مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2015-12-01

الإمارات ترسخ تجربتها الاتحادية وتعزز موقعـــها على خارطة الاقتصادات المتقدمة

في اليوم الوطني الرابع والأربعين
 
يمثل الاحتفال بمرور أربعة وأربعين عاما على قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، في جوهره احتفال بملحمة وطنية إماراتية في العمل والطموح في إطار الوحدة بدأت منذ الثاني من ديسمبر من عام 1971، تمكنت خلالها الإمارات من بناء تجربة تنموية رائدة في محيطيها الإقليمي والدولي يُشار إليها بالبنان وتتطلع دول كثيرة حول العالم إلى التعرف عليها والاستفادة منها والسير على خطاها؛ وتتناول “درع الوطن” في هذا الملف الانجازات التنموية التي حققتها دولة الإمارات العربية المتحدة خلال عام 2015 على المستويات كافة.
 
تحتفل دولة الإمارات العربية المتحدة في الثاني من ديسمبر 2015 بعيدها الوطني الرابع والأربعين، وقد استطاعت خلال هذه السنوات أن ترسخ من تجربتها الاتحادية، باعتبارها واحدة من أهم النماذج الوحدوية في المنطقة والعالم، التي استطاعت أن تواجه مختلف التحديات وأن تمضي بثقة وثبات نحو مسيرة التنمية والتطور، وهو ما تؤكده المراتب المتقدمة التي تحتلها في المؤشرات والتقارير الدولية المختلفة. وقد تحققت خلال العام 2015 انجازات اتحادية على مستويات شتى وفي مجالات مختلفة، أبرزها ماتحقق على الصعيد البشري والانساني، حيث يشغل المواطن الاماراتي صدارة اهتمام القيادة الرشيدة وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة القائد الأعلى للقوات المسلحة ـ حفظه الله ـ  
 
القيادة الرشيدة وبناء الإنسان
منذ أن طرح صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، برنامج  التمكين، في كلمة سموه بمناسبة العيد الوطني الرابع والثلاثين، ودولة الإمارات العربية المتحدة تمضي قدماً في بناء الإنسان، وتبني السياسات والخطط التي تضمن توفير أوجه الرعاية المختلفة لأبناء الوطن في المجالات كافة.  فالمبدأ الأساسي الذي تتمركز حوله فلسفة الحكم والتنمية في دولة الإمارات العربية المتحدة هو التفاعل البنّاء من جانب القيادة الرشيدة مع الشعب، والعمل على رفاهيته وإسعاده وتوفير مقومات الحياة الكريمة له في المجالات كافة، فهذا هو الهدف الأسمى لمختلف السياسات التي تنتهجها القيادة الرشيدة، والتي تستهدف تلبية الاحتياجات والتطلعات المتنامية لأفراد المجتمع، وتوفير كل ما من شأنه تحسين مستوى المعيشة وتأمين الرفاه الاقتصادي والاجتماعي لهم.
 
وجاءت الميزانية الاتحادية لدولة الإمارات العربية المتحدة للعام المالي (2016) لتعكس بجلاء عمق الاهتمام ببناء الإنسان الإماراتي والاستثمار فيه باعتباره الثروة البشرية الحقيقية التي تقود مسيرة التنمية والتطور في المجالات كافة، ولتؤكد بوضوح أن الغايات العليا للمشروع النهضوي هي الارتقاء بجودة الحياة و توفير الرخاء والعيش الكريم لأبناء الوطن في إمارات الدولة كلها دون استثناء، ووضع الإنسان الإماراتي في مرتبة تليق به بين أبناء الدول الأكثر تقدماً على المستوى العالمي، وتعزيز الموقع المميز للدولة في مجال التنمية البشرية إقليمياً وعالمياً،  حيث اعتمد مجلس الوزراء في أكتوبر 2015 مشروع الميزانية العامة للاتحاد للوزارات والجهات الاتحادية المستقلة عن السنة المالية 2016 بتكلفة بلغت ثمانية وأربعين مليارا وخمسمائة وسبعة وخمسين مليون درهم  وبدون عجز وذلك في إطار إدارة الموارد الحكومية بكفاءة والاستفادة من الشراكات الاستراتيجية.
 
وحظيت القطاعات ذات العلاقة المباشرة بالمواطنين وخدماتهم بنصيب الأكبر في الميزانية العامة للاتحاد حيث خصص مجلس الوزراء أكثر من نصف الميزانية لهذه القطاعات والتي شملت التعليم بنسبة 21.2% والتنمية الاجتماعية بنسبة 15.5% والخدمات العامة بنسبة 11.1% والصحة بنسبة 7.9%. كما تم في الميزانية تخصيص نسب لقطاعات أخرى مثل الدفاع والإسكان والسلامة العامة والشؤون الاقتصادية وحماية البيئة والثقافة حيث تأتي الميزانية بشكل ينسجم مع المشاريع والمبادرات والاعتمادات المخصصة في استراتيجية الحكومة الاتحادية ضمن الفترة نفسها وبما ينسجم مع مبادئ الميزانية الصفرية.
 
وأكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، أن جميع الاستراتيجيات الحكومية والمبادرات الوطنية تمثل ترجمة لتوجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حظه الله، على أرض الواقع والذي يحرص دائما على توظيف كافة الموارد وتسخيرها لسعادة الشعب الإماراتي ورفاهيته في شتى المجالات والمضي قدما في تعزيز مكانة الدولة ورفعتها. وأضاف سموه “أن الاستثمار في المواطن وتلبية حاجاته هو من الأسس التي تقوم عليها سياسات الحكومة ويحتل أهمية كبيرة في الأجندة الوطنية الرامية لتحقيق رؤية الإمارات 2021 وعليه فإن أولوياتنا في ميزانية عام 2016 ستكون لمشاريع التنمية الاجتماعية والتعليم والصحة” مشددا سموه “الحفاظ على الريادة والمركز الأول يتطلب توفير كافة الموارد والإمكانيات التي تمكن شعب الإمارات وحكومته من تحقيقه والحفاظ عليه”.
 
ولعل تخصيص هذه النفقات لتلك القطاعات والخدمات، هو دليل قاطع على مضي الدولة في تطوير الخدمات التي تغطي الشق الاجتماعي للتنمية، ذلك الشق الذي يصب بشكل مباشر في هدف  الارتقاء بنوعية وجودة الحياة، وجعل أفراد المجتمع أكثر سعادة ورضا بما يقدم لهم من خدمات في مختلف المجالات، وبما يحقق أهداف رؤية (الإمارات 2021) التي تستهدف تحقيق  جودة حياة عالية في بيئة معطاءة مستدامة، حيث تشير في هذا الشأن إلى  “ إن الإماراتيين يتمتعون برغد العيش، ويهنؤون بحياة مديدة وبصحة موفورة ويحظون بنظام تعليمي من الطراز الأول ونمط حياة متكامل تعززه خدمات حكومية متميزة. وتثريه أنشطة اجتماعية وثقافية متنوعة في محيط سليم وبيئة طبيعية غنية”.
 
الأمن الوطني والدفاع عن المكتسبات
واصلت القوات المسلحة لدولة الامارات العربية المتحدة دورها الوطني المشرف حيث شاركت في عام 2015 في عمليتي “عاصفة الحزم” ثم “إعادة الأمل” ضمن التحالف العربي الداعم للشرعية الدستورية في اليمن الشقيق، تحقيقاً لأهداف استراتيجية عدة منها حماية وصون الأمن القومي العربي في مواجهة الخطط التوسعية الايرانية التي دعمت انحراف جماعة الحوثي اليمنية بالمسار الدستوري والانقلاب عليه، في خطوة تمثل تهديداً بالغاً للأمن الوطني لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وتقويضاً لأمن واستقرار اليمن الشقيق بكل مايمثله من ثقل ومكانة وأهمية استثنائية ضمن حسابات الأمن الخليجي، فضلا عن أن توغل جماعة الحوثي المدعومة من إيران والتي تساندها قوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح قد تسبب في تحول المشهد اليمني إلى الفوضى والاحتراب الأهلي، حيث تعرض الشعب اليمني إلى واحدة من أصعب الظروف التي مر بها في تاريخه الطويل، ومن ثم كانت استجابة القيادة الرشيدة لاستغاثة أهل اليمن والانخراط بقوة في التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية دفاعاً عن هذا البلد الشقيق، الذي يمثل جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي العربي والخليجي. وقد حققت قواتنا المسلحة في معارك الفخر والشرف في اليمن أروع البطولات وقدمت أغلى التضحيات وضرب أبناء الامارات المثل والقدوة في تلبية النداء واغاثة الملهوف والدفاع عن قيم الامارات الانسانية والحضارية في الدفاع عن المظلومين ومساعدة المحتاجين بغض النظر عن اللون أو الجنس أو العرق.
 
تعزيز تجربة التمكين السياسي
شكلت انتخابات المجلس الوطني الاتحادي التي جرت مؤخراً خطوة مهمة نحو تعميق التجربة البرلمانية الإماراتية، وتعزيز مسيرة التمكين السياسي في دولة الإمارات العربية المتحدة وخاصة أن هذه الانتخابات تختلف عن سابقاتها، بالنظر إلى ما تضمنته من إجراءات وتسهيلات تستهدف تعزيز المشاركة الشعبية في هذه الانتخابات، وتطوير التجربة البرلمانية، كي تواكب حركة التطور التي تشهدها الدولة على المستويات كافة. وهو الأمر الذي أكده صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة  خلال استقباله في شهر أكتوبر 2015 رئيس وأعضاء وفرق عمل لجنة إمارة أبوظبي لانتخابات المجلس الوطني الاتحادي، قائلاً إن “قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة، برئاسة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، حريصة على توفير كل ما من شأنه تعميق المشاركة الشعبية، ومنح دور متنامٍ وفعال للمجلس الوطني الاتحادي للوصول بخطوات واثقة لما نطمح إليه من خلال برنامج التمكين وتحقيق المصالح الوطنية للدولة داخلياً وخارجياً”.
 
وقد شهدت انتخابات المجلس الوطني الاتحادي عام 2015 زيادة ملحوظة في أعداد أعضاء الهيئة الناخبة، والتي ضمت 224.279 ألف عضو يمثلون الهيئات الانتخابية في جميع إمارات الدولة وذلك بنسبة زيادة تصل إلى 66% مقارنة مع قوائم الهيئات الانتخابية لانتخابات المجلس الوطني الاتحادي للعام 2011 والتي بلغت 135.308 مواطن ومواطنة. ولا شك في أن زيادة أعداد أعضاء القوائم الانتخابية للدورة الثالثة من انتخابات المجلس الوطني الاتحادي إنما يؤكد حرص القيادة الرشيدة على تمكين المواطنين للمشاركة الفاعلة في مسيرة التنمية السياسية والتي تسير وفق نهج التمكين السياسي الذي أعلن عنه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله في خطابه بمناسبة العيد الوطني الرابع والثلاثين لتأسيس دولة الإمارات والذي قاد بدوره إلى الارتقاء بالتجربة البرلمانية للدولة ومواصلة مسيرة النجاحات التي تحققها في مجال تفعيل دور المجلس الوطني الاتحادي كسلطة تشريعة مساندة ومرشدة للسلطة التنفيذية.
 
تؤمن القيادة الرشيدة بأهمية المجلس الوطني الاتحادي باعتباره صوت الشعب والمعبر عن طموحاته وتطلعاته، وتحرص على أن يكون إحدى الدعائم الأساسية للتجربة الإماراتية في المشاركة والتنمية، وأن يحافظ على مصالح الوطن في مستوياتها ودوائرها كافة، ولا شك في أن انتخابات المجلس الوطني الاتحادي 2015، وبما تضمنته من إجراءات وآليات جديدة، تمثل إضافة نوعية لمسيرة التجربة البرلمانية الإماراتية، التي أصبحت نموذجاً في التطور السياسي المحسوب والآمن، لأنها توازن بين الخصوصية الثقافية والمجتمعية للدولة من ناحية، والانفتاح على التجارب الدولية والاستفادة منها من ناحية ثانية.
 
دبلوماسية إماراتية فاعلة 
نجحت الدبلوماسية الإماراتية في عام 2015 أن ترسخ أقدامها وتعزز من حضورها، ليس على مستوى المنطقة والوطن العربي فقط، بل على مستوى العالم كله. ويلاحظ المتابع للدبلوماسية الإماراتية عام 2015 أنها استطاعت أن تحقق أهداف الدولة في الخارج، وضمنت لها حضوراً مؤثراً من خلال المشاركة في القمم والاجتماعات الدولية الكبرى خلال هذا العام. وانعكس هذا الأداء الدبلوماسي في العديد من النتائج الإيجاية، لعل أبرزها في هذا الشأن:
 
*فوز الإمارات بدورة ثانية في عضوية مجلس حقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة، تمتد عبر الفترة من مطلع شهر يناير عام 2016 ولمدة ثلاث سنوات متواصلة تنتهي مع أواخر عام 2018.  حيث حصلت الإمارات على 159 صوتاً، وشكلت ثاني أعلى نسبة تصويت مقارنة بتلك التي حصلت عليها مجموعة الدول الأخرى المتنافسة عن المنطقة الآسيوية في عضوية مجلس حقوق الإنسان، ما يوضح جدارة دولة الإمارات بهذا الفوز المشرف، في سباق تنافست فيه 32 دولة من مختلف مناطق العالم الجغرافية على 18 مقعداً شاغراً في المجلس اعتباراً من مطلع العام القادم 2016. ولا شك في أن هذا الإنجاز  يحمل دلالات عدة، فهو من ناحية يعكس التقدير الدولي لسجل دولة الإمارات العربية المتحدة في مجال حقوق الإنسان. علاوة على ذلك، فإن هذا الإنجاز جاء شاهداً على المساهمة الفعالة والنشطة لدولة الإمارات العربية المتحدة في المحافل الدولية في مجال حقوق الإنسان، ودأبها على التمسك بأعلى المعايير الدولية في هذا المجال.كما يأتي هذا الإنجاز ثمرة لما قدمته وتقدمه قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة من نهج ثابت في حماية حقوق الإنسان والرحمة به في أرقى صوره، من خلال تطبيق معايير حقوق الإنسان وصون كرامة المواطن والمقيم على أرض الدولة.  
 
*كسب التأييد الإقليمي والدولي لقضية الجزر الإماراتية الثلاث (أبو موسى، طنب الكبرى، طنب الصغرى)، التي تحتلها إيران، وبدا هذا واضحاً في البيانات الرسمية على المستويين الخليجي والعربي، والتي أكدت في مجملها على تأكيد حق السيادة لدولة الإمارات العربية المتحدة على جزرها الثلاث المحتلة (أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى)، وعلى المياه الإقليمية والإقليم الجوي والجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة للجزر، واعتبرت أن أي ممارسات تقوم بها إيران على الجزر ملغاة وباطلة ولا تغيّر شيئاً من حقائق التاريخ والقانون، باعتبار أن هذه الجزر تخضع للسيادة الإماراتية. كما نجحت الدبلوماسية الإماراتية في توضيح موقف الدولة من هذه القضية على الصعيدين الإقليمي والدولي وأمام مختلف المحافل، وهو ما بدا في الإشادة بنهج الإمارات المتوازن في التعامل مع هذه القضية، حيث تدعو الإمارات دوماً إلى حل سلمي سواء من خلال المفاوضات المباشرة أو اللجوء إلى  محكمة العدل الدولية.
 
ولا شك في أن هذا المواقف الداعمة للإمارات في هذه القضية إنما يؤكــد اقتناعاً عربياً ودولياً بالموقف الإماراتي في قضية الجزر المحتلة وتقديراً للسلوك السياسي المتزن في إدارة الإمارات للأزمة، وحرصهــا على أن تظهر في صورة الدولة المصممة على حقهـــا في أرضها والحريصــة في الوقت نفسه على الأخذ بالأساليــب السلمية التي تصـون الأمـــن والاستقرار في منطقة من أهــم مــناطق العالم وهي منطقة الخليج العربي. والمؤكد أن المواقف العربية والدولية الداعمة للإمارات في قضية الجزر الثلاث المحتلة، تكشف عن أمرين أساسيين: أولهما، نجاح الدبلوماسية الإماراتية في إقناع العالم بعدالة قضيتها، ومن ثم دفعه إلى التحرك وممارسة الضغط من أجل الإسراع في إيجاد حل سلميّ لها، ثانيهما، أن الحكمة والهدوء والتحرك المدروس والمتحضر، هو ما يكسب الدعم الدولي للقضايا العادلة، وهذا ما يميّز السياسة الخارجية الإماراتية ويقدم الإمارات كدولة مسؤولة وحريصة على الأمن والاستقرار في منطقتها والعالم، ما يكسبها الاحترام والتقدير على المستويين الإقليمي والعالمي.
 
*جاء أداء الدبلوماسية الإماراتية خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السبعين في سبتمبر 2015 فاعلاً وحيوياً، سواء في الاجتماعات المكثفة التي عقدها سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والوفد الدبلوماسي المرافق له، مع العديد من قادة ومسئولي دول العالم، والتي كان لها أكبر الأثر في تعزيز علاقات الإمارات الخارجية مع القوى الإقليمية والدولية، أو في كلمة سموه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي عبرت بجلاء عن ثوابت دولة الإمارات، ومواقفها إزاء تطورات المنطقة والعالم، وبالصورة التي تؤكد مسئوليتها في الوقوف بجانب الأشقاء العرب، والانخراط بشكل فاعل في الجهود الإقليمية والدولية التي تستهدف تحقيق الأمن والتنمية والاستقرار والرخاء في المنطقة والعالم أجمع.
 * قرار الاتحاد الأوروبي بإلغاء تأشيرة «شنغن» عن مواطني دولة الإمارات العربية المتحدة، بعد تصويت البرلمان الأوروبي بالأغلبية لصالح القرار ، فهذا القرار يعكس أبعاداً استراتيجية سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، حيث يعكس المكانة والتقدير اللذين تحظى بهما دولة الإمارات العربية المتحدة من قبل المجتمع الأوروبي بوجه خاص والمجتمع الدولي بوجه عام، حيث تنظر دول العالم إلى الإمارات باعتبارها رمزاً للاتزان والاعتدال والحكمة وعنصراً أساسياً في معادلة تحقيق الاستقرار والسلام والأمن على المستويين الإقليمي والعالمي. كما أن هذا القرار يؤكد نجاح الدبلوماسية الإماراتية، وقدرتها على تحقيق أهداف السياسة الخارجية الإماراتية، فلا شك في أن قرار الاتحاد الأوروبي هو ترجمة للجهود والتحركات المتواصلة التي قادها سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية، ببراعة واقتدار، ونجاحه في توظيف كل إمكانات الدولة وقدراتها، حتى تحقق هذا الإنجاز الكبير، الذي تتزايد أهميته بالنظر إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة هي من الدول القليلة في العالم التي يتم إعفاء مواطنيها من الحصول على تأشيرة الاتحاد الأوروبي «شينغن». 
 
تمكين المرأة وتعزيز دورها 
 لا شك أن تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة في مجال تمكين المرأة تعد نموذجا لكثير من دول المنطقة والعالم ليس فقط لما حققته المرأة الإماراتية من إنجازات نوعية في المجالات كافة وإنما أيضا لأن هناك تطورا مستمرا في الدور الذي تقوم به المرأة في المجتمع الإماراتي يؤهلها لتصدر المسؤولية في كل مواقع العمل الوطني . وهناك اهتمام متواصل بالمرأة وتفعيل دورها في المجتمع، فقد حرصت الدولة على اتخاذ مجموعة من التدابير من أجل تمكين المرأة منها إنشاء آليات وطنية متمثلة في مؤسسات نسائية تعمل على النهوض بالمرأة في مختلف الجوانب مثل الاتحاد النسائي العام الذي يعمل على وضع الخطط الوطنية الاستراتيجية لتقدم المرأة والجمعيات النسائية ومؤسسة التنمية الأسرية بأبوظبي ومؤسسة تنمية المرأة بدبي والمجلس الأعلى للأسرة بالشارقة والمجلس الأعلى للأمومة والطفولة ، كما حرصت الدولة على الانضمام إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وإبرام تسع اتفاقيات دولية حول تنظيم ساعات العمل وتساوي الأجر والامتيازات الأخرى وسن التشريعات والقوانين التي توفر الحماية القانونية للمرأة وتعاقب كل من يتعدى بالعنف ضد المرأة ويأتي قانون مكافحة الاتجار بالبشر في مقدمة هذه القوانين .ولا شك في أن أحد أهم جوانب التميز في استراتيجية النهوض بالمرأة في دولة الإمارات العربية المتحدة، أنها تستند إلى خطط محددة ذات أهداف واضحة للحاضر والمستقبل تقوم على تنفيذها مؤسسات فاعلة، وهذا ما يفسر النجاحات الكبيرة التي تحققها المرأة وحضورها الفاعل في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والعسكرية وغيرها. 
 
وخلال القمة الحكومية 2015 التي عقدت في دبي أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي « رعاه الله « عن تشكيل « مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين « برئاسة حرم سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة سمو الشيخة منال بنت محمد بن راشد آل مكتوم رئيسة مؤسسة دبي للمرأة.
 
وتحظى المرأة في الامارات برعاية كريمة من سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة والتي ساهمت في تقديم الدعم والتوجيه لها والارتقاء بمكانتها في المجتمع ، حيث عملت سموها على رعاية وتكريم الخريجات المتفوقات في مؤسسات التعليم العالي وقد وفرت سموها العديد من المنح الدراسية لهن كما أطلقت سموها الاستراتيجية الوطنية للأمومة والطفولة في دولة الإمارات العربية المتحدة بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة “ اليونيسيف “ للأعوام العشرة 2012-2021 .
 
وفي شهر مارس 2015 قامت سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة “أم الإمارات”، بإطلاق الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة وريادتها في دولة الإمارات العربية المتحدة 2015 - 2021، بالتزامن مع “يوم المرأة العالمي” الذي يوافق الثامن من شهر مارس كل عام، حيث أشارت سموها بهذه المناسبة إلى قضية محورية تتعلق بجوهر التفوق الإماراتي، سواء على مستوى الارتقاء بوضع المرأة أو في المجالات الأخرى، وهي الإرادة القوية لتجاوز العقبات والمشكلات مهما كانت شدتها أو درجة تعقيدها، وهذا ما أكدته “أم الإمارات” بقولها “إن التحديات التي واجهت العمل من أجل تمكين المرأة خلال السنوات الماضية لم تشكل إعاقة لطموحاتنا، بل مكّنتنا من التفكير بشكل منهجي لطرح وسائل وطرائق أسهمت في تذليلها”. هذا المنهج في التفكير والعمل هو الذي جعل المرأة الإماراتية اليوم في موقعها المتميز، ليس بالمعايير الإقليمية وإنما بالمعايير العالمية، وحوّلها إلى نموذج رائد في المشاركة الفاعلة والحقيقية في كل مجالات العمل الوطني، فأصبحت وزيرة وقاضية وسفيرة ونائبة في البرلمان وحاضرة بقوة على المستويات كافة.
 
إن أهم ما يميز الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة 2015 - 2021، أنها تتضمن أولويات استراتيجية وأهدافاً مرحلية محددة يمكن التحقق من تنفيذها على أرض الواقع؛ حيث تحتوي على أربع أولويات أساسية هي: الحفاظ على استدامة الإنجازات التي تحققت للمرأة الإماراتية والاستمرار في تحقيق المزيد من المكتسبات لها، والحفاظ على النسيج الاجتماعي وتماسكه من خلال تكامل الأدوار بين الرجل والمرأة لبناء مجتمع قوي ومتماسك قادر على مواكبة التغيرات المستجدة، وتوفير مقومات الحياة الكريمة والآمنة والرفاه الاجتماعي بأسس عالية الجودة للمرأة، وتنمية روح الريادة والمسؤولية وتعزيز مكانة المرأة الإماراتية في المحافل الإقليمية والدولية.
 
هذه الأولويات الاستراتيجية الأربع سوف يتم تنفيذها على مرحلتين: الأولى، تستغرق الفترة من 2015 إلى 2018، فيما تستغرق المرحلة الثانية الفترة من 2019 - 2021، وفي كل مرحلة من هاتين المرحلتين أهداف محددة يتم تحقيقها من خلال سياسات واضحة. وهذا يعني أن دولة الإمارات العربية المتحدة تمتلك رؤية كاملة وشاملة حول النهوض بالمرأة لا تتوقف على الحاضر فحسب، وإنما تشمل المستقبل أيضاً، بما يتماشى مع “رؤية الإمارات 2021” التي تهدف إلى جعل الإمارات العربية المتحدة من أفضل دول العالم في الذكرى الخمسين لإنشائها، وتؤكد كل المؤشرات، وفي مقدمتها المؤشرات الخاصة بتمكين المرأة، أن الأمور تسير بقوة نحو تحقيق هذا الهدف.
 
ونتيجة الاهتمام الاستثنائي الذي توليه القيادة الرشيدة بالمرأة الإماراتية، والدور المهم الذي تقوم به أم الإمارات في تعزيز دورها، فقد تقدمت المرأة الإماراتية بخطى متسارعة وثابتة وحققت إنجازات غير مسبوقة قياسا بحداثة عمر دولة الاتحاد في مختلف المجالات، وأصبحت مشاركة المرأة الإماراتية في عمليات اتخاذ القرار لا تقتصر على دخولها المجلس الوطني الاتحادي فقط بل تشمل توليها المناصب القيادية في المؤسسات العاملة بالدولة كوزيرة ووكيلة وزارة ومديرة إدارة بالإضافة إلى الدبلوماسيات وتمثيل الدولة في الخارج واستطاعت المرأة الإماراتية وبفضل دعم القيادة السياسية لها أن تتبوأ مكانة مرموقة في المجتمع حيث وصلت إلى عدد من المناصب القيادية التي تسهم من خلالها في تقديم الرأي والمشورة واتخاذ القرار .
 
اقتصاد قوي في مواجهة الأزمات  
رغم أزمة انخفاض أسعار النفط ، فإن الاقتصاد الإماراتي استطاع خلال العام 2015، الحفاظ على تماسكه، وواصل أداؤه ونموه ، وهذا ما أكده “صندوق النقد الدولي” في تقرير صدر في أكتوبر 2015، أشار فيه إلى أن اقتصاد دولة الإمارات العربية المتحدة ينمو في الوقت الحالي بوتيرة تعادل ضعف نمو اقتصادات منطقة اليورو ، وهذا أمر ينطوي على دلالة مهمة، إذ لا تقتصر القيمة الإيجابية لذلك على مجرد تفوق الاقتصاد الإماراتي في المقارنة الرقمية بين معدلات نموه  ومعدلات نمو اقتصاد دول الاتحاد الأوروبي من ناحية أخرى، لكن الأمر يتسع إلى ما هو أكثر من ذلك بكثير، ولاسيما إذ تم تناول الأمر في سياقه الشامل، المتمثل في حالة الضعف والهشاشة المزمنة التي يبدو عليها الاقتصاد العالمي كله في الوقت الراهن.
 
ففي الوقت الذي يشهد فيه العالم حالة مزمنة من عدم الاستقرار المالي والنقدي، وتزداد فيه مظاهر التباطؤ ويتسع انتشارها لتشمل العديد من البلدان والتجمعات الاقتصادية، ولا يستثنى من ذلك دول الاقتصادات الصاعدة التي ظلت طوال الفترة الماضية المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي العالم، وكان يعول عليها لقيادة الاقتصاد العالمي على طريق التعافي من الأزمة، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة تسير بخطى ثابتة على طريق النمو والازدهار، معتمدة في ذلك على مقومات ذاتية، ومحتفظة لنفسها بمقومات الاستقرار المالي والنقدي، وهو ما يضعها في مرتبة متفردة على مستوى المنطقة والعالم. ولعل ما يزيد من أهمية الإنجاز الإماراتي ويبرزه، هو أنه يتحقق في الوقت الذي تشهد فيه أسعار النفط العالمية تراجعاً استثنائياً، فقدت على إثره نحو 60% من قيمتها، لكن الاقتصاد الإماراتي استطاع أن يقلص من اعتماده على القطاع النفطي ، ويوسع من قاعدته الإنتاجية ليكون أكثر اعتماداً على القطاعات غير النفطية. 
 
كما أن استمرار دولة الإمارات العربية المتحدة في الإنفاق على المشروعات الكبرى يعد أحد المؤشرات المهمة على قوة اقتصادها، وأحد الدعائم الأساسية للاستقرار الذي يتمتع به اقتصادها الوطني في الوقت الراهن، وبالرغم من الصعوبات الجمة التي تواجهها العديد من الاقتصادات حول العالم. وهذا الأمر أكده بالفعل «صندوق النقد العربي» الذي ذكر في تقرير أن استمرار النمو الإماراتي يعود إلى مواصلة الإنفاق الحكومي على المشروعات الكبرى، التي وصفها بـ«المشروعات الداعمة للنشاط الاقتصادي والمؤدية إلى زيادة مستويات التنويع». وتوقع الصندوق أن يساعد ذلك على نمو الاقتصاد الإماراتي بنحو %3.6 في العام 2015 ونحو %3.8 العام 2016. وتتوافق هذه التوقعات مع ما ذكرته مجموعة «ذا بيج فايف» أيضاً بشأن النمو الاقتصادي الإماراتي، التي ذكرت أن المساهمة المباشرة للمشروعات الكبرى في الناتج المحلي الإجمالي الإماراتي تصل إلى نحو 8%، هذا بجانب أثرها غير المباشر ودورها التحفيزي بالنسبة إلى القطاعات المرتبطة بها، كالسياحة والتجارة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والنقل والمواصلات والصناعة والخدمات المالية والمصرفية وغيرها.
 
ريادة في العمل الإنساني والإنمائي
أكدت دولة الإمارات خلال العام 2015 على ريادتها في العمل الإنساني والإنمائي على الصعيد العالمي، حيث حصلت للعام الثاني على التوالي، على المرتبة الأولى عالمياً كأكبر مانح للمساعدات الإنمائية الرسمية خلال عام 2014 قياساً بدخلها القومي الإجمالي، وفقاً للبيانات التي صدرت عن لجنة المساعدات الإنمائية في “منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية”، حيث بلغ حجم المساعدات الإنمائية الرسمية التي قدمتها الدولة 18 مليار درهم (4,89 مليار دولار أمريكي) بنسبة 1,17 من الدخل القومي الإجمالي، وهذا يعتبر أكبر نسبة مساعدات إنمائية رسمية تقدمه أي دولة مقارنة بدخلها القومي الإجمالـي.
 
فيما دشن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في شهر أكتوبر 2015 أكبر مؤسسة إنسانية تنموية مجتمعية في المنطقة، تحت مسمى “مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية”، تجمع تحت مظلتها ثمانٍ وعشرين جهة ومؤسسة تنموية وإنسانية، تعمل في مختلف المجالات التنموية والإغاثية، من أجل وقاية الإنسان من مخاطر الحروب والإرهاب والكوارث الطبيعية، وجعل حياته أكثر كرامة واستقراراً وأمناً، ولضمان استدامة التنمية العالمية. وفي هذا الإطار ذكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم -لدى إطلاقه المبادرة- أن “العالم اليوم يواجه تحديات كبيرة في الإرهاب وفي الحروب وفي الهجرات وغيرها، والحل الحقيقي هو في التنمية.. تنمية الإنسان.. وتعليمه.. وتثقيفه.. ومساعدته على بناء مستقبله”، وتنعكس فلسفة هذا النهج بوضوح في ثنايا المبادرة الجديدة، عبر تبنيها أربعة أهداف حتى عام 2025، وهي: مكافحة الفقر والمرض ونشر المعرفة وتمكين المجتمع وابتكار المستقبل والريادة؛ وهي جميعها أهداف تضع الإنسان في لب اهتمامها.
 
في السياق ذاته، فقد عبر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، خلال استقباله في شهر سبتمبر 2015 وفداً من هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، عن النهج الإنساني الراسخ الذي تتبناه دولة الإمارات العربية المتحدة في سياستها الخارجية، والذي يترجم في مبادرات تستهدف مساعدة الأشقاء في مواجهة التحديات الإنسانية التي تواجههم على المستويات كافة. فقد أكد سموه “أن الأعمال الخيرية والإنسانية التي تقوم بها دولة الإمارات العربية المتحدة، ركن أساسي ومنهج أصيل وثابت في سياسة دولة الإمارات العربية المتحدة الخارجية التي لها سجل حافل من المبادرات الخيرية والإغاثية منذ عهد المؤسس المغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه”.
لقد دأبت دولة الإمارات العربية المتحدة في سياستها الخارجية، على السير قُدُماً بنهجها الإنساني منذ أن أرسى المغفور له -بإذن الله تعالى- الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -طيّب الله ثراه- دعائم هذا النهج الإنساني الفريد، الذي سار عليه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، ليصبح نهجاً ونموذجاً عالمياً يُحتذى به، ويغدو سمة متلازمة لدولة الإمارات العربية المتحدة عند الحديث عن العمل الإنساني في الميادين كافة، بل وبشهادات دولية، وفي مقدمتها منظمة الأمم المتحدة. واليوم باتت الإمارات من أكثر دول العالم إسهاماً في مبادرات العمل الإنساني والخيري وتقديم المساعدات والمنح للمحرومين واللاجئين والمهجرين من أوطانهم بسبب النزاعات والحروب، أو أولئك الذين يعانون شظف العيش والحرمان والفقر والجوع والمرض وغير ذلك من الظروف الحياتية الصعبة، التي يعانيها الكثيرون حول العالم، والتي تقتضي مد يد المساعدة والعون.
 
تطور نوعي في البرنامج الفضائي
قطعت دولة الإمارات العربية المتحدة خلال العام 2015 خطوات مهمة نحو تنفيذ مشروعها الفضائي الطموح، ترجمة للقانون الاتحادي الخاص بإنشاء “وكالة الإمارات للفضاء”، الذي أصدره صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، في سبتمبر 2014 ، من أجل إرسال أول مسبار خليجي وعربي وإسلامي يصل إلى كوكب المريخ في عام 2021، فيما يتيح لدولة الإمارات العربية المتحدة الدخول إلى مجتمع المعرفة وإنتاجها ضمن تسع دول متقدمة في العالم فقط لها برامج استكشاف الكوكب الأحمر.
 
وفي سياق تنفيذ هذا الهدف، أعلنت “وكالة الإمارات للفضاء” في مايو 2015 استراتيجية قطاع الفضاء في دولة الإمارات العربية المتحدة ، والتي تسعى إلى تحقيق ثلاثة أهداف أساسية، وهي: أولاً، تطوير قطاع فضاء وطني بمستوى عالمي، كآلية لدعم التنمية المستدامة على المستوى الوطني، وللإسهام في انضمام الإمارات إلى الدول الرائدة في مجال استكشاف الفضاء على المستوى العالمي. ثانياً، دعم البحوث العلمية الفضائية، ومشروعات الاستكشاف التي تساعد على النهوض بقطاع العلوم وتكنولوجيا الفضاء. ثالثاً، رعاية المواطنين الموهوبين وذوي الكفاءة، ليصبحوا رواداً في التخصصات الفضائيـة.
 
ولا شك في أن هذه الاستراتيجية في مضامينها ودلالاتها المهمة، تؤكد أن دولة الإمارات العربية المتحدة تمتلك من القدرات المعرفية والتكنولوجية ما يؤهلها لتحقيق إنجازات كبيرة في مجال الفضاء، وقيادة العالمين العربي والإسلامي فيه، وهذا أمر ينطوي على مردودات نوعية على أكثر من مستوى: أولها، دعم توجه الدولة نحو اقتصاد المعرفة، إذ إن مجال استكشاف الفضاء، وما يرتبط به من علوم عصرية، يرتبط بدرجة كبيرة باقتصاد المعرفة الذي يمثل أهم مراحل التطور العلمي والتكنولوجي والمعرفي في مسيرة التنمية بأي دولة، فهذه المرحلة التي تقوم على توظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتقنية الحديثة في مشروعات تنموية تنعكس إيجابياً على جودة الحياة ورفاهية الإنسان. 
 
ثانيها، أن دخول الإمارات عصر الفضاء يعكس في أحد جوانبه المهمة نجاح سياسة الدولة الخاصة بالاستثمار في البشر، وبناء قاعدة من الكوادر البشرية المواطنة في هذا المجال الحيوي والنوعي، حيث يحسب للقيادة الرشيدة في هذا الأمر أنها تولي اهتماماً استثنائياً بالثروة البشرية المواطنة، وتحرص على تأهيلها بشكل علمي كي تمتلك أدوات العلوم الحديثة في المجالات المختلفة، وفي مقدمتها الفضاء؛ بهدف الإلمام بعلومه المختلفة، وتوطين التكنولوجيا المرتبطة به. 
 
وتعد دولة الإمارات العربية المتحدة ضمن تسع دول في العالم فقط لها برامج فضائية لاستكشاف المريخ، وهذا يجعلها من الدول الرائدة في تكنولوجيا الفضاء، ليس على المستوى الإقليمي فقط وإنما على المستوى العالمي أيضاً، وخاصة أن لديها مجموعة من الشركات الوطنية العاملة في مجال الأقمار الصناعية، والكثير من المؤسسات التعليمية التي تهتم بتدريس العلوم المرتبطة بصناعة الفضاء وتطبيقاتها المختلفة. ثالثها، أن دخول عصر الفضاء يعزز مسيرة التنمية الشاملة والمستدامة في دولة الإمارات العربية المتحدة، بالنظر إلى ما يمثله هذا المجال من أهمية للكثير من القطاعات الاقتصادية الأخرى، ولذلك فإن الاستثمارات الوطنية في الصناعات والمشروعات المرتبطة بتكنولوجيا الفضاء تتجاوز العشرين مليار درهم، فضلاً عن ذلك، فإن دخول عصر الفضاء يتواكب مع “رؤية الإمارات 2021” التي تستهدف تعزيز مكانة الدولة على خريطة الاقتصادات المتقدمة، وتعزيز شراكتها مع الدول التي تمتلك خبرات في هذا المجال، وبما يسهم، ليس فقط في نقل المعرفة وتوطينها في مجال تكنولوجيا الفضاء، وإنما أيضاً في الإسهام بفاعلية في مجال استكشاف الفضاء عالميـاً.
 
تقدم في المؤشرات والتقارير الدولية
وترجمة لما تمثله الإمارات من نموذج تنموي ناجح، فقد استطاعت أن ترسخ من مكانتها في المؤشرات والتقارير الدولية التي تقيس مظاهر النمو والتطور في المجالات كافة، وبدا هذا واضحاً في التالي:
 
* جاءت دولة الإمارات العربية المتحدة الأولى عربياً وخليجياً في التقرير الدولي عن مؤشر السعادة لعام 2015، الذي يصدر تحت إشراف الأمم المتحدة، كما حصلت على المرتبة الـ 20 عالمياً بين الدول الأكثر سعادة. 
 
* تصدّرت دولة الإمارات العربية المتحدة قائمة الدول العربية في “مقياس الرخاء العالمي” لعام 2015، والصادر عن “معهد ليجاتوم” البريطاني، وللعام الثامن على التوالي، لتؤكد كفاءة النموذج التنموي الإماراتي، وقدرته على تحقيق الأهداف والغايات المنشودة منه، عبر توفير الحياة الكريمة للمواطنين الإماراتيين، ولجميع المقيمين على أرض الوطن، وأنه قادر على المحافظة على مكتسباته ومكانته المتميزة، وماضٍ في طريقة نحو إحراز المزيد من التقدم والارتقاء، إلى أن تتحقق الأهداف التنموية كلها، وأن تحتل دولة الإمارات العربية المتحدة المرتبة التي تليق بها على المستوى العالمي. وأظهر التقرير الصادر عن “معهد ليجاتوم” أن دولة الإمارات العربية المتحدة تبوأت المركز الأول عربياً في عدد من المحاور والمؤشرات الفرعية، وعلى رأسها “محور الأمن والأمان”، و”مؤشر الحريات الشخصية”، الأمر الذي يعبّر عن أن المجتمع الإماراتي قد وصل إلى مستوى من التطور والنضج حتى أصبح واحة للأمن والاستقرار ينعم فيه المواطن والمجتمع كله بأعلى درجات الطمأنينة والأمان، سواء تعلق الأمر بأمنه الشخصي أو أمن أسرته أو ممتلكاته، في حاضره ومستقبله. كما أن حصول الإمارات على المرتبة الأولى عربياً في مؤشر الحرية الشخصية، الذي يقيس مدى حرية الأفراد في ممارسة معتقداتهم، يضيف إلى المشهد جانباً مهماً آخر. والمؤشران معاً يؤكدان أن الإنسان الذي يعيش على أرض دولة الإمارات العربية المتحدة يستطيع ممارسة حياته اليومية ودوره في المجتمع الذي يعيش فيه من دون أي مشكلات أو قيود.
 
* احتلت دولة الإمارات العربية المتحدة - للعام الرابع على التوالي - المرتبة الأولى على قائمة الدول المفضلة للشباب العربي للعيش والإقامة، والنموذج الذي يرغبون في أن تحذو بلدانهم حذوه في مجال التنمية والتطور، وفقاً لنتائج استطلاع “أصداء بيرسون – مارستيلر” السنوي السابع لرأي الشباب العربي” لعام 2015  حيث أكد 20% من الشباب العربي رغبتهم في العيش في دولة الإمارات العربية المتحدة من ضمن قائمة ضمت عشرين دولة، من بينها دول عريقة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وألمانيــا.  ولا شك في أن حفاظ دولة الإمارات العربية المتحدة على موقعها في المرتبة الأولى على قائمة الدول المفضلة للشباب العربي للعيش والإقامة للعام الرابع على التوالي، يؤكد أنها تسير في الطريق السليم، وأن الرؤية التنموية الشاملة التي تتبنّـاها قادرة على الحفاظ على المقومات الجاذبة للعيش فيها من أمن واستقرار وتنمية، وبما يجعل شعبها من أكثر الشعوب سعادة ورضا في المنطقة والعالم، ولهذا تتطلع إليها الأنظار باستمرار من جانب الشباب في الدول العربية والعالم أجمع، أملاً في غد أفضل، ومستقبل مشرق واعـد.
 
* وصفت مجلة “فوربس” دولة الإمارات العربية المتحدة، في تقريرها الذي صدر في أبريل 2015، بأنها تعد واحة للأمن والاستقرار والحداثة والتسامح. وعزت هذا التقدم إلى ما تم إنجازه من جهود كبيرة لترسيخ مبادئ ومعايير الشفافية والمساءلة في المؤسسات الحكومية، مشيرة إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة حققت المركز الأول عالمياً في مؤشر “إدلمان للثقة لعام 2015”، في الوقت الذي فشلت فيه حكومات دول كبرى في كسب ثقة مواطنيها. وأكدت المجلة أن دولة الإمارات العربية المتحدة ماضية في أن تصبح من بين أفضل دول العالم بحلول عام 2021.
 
* حلت الإمارات في المركز السابع عالمياً في “مؤشر نمو تجارة التجزئة لعام 2015”، الصادر عن شركة “إيه تي كيرني” العالمية المتخصصة في مجال الاستشارات، وهو ما يدل على مكانة وحيوية دور الإمارات على خريطة التجارة العالمية، مستفيدة من موقعها الجغرافي الاستراتيجي المهم، كنقطة وصل بين مختلف قارات العالم. هذا الموقع الذي استثمرته من خلال انفتاحها الفعال على العالم الخارجي وأطرها التشريعية والتنفيذية، وبنيتها التحتية والتكنولوجية ومطاراتها وموانئها، التي جعلت منها بوابة وحلقة وصل بين أسواق العالم، من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه.
 
* احتلت الإمارات المركز الأول إقليمياً للعام الثالث على التوالي في التنافسية العالمية كما جاء في أحدث إصدار لتقرير “الكتاب السنوي للتنافسية العالمية” لعام 2015، وبالمقارنة مع دول المنطقة، كما صنّفت في المركز الثاني عشر عالمياً في التقرير العام.وحافظت الدولة على المرتبة الأولى عالمياً للعام الثاني على التوالي في مؤشر “جودة النقل الجوي” الذي يأتي ضمن المحاور الفرعية للتنافسية في إشارة إلى أهمية استثمارات الدولة الضخمة المستمرة لتطوير المطارات وأساطيل الناقلات الجوية الوطنية وقطاع السفر ككل.
 
* حصدت دولة العربية المتحدة  الإمارات المركز الأول في مجال جودة الطرق عالميا وفقا لتقرير التنافسية العالمية الصادر عن منتدي “دافوس” الاقتصادي لعام 2015 – 2016 كناتج لتكاملية مشاريع البنية التحتية للدولة بهدف تحقيق رؤية الدولة لعام 2021 وتماشيا مع الأسس و المعايير الدولية التي تبنتها الدولة لتكون في مصاف أفضل الدول. ويحتوي مؤشر جودة الطرق الذي يأتي ضمن تقرير التنافسية العالمية الصادر عن منتدى دافوس الاقتصادي لعام 2015 - 2016 على معايير تتعدى المواضيع الفنية من حيث تنفيذ الطرق والآليات الهندسية ليتضمن معايير داعمة لحركة التنمية الإقتصادية من حيث توفير شبكة طرق داعمة لحركة التجارة الدولية في الدولة ضمن منظومة متكاملة من الخدمات ترفع معدلات الرضا العام وتحقق أعلى معايير  الامن و السلامة لمستخدمي الطرق.
 
 خـاتمـــــة
يشير تحليل من ماسبق من دلائل وبراهين ومؤشرات إلى أن التجربة الاتحادية لدولة الإمارات العربية المتحدة تسير في الاتجاه السليم، نحو إدراك أهدافها وغاياتها المتعلقة بالتنمية الشاملة والمستدامة، وتحقيق أعلى مستويات التنافسية العالمية والرفاه الاجتماعي للمواطنين، كما تؤكد هذه الدلائل أن الخطى السليمة والثابتة على طريق التنمية تتميز بالتوازن والشمولية والاستدامة، وهذا ما جعل من النموذج التنموي الإماراتي أحد النماذج الناجحة في العالم، التي تتطلع إليها الدول الأخرى للاستفادة منها، وتحرص المؤسسات الدولية على الحصول على دعمها في تنفيذ المشروعات التنموية والكبرى في الدول النامية، وما يتوج الانجازات التي تحققت خلال عام 2015 هو بروز الروح الوطنية والتفاف الشعب حول القيادة الرشيدة بصورة غير مسبوقة اقليمياً ودولياً في مواجهة الحاقدين والكارهين والمتربصين بالمكتسبات التنموية التي حققتها دولة الامارات العربية المتحدة منذ تأسيسها، وبما يعمق روح الأصالة والوطنية ويعمق جذور التجربة الاتحادية.
 
 
 
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره