2022-12-01
الإمارات والمناخ: دور ريادي عالمي في حماية كوكب الأرض
يعكس الحضور الإماراتي القوي في أعمال الدورة ألـ 27 لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول تغير المناخ COP27، والتي عقدت خلال شهر نوفمبر الماضي، بمدينة شرم الشيخ المصرية، يعكس دور الإمارات الريادي البارز عالمياً في التصدي لتداعيات التغير المناخي ورسم سياسات استباقية تحد من هذه التداعيات من أجل حماية مستقبل كوكب الأرض، وفي هذا العدد تسلط “درع الوطن” الضوء على مشاركة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ في هذه القمة، والدور الذي لعبه سموه في تعزيز الجهود الدولية لمجابهة هذه الظاهرة البيئية المتفاقمة.
إعداد: هيئة التحرير
تميزت قمة المناخ COP27 التي استضافتها مدينة شرم الشيخ المصرية في النصف الأول من شهر نوفمبر الماضي، بمشاركة دولية واسعة النطاق، من القادة والزعماء والخبراء والمعنيين، وقد شاركت دولة الإمارات بوفد رفيع المستوى ترأسه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ حيث ضم الوفد ممثلي أكثر من 70 من الجهات الحكومية والخاصة، ما يعكس اهتمام الإمارات الكبير بالعمل المناخي، فضلاً عن حرص عميق على الإسهام الفاعل ودعم جهود استضافة هذا الحدث العالمي الضخم، التي قامت بها جمهورية مصر العربية الشقيقة، لاسيما أن دولة الإمارات تستعج لاستضافة الدورة المقبلة للمؤتمر COP28 العام المقبل.
وكان تقرير صادر عن خبراء المناخ في الأمم المتحدة قد توقع أن يرتفع الاحترار العالمي مع حلول عام 2030 بمعدل 1.5 درجة مئوية مقارنة بعصر ما قبل الثورة الصناعية، أي قبل عشر سنوات من آخر التقديرات التي وضعت قبل ثلاث سنوات، ما يهدد بحصول كوارث جديدة توصف بأنها “غير مسبوقة” في العالم. وعلق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على تقرير خبراء المناخ بالقول إنه “إنذار أحمر للبشرية. أجراس الإنذار تصم الآذان: انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن الوقود الأحفوري وإزالة الغابات تخنق كوكبنا». ورصد التقرير جهود دول الخليج في المحافظة على البيئة، مشيرا إلى أن حكومات هذه المنطقة التي تعتمد في اقتصادياتها بشكل كبير على استغلال الهيدروكربونات سعت في السنوات الأخيرة إلى تغيير خطابها البيئي وذلك ضمن مسعاها لتنويع اقتصاداتها.
وعلى مدار ما يزيد على 3 عقود، بذلت دولة الإمارات العديد من الجهود لتعزيز القدرات المحلية والعالمية لمواجهة التحدي الأكثر خطورة على مستقبل كوكب الأرض واستمرارية الحياة عليه «تحدي التغير المناخي»، فانطلقت مسيرتها في العمل المناخي بتوقيعها وانضمامها إلى اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون في عام 1989، ما يجعل من مسيرتها نموذجاً رائداً للعمل المناخي على المستويين المحلي والعالمي، التي استندت إلى نهج المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في العمل البيئي منذ انطلاق الاتحاد وتعززت بالرؤى الاستشرافية للمستقبل للقيادة الرشيدة. ومثلت حماية البيئة أحد المحاور الرئيسية في نهج القائد المؤسس للبناء التنموي، وظهر هذا واضحاً في مشاركة وفد رسمي من دولة الإمارات في أول اجتماع للأمم المتحدة بشأن حماية البيئة بعد تأسيس اتحاد الدولة بستة أشهر فحسب، وخلال العام الأول من عمر دولة الإمارات تم تأسيس الهيئة الاتحادية للبيئة وإطلاق القانون الاتحادي الأول للبيئة. وفي عام 1975، أي بعد 4 سنوات فقط من تأسيس دولة الإمارات، شكّل المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان الله نهيان، طيب الله ثراه، اللجنة العليا للبيئة في البلاد. ومع ظهور قضية تآكل طبقة الأوزون للعلن وتحولها إلى قضية ذات اهتمام دولي والإعلان عن اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون، شاركت دولة الإمارات في الاتفاقية، ووقعت على بروتوكول مونتريال الخاص بالمواد المسببة لتأكل طبقة الأوزون عام 1989.
ويشير تحليل الشواهد والمؤشرات إلى أن مشاركة دولة الإمارات في قمة المناخ COP27 قد تميزت بسمات حيوية مهمة يمكن رصدها فيما يلي:
الاستعداد الاستباقي الجيد: اعتادت دولة الامارات على تنظيم الفعاليات والأحداث الدولية الكبرى، وتركت بصمات واضحة على دورها في كل الفعاليات الدولية التي استضافتها على أراضيها، ولذلك فإن الدولة قد راكمت موروث هائل من الخبرات التنظيمية والإدارية التي تجعل من كل مناسبة تلتئم على أرض دولة الإمارات بمنزلة حدث استثنائي، ومن أبرز وأهم عوامل هذا النجاح والتميز، بالإضافة إلى الخبرات المتراكمة، الجهود والدقة والجدية في التنظيم وهو ما يتجسد في الاستعداد الاستباقي المبكر لكل حدث، وهذه السمة يمكن ملاحظتها في المشاركة الإماراتية الكثيفة في قمة COP27، حيث ضم وفد الدولة ـ كما أسلفنا ـ ممثلي نحو 70 من الجهات الاماراتية، ما يسهم في بناء أرضية جيدة لإنجاح قمة COP28، فضلاً عن إبراز سجل الإمارات المناخي الريادي إقليمياً ودولياً، والتعريف بجهودها ودورها على هذا الصعيد.
الرؤية الاستراتيجية المتكاملة: كعادة دولة الامارات في السعي دائماً نحو تعزيز التعاون الدولي في التعاطي مع جميع الملفات والتحديات التي تواجه العالم، يبرز دور الإمارات في العمل المناخي كإحدى الدول الرائدة في تكثيف العمل الدبلوماسي من اجل توحيد جهود دول العالم من أجل التصدي لتداعيات ظاهرة التغير المناخي، وقد ركزت الدولة في هذا الشأن على بناء النموذج المستدام الذي يحفز الدول كافة على الالتزام بمخرجات “اتفاق باريس للمناخ”، والذي يستهدف تقليص الاحتباس الحراري، لاسيما في ظل تعاظم معضلة نقص الطاقة، كأحد تداعيات حرب أوكرانيا، التي إعادت إلى الواجهة النقاش حول سياسات الحد من انبعاث ثاني أكسيد الكربون، والدعم المقدم من الدول الكبرى للدول الأكثر تضرراً بسبب تداعيات التغير المناخي، خصوصا في أفريقيا -الأكثر تضررًا- والتي تحتاج بحسب “مؤتمر كوبنهاجن عام 2009” إلى 100 مليار دولار سنويا، كدول نامية، لتعويض الأضرار الناجمة عن التلوث البيئي. حيث تحتاج أفريقيا إلى نحو 190 مليار دولار بين 2026-2030، للوصول إلى مستهدفات الطاقة النظيفة، بينما يحتاج العالم إلى نحو 4 تريليونات دولار سنويا حتى عام 2030، للوصول إلى أهداف الطاقة النظيفة.
المسؤولية الدولية للإمارات: اثبت الدور الإماراتي البارز في قمة COP27 حرص الدولة على الاضطلاع بمسؤوليتها في الحفاظ على الأمن والاستقرار العالميين من خلال الاسهام الفاعل في مواجهة تحديات التغير المناخي، التي أصبحت تتصدر أجندة العمل في معظم دول العالم، حيث تدرك الإمارات أن تكلفة تغير المناخ ستكون كبيرة جدا على الدول كافة، خصوصًا النامية، أو التي تعاني صراعاتٍ وحروبًا. وتنطلق الإمارات في ممارسة مسؤوليتها الدولية في هذا الملف، من دورها وسجلها المميز للغاية على صعيد العمل المناخي، وهو ما أكده صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، خلال مؤتمر COP27، حيث أكد سموه على أن النفط والغاز في بلاده من الأقل كثافة في الكربون عالميا، وأن الإمارات كانت الأولى إقليميا في طرح مبادرات للحياد المناخي بحلول عام 2050. ويرتبط حرص الإمارات على الإسهام في إنجاح القمة لكونها الدولة التي ستستضيف قمة COP28 التي ستعقد العام المقبل في مدينة دبي، وتحرص الإمارات على مشاركة جميع الفئات من خلال التمثيل المناسب للمرأة والشباب ومشاركة الحلول العملية التي تسهم في الحد من الأضرار وخلق نمو اقتصادي للبشرية في كل مكان، حيث أنهى صاحب السمو رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ كلمته في مؤتمر المناخ 2022 بـقوله «إن مستقبل أولادنا وأحفادنا يعتمد علي الخطوات التي نتخذها اليوم.
تحليل مضمن كلمة رئيس الدولة
وقد تضمنت الكلمة التي ألقاها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ في قمة المناخ COP27 بشرم الشيخ، نقاط رئيسية عدة بالغة الأهمية يمكن تناولها من خلال تحليل مضمون الكلمة فيما يلي:
دعم دعوة مصر بشأن انهاء حرب أوكرانيا: حرص صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ في بداية كلمته على إعلان تأييد الدعوة التي طرحها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في كلمته بشأن ضرورة السعي لانهاء الحرب الروسية ـ الأوكرانيا، لما لها من تداعيات متصاعدة على الأمن والاستقرار واقتصادات دول العالم أجمع.
استنفار الطاقات والجهود الدولية: قال صاحب السمو رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ خلال كلمته «نجتمع في وقتٍ حرجٍ لكوكبنا، فعالمنا يواجه العديد من التحديات ومن أهمها تغير المناخ الذي أصبح يؤثر على الاستقرار والأمن في العالم.. وبما أننا لا نملك إلا أرضا واحدة من الضروري أن نوحد جهودنا لمعالجة هذا التَحدي من خلال العملِ المناخي الذي ننظر إليه كونه فرصة للابتكار وإيجاد الحلولِ وتنويع الاقتصاد».
رسالة طمأنة للعالم: تحرص دولة الإمارات دائماً على أن تكون ركيزة للأمن والاستقرار في العالم أجمع سواء من خلال جهودها في تسوية الأزمات، أو في مجال المساعدات الانسانية وإعادة الإعمار في مرحلة مابعد النزاعات، أو تهدئة المخاوف الدولية جراء أزمة الطاقة، حيث تتحمل الدولة في هذا الشأن مسؤولياتها على مستوى القول والفعل، وفي ذلك أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ خلال كلمته، التزام دولة الإمارات بضمان أمن الطاقة مع خفض الانبعاثات، موضحاً أن النفط والغاز في الدولة يعد من بين الأقل كثافة في الكربون على مستوى العالم، وأن العمل مستمر على خفض الانبعاثات في هذا القطاع الحيوي، تماشياً مع رؤية الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه». وأشارسموه إلى أن « دولة الإمارات تعد مزوداً مسؤولاً للطاقة، وستستمر في هذا الدور طالما كان العالم بحاجة إلى النفط والغاز.. وبحكم الجيولوجيا فإن النفط والغاز في دولة الإمارات هي من الأنواع الأقل كثافة كربونية في العالم وسنواصل التركيز على خفض الانبعاثات في هذا القطاع وهذا ليس بجديد.. فقد وجه الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ـ طيب الله ثراه ـ بوقف عمليات حرق الغاز منذ عدة عقود وأرسى ركائز الاستدامة في دولة الإمارات حفاظاً على البيئة والموارد الطبيعية.. وسيراً على هذا النهج بدأنا منذ عقود العمل على تنويع اقتصادنا.. وبناء القدرات في الطاقة المتجددة والنظيفة لتحفيز النمو الاقتصادي والاجتماعي المستدام».
إبراز دولة الإمارات في مجال التغير المناخي: أوضح صاحب السمو رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ في كلمته أن الإمارات كانت أول دولة في المنطقة تعلن مبادرة إستراتيجية لتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050 ..كما تطرق إلى الشراكة التي جرى إطلاقها مؤخراً بين دولة الإمارات والولايات المتحدة الأميركية بهدف تعزيز أمن الطاقة ودعم العمل المناخي من خلال استثمار 100 مليار دولار لبناء مشروعات لإنتاج 100 جيجاواط من الطاقة النظيفة في مختلف أنحاء العالم. وشدد سموه على المنافع والمكاسب الكثيرة التي تحققها مبادرات الاستثمار في التكنولوجيا النظيفة والعمل المناخي والفرص الاقتصادية والتنموية المتزايدة التي تتيحها والتي تصبُّ في نهاية الأمر في مصلحة الأجيال القادمة من خلال تأمين مستقبل مستدام لكوكبنا .. وقال : «إن هذه المبادرات تخلق قطاعات جديدة ومهارات جديدة ووظائف جديدة وتساعد في إبقاء الأمل بتفادي ارتفاع درجة حرارة الأرض». وأضاف أن دولة الإمارات ماضية في الالتزام بنهج مد جسور التعاون والتواصل مع المجتمع الدولي وبمبدأ الاستمرار والمثابرة في العمل المناخي. وكانت الامارات أولى الدول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تلتزم بتحقيق الحياد المناخي في عام 2050، حيث تحتضن الدولة 3 من أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم وأقلها تكلفة، كما أنها أول دولة إقليمية تطبق تقنية التقاط الكربون واستخدامه وتخزينه على نطاق صناعي واسع.
الرؤية التشاركية: تحرص دولة الإمارات دائماً على بناء مقاربات تشاركية مع العالم في مختلف جهودها ومبادراتها ضماناً لنجاح هذه الجهود والمبادرات من خلال تضافر الجهود الدولية كافة، وهنا يمكن الإشارة إلى قول صاحب السمو رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ في كلمته: «فيما نستعد لاستضافة الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف في « مدينة إكسبو دبي» خلال عام 2023..فإننا سنركز على دعم تنفيذ مخرجات المؤتمرات السابقة وكذلك على إنجاز أول تقييم عالمي للتقدم في « اتفاق باريس للمناخ «.. وسنحرص على مشاركة واحتواء الجميع بما في ذلك التمثيل المناسب للمرأة وإشراك الشباب من جميع أنحاء العالم وحشد طاقاتهم وتحفيز شغفهم الكبير لإيجاد حلول مستدامة».
ووجه صاحب السمو رئيس الدولة دعوة إلى الجميع في العالم للتعاون في إيجاد حلول عملية تسهم في معالجة الخسائر والأضرار وخلق فرص نمو اقتصادي مستدام للبشر في كل مكان». ومن المعروف أن اتفاق باريس للمناخ، والذي تم التوافق عليه في ديسمبر عام 2015، يعد أحد أهم آليات التصدي لتداعيات التغير المناخي دولياً، حيث يستهدف الحد من ارتفع متوسط درجة حرارة الكرة الأرضية وفق معدلات محددة بتوقيتات زمنية، ولتحقيق هذه الغاية فقد اتفقت الدول الموقعة على الاتفاق على توزيع الأدوار فيما يتعلق بالحد من تأثير الأنشطة الاقتصادية والصناعية على المناخ، وهي تعهدات يفترض أن ترتقي بمرور الوقت بما يتماهى مع ارتفاع مستوى التحدي البيئي الناجم عن تصاعد وتيرة التغير المناخي وتداعياته المتزايدة على دول العالم. وتكمن المعضلة في هذا الاتفاق المهم أنه لا يوجد آليات واضحة لقياس الالتزام بتطبيق تعهدات الدول الواردة في الاتفاق، وبالتالي فإن المبادرة الإماراتية بشأن ايجاد أول تقييم عالمي للجهود المتعلقة بهذا الشأن، يمثل نقلة نوعية في التعامل الدولي الجاد مع هذا الملف الحيوي، لوضع العالم أمام مسؤولياته البيئية، والعمل وفق برامج منظمة تنطلق من معطيات ومعلومات دقيقة بدلاً من تبادل الاتهامات والوعود دون التعرف على حقيقة مايحدث من تطورات ورصد انجازات الدول على صعيد تحقيق مستهدفات اتفاق باريس ومراقبة التقدم الحاصل في هذا الشأن. وتعزز هذه المبادرة مكانة الإمارات ودورها وتعكس قدرتها كأول دولة عربية تنضم إلى اتفاق باريس للمناخ.
بصمة الإمارات ونهجها المستقبلي: تحرص دولة الإمارات دائماً على وضع بصمتها الحضارية على مختلف المناسبات والفعاليات الدولية التي تشارك فيها، ولأن نهج الإمارات يتسم بالايجابية وتحفيز الطاقات والتخطيط للمستقبل ووضع الأجيال المقبلة دوماً في الحسبان، فقد تضمنت كلمة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ـ حفظه الله ـ في ختامها على دعوة حظيت بقدر واسع من الاهتمام الإعلامي والسياسي الدولي، حيث قال سموه «أتمنى النجاح والتوفيق لجهودنا المشتركة لأنَّ مخاطر تغير المناخ تستهدف الجميع دون استثناء..ومستقبل أبنائنا وأحفادنا يعتمد على الخطوات التي نتخذها اليوم». وفي هذا الإطار قال وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة المبعوث الخاص لدولة الإمارات للتغير المناخي، الدكتور سلطان بن أحمد الجابر، إن كلمة صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ أمام اجتماع قادة العالم ضمن فعاليات مؤتمر الأطراف، في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ COP27، رسمت رؤية واضحة لنهج الإمارات الاستراتيجي في مجالات العمل المناخي والاستدامة، حيث أكد سموه أن العمل المناخي الفعال يسرّع فرص التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.
وأشار الجابر إلى أن هذا النهج يستند إلى نظرة شاملة ومتكاملة وواقعية، حول الارتباط الوثيق بين ضمان أمن الطاقة والعمل المناخي، لأنه في حال عدم تلبية احتياجات الطاقة الأساسية للعالم، سيتباطأ النمو الاقتصادي، ما يؤثر بشدة في الموارد اللازمة لدعم العمل المناخي، وتحقيق انتقال عملي وواقعي ومجد اقتصادياً في قطاع الطاقة، لافتاً إلى ما أكده صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، من أن الإمارات ماضية في دورها مورداً مسؤولاً للطاقة منخفضة الانبعاثات وللطاقة النظيفة، بما يضمن استمرارية النمو، ويتيح الموارد اللازمة لدعم العمل المناخي.
وقال الجابر إن كلمة صاحب السموّ رئيس الدولة، أوضحت أن “الإمارات تعتمد نهج الاستمرارية والمثابرة، وأننا سندعم مصر الشقيقة في رئاستها مؤتمر الأطراف COP27، وسنتعاون مع المجتمع الدولي لاستيعاب أولويات كل الأطراف، وسنركز على ربط النتائج والمخرجات بين مؤتمر شرم الشيخ، ومؤتمر الإمارات للمناخ COP28، الذي نستضيفه في مدينة إكسبو دبي العام القادم، والذي سنحرص على أن يكون شاملاً، ويحتوي الجميع، لضمان مشاركة واسعة النطاق في رسم ملامح العمل المناخي في المستقبل”. وأوضح أن الدورة المقبلة من هذا المؤتمر تكتسب أهمية خاصة، كونها ستشهد أول تقييم للحصيلة العالمية للتقدم في تحقيق أهداف اتفاق باريس، وسنركز على توفيق الآراء، ورفع سقف الطموح لتحقيق تقدم فعليّ في مختلف المسارات، بما في ذلك دعم الدول الأكثر تعرضاً لتداعيات تغير المناخ، وتحديد إجراءات التكيف، ومعالجة الخسائر والأضرار. كما أكد صاحب السموّ رئيس الدولة في كلمته، أن نهج التنمية المستدامة راسخ منذ عقود عديدة في الإمارات، فقد كان الوالد المؤسس المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، أول من أرسى ركائز الاستدامة، وصون البيئة ومواردنا الطبيعية، فقد وجّه، طيّب الله ثراه، بوقف حرق الغاز قبل 30 عاماً من إطلاق البنك الدولي مبادرة لتحقيق هذا الهدف. ونحن مستمرون بمضاعفة العمل لتحقيق رؤية القيادة الرشيدة، باستمرار خفض الانبعاثات من قطاع النفط والغاز، بالتزامن مع الاستثمار في منظومة الطاقة المستقبلية النظيفة، ودفع التقدم في العمل المناخي.
ولفت الجابر إلى أن كلمة صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في المؤتمر، قدمت خريطة طريق واضحة ورؤية شاملة لمعالجة التحديات، ونحن مستمرون في الاسترشاد برؤية سموه في التعامل مع التحديات بذهنية إيجابية، والعمل على إيجاد حلول مناسبة، بالتعاون مع شركاء يتبنّون الرؤى والأفكار والتوجهات نفسها، لأن السعي الدائم لتحقيق التقدم هو في صلب وجوهر نهجنا.
جهود الإمارات لحماية البيئة والطاقة النظيفة والمتجددة
في ضوء ماسبق، لم يكن قرار اختيار الإمارات لاستضافة مؤتمر (COP 28 مفاجئاً، بل جاء تتويجاً وإقراراً دولياً بالجهود التي تبذلها الدولة لحماية البيئة، ودعم الجهود العالمية في مجال الطاقة النظيفة والمتجددة، وخفض الانبعاثات، والحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، وفيما يلي أبرز جهود الإمارات في هذا الشأن:
أعلنت الدولة مطلع شهر أكتوبر الماضي، عن مبادرتها الاستراتيجية لتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050، والتي تهدف إلى مزج مصادر الطاقة المتجددة والنووية والنظيفة، لضمان تحقيق التوازن بين الاحتياجات الاقتصادية والأهداف البيئية باستثمارات تبلغ 600 مليار درهم، حتى 2050، ورفع كفاءة الاستهلاك الفردي والمؤسسي بنسبة 40%، ورفع مساهمة الطاقة النظيفة في إجمالي مزيج الطاقة المنتجة في الدولة إلى 50%، وتحقيق توفير يعادل 700 مليار درهم حتى عام 2050، إضافة إلى خفض الانبعاثات الكربونية من عملية إنتاج الكهرباء بنسبة 70% خلال العقود الثلاثة، كما أطلقت استراتيجية أبوظبي لإدارة جانب الطلب وترشيد استخدام الطاقة 2030، واستراتيجية دبي للطاقة النظيفة 2050.
صادقت الإمارات على اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون 1989، وانضمت إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ عام 1995، وصادقت كذلك على بروتوكول كيوتو 2005، كأول دولة من الدول الرئيسية المنتجة للنفط، كما وقعت على اتفاق باريس 2015، إلى جانب استضافة مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة بمدينة مصدر في أبوظبي منذ عام 2015.
استثمرت الإمارات 50 مليار دولار بمشروعات للطاقة المتجددة في 70 دولة، منها 31 من الدول الجُزُرية النامية الأكثر تعرضاً لتداعيات تغير المناخ.
أعلنت الإمارات التزامها استثمار 50 مليار دولار إضافية خلال السنوات العشر المقبلة في كثير من البلدان لتسريع مسار الانتقال إلى الطاقة النظيفة.
وقّعت الإمارات اتفاقية شراكة مع الولايات المتحدة، بقيمة 100 مليار دولار، لتنفيذ مشروعات للطاقة النظيفة تبلغ طاقتها الإنتاجية 100 غيغاواط في دولة الإمارات والولايات المتحدة والاقتصادات الناشئة بحلول عام 2035.
تعكف إمارة أبو ظبي على بناء أكبر محطة طاقة شمسية في العالم.
دخلت الإمارات في قائمة الدول الـ20 الأوائل عالمياً في 8 مؤشرات خاصة بالتغير المناخي والبيئة لعام 2020، والتي تهدف إلى تحقيق الاستدامة في كل المجالات، وتحويل اقتصاد الدولة إلى اقتصاد أخضر مستدام من شأنه أن يخفض الانبعاثات.
خصصت دولة الإمارات 600 مليار درهم للاستثمار في مجال الطاقة النظيفة والمتجددة حتى 2050 للتحول إلى اقتصاد خالٍ من الانبعاثات الغازية الضارة بالبيئة.
إطلاق الخطة الوطنية للتغير المناخي لدولة الإمارات 2017 -2050، التي تمثل خارطة طريق لدعم الأنشطة والمبادرات الوطنية الرامية إلى مواجهة التحديات المناخية، من خلال الحد من تداعيات تغير المناخ، وتعزيز تدابير وإجراءات التكيف في دولة الإمارات ضمن إطار زمني يمتد حتى عام 2050، والبرنامج الوطني للتكيف مع تداعيات التغير المناخي. وانطلاقاً من اهتمام الدولة بفئة الشباب وإشراكها في صناعة المستقبل، تم إطلاق استراتيجية شباب الإمارات من أجل المناخ.
في ختام قمة COP27، تعهدت الدول الكبرى بدعم الدول النامية بمبلغ 100 مليار دولار لمساعدتها في تجاوز أخطار التغيير المناخي، فيما تعهد القطاع الخاص بضخ 130 تريليون دولار للتحول للاقتصاد الأخضر، كما جددت الإمارات إعلانها بالوفاء بالتزاماتها الطوعية وفق توجهاتها وإستراتيجياتها المستقبلية الخاصة باستخدام ونشر حلول الطاقة المتجددة وخفض انبعاثات الكربون.
بدأت الإمارات منذ سنوات بإطلاق مجموعة من المبادرات الوطنية واتخاذ سلسلة من التدابير لكبح التغير المناخي والتكيف مع تداعياته في مختلف القطاعات، تستند جميعها إلى استشراف المستقبل وتوظيف التقنيات والحلول المبتكرة وأفضل الممارسات، حيث دشنت في عام 2013 محطة شمس، أولى للطاقة الشمسية في أبوظبي، تلاها تدشين مشاريع مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية في دبي، وتشغيل محطة نور أبوظبي للطاقة الشمسية في أبوظبي عام 2019، التي تبلغ طاقتها الإنتاجية 1,177 ميجاوات تغطي احتياجات 90 ألف شخص، وتسهم في خفض الانبعاثات الكربونية بنحو مليون طن متري سنوياً، ومشروع براكة للطاقة النووية في منطقة الظفرة بإمارة أبوظبي، التي تبلغ الطاقة الإنتاجية للمفاعلات الأربعة 5.6 جيجاوات، وغيرها من المشاريع.
تم إطلاق المشروع الأول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لإنتاج الهيدروجين الأخضر، وهو الأول من بين العديد من المشاريع في الدولة لتطوير اقتصاد الهيدروجين الأخضر وفتح أسواق الهيدروجين المحلية التي ستخدم مختلف القطاعات.
تبنت الدولة نهج العمارة الخضراء في قطاع المباني، لإدراكها أن القطاع من أكبر مصادر انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على المستوى العالمي، حيث دفعت إلى تطبيق معايير هذا النهج، بصورة إلزامية في كل من أبوظبي ودبي، إضافة إلى المباني الحكومية.
على المستوى المعرفي والبحثي، تعد شبكة الإمارات لأبحاث المناخ واحدة من أهم جهود الدولة في مجال المناخ، حيث تعمل الشبكة على سد وتقليل الفجوات المعرفية حول ما تتعرض له الدولة، والمنطقة بشكل عام، من تداعيات للتغير المناخي حالياً، وما ستشهده مستقبلاً عبر بحوث ودراسات وتحليلات علمية متخصصة، وبناء قاعدة بيانات متكاملة، تحدد من خلالها التوجهات واستراتيجيات العمل المطلوبة للتكيف مع هذه التداعيات.
على الصعيد المؤسسي، حصلت دولة الإمارات، خلال السنوات الماضية، على عضوية العديد من المنظمات الدولية التي من شأنها أن تلعب دوراً مهماً في مكافحة التغير المناخي، ومن أهمها وكالة إيرينا “الوكالة الدولية للطاقة المتجددة” ومقرها أبوظبي، والمجلس الأعلى العالمي للطاقة، ومنظمات الأمم المتحدة التي تهتم بمكافحة التغير المناخي، وحققت إنجازات كبيرة على مدى سنوات، وقد دخلت دولة الإمارات ضمن 20 دولة، الأوائل عالمياً في 8 مؤشرات خاصة بالتغير المناخي والبيئة لعام 2020، وتهدف إلى تحقيق الاستدامة في شتى المجالات، وتحويل اقتصاد دولة الإمارات إلى اقتصاد أخضر مستدام يكون قادراً على تخفيض الانبعاثات في القطاعات الاقتصادية كافة، والذي سوف يُسهم بشكل كبير في التصدي للتغير المناخي.
جاءت المشاركة الإماراتية في مؤتمر التغير المناخي بشرم الشيخ، بالتزامن مع تحقيق إنجاز جديد بالإعلان عن إنتاج أول ميجاواط من الكهرباء الصديقة للبيئة من ثالث محطات براكة الأربع، أول مفاعل سلمي للطاقة النووية في العالم العربي. وهو إنجاز جديد على طريق تحقيق الإمارات هدف الحياد المناخي (تحقيق صافي انبعاثات صفرية) بحلول 2050.
تقوم دولة الإمارات بجهد بارز في حشد الجهود العالمية لمواجهة تحديات التغير المناخي من خلال استضافتها لكبرى الفعاليات والأحداث التي شكلت منصة جامعة لكبار المسؤولين وصناع القرار والخبراء من حول العالم. وإضافة إلى مؤتمر “COP28”، تستضيف دولة الإمارات بشكل سنوي فعاليات أسبوع أبوظبي للاستدامة، ومنتدى المناخ في القمة العالمية للحكومات، والقمة العالمية للاقتصاد الأخضر، والمعرض السنوي لتكنولوجيا المياه والبيئة والطاقة “ويتيكس”، إضافة لاستضافتها للمقر الدائم للوكالة الدولية للطاقة المتجددة “آيرينا”.
أطلقت الإمارات هذا العام برنامج “اتحاد 7”، وهو برنامج ابتكاري لتأمين التمويل لمشروعات الطاقة المتجددة في إفريقيا، ويهدف إلى توفير الكهرباء النظيفة لنحو 100 مليون فرد بحلول عام 2035.
أطلقت دولة الإمارات في نوفمبر الماضي مبادرة “الابتكار الزراعي للمناخ”، وهي مبادرة عالمية كبرى تقودها الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية بمشاركة 30 دولة. وتهدف المبادرة التي تصل قيمة التزاماتها الأولية إلى 4 مليارات دولار، إلى تسريع العمل على تطوير أنظمة غذائية وزراعية ذكية مناخياً على مدى الأعوام الخمسة المقبلة، وقد تعهدت دولة الإمارات باستثمار إضافي قيمته مليار دولار كجزء من هذه المبادرة.
تحتل الإمارات مكانة متقدمة عالمياً على مستوى الاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة والنظيفة بحوالي 50 مليار دولار فيما أعلنت مؤخراً خطتها لاستثمار أكثر من 50 مليار دولار خلال العقد المقبل في مزيد من المشاريع بما فيها الهيدروجين والأمونيا.
تمتلك دولة الإمارات مشاريع في 70 دولة، وتشمل تقديم أكثر من مليار دولار أمريكي في شكل منح وقروض لـ27 دولة جزرية تعاني من شح الموارد وتعد أكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ.
أطلقت دولة الإمارات العديد من البرامج المبتكرة لزيادة كفاءة الطاقة وفعاليتها. ففي عام 2014، أطلقت دبي استراتيجية المدينة الذكية معتمدةً على 1000 خدمة حكومية، وتطوير 6 مجالات رئيسة وهي: النقل، والبنية التحتية، والاتصالات ،والخدمات المالية ،والتخطيط العمراني، والكهرباء.
تقوم هذه الاستراتيجية على خطوات تهدف إلى تحسين الطاقة والنقل الذكي والمجالات الترفيهية، وسيكون لترشيد الطاقة دورًا في هذه الاستراتيجية بالإضافة إلى زيادة وسائل النقل العام.
في عام 2010، وافق مجلس الوزراء في دولة الإمارات على اعتماد معايير البناء الأخضر ومعايير البناء المستدام ليتم تطبيقها في جميع أنحاء الدولة. وقد بدأ تطبيق هذه المعايير في المباني الحكومية مطلع عام 2011. ومن المتوقع أن يوفر المشروع 10 مليار درهم إماراتي بحلول عام 2030 ، وأن يُخفض نحو 30 في المائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
في عام 2011 أصدرت حكومة دبي مجموعة من قوانين البناء الأخضر الخاص بإنشاءات القطاع الخاص بغرض تقليل استهلاك الطاقة والموارد، بالإضافة إلى تحسين الصحة والرفاهية العامة. ويعد هذا القانون ملزمًا لكافة المباني الجديدة.
لا يوجد تعليقات