مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2022-02-01

الامارات وجهود إحلال السلام والاستقرار في العالم

مع بداية مهام العضوية غير الدائمة بمجلس الأمن الدولي (2022 ـ 2023)
 
شـغلت دولة الامـارات العربيـة المتحـدة في بدايـة العام الحـالي مقعدهـا في مجلس الأمن الدولي للفترة من «2022 - 2023» لتواصل جهودها في إحلال السلام والاستقرار من خلال أداء المسؤوليات الكبيرة المنوطة بعضويتها خلال هذين العامين. وفي هذا العدد تسلط «درع الوطن» الضوء على دور دولة الامارات في الحفاظ على الأمن والسلم اقليمياً ودولياً، ورؤيتها الاستراتيجية وأهدافها الطموحة التي تسعى لتحقيقها من خلال العضوية غير الدائمة التي تشغلها الامارات للمرة الأولى منذ عام 1987.
 
 
إعداد: هيئة التحرير
في الأول من يناير 2022، تسلمت بعثة دولة الامارات لدى الأمم المتحدة مقعدها في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، وقالت لانا نسيبة مندوبة دولة الامارات لدى المنظمة الدولية في تغريدة عبر حسابها الرسمي على موقع «تويتر» ترافق امتيازات عضوية الدولة في المجلس مسؤوليات كبيرة، حيث سنواصل جهودنا نحو إحلال السلام والاستقرار والتعددية في جميع أنحاء العالم».  وأضافت يشرفنا شغل مقعدنا في المجلس ونتطلع إلى عامين من الجهود المثمرة». 
 
 
ومن المعروف أن مجلس الأمن الدولي، وهو الهيئة الأعلى في الأمم المتحدة، يتألف من 15 عضواً، من بينهم 5 أعضاء دائمين (الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا) ويتمتعون جميعاً بحق النقض (الفيتو) بالإضافة إلى 10 أعضاء غير دائمين يجري انتخابهم من جانب أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة سنوياً وفق نظام التجديد النصفي، حيث يتم انتخاب 5 أعضاء سنوياً ليصبحوا أعضاء غير دائمين لمدة عامين. ويتطلب صدور أي قرار في مجلس الأمن الدولي موافقة 9 أعضاء على الأقل، شريطة ألا يستخدم أي عضو من الأعضاء الدائمين حق «النقض» (الفيتو) ضد مشروع القرار، بينما لا يؤثر امتناع أي دولة من الدول دائمة العضوية على التصويت بصدور القرار طالما حصل على موافقة 9 أعضاء بالمجلس. يذكر أن أكثر من 50 دولة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، لم يتم انتخابها لعضوية المجلس المؤقتة منذ تشكيله عام 1946.
 
 
وقد انتخبت الجمعية العامة للأمم المتحدة، دولة الامارات، للمرة الثانية في تاريخها، عضواً غير دائم بالمجلس عن مجموعة آسيا والمحيط الهادئ، بإجماع 179 صوتاً، من بين 193 عضواً، في تتويج للحملة التي دشنتها البعثة الاماراتية بالمنظمة الدولية تحت شعار “نحن أقوى باتحادنا”، ما يعكس اعترافاً دولياً واسع النطاق بقدرة الدبلوماسية الاماراتية على الاسهام في تحقيق أهداف المجلس، واقراراً بالإسهامات البارزة للدولة في مجالات عدة مثل العمل الانساني والاغاثي والالتزام بمبادئ الأمم المتحدة والسعي لدعم دورها. وتكتسب عضوية دولة الامارات غير الدائمة بمجلس الأمن أبعاداً مهمة بالنظر إلى عوامل واعتبارات عدة في مقدمتها عامل التوقيت، حيث تأتي عضوية الامارات وقدرتها على حلحلة دور المجلس في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، في وقت تحتاج فيه النزاعات الاقليمية إلى طرف يدرك خطورة استمرار الأزمات في دول مثل سوريا واليمن وليبيا إلى جانب ضرورة معالجة ملفات دولية حيوية مثل قضية البرنامج النووي الايراني والتهديد النووي الكوري الشمالي ومواصلة الحشد الدولي من أجل التصدي لخطر تنظيمات الارهاب وجماعاته.
 
 
 
 
تطلعات القيادة الرشيدة لدور فاعل في مجلس الأمن
عندما اُنتخبت دولة الامارات في يونيو 2021، عضواً غير دائم بمجلس الأمن، قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في تغريدة عبر موقع «تويتر»  إن «انتخاب دولة الامارات لعضوية مجلس الأمن ‏للفترة 2023-2022 يعكس دبلوماسيتها  النشطة، وموقعها الدولي، ونموذجها ‏التنموي المتميز .. كل الشكر لفريق الدبلوماسية الإماراتي بقيادة الشيخ عبدالله بن ‏زايد .. ونتطلع لفترة عضوية فاعلة وإيجابية ونشطة في مجلس الأمن الدولي»، ومن جهته اعتبر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة أن «انتخاب دولة الإمارات اليوم لعضوية مجلس ‏الأمن الدولي للفترة من 2023-2022 يجسد ثقة العالم في السياسة الإماراتية، ‏وكفاءة منظومتها الدبلوماسية وفاعليتها‎»‎، وأضاف سموه أنه «انطلاقاً من المبادئ والقيم التي تأسست عليها، ستواصل ‏الإمارات مسؤوليتها من أجل ترسيخ السلام والتعاون والتنمية على الساحة الدولية»‏‎.‎ 
 
 
وقال سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي في مستهل حملة الامارات للعضوية غير الدائمة في مجلس الأمن: «لقد كانت دولة الامارات مستعدة دائماً للاضطلاع بنصيبها في مسؤولية مواجهة التحديات العالمية الملحة بالتعاون مع المجتمع الدولي، وهذا هو الدافع الأساسي لحملتنا لعضوية مجلس الأمن»، وأضاف سموه «التزمت دولة الإمارات بالعمل المتعدد الأطراف، والقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة منذ تأسيسها وستستمر الدولة في التمسك بهذه المبادئ خلال عضويتها في مجلس الأمن. وإنني على ثقة من أن تاريخينا ودورنا كشريك ووسيط موثوق به، سيمكننا من تقديم مساهمة فاعلة خلال السنتين اللتين سنعمل فيهما في مجلس الأمن. وإننا ندرك المسؤولية الكبيرة المرتبطة بالعضوية وأهمية التحديات التي يواجها المجلس، وبكل عزم ومثابرة، ستحرص دولة الإمارات على الحفاظ على السلم والأمن الدوليين». بينما ذكرت وزارة الخارجية الاماراتية عبر حسابها في موقع «تويتر»، «انتخبت الأمم المتحدة ‏دولة الإمارات في مجلس الأمن للمرة الثانية في تاريخها، وستعمل دولة الإمارات ‏على تعزيز الشمولية والتحفيز على الابتكار  وبناء القدرة على الصمود وتأمين ‏السلام خلال فترة عضويتها بمجلس الأمن».‏ وكانت لانا نسيبة المندوبة الدائمة للدولة لدى الأمم المتحدة قد اكدت قبل ذلك  أن الإمارات تؤمن ‏بأن لديها الكثير لتقدمه إلى مجلس الأمن وإلى النظام المتعدد الأطراف بأكمله‎.‎ وقالت لانا نسيبة في حوار لوكالة أنباء الإمارات (وام)، إن «الإمارات دولة ‏ديناميكية في المنطقة تتطلع إلى المستقبل وتسعى لبناء جسور مع المجتمع الدولي ‏كما تقوم بدور قيادي في مجال العمل الإنساني وتعتبر مركزاً عالميا للاقتصاد ‏والتجارة والابتكار‎»، وأضافت نسيبة “رغم اختلاف عالمنا اليوم عما كان عليه في الفترة 1986-1987 عندما ‏كانت دولة الإمارات تشغل عضوية مجلس الأمن لأول مرة في تاريخها، فإننا ‏مازلنا نؤمن بأن أفضل وسيلة لتحقيق السلم والأمن الدوليين هي وقوف المجتمع ‏الدولي معا ووضع العمل المتعدد الأطراف في صلب جهودنا لذلك فإن شعار حملتنا ‏يدور حول مفهوم نحن أقوى باتحادنا”‏‎.‎ ولفتت الى أن «التعاون يعتبر أحد القيم المتأصلة في تاريخ دولة الإمارات منذ ‏تأسيسها وقد سعت دائما للعمل مع الشركاء لإيجاد حلول مفيدة لمجتمعنا الإنساني»، ‏مؤكدة أن الانضمام لمجلس الأمن وهو الجهاز المسؤول في الأمم المتحدة عن حفظ ‏السلم والأمن الدوليين يعتبر فرصة كبيرة لتنفيذ مبدأ حفظ السلم والأمن الدوليين ‏على أعلى مستويات العمل المتعدد الأطراف من أجل معالجة أهم القضايا العالمية‎.‎
 
 
مقومات الثقة الدولية في الدبلوماسية الاماراتية
تستند ثقة المجتمع الدولي، ممثلاً في الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي صوتت بالثقة بعدد أصوات كبير، إلى عوامل واعتبارات عدة أولها أن المبادئ الأساسية التي يقوم عليها ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، هي المبادئ ذاتها التي ترتكز عليها السياسة الخارجية لدولة الإمارات، حيث تؤمن الإمارات بأن لا قوة من دون تعاون مشترك، مما يجعل الانضمام إلى مجلس الأمن بالنسبة لها فرصة كبيرة لمعالجة القضايا العالمية، على أعلى مستويات العمل متعدد الأطراف. ثاني هذه العوامل أن الامارات باتت تجسد نموذجاً يحتذى به للدول التي تضع التنمية ورفاع الشعوب في صدارة أولوياتها، فمجمل الخطط الاستراتيجية الاماراتية تستهدف رفع معدلات السعادة للمواطنين والمقيمين على أرض الامارات، كما تحولت الامارات إلى الوجهة المفضلة للعيش لمعظم شباب المنطقة والعالم، لما توفره من نموذج تعايش تعددي فريد، فضلاً عن التزام الدولة بقيم التسامح والانفتاح وحرصها على تطوير أسس نموذجها التنموي بما يواكب تطلعات سكانها ويعزز خططها للصعود إلى قمة التنافسية العالمية في مختلف مؤشرات التنمية البشرية.
 
 
وبجانب ما سبق، تحظى الامارات بتقدير واحترام دولي واسع نظراً لنشاطها الدبلوماسي الواسع في السنوات الأخيرة لنزع فتيل التوترات وتحقيق الأمن والاستقرار بين الدول كافة، كما حدث في الوساطة الناجحة التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بين اثيوبيا واريتريا وتوجت بطي الخلاف التاريخي بين البلدين الجارين. فضلاً عن سعي الامارات لقيادة جهود تبريد الأزمات في منطقة الشرق الأوسط من خلال دبلوماسية تستهدف انهاء التوترات القائمة من خلال اعادة بناء الجسور مع دول عدة مثل تركيا وإيران، والدفع باتجاه عودة سوريا إلى حاضنتها العربية ودعم جهود تحقيق الاستقرار في ليبيا واليمن والعراق وغيرها، فضلاً عن قيادتها لجهود استئناف مسيرة السلام العربي ـ الاسرائيلي بتوقيع اتفاق تطبيع العلاقات مع اسرائيل في منتصف أغسطس عام 2020، في نقلة نوعية للأمن والاستقرار الاقليمي ودفع جهود دبلوماسية التنمية والاستقرار وبناء طريق ثالث والبحث عن خيارات ومسارات بديلة لمعالجة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي في ظل انسداد أفق الحلول السياسية التي تشهد جموداً مزمناً لا يخدم سوى تنظيمات التطرف والارهاب والمتاجرون بالقضية واختزالها في شعارات دعائية تعمل في اتجاه مضاد للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وحقوقه المشروعة.
 
 
وفوق ما سبق، فإن الامارات تمثل علامة مضيئة كعاصمة للعمل الانساني العالمي، حيث حفرت اسمها في مجال المساعدات الانسانية على الصعيد الدولي، وباتت محطة لا غنى عنها في وفاء العالم بالالتزامات الانسانية تجاه المحتاجين والمنكوبين في الأزمات وما بعد الصراعات، والأهم من ذلك أنها تقدم هذا الدعم الانساني من دون أجندة سياسية ولا تفرقة بين لون وجنس وعرق أو دين، حيث تُغلب العامل الانساني فوق كل الاعتبارات ما يؤكد على اهمية دورها كشريك فاعل وحيوي في تحقيق الأمن والسلم الدوليين والحفاظ عليهما.
 
 
وبشكل عام فإن الإمارات تحث بقوة على تغليب لغة الحوار في التعامل مع القضايا والأزمات كافة، كما تؤمن بالتعاون الدولي في التغلب على مشكلات عالمية مثل التغير المناخي وانتشار الأوبئة، حيث لعبت الامارات أدوار عدة بارزة في ذروة تفشي وباء “كورونا” سواء من خلال تقديم اللقاحات للدول التي تحتاجها، أو المساعدة في إجلاء رعايا الدول الموجودين بمناطق تعاني مستويات انتشار واسعة للوباء وغير ذلك. ولاشك أن كل ما سبق يكتسب قيمة نوعية مضافة كونه يأتي في سياق قناعة إماراتية عميقة ببذل كافة الجهود من أجل نشر السلام وترسيخ قيم التسامح والتعايش وقبول الآخر عالمياً، فضلاً عن جهود الامارات في تحقيق أهداف الاستدامة والتحول إلى قاطرة ومركز للاقتصاد والتجارة والابتكار واستكشاف الفضاء، ما يجعلها نموذجاً ملهماً لصناعة السلام والاستقرار وايجاد الحلول اللازمة للصراعات والنزاعات في مختلف أرجاء العالم.
 
 
 
قراءة في منطلقات وركائز عضوية الامارات بمجلس الأمن
يحتاج العالم هذه الفترة إلى دول قادرة على بناء التوافق وبناء الجسور لتجاوز حالة الانقسام الحاصلة بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي حيال العديد من القضايا المحورية؛ حيث يبدو المجلس غير قادر على بناء رؤى مشتركة للتعاطي مع أزمات عدة، لذا فإن الدبلوماسية الاماراتية بما تمتلك من علاقات واسعة ومصالح متشعبة مع جميع القوى الدولية، قادرة على فتح قنوات الاتصال ورأب الصدوع والتواصل وتقريب وجهات النظر من أجل حلحلة هذه القضايا. وبالتالي فإن العمل الجماعي الدولي يمكن أن يشهد حراكاً ايجابياً بما يعود بالفائدة على الجميع، لاسيما أن ازمات حادة مثل تفشي وباء «كورونا» قد اثبتت عمق الحاجة إلى التعاون الدولي. والمؤكد أن الدور الذي لعبته الامارات في هذه الأزمات والذي قوبل بالتقدير والاحترام عالمياً، يؤكد جدارتها بالاضطلاع بأدوار مهمة في هذه الحقبة التاريخية لمواجهة التحديات العالمية، خصوصاً أن الصعوبات التي تواجه التعاون الدولي لا تقتصر على أمور مثل توزيع اللقاحات أو الاجراءات الخاصة بمعالجة آثار الوباء، بل هناك مجالات أخرى حيوية تحتاج إلى دعم التعاون الدولي مثل البيئة والتغير المناخي ومواجهة ظاهرة الارهاب والتطرف، وانتهاكات حظر الانتشار النووي والتجارة الدولية والتعامل مع الآثار السلبية للتطور التقني المتسارع وغير ذلك.
 
 
لاشك أن توقيت اسهام الامارات في أعمال مجلس الأمن الدولي مهم للغاية، لأن الدبلوماسية الاماراتية باتت تلعب أدوار فاعلة للغاية على المستويات السياسية والقيمّية والاقتصادية والتجارية، كما تسهم الامارات بقوة في إعادة هندسة منظومة الأمن والاستقرار الاقليمي في منطقة الشرق الأوسط بما يتوافق مع تطلعات التنمية وحق الشعوب جميعها في الرفاه والتعايش والعيش بسلام.
 
هناك تجارب سابقة تغذي التوقعات الايجابية لدور الامارات عالمياً؛ فعلى خلاف معظم الدول التي دفعتها أزمة تفشي وباء “كورونا، للانكفاء على الذات، واعلاء شعار “انقذ نفسك أولاً”، بل ووقوع بعض الدول في ممارسات تتسم بالانانية المفرطة مثل الاستيلاء على شحنات مستلزمات طبية ووقائية مخصصة لدول أخرى تعاني آثار وتداعيات أشد وأخطر للأزمة، اتسمت استراتيجية دولة الامارات بالهدوء والدقة واعلاء القواعد العلمية لإدارة الأزمات والطوارئ والكوارث، والأهم أنها اتسمت بالتوازن والعمل على مسارات داخلية وخارجية متوازية ومتوازنة؛ فالإمارات تمثل أحد أهم الدول الحريصة على إعلاء مبادئ التضامن والتعاون الدولي، كما تتسم سياستها الخارجية بتميز البعد الانساني باعتبارها عاصمة العالم الانسانية طيلة عقد كامل، وأياديها البيضاء وحرصها على الخير والعطاء مسألة لا شك فيها، وهذا الأمر تجلى بقوة خلال معاناة شعوب العالم من أزمة “كورونا”،  حيث كانت الامارات من أوائل دول العالم التي عبرت عن تضامنها مع الشعب الصيني في مواجهة الوباء،  حيث بادرت في بدايات الأزمة  لنجدة أكثر من مئتي شخص محاصرين في مدينة ووهان الصينية بؤرة تفشي الفيروس القاتل وإجلائهم ونقلهم إلى مدينة الإمارات الإنسانية لتقديم الرعاية اللازمة لهم، كما عبرت الامارات منذ البداية عن تضامنها مع الشعب الصيني في المحمة واعربت عن ثقتها في قدرة الدولة الصينية على التصدي لها، وأكدت استعدادها لتقديم يد العون للشعب الصيني الصديق، كما تسامت الامارات فوق الخلافات السياسية في هذه الظروف الاستثنائية، وقدمت الإمدادات والمعدات الطبية لإيران لدعم جهودها لاحتواء خطر تفشي فيروس “كورونا”، وفي إطار ذلك أيضاً يجب الاشارة إلى موقف صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، واتصاله بالرئيس السوري بشار الأسد، مؤكداً أن سوريا لن تقف وحدها في هذه الظروف الحرجة، التي ربما غاب فيها الشعب السوري عن ذاكرة الكثير من الشعوب العربية وغير العربية بسبب انشغال الجميع بخطر صحي داهم، ولكن الامارات وقيادتها لا تنشغل عن واجباتها في مثل هذه الظروف، وتدرك جيداً حجم مسؤولياتها القومية والدولية في مواجهة الأزمات والكوارث، ومن ثم فإن رسائل التضامن القوية التي وجهها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان من منبر قمة العشرين للعالم أجمع تمثل مرآة عاكسة لقيم الامارات ومبادئها الانسانية الأصيلة، حيث أوضح سموه أن الإمارات حاضرة وبقوة لمساندة الدول والشعوب في حربها ضد فيروس “كورونا”.
 
 
هناك أيضاً عوامل أخرى مهمة تغذي التوقعات الايجابية، ففي منتصف أغسطس 2020، حدثت أحد أهم تحولات السياسة الخارجية التي تنتهجها دولة الامارات العربية المتحدة بتوقيع “اتفاق ابراهيم” مع اسرائيل، في خطوة تمثل تحولاً نوعياً استراتيجياً كبيراً في العلاقات العربية ـ الاسرائيلية،  واستجابة مهمة لواقع استراتيجي جديد تمر به المنطقة منذ موجة الفوضى التي عمت العديد من الدول العربية ابتداء من عام 2011، وتسببت هذه الموجة في حدوث خلخلة في الثوابت والأسس الت يرتكز عليها النظام الاقليمي العربي، ما تطلب نمط تفكير مختلف وبدائل وحلول غير تلك التي سبق تجربتها وفشلها، من أجل مواجهة التهديدات والتصدي للأخطار الجديدة عبر إعادة بناء علاقات الدول العربية مع جوارها الاقليمي وفقاً لمستويات الخطر والتهديد، فضلاً عن بلورة مقاربة استراتيجية جديدة من خارج صندوق الحلول التقليدية بحثاً عن تسوية سلمية للقضية الفلسطينية، وبناء على المعطيات الاستراتيجية القائمة والمصالح المشتركة وليس بناء على الشعارات الأيديولوجية، والأمر في هذا الشأن لا يتعلق بتحالفات عسكرية جديدة أو غير ذلك بل يتعلق ببناء شراكات استراتيجية واقتصادية وتنموية مع دول لها قواسم مشتركة في بناء مستقبل أفضل لشعوبها . ولاشك أن توجه الامارات نحو بناء علاقات رسمية بين الامارات واسرائيل يعكس بوضوح إرادة تستهدف التركيز على البحث عن الفرص ومنح أولوية مطلقة للسياسات التنموية والاقتصادية خلال السنوات والعقود المقبلة، لاسيما أن الدولة تدشن حقبة خمسينية جديدة وضعت لنفسها فيها أولويات استراتيجية وفلسفة عمل تضمن تحقيق الأهداف التنافسية التي تسعى إلى تحقيقها، حيث اثبتت التجارب أن منطقة الشرق الأوسط والعالم أجمع بات بحاجة إلى مبادرات دبلوماسية خلاقّة وتفكير من خارج الصندوق وخيال سياسي يتجاوز الأطر والقيود التقليدية التي ظلت تكبّل الأوضاع والعلاقات بين دول المنطقة من ناحية واسرائيل من ناحية ثانية، وتأكد للجميع أن هناك حاجة ملحّة إلى بناء سلام حقيقي ودائم في المنطقة، سلام يرتكز على التعاون والتعايش السلمي والتسامح ويفتح آفاقاً للتنمية والأمن والاستقرار لجميع دول المنطقة، وذلك لن يتحقق سوى بالاستثمار في التنمية والأمن والاستقرار. وما سبق كله يؤكد أنه الديناميكيات الجيوسياسية في الشرق الأوسط قد تغيرت، وأن دولة الامارات قد أصبحت أحد اللاعبين الرئيسيين في الشرق الأوسط منذ عام 2011، بما اثبتت من فاعلية وقدرة على الاسهام القوي المؤثر في اطفاء الحرائق السياسية التي كادت تلتهم بعض الدول العربية، وأنها قادرة على لعب دور فاعل في “هندسة” الاقليم جيوسياسياً بما يصب في خانة تحقيق مصالح مشتركة للجميع وضمان الأمن والاستقرار وينهي حالة الفراغ الاستراتيجي الخطيرة، التي نجمت عن تراجع دول عربية رئيسية عن الاضطلاع بدورها التقليدي في الحفاظ على التوازنات الاقليمية، فضلاً عن تراجع الاهتمام الأمريكي باستقرار الأوضاع في المنطقة بسبب تبدل أولويات السياسة الخارجية الأمريكية وتراجع مكانة الشرق الأوسط ضمن هذه الأولويات.
 
وفي هذا الإطار تعكس التحركات الدبلوماسية الاماراتية منذ توقيع اتفاق ابراهيم مع اسرائيل حتى الآن، استجابات اماراتية غير تقليدية للأزمات التقليدية، فالإمارات تمتلك من الثقة بالذات والقدرة على التمسك بالثوابت ما يجعلها قادرة على اقتحام المشاكل والأزمات وإجراء الحوارات المباشرة البناءة مع أصدقائها ومنافسيها وأيضاً خصومها الاستراتيجيين، فالنموذج الاماراتي الذي بات يمثل قدوة في  الفاعلية والانطلاق والتحرر من القيود والحسابات التقليدية بات قادراً على تجاوز الأعراف والقواعد والبروتوكولات التقليدية التي تحول في أحيان كثيرة عن تحريك المياه الراكدة في أزمات وملفات كثيرة، وتقف عقبة أمام تنقية الأجواء وتبريد أزمات المنطقة، فالإمارات  التي تقرأ الواقع الاستراتيجي الدولي جيداً وتعي أن العالم يمر بمرحلة انتقالية من النظام العالمي القائم إلى ما يمكن تسميته نظام ما بعد كورونا، وما يعنيه ذلك كله من تجاذبات وتحولات وإعادة للهندسة الجيو سياسية والجيو استراتيجية للدول والمناطق المختلفة، لا تريد الوقوف بانتظار تبلور نتائج التفاعلات الحاصلة على المستوى الدولي، بل تريد أن تسهم بفاعلية في توجيه بوصلة التحولات بما تمتلك من إرادة التحرك الاستباقي سياسياً ودبلوماسياً من أجل تفادي أي تأثيرات وعواقب سلبية لسياسات وقرارات وتوجهات القوى الدولية والاقليمية.
تبدو الدبلوماسية الاماراتية في الفترة الحالية الأكثر نشاطاً وفاعلية وديناميكية على الصعيدين الاقليمي والدولي، فالإمارات التي تستضيف المعرض الأكثر عراقة وشهرة في العالم “اكسبو 2020” استقبلت في الأشهر الأخيرة أيضاً العديد من القادة والرؤساء والزعماء وكبار المسؤولين من دول العالم، كما تبادلت الزيارات مع العديد من الدول المحورية، وقام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي بزيارات لعواصم اقليمية ودولية عدة، وجميع هذه الأنشطة الدبلوماسية والاقتصادية قد أثمرت عن تحولات نوعية مؤثرة في الخارطة الاقليمية، والمسألة تبدو أعمق بمراحل من “تصفير المشاكل” أو تهدئة التوترات لتطال رسم واضع جيوسياسي جديد يرسخ موقع الامارات ومكانتها وثقلها الاستراتيجي الاقليمي والدولي كصانعة سياسات وصاحبة دور استراتيجي فاعل يستهدف تحقيق الأمن والاستقرار الاقليمي والدولي.
 
 
تمثل التحركات الدبلوماسية الاماراتية باتجاه بعض الدول الاقليمية نهجاً تشاركياً يعكس رؤية الامارات وميلها الدائم نحو ترسيخ الأمن والسلم الدوليين بما يعكس قدرتها على أداء دور فاعل في مجلس الأمن الدولي، فالإمارات لا تسعى للجمع بين المتناقضات كما يتصور البعض، بل تريد تشارك بين الجميع وفق رؤية تحقق المصالح المشتركة قفزاً على التناقضات والتباينات من خلال تعظيم المشتركات والبناء عليها واقصاء الاختلافات والحد من تأثيرها، والانفتاح على الجميع، وليس مفاجئاً أن تعتمد الدولة التي تمتلك أهداف طموحة ـ كالتي وردت في وثيقة الخمسين ـ 
تشير قراءة تفاعلات وتحركات الدبلوماسية الاماراتية بشكل عام في السنوات الأخيرة إلى أن السياسة الخارجية الإماراتية تمثل نموذجاً للحيوية والفاعلية والديناميكية، ويعود ذلك بالأساس إلى نجاح الجهاز الدبلوماسي الذي يقوده سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، في التعاطي مع أزمات منطقة الشرق الأوسط والحد من تأثيراتها السلبية على المنطقة وشعوبها، حيث حققت الدبلوماسية الإماراتية على هذا الصعيد، بالتعاون مع المملكة العربية السعودية، ومن خلال العمل بشكل متواز ضمن منظومات المجتمع الدولي، تفوقاً مشهوداً وضع الدولة في مكانة بارزة ضمن حسابات العواصم الدولية الكبرى، أو ما يعرف بعواصم صنع القرار العالمي. وفي هذا الإطار يشار إلى دور الإمارات في مساندة الشعوب العربية التي تعرضت لأزمات داخلية طاحنة عقب موجة الفوضى والاضطرابات التي بدأت عام 2011.
 
ويجمع المراقبون وخبراء السياسة على أن ما وصلت إليه دولة الإمارات من نجاحات وازدهار تنموي مدعوم بحالة رائعة من حالات الأمن والاستقرار الداخلي يمثل حصاداً طبيعياً ومردوداً مباشراً للدبلوماسية الذكية التي صاغ معالمها وأرسى دعائمها المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ثم اكتسبت هذه الدبلوماسية قوة دفع متجددة وزخماً نوعياً جديداً في عهد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله”، بفضل الرعاية المستمرة من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وبفضل ديناميكية ونشاط والدور الحيوي اقليمياً وعالمياً الذي يضطلع به صاحب السمو الشيخ محمــد بن زايــد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والذي يوفر للدولة مساحات حركة خارجية أوسع وأرحب، بحيث باتت تمتلك زمام المبادرة في ملفات عدة، وسطع نجمها عالمياً في دوائر اهتمام مستحدثة على أجندة الحوار الدولي، كما هو عليه الحال في ملف الطاقة المتجددة، وحظر الانتشار النووي، والأمن والسلم الدوليين وغير ذلك. ويدرك متابعو الشأن الإماراتي أن السياسة الخارجية للدولة قد تطورت بتطور المعطيات الإقليمية في كل مرحلة زمنية، بحيث تبدو مرآة لما يشهده الواقع الإقليمي والدولي من تغيرات وتحولات، مع احتفاظها بسماتها الأساسية المميزة والمتفردة، وفي مقدمتها الفاعلية والدينامكية والهدوء والرصانة والحفاظ على قواعد حسن الجوار، الأمر الذي يفسر نجاحات هذه السياسة التي تبدو في حقيقة الأمر انعكاساً لما تشهده جميع قطاعات العمل والتنمية في دولة الإمارات من تطورات ايجابية متسارعة.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-02-26 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره