مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2016-01-01

الامــــــــارات ومكـافـحـــة الإرهــــــاب ...... ثبـات الحــق ووضــوح الرؤى

جســــد قيـــم ومبـــادئ السياســــة الخارجيــــة الإماراتيــــة
 
تلعب دولة الامارات العربية المتحدة دوراً فاعلاً في مكافحة الارهاب، ويتميز الموقف الاماراتي في هذا الشأن بسمات فريدة منها بعد النظر في التعاطي مع هذه الظاهرة البغيضة، فضلا عن الشمولية في المعالجة الاستراتيجية وأساليب التصدي للإرهاب، وفي هذا الملف تسلط “درع الوطن” الضوء على الرؤية الاماراتية للارهاب والجهود المبذولة في هذا الشأن.
 
إعداد:التحرير
تمتلك دولة الإمارات العربية المتحدة رؤية عميقة شاملة لمكافحة الإرهاب، تأخذ في الاعتبار العوامل المختلفة التي تقف وراء ظاهرة الإرهاب(السياسية – الأمنية – الثقافية- الاقتصادية – الاجتماعية) ، من منطلق إيمانها بأن أيَّ استراتيجية ناجحة لمواجهة خطر الإرهاب يجب أن تكون متعدِّدة الجوانب؛ لاستئصال الظاهرة من جذورها، والقضاء على الأسباب والعوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تساعد الجماعات الإرهابية على نشر أفكارها الضالة والهدامة في المجتمعات. وضمن هذه الرؤية تدرك الإمارات أهمية التعاون الإقليمي والدولي لمواجهة هذه الظاهرة التي لا تستطيع دولة بمفردها التصدي لها. وهذا ما عبر عنه بجلاء صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في كلمته بمناسبة اليوم الوطني الـ  44 في الثاني من ديسمبر 2015، فقد أكد سموه على أن الإرهاب أصبح آفة خطيرة تهدد أمن الدول والمجتمعات في العالم كله وأن تصاعد العمليات الإرهابية واستهدافها المدنيين بصورة وحشية وهمجية يتطلب تحركا دوليا فاعلا لمواجهة القوى والجماعات الإرهابية، لأن المعركة ضد هذه الجماعات هي معركة الحضارة الإنسانية كلها.  
 
ولقد استطاعت دولة الإمارات العربية المتحدة بفضل الرؤية الشاملة والمتوازنة التي تتبناها لمواجهة خطر التطرف والإرهاب أن تظل واحة للأمن والاستقرار، بل إنها أسهمت من خلال مبادراتها البناءة في تعزيز الجهود الإقليمية والدولية لمواجهة هذا الخطر، وهذا ما رسخ من صورتها باعتبارها دولة مسئولة تقوم بدور رائد في مواجهة التحديات العالمية، وتسهم في تعزيز السلم والأمن الدوليين.
 
رؤية الإمارات لخطر الإرهاب وكيفية مواجهته
حذَّرت دولة الإمارات العربية المتحدة قبل سنوات من تنامي خطر الإرهاب، ودعت دول المنطقة والعالم إلى التعاون في مواجهته والقضاء عليه، لأنها كانت تدرك أن هذا الخطر يمثل التهديد الرئيسي لأمن العالم واستقراره بالنظر للاعتبارات التالية:
 
-1أن الإرهاب هو أخطر ما يهدد دول المنطقة، ويستهدف استقرارها وتعايشها، بل وجودها نفسه، وحذَّرت دائماً من أن مخططات القوى المتطرِّفة والإرهابية والمتعصِّبة لا تقف عند حدود دولة بعينها، وإنما تشمل المنطقة كلها من دون استثناء. فالإرهاب العابر للحدود لا يهدد دولة أو جماعة بعينها بقدر تهديده للإنسانية جمعاء، وبالتالي يتحتم أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته كاملة للقضاء على آفة الإرهاب وتخليص الإنسانية من شروره إلى غير رجعة.وهذا ما عبر عنه بوضوح صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة -حفظه الله- خلال لقائه الجنرال المتقاعد جون آلن، المبعوث الخاص لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية للتحالف الدولي لمحاربة ما يسمَّى تنظيم “داعش” الإرهابي، في شهر أكتوبر 2015، حيث أكد سموه على حرص دولة الإمارات العربية المتحدة على ترسيخ مبدأ التصدِّي للإرهاب، وتكريس دورها الفعَّال على المستويات كافة لمحاصرة هذا الداء، واستئصاله من جذوره، علاوة على توفير الظروف الاقتصادية والتنموية اللازمة لردعه في منطقتنا وأرجاء العالم كافة.  
 
-2 أن التنظيمات الإرهابية والمتطرفة تسعى إلى فرض أفكارها بقوة السلاح حتى لو أدَّى ذلك إلى تحويل المنطقة بحوراً من الدماء والحروب الأهلية والطائفية. وهذا ما عبر عنه بوضوح سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية في الكلمة التي ألقاها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السبعين في أكتوبر 2015، حينما قال سموه:” تشعر دولة الإمارات ببالغ القلق إزاء تصاعد التوتر والعنف في المنطقة نتيجة للأعمال الإرهابية التي تقوم بها عناصر تتعمد زعزعة استقرار المنطقة وتقويض أمنها فقد تصاعدت الجرائم الإرهابية بطريقة بشعة لم يشهد العالم مثلها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية والتي ترتكبها التنظيمات المتطرفة وأبرزها تنظيم داعش والقاعدة وحزب الله وأنصار الله وجماعات أخرى تتستر بالغطاء الديني لأغراض سياسية تدينها دولة الإمارات بشدة وتستنكر الأساليب الوحشية التي تنتهجها تلك الجماعات بإسم الدين الإسلامي والتي لا تمت بأي صلة لمبادئه السمحة الداعية للتعايش السلمي وقبول الآخر، وتشارك دولة الإمارات في هذه الجهود بشكل فعال وتتعاون بشكل إيجابي لدعم الاستقرار والسلم عبر آليات سياسية وأمنية وإغاثية وتنموية”. 
 
-3 إن أي تهاون في مواجهة القوى الإرهابية في المنطقة أو العالم ، سوف يدفع الجميع ثمنها من أمنه واستقراره وتنميته، وقد أثبتت التجربة، على مدى العقود الماضية، حقيقة أساسية هي أنه لا سبيل مع مثل هذه القوى الإرهابية إلا اجتثاثها والقضاء على الفكر المنحرف الذي تقوم عليه وتبرر ممارساتها الوحشية من خلاله واستناداً إليه. ولذلك تدرك دولة الإمارات أن المرحلة الحالية التي تمر بها المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط والعالم كله هي مرحلة وحدة في مواجهة الإرهاب، وتعاون شامل على المستويات الأمنية والعسكرية والاستخباراتية والدينية والثقافية والسياسية في التصدي له.
 
-4 ضرورة تحديد المنظمات الإرهابية بالاسم من دون مجاملات ومواربة، كما حددتها دولة الإمارات العربية المتحدة العام الماضي بقانون اتحادي رقم “7” لسنة 2014 بشأن مكافحة الجرائم الإرهابية، كما حددت من خلال القانون هوية المنظمات الإرهابية بالاسم، في قارات العالم الخمس، انطلاقاً من المسؤولية التاريخية والأخلاقية والإنسانية التي تتحملها دولة الإمارات العربية المتحدة في السلم والأمن الإقليمي والدولي ورفعة الكرامة الإنسانية.
 
-5 بالنظر إلى أن الإرهاب كان وما زال يهدد بلدان العالم وشعوبها، ولم يستثن أحداً من الإنسانية في جرائمه، في البر والبحر والجو والفضاء الإلكتروني، وباتت خطورته تتفاقم يوماً بعد يوم، فإن المرحلة تقتضي العمل الجماعي الدولي، ولا يقتصر العمل والجهد على دولة أو دول بعينها، بل يكون الباب مفتوحاً بشفافية لجميع الدول التي ترى أن بإمكانها المساهمة الجادة في القضاء على الإرهاب والإرهابيين واجتثاث شأفتهم.
 
-6 أن الإرهاب ينال من قيم التعايش والتفاعل والحوار بين الشعوب والثقافات والحضارات المختلفة على المستوى الدولي، خاصة حينما يتمسح بالدين أو يدَّعي أصحابه دفاعهم عن مصالح حضارة في مواجهة حضارة أو حضارات أخرى، وعلى هذا تدرك الإمارات بوضوح أن الإرهاب يسيء إلى الإسلام ويشوه تعاليمه السمحة ويعرَّض رموزه ومقدساته للتجريح والإساءة، ما يعطي الفرصة لأصحاب نظريات الصدام بين الحضارات والأديان لترويج أفكارهم في وضع المسلمين في مواجهة الغرب، ولهذا تؤكد الإمارات بشكل ثابت في مختلف المحافل الإقليمية والدولية ضرورة التزام المجتمع الدولي برفض جميع محاولات ربط الإرهاب بأي دين أو عرق أو ثقافة أو أصل إثني أياً كان، وتدعو دوماً إلى تعزيز الجهود المشتركة الرامية إلى سيادة روح التسامح والحوار بين مختلف الثقافات والحضارات والأديان لتعزيز الاحترام والتفاهم بين الشعوب
 
جهود الإمارات لمكافحة الإرهاب على الصعيد الداخلي
تأسيساً على هذه الرؤية ، تتبنى دولة الإمارات العربية المتحدة استراتيجية شاملة لمواجهة الإرهاب في الداخل، تأخذ في الاعتبار العوامل المختلفة التي تقف وراء ظاهرة الإرهاب(السياسية – الأمنية – الثقافية- الاقتصادية – الاجتماعية)، وقد ترجمت ذلك في العديد من الإجراءات، وذلك على النحو التالي:
 
-1المستوى التشريعي والقانوني: اتخذت دولة الإمارات العربية المتحدة سلسلة من التدابير التشريعية والقانونية الهادفة إلى تعزيز مكافحتها الصارمة لظاهرة التطرف والإرهاب، لعل أبرزها: 
 
أ- قانون مكافحة الجرائم الإرهابية الذي أصدره صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، برقم 7 لسنة 2014 في شهر أغسطس 2014، الذي يتبنى رؤية شاملة لمفهوم الإرهاب، كونه يشتمل على مواد تغطي جميع المحاور التي يشتملها الإرهاب كالإرهاب الفكري وغيرها، فضلاً عن تضمنه عقوبات رادعة في وجه كل من تسول له نفسه المساس بالأمن والاستقرار في الوطن والمجتمع. فقد تضمَّن القانون 70 مادة شملت كل ما يتعلق بالجرائم الإرهابية وأنواعها وتصنيفاتها أو الأغراض منها وأهدافها أو التنظيمات الخاصة بها، كما لم يُغفل في المقابل توصيف الجهات التي تتورط فيها وترتكبها، وسريان القانون من حيث الزمان والمكان، أو تلك العقوبات التي نص عليها في حال تم ارتكاب الجرم الإرهابي تحت طائلة بند الإرهاب، والذي قد تصل عقوبته حد الإعدام.
 
ب- أصدر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، في نوفمبر 2014 القانون الاتحادي رقم (9) لسنة 2014 ويقضي بتعديل بعض أحكام القانون الاتحادي رقم (4) لسنة 2002 في شأن مكافحة جرائم غسل الأموال، حيث تُنشأ بالمصرف المركزي وحدة معلومات مالية لمواجهة غسل الأموال والحالات المشبوهة ترسل لها تقارير المعاملات المشبوهة من كافة المنشآت المالية والمنشآت الأخرى التجارية والاقتصادية ذات الصلة، وتحدد اللجنة نموذج تقرير المعاملات المشبوهة وطريقة إرساله إليه .وللوحدة أن تتبادل مع الوحدات المشابهة في الدول الأخرى معلومات تقارير الحالات المشبوهة عملاً بالاتفاقيات الدولية التي تكون الدولة طرفاً فيها أو بشرط المعاملة بالمثل ولا يتم استخدام هذه المعلومات إلا لأغراض مواجهة غسل الأموال أو مكافحة تمويل الإرهاب وتمويل التنظيمات غير المشروعة . ويجوز لوحدة المعلومات المالية طلب معلومات إضافية عن تقارير المعاملات المشبوهة من كافة المنشآت المالية والمنشآت الأخرى التجارية والاقتصادية، والجهات المعنية بتنفيذ القانون . كما يجوز للوحدة طلب معلومات أو بيانات أو تقارير من أي جمعية أو مؤسسة غير هادفة للربح ويتركز نشاطها في جمع الأموال أو تلقيها أو منحها في حال الاشتباه بغسل الأموال وتمويل الإرهاب وتمويل التنظيمات غير المشروعة أو ورود بلاغات أو معلومات عن هذه الجمعيات أو المؤسسات .ويعاقب بالحبس وبالغرامة التي لا تقل عن (000 .50) خمسين ألف درهم ولا تتجاوز (000 .300) ثلاثمئة ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، رؤساء وأعضاء مجالس إدارة ومديرو وموظفو المنشآت المالية والمنشآت الأخرى التجارية والاقتصادية الذين علموا بأي فعل وقع في منشآتهم وكان متصلاً بجريمة غسل الأموال أو تمويل الإرهاب أو تمويل التنظيمات غير المشروعة وامتنعوا عن إبلاغ وحدة المعلومات المالية .كما يعاقب الحبس مدة لا تزيد على سنة وبالغرامة التي لا تقل عن (000 .10) عشرة آلاف درهم ولا تتجاوز (000 .100) مئة ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من قام بإخطار أي شخص عن معاملات قيد المراجعة بشأن القيام بعمليات مشبوهة أو أن السلطات المختصة تقوم بالتحري عن القيام بعمليات مشبوهة .
 
وفي شهر يونيو 2008، صدرت حزمة من الإجراءات المتعلقة بمكافحة غسل الأموال، فقد أخطر البنك المركزي الإماراتي البنوك وبيوت الصرافة بثلاثة عشر قانوناً جديداً تحدث حزمة الضوابط الإماراتية الأولى لمكافحة غسيل الأموال، التي دخلت حيز التنفيذ في نوفمبر 2000. وتتطلب الإجراءات الجديدة، من البنوك توخي درجة أكبر من اليقظة في التعامل مع عملائها المحتملين، وتتضمن العديد من الممارسات القائمة والتي تطبقها بالفعل البنوك الدولية العاملة في دولة الإمارات العربية المتحدة. وتتضمن القوانين كذلك إدخال خمسة تعديلات على قانون عام 2000، تخفض العتبة التي تضطر البنوك عندها إلى التحقق من الأسماء والعناوين الخاصة بأصحاب الحوالات من 40,000 درهم (11,000 دولار) إلى 3,500 درهم.  وتحظر هذه القوانين على البنوك الإماراتية فتح حسابات بأسماء أشخاص ممنوعين رسمياً من المعاملات والعلاقات المالية، وتطالبها بيقظة خاصة إزاء المتعاملين في الأحجار الثمينة والعقارات والبضائع الباهظة الثمن، ولاسيما في ضوء تحذيرات من المسؤولين من أن قطاع العقارات المزدهر في دبي، والآن في أبوظبي، قد يساء استغلاله في غسل الأموال. 
 
والواقع أن دولة الإمارات العربية المتحدة كانت سباقة في العمل على تجفيف المنابع المالية للإرهاب، واتخذت منذ سنوات إجراءات عدة على مستويات مختلفة لتحقيق هذا الهدف، وخاصة فيما يتعلق بوضع إطار تشريعي مناسب وفاعل لمحاصرة عمليات غسل الأموال وغيرها من أساليب تمويل الإرهاب والقوى التي تقف وراءه. كما استحدثت دولة الإمارات العربية المتحدة قوانين داخلية عدة لمكافحـة غسل الأموال التي لم يكن معمولاً بها، سواء في دولة الإمارات العربية المتحدة أو غيرها من الدول الأخرى في منطقة الشرق الأوسط. 
 
ج- انضمت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى كل الاتفاقيات والصكوك الدولية المتعلقة بمكافحة هذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد أمن العالم واستقراره، فقد انضمت إلى العديد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بمكافحة الإرهاب، كما تفاعلت الإمارات مع الجهود الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب؛ حيث تجاوبت دولة الإمارات العربية المتحدة مع قرارات الأمم المتحدة الصادرة عقب أحداث 11 سبتمبر، وفي مقدمتها: القراران الدوليان (1368) و(1373) الصادران في شهر سبتمبر من عام 2001 واللذان وضعا استراتيجية دولية متكاملة لمكافحة تمويل الإرهاب تقوم على آليات وقواعد جديدة، منها: تجميد كل الأرصدة المالية لكل الجماعات المشتبه في تورطها في أعمال إرهابية، وقمع كل من يساعدهم، وإلزام كل الدول الأعضاء في المنظمة الدولية باتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة لمحاربة الإرهاب، مثل تبادل المعلومات الاستخباراتية، ومنح الدول حق استخدام القوة العسكرية إذا ما تعرضت لأي هجمات إرهابية، والامتناع عن توفير أي دعم فعلي أو ضمني لكيانات أو أشخاص يتورطون في أعمال إرهابية.
 
ولا شك في أن اهتمام دولة الإمارات العربية المتحدة بتوفير البيئة القانونية القادرة على خنق مصادر تمويل الإرهاب، أياً كانت طبيعتها، وحرصها على تحديث التشريعات الخاصة بهذه المسألة باستمرار، يؤكدان بوضوح أنها دولة مسؤولة تعي طبيعة التحديات التي تواجه أمن العالم واستقراره، وتعمل على المستويات كافة من أجل الإسهام الفاعل في التصدي لها، كما يؤكد الموقف الإماراتي الثابت في التصدي للإرهاب باعتباره من أكبر الأخطار التي تهدد الأمن العالمي. 
 
-2 إصدار قائمة بالتنظيمات الإرهابية:  تأكيداً على موقف الإمارات الحاسم ضد الإرهاب بكل أشكاله وألوانه وأجناسه، اعتمد مجلس الوزراء في نوفمبر عام 2014  قائمة تضم عدداً من التنظيمات الإرهابية، تطبيقا لأحكام القانون الاتحادي رقم 7 لسنة 2014 بشأن مكافحة الجرائم الإرهابية الذي أصدره صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وقرار مجلس الوزراء بشأن نظام قوائم الإرهاب، والذي أوجب نشر تلك القوائم في وسائل الإعلام المختلفة من أجل الشفافية وتوعية كافة أفراد المجتمع بتلك التنظيمات .
 
وتضم القائمة 85 تنظيماً حول العالم منها، جماعة الإخوان المسلمين، القاعدة، داعش، اتحاد علماء المسلمين، جماعة الحوثيين، جماعة الإخوان المسلمين الإماراتية، دعوة الإصلاح (جمعية الإصلاح)، خلايا الجهاد الإماراتي، تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، أحزاب الأمة في الخليج، تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، جماعة بوكو حرام في نيجيريا، هيئة الإغاثة الإسلامية التابعة لتنظيم الإخوان المسلمين الدولي، طالبان باكستان، كتيبة أبو ذر الغفاري في سوريا، الجماعة الإسلامية في مصر، كتيبة التوحيد والإيمان في سوريا، جماعة أجناد مصر، أنصار بيت المقدس،وجبهة النصرة في سوريا ، مجلس شورى المجاهدين، أكناف بيت المقدس، حزب الله السعودي في الحجاز، حزب الله في دول مجلس التعاون الخليجي ، إمارة القوقاز الإسلامية (الجهاديين الشيشانيين)، تنظيم القاعدة في إيران، منظمة بدر في العراق، مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير)، كتائب حزب الله (العراق)، جماعة أنصار الإسلام العراقية، كتائب عبدلله عزام .
 
-3 مكافحة مختلف مظاهر التمييز والكراهية التي تحث على التطرف أو الإرهاب، من خلال القانون الذي أصدره صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، في شهر يوليو 2015، فهذا القانون يتضمن العديد من المواد التي تضمن تجريم التمييز بين الأفراد أو الجماعات على أساس الدين أوالعقيدة أو المذهب أو الملة أو الطائفة أو العرق أو اللون أو الأصل الإثني. ولا شك في أن هذا القانون، بما يتضمنه من مواد وإجراءات رادعة بحق من تسول له نفسه المتاجرة بالدين ، أو تبني خطاب يحض على الكراهية والتمييز، يجسد بوضوح الدور المتميز الذي تقوم به دولة الإمارات العربية المتحدة في ترسيخ قيم التعايش والوسطية والاعتدال ، باعتبارها حائط الصد القوي لمواجهة الجماعات المتطرفة التي تسعى إلى إحياء صدام الحضارات والأديان من ناحية، والطريق نحو بناء ثقافة عالمية تحترم المعتقدات والأديان، وتؤمن بالتعايش الإنساني، كما يؤكد في الوقت ذاته إيمانها الراسخ بأن الحضارة الإنسانية تراث مشترك أسهمت وتسهم فيه مختلف شعوب العالم وأن تنوع الثقافات والأديان هو عامل إثراء للفكر الإنساني وسبب للتفاعل والحوار بين أصحاب هذه الأديان والثقافات، وليس سبباً للمواجهة أو العداء كما يدعو لذلك أصحاب نظريات الصراع.
 
والواقع أن هذا القانون الجديد جاء في موعده تماماً بالنظر لتصاعد خطر الأيديلوجيات المتطرفة التي تقف ورائها جماعات راديكالية تروج لصدام الحضارات وترفض الاعتراف بالآخر المختلف معها ثقافياً ودينياً، وهي بذلك تهدد الأمن والسلم في المجتمعات العربية والإسلامية، كما تعوق مسيرة التطور والتقدم، وتقدم صورة عن الدين الإسلامي الحنيف وتضر بصورة المسلمين في العالم كله.  فتفجيرات المساجد التي شهدتها دول مجاورة خلال الأشهر الماضية، وتصاعد الأيديلوجيات المتطرفة، كان يتطلب التحرك لتحصين المجتمع الإماراتي من خطر هذا كله. لهذا يتضمن القانون الجديد العديد من المواد الهامة التي من شأنها مكافحة استغلال الدين في تكفير الأفراد والجماعات بعقوبات تصل إلى الإعدام إذا اقترن الرمي بالكفر تحريضا على القتل فوقعت الجريمة نتيجة لذلك  وتطبيق عقوبات رادعة للجمعيات والفعاليات الداعية لازدراء الأديان أو التمييز أو إثارة خطاب الكراهية.
 
كما يتصدى هذا القانون لأي محاولات لإزدراء الأديان في الداخل، فكما هو معلوم فإن دولة الإمارات العربية المتحدة تضم ما يزيد عن مائتي جنسية تعيش على أراضيها، تضم ديانات وثقافات مختلفة، وفي ظل ما تشهده المنطقة والعالم من حولنا من تصاعد لخطاب الكراهية وازدراء الأديان، فثمة مخاوف أن ينتقل هذا الأمر إلى الداخل بفعل تحريض جماعات متطرفة تحاول بث سموها، ولهذا فإن قانون مكافحة التمييز والكراهية جاء حازماً في التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة، حيث يجرم كل من يقوم بالإساءة إلى الأديان أو إحدى شعائرها أو مقدساتها أو تجريحها أوالتطاول عليها أوالسخرية منها أو المساس بها. كما يجرم التعدي على أي من الكتب السماوية بالتحريف أو الإتلاف أو التدنيس أوالإساءة بأي شكل من الأشكال إلى جانب تجريم التخريب أوالإتلاف أو الإساءة أو التدنيس لدور العبادة أوالمقابر. والقانون بهذا المعنى يؤكد الدور الرائد والمتميز الذي تضطلع به دولة الإمارات العربية المتحدة في تعزيز ثقافة التعايش بين الديانات والحضارات المختلفة، ونبذ أشكال التطرّف كافة، التي تطفو من حين إلى آخر، وتضع عراقيل بوجه حوار الحضارات والتواصل الإنساني.
 
-4 تحصين الشباب في مواجهة الافكار المتطرفة والهدامة (المواجهة الفكرية والثقافية)، في هذا السياق فقد أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة خلال استقباله عدداً عددا من المعلمين والقيادات التربوية بمناسبة يوم المعلم في الخامس من أكتوبر 2015 على أهمية قيام المؤسسات التعليمية بدور مضاعف وتسخير وتعزيز امكانياتها وتوحيد جهودها في تربية النشء وتحصينه ضد الافكار الهدامة والسلبية وتعزيز قيم الولاء والانتماء والتعاون والتضامن في نفوسهم لمواجهة كافة التحديات. وشدد سموه على أنه يتوجب علينا في مسيرة عمليتنا التعلمية أن نمنح الجوانب التربوية والتنشئة الوطنية أولوياتها نظرا لما تمثله من حصانة ومناعة ذاتية لطالب العلم متخذين من التوجيه والتوعية والإرشاد والتربية وسائل أساسية لإعلاء الروح الوطنية وغرس قيم الولاء والانتماء وتعزيز حب الوطن والوفاء له وخدمة قضاياه ومصالحه. كما أطلقت سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة “أم الإمارات” في شهر أكتوبر 2015 (المبادرة الاستراتيجية الجديدة لمؤسسة التنمية الأسرية)، المتمثلة في “مجلس الأسرة الاجتماعي”، وذلك تحت شعار “أسرة واعية.. مجتمع متماسك”. وهو شعار مستوحى من رؤية المؤسسة، المتمثلة في التنمية الاجتماعية المستدامة لأسرة واعية ومجتمع متماسك، وتعد المبادرة امتداداً للجهود الحثيثة التي تبذلها سموها في سبيل صون الأسرة الإماراتية، وتعزيز دورها كنواة أساسية للتنمية الشاملة المستدامة. وعلى هامش إطلاق المبادرة الجديدة، دعت “أم الإمارات” الوزارات والهيئات والمؤسسات وأفراد المجتمع كافة، في جميع إمارات الدولة، إلى ضرورة احتواء الأبناء ورعايتهم، والاستماع إليهم، وتقنين استخدامهم للوسائل التكنولوجية الحديثة، وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي، التي شغلت الأبناء وأصبح خطرها واضحاً عليهم من خلال تعاطيهم لها، وارتباطهم الدائم بها مما يهدد علاقاتهم الأسرية، ويضر برؤى بعضهم وتوجهاتهم الفكرية.  
 
جهود الإمارات في مكافحة الإرهاب على الصعيدين الإقليمي والدولي
ترجمة لإيمانها الراسخ بضرورة أن تكون محاربة الإرهاب مسؤولية دولية تضامنية لا تنفرد بها دولة دون سائر الدول،فإن دولة الإمارات العربية تنخرط بفاعلية في مختلف الجهود العربية والإقليمية والدولية سواء تلك الخاصة بمكافحة الإرهاب، أو التصدي للفكر المتطرف الذي يقف وراءه، وتتمثل هذه الجهود في التالي:
 
-1 الانخراط القوي والفاعل في أي تحرك دولي لمواجهة تمدد الجماعات الإرهابية ومحاولتها فرض سيطرتها على الدول والمجتمعات بالقوة والإرهاب وفي هذا السياق:
 
أ- انضمت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” في عام 2014، وشاركت بفاعلية في العمليات العسكرية الموجهة ضد عناصر هذا التنظيم في سوريا مع مجموعة من الدول بما فيها دول خليجية كالسعودية والبحرين وقطر. وجاءت   مشاركة الإمارات في التحالف ضد داعش لوقف تمدده وسيطرته على مناطق جديدة من الدولة العراقية أو في دول أخرى.  ولا شك في أن مشاركة الإمارات في الحرب ضد داعش، تعزز مكانتها كشريك محوري في المنطقة يساهم بفاعلية في حفظ الأمن والاستقرار.
 
وإضافة إلى الانضمام إلى التحالف الدولي ضد “داعش”، فإن الإمارات تحرص على تبادل المعلومات والخبرات مع الدول والمنظمات الإقليمية والدولية ذات الصلة، كما تحرص أيضاً على تقديم تقاريرها الوطنية الخاصة بمكافحتها للإرهاب إلى الأمم المتحدة وفي مواعيدها المحددة، وتتعاون أيضاً مع لجان مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن لضمان معالجة كل الثغرات المحتملة في تشريعاتها ونظمها الوطنية ذات الصلة، بما في ذلك القرارات القاضية بملاحقة أموال الجماعات الإرهابية أو الداعمة لها وتجميدها. كما تدعم الإمارات جميع المبادرات الرامية إلى وضع اتفاقية دولية شاملة لمكافحة الإرهاب يتم بموجبها وضع تعريف دولي واضح لمصطلح الإرهاب، وكانت من ضمن الدول الموقعة على “ميثاق روما الأساسي” في شأن إنشاء “المحكمة الجنائية الدولية”، وحرصت على المشاركة في حضور اجتماعات الدول الأطراف في المحكمة.
 
ب- تقديم الدعم للدول العربية التي تواجه مخاطر التطرف والإرهاب، حيث وقفت الإمارات بقوة مع مصر في الحرب التي تخوضها ضد الإرهاب، وذلك انطلاقاً من إيمانها بأن استقرار مصر وازدهارها يدعم تحقيق الاستقرار في المنطقة. كما تضامنت الإمارات مع الحكومة العراقية في مواجهة تنظيم داعش، حتى لا يتمدد ويسيطر على مفاصل الدولة العراقية. كما شدتت على ضرورة رفع الحظر المفروض على قدرات الحكومة الليبية المنتخبة لتمكينها من محاربة التنظيمات الإرهابية والتصدي للتهديدات العابرة للحدود.
 
كما قامت الإمارات بإرسال قوات شرطة لحفظ السلام والأمن في مملكة البحرين بعد اندلاع حركة الاحتجاج فيها أوائل عام 2011، ونشرت هذه القوات بعيداً عن مناطق الاضطرابات مخافة اتهامها بقمع المتظاهرين.وكان أفراد القوات المسلحة الإماراتية الذين شاركوا في ضمان الأمن والاستقرار بمملكة البحرين الشقيقة قد قاموا بهذه المهمة التاريخية في مارس 2011، انطلاقاً من مبدأ وحدة المصير وترابط أمن دول مجلس التعاون على ضوء المسؤولية المشتركة لدول المجلس في المحافظة على الأمن والاستقرار التي هي مسؤولية جماعية باعتبار أن أمن دول مجلس التعاون كلٌّ لا يتجزأ، وذلك وفقاً لما ذكرته وكالة أنباء البحرين وقتذاك .وجاءت مشاركة الإمارات بقوات لمواجهة قوى الفوضى والتخريب في مملكة البحرين ترجمة لالتزاماتها تجاه أشقاءها في دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك انطلاقاً من مبدأ الأمن الجماعي المتكامل لدول المجلس التي تعتمد من خلاله على الإمكانيات الذاتية للدول الأعضاء لغرض الدفاع عن كيان هذه الدول ومقوماتها ومصالحها وأراضيها وأجوائها ومياهها الإقليمية.
 
والواقع أن جهود الإمارات لا تتوقف عند دعم الدول العربية التي تواجه خطر الإرهاب، وإنما كان لها دورها في صياغة الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب التي دخلت حيز النفاذ اعتباراً من مايو 1999، وبموجب هذه الاتفاقية تتعهد الدول المتعاقدة بعدم تنظيم أو تمويل أو ارتكاب الأعمال الإرهابية أو الاشتراك فيها بأي صورة من الصور، والتزاماً منها بمنع الجرائم الإرهابية ومكافحتها طبقاً للقوانين والإجراءات الداخلية.  ولا شك في أن تعاون دولة الإمارات العربية المتحدة خليجياً وعربياً في التصدي للإرهاب، يجسد قناعتها بأن الأمن القومي العربي كل لا يتجزأ، وأن تهديد أي دولة عربية هو بالضرورة تهديد للدول الأخرى، كما يعكس إدراكها القوي بأن من الصعوبة بمكان على أي دولة بمفردها مواجهة الإرهاب.
 
ج- صادقت دولة الإمارات العربية المتحدة على معاهدة منظمة المؤتمر الإسلامي لمكافحة الإرهاب، والتي بموجبها تتعهد الدول الأطراف بعدم القيام أو الشروع أو الاشتراك بأي شكل من الأشكال في تنظيم أو تمويل أو ارتكاب أو التحريض على ارتكاب الأعمال الإرهابية أو دعمها بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
 
-2 إطلاق المبادرات ذات الطابع الإقليمي والدولي، بهدف تعزيز قيم التسامح والوسطية والاعتدال وقبول الآخر بديلا عن التعصب والتطرف والغلو الذي تعمل قوى التطرف والإرهاب على نشره وزرعه في عقول الشباب حول العالم وهناك الكثير من المبادرات والمشروعات الإماراتية الرائدة في هذا الخصوص التي تحظى باحترام العالم وتقديره، ولعل أبرزها في هذا الشأن:
 
أ-إنشاء مركز “صواب” في شهر يوليو 2015 ، الذي يعد مبادرة نوعية تفاعلية للتراسل الإلكتروني تهدف إلى دعم جهود التحالف الدولي في حربه ضد تنظيم “داعش”  الإرهابي، ومواجهة الأيديولوجيات المتطرفة التي تهدد الأمن والسلم المجتمعي في العديد من دول المنطقة.  والواقع أن أهمية هذا المركز لا تكمن فقط في كونه يتصدى لدعاية تنظيم “داعش” وغيره من الجماعات المتطرفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت تمثل نافذة يعتمد عليها التنظيم في نشر أفكاره المتطرفة والهدامة، وإنما أيضاً لأن هذا المركز الجديد يُعول عليه في إيصال أصوات الملايين من المسلمين وغير المسلمين في جميع أنحاء العالم ممن يرفضون ويقفون ضد الممارسات الإرهابية والأفكار الكاذبة والمضللة التي يروجها أفراد التنظيم. ولهذا حظي هذا المركز فور الإعلان عنه بإشادة كبيرة، باعتباره يجسد بوضوح مسؤولية دولة الإمارات العربية المتحدة في مواجهة الفكر المتطرف والهدام، ويأتي في سياق دورها الرائد في نشر قيم الوسطية والاعتدال والتسامح ونبذ الأفكار المتعصبة، ويعكس في الوقت ذاته إرادة الدولة القوية الهادفة إلى جمع دول المنطقة والعالم حول هذه المبادرة التي تستهدف التواصل مع مجتمعات الإنترنت التي غالباً ما تكون فريسة سهلة لدعاة الأفكار المتطرفة والهدامة التي مصدرها «داعش» والجماعات والتنظيمات الجهادية والإرهابية الأخرى، حيث سيتعاون مركز صواب مع حكومات دول المنطقة والعالم بما في ذلك الدول المشاركة في التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش”، كما سيتواصل مع المؤسسات والشركات والشباب من أجل دحض عقيدة “داعش” التي تقوم في جوهرها على الكراهية والتعصب والعنف.
 
ولا شك في أن مركز “صواب”  يجسد بوضوح مسؤولية دولة الإمارات العربية المتحدة في مواجهة الفكر المتطرف والهدام، ويأتي في سياق دورها الرائد في نشر قيم الوسطية والاعتدال والتسامح ونبذ الأفكار المتعصبة، ويعكس في الوقت ذاته إرادة الدولة القوية الهادفة إلى جمع دول المنطقة والعالم حول هذه المبادرة التي تستهدف التواصل مع مجتمعات الإنترنت التي غالباً ما تكون فريسة سهلة لدعاة الأفكار المتطرفة والهدامة التي مصدرها “داعش” والجماعات والتنظيمات الجهادية والإرهابية الأخرى، حيث سيتعاون «مركز صواب» الجديد مع حكومات دول المنطقة والعالم بما في ذلك الدول المشاركة في التحالف الدولي ضد تنظيم  داعش،  كما سيتواصل المركز مع المؤسسات والشركات والشباب من أجل دحض عقيدة  داعش التي تقوم في جوهرها على الكراهية والتعصب والعنف.
 
ب- إطلاق “مجلس حكماء المسلمين” في يوليو 2014 من أبوظبي ليصبح أول هيئة دولية مستقلة تهدف إلى تعزيز السلم في العالم الإسلامي، وستدعمه دولة الإمارات العربية المتحدة بالمقر والتمويل. ويترأس المجلس فضيلة الإمام الأكبر الشيخ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، ومعالي العلامة الشيخ عبد الله بن بيه، رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة. وأكد نص البيان التأسيسي اتفاق المشاركين على أن جسد الأمة الإسلامية لم يعد يتحمل حالة الاقتتال والاحتراب بين مكونات المجتمعات المسلمة، وعلى حاجة الأمة إلى تدخل عاجل وضروري لحقن دم الإنسان، مؤكدين أن غاياتهم هي غايات ومقاصد الشارع التي تتمثل في تأمين الناس على أنفسهم ودمائهم وأديانهم، وأن ما يعطيه السلم لا يساويه ما تنتجه الحروب. ويهدف المجلس إلى توحيد الجهود في لمّ شمل الأمة الإسلامية وإطفاء الحرائق التي تجتاح جسدها، ومبادئ الإسلام السمحة، وتشييع شرور الطائفية والعنف التي تعصف بالعالم الإسلامي منذ عقود. وتتمثل رؤية المجلس في إيجاد مجتمعات آمِنة تُوقِّر العلمَ والعلماء، وتُرسِّخ قيمَ الحوار والتسامح واحترام الآخَر، وتَنعمُ بالسلام، كما تقوم رسالته على إحياء دور العُلَماء واستثمار خِبراتهم في ترشيد حرَكة المجتمعات المسلمة، والإسهام في إزالة أسباب الفُرقة والاختلاف، والعمل على تحقيق المصالحة.
 
وتنطوي مبادرة  قوافل السلام الدولية التي ينظمها “مجلس حكماء المسلمين”، على أهمية بالغة في المواجهة الفكرية والثقافية ضد قوى التطرف والإرهاب، والتصدي لدعاة الفتنة باسم الدين أو الذين يقدمون صورة مشوهة لديننا الإسلامي الحنيف بما يسيء إلى المسلمين جميعهم على الساحة العالمية.  حيث تستهدف هذه القوافل مختلف بلدان العالم سواء التي تشهد نزاعات طائفية أو التي تضررت بانضمام أفراد منها إلى تنظيمات إرهابية، وتسعى هذه القوافل إلى تنفيس الاحتقان الديني وتعزيز السلم المجتمعي في قارات إفريقيا وآسيا وأوروبا والأمريكتين، والعمل على تأصيل ثقافة السلم في صحيح الإسلام وتعزيز التعايش والوئام بين المسلمين وأبناء الأديان الأخرى أيضاً، إضافة إلى تشجيع الشباب المسلم على الاندماج الاجتماعي الإيجابي.
 
ولا شك في أن أكثر ما تحتاجه مجتمعاتنا العربية والإسلامية في هذه الأيام هو التصدي للأيديولوجيات المتطرفة، وكشف زيف شعاراتها التي لا تمت إلى الدين الإسلامي بأي صلة، والعمل في الوقت ذاته على تعزيز ثقافة التعايش المشترك داخل هذه المجتمعات، وهذا لن يتأتى إلا من خلال جهود وتحركات عملية على الأرض، وهذا هو الهدف الحقيقي لحملات قوافل السلام الدولية  التي قامت بزيارات إلى العديد من دول العالم، كفرنسا وجمهورية إفريقيا الوسطى وإيطاليا، وألمانيا والولايات المتحدة وكازاخستان للتعريف بسماحة الإسلام وإبراز وجهه الحضاري الذي يؤمن بالتعايش المشترك مع الديانات والثقافات المختلفة، والعمل على تصحيح المفاهيم المغلوطة التي تحاول الجماعات المتطرفة نشرها في أوساط النشء والشباب، بما يسهم في نشر ثقافة السلم في المجتمعات المختلفة.
 
 ج-  تأسيس المنتدى العالمي “تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة”، الذي تستضيفه أبوظبي، عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل سنوي، والذي يعد من أهم المنتديات في العالم الإسلامي. ويناقش المنتدى الإشكاليات والقضايا الإنسانية المحدقة بالإنسان في عالم اليوم، والتي نجمت عن الصراعات الفكرية والطائفية في المجتمعات المسلمة، بسبب استقواء كل طرف بمن يعينه ويحتضنه على حساب مصلحة الأمة.ويشارك في “منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة”المئات من العلماء والمفكرين الإسلاميين من مختلف أنحاء العالم، من أجل الاجتماع على موقف موحد لمواجهة الاضطرابات وأعمال العنف في العالم الإسلامي، التي لم تدع أي نوع من الأسلحة إلا واستخدمته في الصراعات الدائرة، دون أن ترعى حرمة أو ترقب ذمة. ويأتي هذا المنتدى كجهدٍ متميزٍ لتبديد عوارض الحذر والتخوف والريبة، وكاستهلال لمشروع يمضي بخطوات واثقة لترسيخ كل ما يتجلى في ديننا الحنيف من مظاهر السلم والأمن والأمان والانفتاح على الآخر. 
 
د-  قامت دولة الإمارات العربية المتحدة في ديسمبر 2012 بافتتاح المركز الدولي للتميز لمكافحة التطرف العنيف “هداية”، الذي يعتبر أول مركز دولي للتميز لمكافحة التطرف العنيف. وجاء تأسيس مركز “هداية” استجابة للرغبة المتنامية لدى المجتمع الدولي وأعضاء المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب في وجود مؤسسة مستقلة ومُكرسة للحوار والتدريب والتعاون والبحوث في مجال مكافحة التطرف العنيف بكافة أشكاله ومظاهره، بحيث تجمع الخبراء والخبرات والتجارب من جميع أنحاء العالم. ويؤمن مركز “هداية” بالحل الوقائي عبر منع الأفراد من الانحدار في طريق الراديكالية واعتناق مذهب العنف ودعم الإرهاب، لذلك يسعى المركز إلى التعاون مع دول العالم في جهودها لإثناء بعض الأفراد الذين وطأت أقدامهم هذا الدرب المنحرف وردهم عنه قبل تورطهم فيه بالكامل.
 
هـ- دعم المؤسسات الدينية الوسطية في العالمين العربي والإسلامي، وفي مقدمتها الأزهر الشريف، حيث بادرت دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 2013 بتمويل مشروعات عدة في الأزهر الشريف تبلغ تكلفة إنشائها نحو 250 مليون درهم إماراتي، من أجل استمراره في القيام بدوره الحضاري، وتعزيز رسالته التي تتميّز بالاعتدال والوسطية ومواصلة إشعاعه العلمي والتنويري. وتتضمن هذه المشروعات تمويل مشروع ترميم مكتبة الأزهر الشريف وصيانتها وترميم مقتنياتها من المخطوطات والمطبوعات وترقيمها، وتوفير أنظمة حماية وتعقّب إلكتروني لمراقبتها وتعقبها والمحافظة عليها، وكذلك تمويل إنشاء مبانٍ سكنية لطلاب الأزهر في القاهرة، وتمويل أعمال تصميم إنشاء مكتبة جديدة على أحدث النظم المكتبية العالمية للأزهر الشريف تليق بمكانته وما تحويه مكتبته من نفائس المخطوطات والمطبوعات، حتى تستطيع مكتبة الأزهر القيام بالدور المنوط بها في نشر الثقافة الإسلامية، وإتاحة أوعيتها النادرة لطلاب العلم والباحثين حتى تظل مركزاً عالمياً للإشعاع الإسلامي والثقافي.
 
-3 المساهمة الفاعلة في تحقيق التنمية المستدامة في المناطق الفقيرة في دول العالم المختلفة لأن الجماعات المتطرفة تنمو في المناطق الفقيرة والمأزومة وتستغل أوضاع شعوبها المعيشية الصعبة لجذبها إليها ونشر سمومها بينها ولذلك تعد دولة الإمارات العربية المتحدة في مقدمة الدول التي تقدم مساعدات تنموية على المستوى العالمي وقد حصلت في عام 2014 على المركز الأول عالميا في قيمة مساعداتها التنموية الخارجية مقارنة مع دخلها المحلي الإجمالي وفقا لإحصاءات  منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
 
ويحسب للدبلوماسية الإماراتية في هذا السياق أنها عملت على تعزيز النهج الإنساني للإمارات، والترويج للمبادرات الخلاقة التي أطلقتها الدولة بهدف مواجهة التحديات الإنسانية في العالم أجمع. فقد قامت الدبلوماسية الإماراتية بجهود مكثفة وتحرك نشط، من أجل العمل على احتواء العديد من حالات التوتر والأزمات والخلافات الناشبة، سواء على صعيد المنطقة أو خارجها. وسعت بشكل دؤوب لتعزيز مختلف برامج مساعداتها الإنسانية والإغاثية والإنمائية والاقتصادية المباشرة وغير المباشرة للعديد من الدول النامية، خصوصاً تلك التي تشهد حالات نزاع أو كوارث طبيعية، فضلاً عن مساهماتها الأخرى الفاعلة في العديد من عمليات حفظ السلام، وحماية السكان المدنيين، وإعادة الإعمار في المناطق بعد انتهاء الصراعات، وهو ما يجسد شراكتها المتميزة مع أطراف عدة، وتفانيها من أجل تحقيق الأهداف النبيلة من صيانة واستقرار السلم والأمن الدوليين. 
 
الخاتمة
الواقع أن حرص دولة الإمارات العربية المتحدة على دحر الإرهاب أينما كان يقترن على الدوام بحرصها على بذل كل الجهود لدفع عجلة التنمية الشاملة في المنطقة، والارتقاء بشعوبها بعيداً عن ويلات الصراعات والحروب؛ لأنها تؤمن بأن الجهود العسكرية وحدها لن تكفي للتغلُّب على الإرهاب ما لم تبذل الجهود الضرورية لضمان الأمن الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، والتحام النخب والشعوب خلف مواجهة الإرهاب الفكري، وتوفير الحياة الكريمة لشعوب المنطقة والعالم. وقد عبر عن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في شهر أكتوبر 2015 عن هذه الرؤية لدى تدشينه أكبر مؤسسة إنسانية تنموية مجتمعية في المنطقة، تحت مسمى “مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية”، تجمع تحت مظلتها ثمانٍ وعشرين جهة ومؤسسة تنموية وإنسانية، تعمل في مختلف المجالات التنموية والإغاثية، من أجل وقاية الإنسان من مخاطر الحروب والإرهاب والكوارث الطبيعية، وجعل حياته أكثر كرامة واستقراراً وأمناً، ولضمان استدامة التنمية العالمية. حيث أكد سموه -لدى إطلاقه المبادرة- أن “العالم اليوم يواجه تحديات كبيرة في الإرهاب وفي الحروب وفي الهجرات وغيرها، والحل الحقيقي هو في التنمية.. تنمية الإنسان.. وتعليمه.. وتثقيفه.. ومساعدته على بناء مستقبله”، وتنعكس فلسفة هذا النهج بوضوح في ثنايا المبادرة الجديدة، عبر تبنيها أربعة أهداف حتى عام 2025، وهي: مكافحة الفقر والمرض ونشر المعرفة وتمكين المجتمع وابتكار المستقبل والريادة؛ وهي جميعها أهداف تضع الإنسان في لب اهتمامها.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره