبعاده الاستراتيجية، ومدى الإدراك المجتمعي لطبيعته، وسبل تعزيز قيم الولاء والانتماء إلى الوطن، والمحافظة على منجزاته ومكتسباته ومصالحه العليا، وذلك عبر استقراء سموه لعمومية المشهد المحلي وأبرز التحديات والآمال التي تشغل القائمين على هذا الشأن، بما يضمن لشعب الإمارات مستقبلاً زاهراً، ينعمون فيه بمزيد من التقدم والرفاه. وقد سلطت هذه المحاضرة المهمة الضوء على العديد من القضايا ذات الصلة بالأمن الوطني بشكل عام، والأمن الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة على وجه التحديد.
وفي هذا الملف نناقش هذا الموضوع الحيوي من مختلف جوانبه وأبعاده ومرتكزاته.
 
مفهوم الأمن الوطني
الأمن في إطاره اللغوي هو نقيض الخوف، حيث يقال: أَمِنَ بمعنى سَلِمَ، وأَمِنَ البلد يعني اطمأن به أهله، يقول سبحانه وتعالى: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) (سورة النمل: الآية 89). ولقد كان الأمن هو هاجس الإنسان منذ فجر التاريخ، بل إن علماء النفس يعتبرونه ضرورة من ضرورات الحياة ومتطلباتها، شأنه شأن الطعام والشراب وغير ذلك من الاحتياجات الأساسية. وبتقدم الحضارة، أصبح أمن المجتمع والدولة هو أساس أمن المواطن. وتقدم الأمن الجماعي (أمن الوطن) على الأمن الذاتي (أمن الفرد). وبتعدد احتياجات المواطن ومطالبه، وشعوره بالقهر عند حرمانه منها، ظهرت أهمية تأمين الدولة لتلك المطالب والاحتياجات، لينعم المجتمع بالأمن في الوطن. ويكمل مصطلح «الأمن»، مصطلح «الوطني»، وهي صفة للأمن، حتى يتحدد بالشكل المطلوب التطرق إليه. وبذلك، يكون مفهوم «الأمن الوطني» لغوياً: سلامة المكان، أي إنه المكان الذي يستقر فيه جمع من الناس، في سلام من دون خوف. وبهذا الفكر البسيط، يصبح مفهوم الأمن الوطني هو: «كل ما يبعد الأخطار عن مكان العيش وسبله». ويصبح تحديد هذه الأخطار وما يتأثر بها، هو المعضلة التي يجب البحث والدراسة فيها، لتحقيق السّلامة والأمن.
 
وتعرف دائرة معارف العلوم الاجتماعية «الأمن الوطني» بأنه «مقدرة الدولة على حماية قيمها الداخلية من التهديدات الخارجية». وهناك اتجاه آخر لتعريف الأمن، حيث يعرف لورنس كروز، وجوزيف ناي الأمن بأنه «غياب التهديد بالحرمان الشديد من الرفاهية الاقتصادية». غير أن الاتجاه الأهم الذي يربط الأمن بالاقتصاد هو تعريف روبرت ماكنمارا الذي يقول: «إن الأمن هو التنمية، ومن دون التنمية لا يمكن أن يكون هناك أمن». ويرتبط بهذه التعريفات أبعاد الأمن القومي، التي تمثل بدورها مجموعة العناصر التي يؤدي وجودها أو غيابها إلى استقرار الأمن القومي للدول أو تدنّيه، وهو ما يرتبط أصلاً بوجودها وقدرتها على حماية الشعب ضد أي اعتداءات داخلية أو خارجية، ويضمن سلامة الدولة ضد المعتدين الخارجيين أو من الداخل، ومنها البعد العسكري، والسياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، الجيوبوليتيكي، الديموغرافي.
 
العامل المهم في الأمن الوطني
ثمة عوامل وأبعاد عدة تؤثر في الأمن الوطني، وأهمها البعد الاقتصادي، حيث العلاقة قوية بين الاقتصاد والأمن الوطني، ويتضح هذا من اتجاه تعريف بعض المفكرين والأدباء وربط التنمية بالأمن، ومدى أهمية تأثير التنمية وحفاظها على الأمن، وأيضاً من كون قوة الاقتصاد الوطني أحد الثوابت لدعم الأمن الوطني واستقراره في الدولة. وتتمثل العلاقة غير المباشرة بين الاقتصاد والأمن الوطني في تأثير البعد الاقتصادي على باقي أبعاد الأمن القومي، الأمر الذي يؤثر بدوره في الأمن الوطني للدول. فعلى سبيل المثال يتأثر البعد العسكري بمدى قوة الاقتصاد الوطني، الذي يؤثر بدوره في حجم الإنفاق على هذا القطاع في أي دولة. وإذا نظرنا إلى البعد السياسي فإن الاقتصاد عامل مهم في الحفاظ على النظام السياسي، كما أن الرفاهية والازدهار الاقتصادي من عوامل ثبات الدولة واستقرارها، إضافة إلى أن السياسة الخارجية للدولة ودورها الخارجي يقومان بشكل كبير على اقتصادها. وأما عن علاقة الاقتصاد بالبعد الاجتماعي فإن التعليم وجودته مرتبطان بالعنصر الاقتصادي، وهما من عناصر البعد الاجتماعي التي تؤثر في الأمن الوطني بشكل غير مباشر. وبالطبع هناك أيضاً تأثير البعد الاقتصادي في باقي الأبعاد الأخرى مثل البعد الثقافي، والجغرافي، والديموغرافي.
 
مصادر تهديد الأمن الوطني
هناك مصادر تهديد عديدة للأمن الوطني لأي دولة، منها ما هو داخلي، ومنها ما هو خارجي، وهناك أيضاً تهديدات داخلية للأمن الوطني ترتبط بعوامل خارجية، مما يستدعى تدخل الدولة في دول أخرى لحماية أمنها الوطني، ما يعني أن مفهوم الأمن الوطني لدولة ما أصبح يمتد ليشمل الأمن القومي لدول أخرى، مثلما يحدث حينما تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال أمن بعض الدول واستقرارها جزءاً من أمنها القومي. وفي العقود السابقة كان مفهوم الأمن الوطني يشير تقليدياً إلى الأحداث العسكرية والتوازنات الاستراتيجية وصراعات القوى على الصعيدين الإقليمي والدولي، ولكنه بات يشمل ما يعرف بالتهديدات الجديدة أو التهديدات غير التقليدية، حتى أصبحت العلاقة بين الإنسان والطبيعة تندرج ضمن هذا المفهوم. وعلى سبيل المثال نجد أن زحف الصحراء على بعض مناطق الدول النامية يشكل خطراً كبيراً على أمنها القومي على نحو أعظم من الخطر الذي يشكله الغزو العسكري لأرضها. أما بالنسبة إلى الدول الصناعية المتقدمة فإن نضوب مصادر الطاقة وعدم تأمين مصادر كافية تواكب الاحتياجات المستقبلية من الطاقة اللازمة لهذه الدول يعد مصدر تهديد ذا أولوية قصوى لأمنها القومي. كما تشتمل هذه التهديدات الجديدة على الضغط البشري المتزايد على الموارد الطبيعية، ما يفرز إشكاليات صعبة مثل نقص الغذاء ونضوب مصادر الطاقة والاحتباس الحراري. وكل هذه التهديدات تترجم بدورها إلى ضغوط اقتصادية على المجتمعات البشريـــة مثل التضخم والبطالة ونقص رأس المال، الأمر الذي يؤدي بالتبعية إلى قلق واضطرابات اجتماعية يعقبها توتر سياسـي وعدم استقرار عسكري. وفي مواجهة مثل هذه التهديدات فإن الخيارات العسكرية لا تستطيع أن تحل بمفردها هذه الأزمات الاجتماعية والسياسية، فلا تستطيع على سبيل المثال أن تعمل على حل إشكاليات أزمات نقص الغذاء الحاد والوقود، أو الحد من تزايد أزمة البطالة.
 
التطور التاريخي للمفهوم
تجدر الإشارة إلى أن مفهوم الأمن القومي National Security قد ظهر تاريخياً نتيجة لقيام الدولة القومية في القرن السادس عشر الميلادي، وتحديداً عقب توقيع معاهدة وستفاليا عام 1648، وتلته مصطلحات أخرى مثل سيادة الدولة والمصلحة القومية والإرادة الوطنية. وأول تعريف حديث للأمن القومي كان مرتكزاً على مقدرة الدولة على حماية أراضيها وقيمها الأساسية والجوهرية من التهديدات الخارجية، ولاسيما العسكرية منها، باعتبار أن تأمين أراضي الدولة ضد العدوان الأجنبي وحماية مواطنيها ضد محاولات إيقاع الضرر بهم وبممتلكاتهم ومعتقداتهم وقيمهم يندرجان ضمن مفهوم الأمن القومي. ومع تطور مفهوم الدولة وما تتمتع به من مقدرات وموارد اتسع مفهوم الأمن القومي ليشمل جميع القدرات الشاملة للدولة والمؤثرة في حماية قيمها ومصالحها من التهديدات الخارجية والداخلية، ومنها القدرات العسكرية والصناعية والاقتصادية والأمنية والثقافية والتعليمية وقوتها البشرية.
 
ويرتبط ظهور مفهوم الأمن القومي بمعاهدة وستفاليا منتصف القرن السابع عشر كما ذكرنا آنفاً، أي بداية عصر التفكير العقلاني والنهضة الحضارية الحديثة في أوروبا. ويعتبر هذا المصطلح من المصطلحات السياسية التي لم يكتمل معناها وعناصرها بعدُ، وهو لم يتوقف عن التطور، سواء على مستوى التعريف المفاهيمي أو الممارسة التطبيقية، فما زالت الدراسات تضيف إلى مفهوم الأمن القومي عناصر وأبعاداً ومتغيرات جديدة تطرأ بمرور السنوات والتجارب الواقعية للدول. ولاشك أن الظروف تلعب دوراً كبيراً في هذا التطور، وخصوصاً إذا ما نظرنا إلى عامل التوقيت الذي برز فيه مفهوم الأمن القومي في أوروبا في الفترة السابقة على الثورة الفرنسية وبعدها، بما اشتملت عليه من تمزق للمناطق الأوروبية، والحروب الكثيرة، التي خاضتها القارة في نهاية عصورها الوسطى وبداية عصرها الحديث، فقد كان ذلك كله سبباً في إعلاء شأن الجانب الأمني أو طغيانه على مفهوم الأمن القومي.
 
واستُخدم مصطلح الأمن الوطني بشكل رسمي، في نهاية الحرب العالمية الثانية، وتحديداً عام 1947،حيث ظهر تيار من الأدبيات يبحث في كيفية تحقيق الأمن وتلافي الحرب، وكان من نتائجه بروز نظريات الردع والتوازن، ثم أنشئ مجلس الأمن القومي الأمريكي عام 1974م، ومنذ ذلك التاريخ انتشر استخدام مفهوم «الأمن» بمستوياته المختلفة طبقاً لطبيعة الظروف المحلية والإقليمية والدولية. وقد وضع ذلك الاهتمام بالمسائل الأمنية، الخطوة الأولى لاهتمام السياسيين من صانعي القرار السياسي بالأمن الوطني، باعتباره ظاهرة سياسية تحليلية، يتحقق من خلالها، ما يسعون إليه، أي يفسرون من خلالها، تلك الأعمال التي يرون ضرورة القيام بها، وإن كانت غير عادلة.
 
وقد ارتبط مفهوم الأمن القومي خلال الفترة من الحرب العالمية الثانية حتى انهيار الاتحاد السوفيتي السابق بالصراعات الأيديولوجية بين القطبين العالميين المسيطرين في تلك الحقبة، وهما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق، وارتبط بذلك مفهوم الأمن القومي، وخضع لتلك الصراعات التي حددت أطر هذا المفهوم وممارساته وأبعاده ومرتكزاته خلال تلك الحقبة في ضوء نتائج الصراعات الدائرة خلالها سواء على الصعد الإقليمية أو الدولية. واعتباراً من نهاية الثمانينيات، وعلى إثر انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، ثم انهيار الكتلـة السياسية المؤيدة له التي كانت تعرف بالكتلة الشرقية، وتفكك حلف وارسو، الذي كان يضم دول أوروبا الشرقية، بدأت حقبه جديدة سادها نظام عالمي جديد، وشعور بالفوضى العالمية، والقطبية المنفردة للولايات المتحدة الأمريكية.
 
وقد بدأت الأطراف المختلفة، في دراسة مبادئ جديدة للأمن القومي وتطبيقها، من خلال مصالحها الذاتية، فاتجهت القوى الكبرى إلى التنظيمات الدولية إلى إضفاء قوه وفاعلية لدورها في النظام العالمي الجديد، بينما تحاول القوى الإقليمية اختبار مدى صلابة هذا النظام، وتتلمس حدود دورها ومقدرتها على الاستفادة مما يوفره من إمكانيات وهامش مناورة سياسي واقتصادي واجتماعي وعسكري.
 
أبعاد الأمن القومي
البعد العسكري
وهو أكثر أبعاد الأمن القومي فاعلية ووضوحاً، كما أنه البعد الذي لا يسمح بضعفه أبداً؛ لأنه يؤدي إلى انهيار الدولة وتعرضها لأخطارٍ وتهديدات عنيفة قد تصل إلى حد وقوعها تحت الاحتلال الأجنبي، أو إلغائها تماماً وضمها إلى دولة أخرى، أو تقسيمها إلى دويلات صغيرة، أو اقتسامها مع الآخرين، ويرتبط هذا البعد بباقي أبعاد الأمن القومي ارتباطاً وثيقاً؛ لأن ضعف أي من الأبعاد الأخرى يؤثر في القوة العسكرية ويضعفها، بينما قوة هذه الأبعاد تزيد من القوة العسكرية للدولة التي هي جوهر أمنها الوطني. ومن ناحية أخرى يتصف الميزان العسكري لأي دولة بالنسبية، فمكانة أي دولة ونفوذها يتغيران تبعاً لتغير موقعها في ذلك الميزان والمؤسسة العسكرية التي تملك القدرة والقوة التي يعتد بها.
البعد السياسي
يركز على السياسة الداخلية والخارجية والمؤسسات السياسية، فالسياسة الداخلية هي المتعلقة بالنظام السياسي وشكل نظام الحكم، وفي هذا الصدد فإن الرضا لدى الجماهير يؤدي إلى تحقيق درجة من التماسك والتعاون الداخلي مما يعزز الأمن القومي. أما البعد الخاص بالسياسة الخارجية فهو يركز على الجهد الدبلوماسي للدولة وإمكانياته وأسلوب استخدام الدولة لمصادر قوتها، والمنظمات الدولية، والرأي العام، وسياسات الدول الأخرى ذات المصالح الحيوية في المنطقة، ثم تأثير ذلك في قدرة الدولة على توضيح أهدافها للمجتمع الدولي. وهناك أيضاً المؤسسات السياسية التي تركز بدورها على اتجاهات القيادة السياسية وخبراتها، ومدى قدرتها على التأثير في الجماهير والتنظيمات السياسية، ودور وسائل الإعلام في شرح أهداف الحكومة، ثم تأثير ذلك في مدى قدرة الدولة على حشد الجماهير خلف سياستها.
 
البعد الاقتصادي
ويقصد به التنمية وتحقيق الرفاهية، ويعتبر هذا البعد أن التنمية والأمن وجهان لعملة واحدة. وأن تأمين الموارد الاقتصادية الحيوية التي تحقق مستوى مناسباً من الاكتفاء لتجنب إمكانية الضغط عليها من الخارج. كما يعتبر أن الموارد القومية التي تخصص لتحقيق الأمن القومي لا تعد خسارة، حيث إن العائد الذي يعود على الدولة نتيجة لتحقيق أمنها هو عائد مجزٍ.
 
البعد الجيوبوليتكي الاستراتيجي
فالطبيعة الجيوبوليتكية للدولة ذات أهمية قصوى بالنسبة إلى سياسات الأمن القومي، حيث إن العوامل الجغرافية تضيف إلى قوة الدولة ومركزها في النظام الدولي، ويتمثل تأثير هذا البعد في حجم وشكل الدولة الجغرافي، حيث يتم التعرف على حجم الدولة وشكلها، والعلاقة بين الحجم والشكل والعمق ومدى تأثيرها في تنظيم الدفاع عن العمق، والتماسك السياسي والاقتصادي والنقل والمواصلات. كما يرتبط هذا البعد أيضاً بالتضاريس من حيث مدى وجود موانع طبيعية، وحماية طبيعية في مناطق الحدود والمناطق الحيوية. وإلى جانب ما سبق، هناك أيضاً الموقع النسبي للدولة ومدى علاقتها بالدول المجاورة ومنافذها البحرية والبرية وتأثير ذلك في التجارة والنقل، وأهمية موقع الدولة بالنسبة إلى الدول ذات المصالح الحيوية في المنطقة.
 
البعد الديمغرافي
يعد من الأبعاد المهمة، حيث إن تكوين وكثافة السكان وطبيعة موجات الهجرة تؤثر في الأمن الوطني، فالعوامل الاجتماعية الإيجابية تؤثر تأثيراً إيجابياً، وتجعل الدولة قادرة على مواجهة أي تهديدات داخلية وخارجية تمس الأمن الوطني. وأهم مؤشرات هذا البعد السكان من حيث العدد والنوع ومعدل النمو وتوزيع السكان الجغرافي والكثافة السكانية، وكلها عوامل تؤثر مباشرة في التنمية الاقتصادية والدفاع عن حدود الدولة، أي القوة العسكرية المتاحة للدولة. كما يرتبط بهذا البعد أيضاً مدى اندماج المجتمع وتماسكه وطبيعة الصراعات داخله وطبيعة تكونيه العرقي والمذهبي ومدى التوافق أو التنافر داخل هذا التكوين السكاني.
البعد المعلوماتي
تعد المعلومات واحدة من أبرز محددات توزيع القوى في العلاقات الدولية في السنوات الأخيرة، ونظراً إلى أهمية المعلومات المتعلقة بالأمن الوطني للدولة وسلامتها اعتادت الدول استبعاد مجموعة منها من نطاق المعاملات غير المباشرة، سواء داخل الدولة أو خارجها، وتفرض عليها نطاقاً من السرية والكتمان، وهذه المعلومات ذات الصبغة السرية هي: المعلومات العسكرية، وبعض المعلومات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والصناعية.
 
متطلبات الأمن الوطني
يتطلب الأمن القومي تمتين العلاقة وأواصر الثقة بين المواطن من جهة ومصالح الشرطة ومؤسسات القضاء من جهة أخرى. هنا تطرح مسألة تمركز أو مركزية القرار حول الأمن مقارنة لمفهوم اللامركزية والمحلية؛ فقد يتم تكريس البعد الوطني للأمن على حساب الأمن المحلي، أو تغليب البعد الوطني للأمن مع تقليص البعد الدولي. ولذا فإن تحقيق الأمن بين المواطنين يتطلب الحوار بين مصالح الأمن والعدل ومؤسسات المجتمع السياسي والمجتمع المدني الممثل من طرف الجمعيات والمنظمات غير الحكومية. كما أن انتشار الجريمة العابرة للحدود وتجارة المخدرات والتنظيمات الإرهابية وجرائم الإنترنت وغير ذلك، يحتاج إلى معالجات حديثة تراعي هذه المتغيرات، كما تستوجب تعاوناً بين الأجهزة المعنية والأفراد ومنظمات المجتمع المدني لمحاصرة هذه الظواهر، كما تتطلب كذلك تعاوناً دولياً وثيقاً لمكافحتها وتجفيف منابعها.
 
الأمن الوطني في عصر المعلومات
لقد جعلت ثورة المعلومات من العالم قرية صغيرة تتأثر بشكل تفاعلي متسارع، ولم يعد الحديث عن قضايا معزولة على الصعيد الأمني أو السياسي أو العسكري مسألة واردة، وقد أدت الثورة الحاصلة في تكنولوجيا المعلومات إلى حدوث تحول نوعي هائل في الدراسات العسكرية والأمنية فيما يتعلق بتأثيرها على عمليات مترابطة تبدأ بجمع المعلومات وتحليلها، وصنع القرار، والتخطيط العسكري، كما اختلفت مصادر وأنماط تهديد الأمن الوطني في ظل ثورة المعلومات حيث أنها لم تعد مقصورة على الجواسيس التقليديين أو الأجهزة والمؤسسات التي تتلقف المعلومات المنشورة وتخضعها للبحث والتحليل أو غيرها من وسائل تهديد أمن المعلومات التي سادت طيلة قرون مضت، بل أصبح لها أوجه رقمية إلكترونية غير مسبوقة في شمولها وعمقها واختلافها واتساع نطاق تغطيتها وتعاظم أضرارها وذكاء منفذيها وتعقد آلياتها وتواصل هجماتها. قبل ظهور الأدوات الحديثة المعتمدة على تكنولوجيا المعلومات والإلكترونيات والاتصالات كانت هناك الوسائل التقليدية لجمع المعلومات التي تعتمد بشكل كبير على العناصر البشرية من الجواسيس ومجموعات الاستطلاع من عناصر المخابرات الذين يعملون داخل صفوف العدو من أجل نقل المعلومات اللازمة، ومع تطور تكنولوجيا المعلومات أصبح العملاء يقومون ليس فقط بإرسال معلومات، ولكن بمهام أخرى منها مثلاً وضع مستشعرات وأجهزة متقدمة جداً في الأماكن الحيوية والاستراتيجية، كما تسهم في تحديد الأهداف، والتصويب تجاهها بشكل أدق، كما أن هناك أيضاً تتبع المعلومات العلنية المتاحة من قبل العدو، وهي أداة تقوم على عناصر بشرية مدربة تستعين بالحاسبات وتكنولوجيا المعلومات في رصد ما تنشره هيئاته ومؤسساته المختلفة.
 
ويشير بعض الخبراء أن نسبة كبيرة من المعلومات المخابراتية المستخدمة عسكرياً تأتي من مصادر علنية. ولعل أبرز وسائل الاستطلاع الحديثة هي الأقمار الصناعية والرادارات العملاقة التي يمكنها التجسس على الاتصالات والتحركات المعادية كما تشمل المستشعرات وأدوات التصوير الجوي والطائرات بدون طيار. كما تزايدت العلاقة ما بين التكنولوجيا والأمن لارتباط الدول بها في عمليات الاتصال والإنتاج والخدمات بما يجعلها في الوقت ذاته تعتمد على أنظمة معلومات قد تكون هدفاً سهلاً للهجمات الإرهابية، ويتزامن هذا مع محاولة الإرهابيين المستمرة الحفاظ على تحديث أسلحتهم واستراتيجيتهم، كما ظهرت الحروب الجديدة في سياق دولي يغلب عليه الطابع التكنولوجي، وذلك بخلاف الحروب القديمة بين الدول والتي كان هدفها تحقيق أكبر درجة من الضرر للخصم والاستخدام المنظم للقوة في مواجهة قوة أخرى، وهذه الحروب تتم داخل شبكات متعدية الحدود، والتي قد تشمل دولاً وأطرافاً أخرى من غير الدول، ويكون هناك عدم اعتماد كامل على المعارك العسكرية التقليدية، بل تأخذ صوراً للتنافس والصراع على المعطيات التكنولوجية. وقد أدت ثورة المعلومات إلى جعل تكنولوجيا المعلومات بمنزلة الجهاز العصبي للأجهزة الأمنية والأجهزة المعنية بالأمن القومي، الأمر الذي أدى إلى تغير في شكل التهديدات ونمطها.
 
عسكرة الإنترنت
كشف المدير السابق لوكالة الأمن القومي الأمريكي ووكالة الاستخبارات الأمريكية، مايكل هايدن، أن خدمة جوجل للبريد الإلكتروني Gmail تعتبر الخدمة المفضلة لتبادل المعلومات والرسائل بين الإرهابيين من جميع أنحاء العالم. وقد جاء تصريح هايدن في معرض حديثه عن العلاقة المتوترة بين الحرية والأمن في إحدى الندوات العامة بكنيسة سان جونز في العاصمة الأمريكية واشنطن في منتصف سبتمبر 2013، مؤكداً أن أسباب تفضيل الإرهابيين لخدمة Gmail يرجع إلى أنها مجانية وأنها الأوسع انتشاراً. وبحسب صحيفة واشنطن بوست فقد دافع هايدن عن مفهوم «عسكرة» الإنترنت الذي اتبعته وكالة الأمن القومي الأمريكي مؤكداً أن له ما يبرره، نظراً إلى أن تداول أغلب البيانات على الإنترنت يتم عبر خوادم أمريكية، وأيضاً لأن الإنترنت اختراع أمريكي سيذكر العالم كله أمريكا لأجله. ويعتبر «هايدن» من أبرز المدافعين عن أساليب الأجهزة الأمنية الأمريكية في جمع المعلومات والتجسس على المكالمات خصوصاً بعد فضيحة عمليات التجسس الواسعة لوكالة الأمن القومي على يد الموظف السابق في الوكالة إدوارد سنودن. ومن المتوقع أن تغضب تصريحات هايدن الأخيرة كبرى شركات التكنولوجيا في أمريكا مثل ياهو ومايكروسوفت وجوجل وفيسبوك؛ إذ إن عمليات التجسس التي تقوم بها السلطات الأمريكية على بيانات العملاء تؤثر قطعاً في سمعة الشركات وأسهمها في الأسواق. وتوقع تقرير حديث لمؤسسة الإبداع وتكنولوجيا المعلومات «آي. تي. آي. إف» أن تخسر كبرى شركات الحوسبة السحابية في الولايات المتحدة الأمريكية ما بين 21 و35 مليار دولار في السنوات الثلاث المقبلة نتيجة لفضح برامج التجسس الأمريكية.
 
وكانت صحيفة واشنطن بوست قد نشرت منذ فترة افتتاحية قالت فيها إنه في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وصف الاستراتيجي برنارد برودي القنبلة الذرية بالسلاح المطلق. وحذر في عام 1946 من سرعة اندلاع حرب نووية مدمرة تستطيع أن تغير ساحة الصراع العسكري إلى الأبد. وتحول التهديد مجدداً بعد حوالي عشرة أعوام عندما اُخترعت الصواريخ العابرة للقارات، وأصبح يمكن إيصال الرؤوس النووية الصغيرة إلى الهدف عبر المحيطات في أقل من ساعة. وتشير الصحيفة إلى أن العالم يشهد حالياً بزوغ فجر جديد من التغيير السريع في مجال الأسلحة والتكنولوجيا، وظهور صراع الإنترنت. لقد نجحت الثورة الرقمية في تغيير التجارة العالمية والاتصالات والثقافة، ولكنها وفرت أيضاً وسيلة جديدة للتدمير تتمثل في الهجمات على الشبكات الحاسوبية والبنية التحتية الحيوية التي تقع في جوهر المجتمع الحديث. وتوضح الصحيفة أن ست دول، من بينها الولايات المتحدة والصين وروسيا, قد طورت بالفعل قدرات إلكترونية للهجوم العسكري، وربما توجد 30 دولة أخرى تسعى إلى تحقيق ذلك. ومن ثم فإن سباق التسلح الإلكتروني قطع شوطاً كبيراً على الرغم من أنه كثيراً ما يلقى اهتماماً أقل من عمليات السرقة الإلكترونية والتجسس والقرصنة المتزايدة. وأشارت الصحيفة إلى الأدلة الجديدة بشأن تطور سباق التسلح كما كشفت تقارير إعلامية أخرى عن جهود بحثية جديدة في وزارة الدفاع الأمريكية لتطوير تكنولوجيات لساحة المعركة الإلكترونية. وذكرت أن ثمة مخاطر كبيرة ومجهولة لعصر الصراع الإلكتروني، حيث تكون ساحة المعركة غير متماثلة، وفي كثير من الأحيان لن يكون حجم الولايات المتحدة وقوتها ميزة لها.
 
وتحت عنوان «تزايد وجود الجهاديين على مواقع الشبكات الاجتماعية» ذكرت شبكة بي بي سي في تقرير لها أن منتديات النقاش على الإنترنت استمرت لفترة طويلة الأداة الرئيسية للجهاديين على شبكة الإنترنت لتوفر لأنصار تنظيم القاعدة منبراً للتواصل ومنفذاً يمكن الاعتماد عليها للدعاية لأنفسهم. وقد دفع الارتفاع الأخير في شعبية شبكات التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك وتويتر في العالم العربي، مع ما عرف بحركات «الربيع العربي» حيث أثبتت قدرتها على الحشد، إلى بدء الجهاديين النقاش على الإنترنت حول كيفية استغلال هذه المنابر وتوظيفها. ومنذ ذلك الحين برزت دلائل على أن الجهاديين على الإنترنت يحاولون زيادة وجودهم على هذه الشبكات. ويشير التقرير إلى أن أنصار الجهادية العالمية قد وطدوا موطئ قدم كبيراً لهم على كل من فيسبوك وتويتر، وهذه المواد تنتشر بشكل كبير على صفحات الفيسبوك وتويتر. ويستخدم الجهاديون فيسبوك وتويتر كمدونات صغيرة، لنشر آرائهم وتعليقاتهم على القضايا السياسية والدينية على شكل «تحديثات الحالة» أو «تويتات» قصيرة.
 
الحروب السايبرية والأمن القومي
وفي ظل تنامي القلق بشأن تهديدات حرب الشبكات الحوسبية أو ما يعرف بـ «الحروب السايبرية»، ذكر تقرير نشرته وكالة «رويترز» أن المؤسسات العسكرية حول العالم تتسابق على استقطاب متخصصين في مجال الكومبيوتر؛ لأنها تعتقد أنهم قد يصبحون عنصراً حيوياً في الصراعات في القرن الحادي والعشرين. في حين أن هناك تمويلاً وفيراً لاستقطاب قوات جديدة من «المقاتلين السايبريين»، غير أن جذب متخصصين فنيين و»هاكرز» إلى الرتب العسكرية الهرمية أمر آخر، كما أن إيجاد من يقودهم أمر صعب. وبرغم انكماش الميزانيات العسكرية الغربية وتقليصها في الفترة الحالية، فإن تمويل الأمن السايبري يرتفع بصورة هائلة. وفي شهر ديسمبر، أعلن الجيش الأمريكي عن تشغيل أول «لواء سايبري»، فيما أعلنت البحرية والقوات الجوية الأمريكية عن «الأساطيل» و»الأجنحة» السايبرية الخاصة بهما. ومهمة هذه الفرق لا تقتصر على حماية الأنظمة والشبكات العسكرية الأمريكية الرئيسية فحسب، بل تعمل أيضاً على تطوير قدرات هجومية يأمل القادة الأمريكيون أن تمنحهم تفوقاً في أي صراع مستقبلي. وتشمل هذه القدرات تطوير قدرات على قرصنة وتدمير أنظمة صناعية وعسكرية مثل أنظمة التحكم في المرور وشبكات الكهرباء. وفي هذا الإطار، قال الجنرال مايكل هايدن، المدير الأسبق لوكالة الاستخبارات الأمريكية إن فكر العسكرية الأمريكية هو «الذي يقود» فكر المجتمع الأمريكي فيما يتعلق بتطوير الأمور الخاصة بشبكات الكومبيوتر. والولايات المتحدة الأمريكية ليست هي الاستثناء في ذلك، فالدول الأوروبية، وأمريكا اللاتينية، والآسيوية والشرق أوسطية، وغيرها من الدول تنتهج المسار ذاته. والمؤسسات العسكرية التي لم تفكر في الإنترنت إلا منذ سنوات قليلة، تشيد الآن مراكز جديدة، وتدرب مئاتٍ بل آلافاً من الجنود على ذلك. وتولي روسيا والصين هذا المجال أهمية أكبر، وتأمل الدولتان من خلال ذلك مقاومة الهيمنة العسكرية التقليدية للولايات للمتحدة الأمريكية. ومع ذلك، يخشى البعض من أن كثيراً من تلك الاستثمارات قد تذهب أدراج الرياح. إذ يرى رالف لانجنر، وهو خبير ألماني في الأمن السايبري أن هناك مؤسسات عسكرية كبرى تسلك بسبب فكرتها الضعيفة عن ماهية الحرب السايبرية نهجاً تقليدياً، وتسعى إلى تدريب أكبر عدد من مهارات القرصنة. وربما يكون الهدف هو «إظهار قوة سايبرية افتراضية تبنى على مجرد العدد».
 
ويرى كثير من الخبراء أن العامل الرئيسي لشن عمليات سايبرية ناجحة، مثل هجوم «سستكسنت» الذي استهدف البرنامج النووي الإيراني، يكمن في النوع، لا في عدد المتخصصين الفنيين وكمّهم، وأن الأمر لا يتعلق بإنفاق مبالغ طائلة ووجود عدد كبير من المتخصصين، بل في عدد صغير، لكنه مستمر من ذوي الخيال والإرادة وكذلك التفوق التكنولوجي. إلى ذلك، يشير القادة إلى أنهم يحاولون تغيير القواعد والقيود المتعلقة باستقطاب هؤلاء المتخصصين مثل اللياقة البدنية وطول الشعر. وبرغم أن القوات الجوية والبحرية الأمريكية سهلت كثيراً من تلك المتطلبات فإن الجيش الأمريكي لا يزال يُلزم «المقاتلين السايبريين» بالخضوع للتدريبات الأساسية الدورية. ويؤكد مسؤولون أوروبيون أنهم يواجهون صعوبة في إيجاد مجندين مناسبين بسبب المنافسة الشرسة من القطاع الخاص، ولاسيما شركتي «جوجل» و»مايكروسوفت».
 
ومن ناحية أخرى، يشدد بعض الخبراء على ضرورة أن تركز المؤسسات العسكرية بشكل عام وكبار القادة بشكل خاص، على تعلم دمج الأدوات والتهديدات الجديدة في فهمهم الأوسع للصراع والتدريبات الخاصة بذلك. وفي كلية الحرب البحرية الأمريكية، يتم إضافة البُعد السايبري للتدريبات والمناورات العسكرية التي يجريها الضباط ذوي الرتب المتوسطة. إذ تنطوي المناورات على تعطيل الأنظمة الحوسبية، وشبكات الإمداد، وإفساد المعلومات أو مسحها. ويخلص التقرير إلى أن فهم الحرب السايبرية في الدوائر العسكرية يشبه تقريباً فهم أهمية القوة الجوية في فترة الثلاثينيات من القرن الماضي، ولاسيما أن هذه الحروب أمر لا غنى عنه في أي صراع مستقبلي.
 
وسائل تحقيق الأمن الوطني
هناك حدود لقدرات الدولة، للتصدي للمخاطر التي تهدد الأمن الوطني، وطبقاً لتلك الحدود، ترتبط الدولة مع آخرين، لهم مصالح مشتركة معها، لإقامة تجمع ما (حلف ـ معاهدة ـ منظمة)، يمكن عن طريقه تقوية الأبعاد الأمنية، ودعم قدراتها، لتتمكن من ردع المخاطر، والتصدي لها. وهناك ثلاثة نماذج لوسائل تحقيق الأمن الوطني، كل منها يحتاج إلى قدرات معينة، حيث يُخْتَار أي منهم بناء على المفاضلة مع القوى المهددة للأمن الوطني، لإيجاد القدرات المناسبة لمجابهتها، على أن تتوافر الإمكانات الخاصة بتجميع تلك القوى:
1. نظام الأمن الذاتي Self Security: هو أول درجة من درجات تحقيق الأمن الوطني، وأكثرها أهمية، حيث تسعى الدولة إلى تحقيق أمنها الوطني، بالاعتماد على قواها وقدراتها الذاتية فقط، وهو ما يحقق أعلى درجات الاستقلال والحماية للأمن الوطني، دون تدخل عناصر خارجية، سواء كانوا أعداء أو حلفاء. ويتطلب هذا النموذج أن تؤمن الدولة القدر المناسب لمتطلبات أمنها الوطني، بجهدها، وقدراتها الذاتية، فقط، وهو ما يصعب تحقيقه، إلا بواسطة دولة عظمى، أو دولة إقليمية كبرى، مدعومة بقوى عظمى. وتتوقف درجة نجاح الدولة في تحقيق أمنها الوطني، بواسطة تلك الاستراتيجية، على عوامل عدة، منها: قدرة الدولة على تحقيق اكتفاء ذاتي في جميع متطلباتها واحتياجاتها، وطبيعة النظام بالدولة، ونمط توزيع القوة السائد بها، والقوة النسبية لحسابات القوى الشاملة، في مواجهة الدول الأخرى.
 
2. نظام الأمن دون الإقليمي/ الإقليمي/ القومي: وهي الدرجة التالية لتحقيق الأمن الوطني. ويلجأ إليها، عندما تقصّر موارد الدولة وقواها وقدراتها الذاتية، عن الوفاء بمتطلبات أمنها الوطني؛ ولا توجد دولة استطاعت، أن تحقق أمنها، بالجهود الذاتية فقط، إلا فيما ندر، أو بمساندة قوى عظمى. وترتبط الدولة بتجمع من عدة دول مشتركة المصالح، حيث تنسق السياسات الأمنية فيما بينها، لتجميع قواها، بما يهيئ لها التوازن (أو التفوق النسبي)، ضد القوى الأخرى المتعارضة معها في المصالح الأمنية. ويحقق هذا النظام أمنه، بتحقيق توازن في علاقات القوة التي تسود النظام الإقليمي، الذي تقع الدولة في دائرته، وهو حيوي (مهم) لتحقيق الاستقرار الأمني للإقليم.
 
3. نظام الأمن الجماعي: هو أعلى نظم الأمن لتحقيق الأمن الوطني، بنظام متكامل، يغطي كل أبعاد الأمن الوطني. ويهدف هذا النظام إلى تحقيق الأمن، بالتزام كل الدول في المشاركة في تأمين أمن جميع الدول، من خلال تحركات وقرارات المجتمع الدولي كله، ضد أي دولة تهدد النظام القائم، أو تحاول استخدام القوة بمبادرة فردية منها. وقد طُبق هذا النظام في حرب الخليج الثانية نتيجة للتغيرات التي حدثت في النظام الدولي باختفاء أحد قطبيه (الاتحاد السوفيتي السابق). وقد أعطى النظام الفرصة للمجتمع الدولي، لتطبيق الشرعية الدولية، والتي كان النظام الدولي الثنائي القطبية يعطلها. وطُبق هذا النظام، من آن لآخر، بتدخل من النظام الأمني الجماعي، لتحقيق الاستقرار، بإعادة النظام الشرعي للدولة، التي هُدد أمنها أو لحمايته، إلا أن معظم هذه الحالات، كانت مرتبطة باهتمام الدولة العظمى أو الدول الكبرى في النظام الدولي، بمنطقة الأحداث، وهو ما لم يحدث بالقوة نفسها في أحداث تقع في مناطق أخرى، ليست الأهمية ذاتها. ويقوم هذا النظام الأمني على مبدأ سياسي أساسي، ويتمثل في احترام الدول سيادة كل دولة على إقليمها وحدودها، وإنهاء كل أشكال الصراع بين الدول الأعضاء، في المنظمة الواحدة، والمحافظة على الوضع السياسي القائم.
 
وسائل حماية الأمن الوطني
المقصود بوسائل الحماية للأمن الوطني، هو ما تستخدمه الدولة من وسائل وأدوات لتحقيق مفهوم الأمن الوطني، وإبلاغ القيادة السياسية في الوقت المناسب، بالأحداث المؤثرة في الأمن الوطني، كذلك الإجراءات التي تتخذ للتصدي لتلك الأحداث بصورة مباشرة أو غير مباشرة في المجالين الداخلي، والخارجي. وتقوم على وسائل حماية الأمن الوطني داخلياً حيث تنشئ الدول عادة أجهزة خاصة، للعمل على حماية أمنها الوطني داخلياً، تشمل وسائل أكاديمية نظرية، وعناصر علمية، وأخرى عملية مثل مراكز البحوث والمعلومات، وأجهزة الأمن، والاستخبارات وإنشاء مجالس الأمن الوطني، فضلاً عن الاعتماد على النظم المجتمعية الخاصة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
أما وسائل حماية الأمن الوطني خارجياً فلها أدوات وآليات عدة منها الأدوات الدبلوماسية انطلاقاً من أن الدبلوماسية هي الأداة الرئيسية في السياسة الخارجية، وتحقق الدولة من خلالها الأهداف السياسية والوطنية وقت السلم، وتدير عن طريقها الأزمات لتتجنب الحرب، والأداة العسكرية متمثلة في امتلاك الدولة لقدرات عسكرية عالية وكافية لتحقيق الهدف، بردع الآخرين عن تهديد الأمن الوطني للدولة، دون استخدام تلك الأداة. لذلك، فإن الأداة العسكرية، تُعد الأداة الثانية - بعد الدبلوماسية - في وسائل حماية الأمن الوطني الخارجية، وهي عنصر دعم مساند للقوة السياسية والقوة الاقتصادية وأدواتهما، بما يحقق أهداف الأمن الوطني. وتُستخدم الأداة العسكرية كبديل، عندما تفشل الأدوات الأخرى، وعلى رأسها الأداة السياسية، والأداة الاقتصادية؛ على أن يبدأ استخدام الأداة العسكرية بالردع المعنوي، ويُخطط لاستخدم الأداة العسكرية، في تصاعد محسوب، يتدرج في بناء القوة العسكرية المزمع استخدامها، في خطوات متعاقبة، حتى تصل إلى الحجم والقوة النهائية، في قرار الوصول إلى الصراع المسلح. ويجب أن تكون حسابات تكوين القوة العسكرية والتصعيد، دقيقة للدرجة التي تعطي مؤشراً مقنعاً، بحتمية الوصول إلى هذا المستوى، وضرورته، على ضوء تحليل سليم لمعطيات الموقف السياسي، والعسكري، والاستراتيجي، الذي يعد الأمن الوطني، هو العامل الحاكم في كل منها، لتغليب قرار الحرب، أو التراجع عنه.
 
حماية الأمن الوطني الإماراتي
من خلال تتبع الأطر النظرية السابق عرضها في هذا الملف يمكن فهم استراتيجية دولة الإمارات العربية المتحدة القائمة على أن التنمية والأمن الوطني هما وجهان لعملة واحدة، وفقاً لأحدث مفاهيم الأمن الوطني وتعريفاته في الأدبيات السياسية المعاصرة. وقد قامت دولة الإمارات العربية المتحدة في السنوات الأخيرة بتأسيس المجلس الأعلى للأمن الوطني، ثم هيئة الطوارئ والأزمات. وفي العام الماضي أصدر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، مرسوماً بقانون اتحادي رقم (3) لسنة 2012، بإنشاء الهيئة الوطنية للأمن الإلكتروني، وتهدف الهيئة وفق المادة الرابعة من القرار إلى تنظيم حماية شبكة الاتصالات ونظم المعلومات في الدولة، وتطوير وتعديل واستخدام الوسائل اللازمة في مجال الأمن الإلكتروني، وهي تعمل على رفع كفاءة طرق حفظ المعلومات وتبادلها لدى جميع الجهات بالدولة، سواء عن طريق نظم المعلومات أو أي وسيلة إلكترونية أخرى. وحددت المادة الخامسة تخصصات الهيئة، والتي تشمل اقتراح سياسة الدولة في مجال الأمن الإلكتروني، وتنفيذها بعد اعتمادها من المجلس، ووضع المعايير الكفيلة بتوفير الأمن الإلكتروني في الدولة، والإشراف على تنفيذها، وإعداد خطة وطنية لمواجهة أي أخطار أو تهديدات أو اعتداءات على الأمن الإلكتروني بالتنسيق مع الجهات المعنية، والتأكد من فاعلية عمل أنظمة حماية شبكة الاتصالات، ونظم المعلومات لدى الجهات الحكومية والخاصة العاملة في الدولة، والإشراف على مدى التزام الجهات المعنية بتنفيذ متطلبات الأمن الإلكتروني الصادرة عن الهيئة ومتابعة تنفيذها، ومكافحة جرائم الحاسب الآلي والشبكة المعلوماتية وتقنية المعلومات على اختلاف أنواعها، والتنسيق مع الجهات المعنية والإقليمية والدولية فيما يتعلق بمجال عمل الهيئة، وتقديم الدعم الفني والاستشاري لجميع الجهات المعنية في الدولة، وتلقي الشكاوى والمقترحات المتعلقة بالأمن الإلكتروني في الدولة، وإعداد وتمويل الدراسات والبحوث اللازمة لتطوير الأمن الإلكتروني بالتنسيق مع الجهات المعنية. وتعتبر هذه الهيئة مواكبة للتطور العالمي في مجال الأمن وتعريفاته ومصادر تهديده.
 
وقد أشار معالي سيف سلطان العرياني الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن الوطني، في كلمته بمناسبة اليوم الوطني الأربعين عام 2011 إلى أن إنشاء المجلس الأعلى للأمن الوطني قد جاء استكمالاً لمسيرة النمو والتقدم والازدهار. وفي هذا الإطار جاء قرار صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة القائد الأعلى للقوات المسلحة، رئيس المجلس الأعلى للأمن الوطني، حفظه الله، عام 2006 بإنشاء المجلس الأعلى للأمن الوطني. وقد أكد أن إنشاء المجلس الأعلى للأمن الوطني جاء انطلاقاً من رؤية قيادتنا الرشيدة للتطور الذي شهده مفهوم الأمن الوطني والمتزامن مع القفزات النوعية التي واكبتها الدولة في كل الجوانب والقطاعات، حيث اتسع إطار عمل المجلس الأعلى للأمن الوطني منذ قيامه ليشمل الجوانب السياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والعلمية والثقافية والبيئية، وهذا ما نص عليه مرسوم إنشاء المجلس. مضيفاً أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد تمكنت بتوفيق من الله تعالى وبفضل الرؤية السديدة لقيادتنا الرشيدة من تحقيق الأهداف الوطنية العليا التي تم وضعها وفق استراتيجية وطنية شاملة خلال فترات زمنية محددة، حيث حرصت الدولة في تحديدها لتلك الأهداف والغايات على أن تتوافق مع الإمكانيات والقدرات الوطنية المتاحة، كما وضعت في الاعتبار الظروف والتطورات التي تشهدها الساحتان الإقليمية والدولية.
 
واعتبر معاليه أن الدولة قد واجهت خلال الأعوام الأربعين الماضية العديد من المعوقات والتحديات التي كان لها تهديد مباشر على الأمن الوطني، فتمكنت بفضل العزيمة والإصرار أن تواجه عقبات وتحديات كل مرحلة بحكمة وبصيرة محققة أهدافها وغاياتها العليا، وذلك وفق الاستثمار الأمثل للإمكانيات والقدرات الوطنية المتاحة. لقد كانت مرحلة النشأة خلال سبعينيات القرن الماضي وما صاحبها من حالة عدم الاستقرار عقب الفراغ الأمني على أثر الانسحاب البريطاني المفاجئ من المنطقة، وبروز تحدي بناء دولة اتحادية حديثة من أكثر المراحل التي واجه خلالها الأمن الوطني للدولة تهديداً حقيقاً، وقد كان ذلك كفيلاً بأن يعوق تحقيق حلم الاتحاد، ولكن بعزيمة الآباء المؤسسين في تلك المرحلة وبفضل الالتحام القوي بين الشعب والقيادة تمكنت بلادنا من تجاوز تلك المرحلة والخروج منها أكثر قوة وتماسكاً. وقد حرصت قيادتنا الرشيدة على ضرورة بناء قوات مسلحة قادرة على حماية الإنجازات والمكتسبات الوطنية، وصون الوطن والذود عن ترابه. ولتحقيق ذلك قدمت الدولة كل أشكال الدعم المادي والمعنوي لقواتنا المسلحة لتمكنها من القيام بدورها المهم المنوط بها، فتمّ وضع سياسات التسليح الحديثة المتوافقة مع التطورات الجديدة في مجالات الأسلحة والمعدات العسكرية، والتي روعي فيها تنوع مصادر السلاح لتحقيق أكبر قدر من الكفاءة العالية والأداء الفعال، وتزامن ذلك مع وضع برامج تدريب وتأهيل حديثة لجميع منتسبي قواتنا المسلحة من ضباط وضباط صف وأفراد ليتمكنوا من أداء مهماتهم الوطنية النبيلة في خدمة الوطن في إطار المبادئ التي حددتها العقيدة الدفاعية لقواتنا المسلحة. وأولت الدولة القطاعات الأمنية الأخرى في الدولة اهتماماً مماثلاً لتقوم بدورها في حفظ الأمن الداخلي، وتحقيق الاستقرار؛ فتمكنت تلك السواعد الإماراتية المخلصة من أن تكون عند حسن ظن القيادة الرشيدة، وأصبحت دولتنا واحة للأمن والاستقرار الذي ينعم به كل من يعيش على هذه الأرض الطيبة.
 
أبرز التهديدات التي تواجه الأمن القومي الإماراتي
نتيجة لما تتمتع به الإمارات من مميزات جغرافية وسياسية واقتصادية صاحب ذلك وجود تهديدات تواجه أمنها الوطني، ومن أبرز هذه التحديات ما يلي:
ـ احتمالات اندلاع حرب إقليمية وما ينتج عن ذلك من تأثيرات سلبية على الاقتصاد الوطني وحركة السياحة والتجارة.
ـ خلل التركيبة السكانية.
ـ التهديدات التي تواجه الهوية الثقافية للأجيال الناشئة.
ـ الهجمات الإلكترونية التي يمكن أن تتعرض لها البنى التحتية والمنشآت النفطية.
ـ بيئة الاضطراب الإقليمي الناجمة عن تنامي الطموحات النووية الإيرانية.
ـ غياب الاستقرار عن دول إقليمية مثل العراق وسوريا.
ـ خطر تنظيم القاعدة وفروع التنظيم مثل «القاعدة في شبه الجزيرة العربية».
ـ تنامي معدلات البطالة بين شباب المواطنين، وتراجع نسب فرص العمل للمواطنين، على الرغم من المقدرة المتزايدة للاقتصاد الوطني على توليد فرص عمل جديدة.
ـ تحديات مجتمعية ثانوية تهدد الأمن المجتمعي مثل الإدمان، وانتشار المخدرات، وممارسات العنف بين الشباب، وكذلك العنوسة، والطلاق، والزواج من أجنبيات، وتزايد الاعتماد على الخادمات، وغير ذلك.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره