مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2021-04-06

التعاون الاقتصادي بين الامارات واسرائيل توجه نوعي لدبلوماسية السلام والتنمية

كان واضحاً منذ الاعلان عن توقيع اتفاقية السلام بين دولة الامارات العربية المتحدة واسرائيل في أغسطس من العام الماضي، أن أحد أبرز أهداف هذه الاتفاقية يتمثل في تدشين مرحلة جديدة قائمة على دبلوماسية السلام والتنمية وبناء شراكات اقتصادية بين دول المنطقة وشعوبها بما يحقق تطلعات الأمن والاستقرار اعتماداً على الاستثمارات المشتركة والتعاون التكنولوجي، ومن هنا يمكن يمكن دراسة بعض جوانب إعلان دولة الامارات عن انشاء صندوق بقيمة 10مليارات دولار يستهدف الاستثمار في قطاعات استراتيجية في اسرائيل. وفي هذا العدد تسلط “درع الوطن” الضوء على هذه المبادرة المهمة في العلاقات بين الدولتين وسياقاتها وأهدافها وأبعادها. 
 
إعداد: هيئة التحرير
لم تتوقف مسيرة بناء العلاقات الثنائية بين دولة الامارات العربية المتحدة واسرائيل في شقها الاقتصادي والاستثماري منذ الاعلان عن التوصل لاتفاق اقامة علاقات رسمية بين البلدين، حيث تشهد العلاقات تطورات ايجابية متواصلة تعكس رغبة مشتركة بين البلدين في “رسم مسار جديد يفتح المجال أمام إمكانيات كبيرة في المنطقة” كما نص البيان المشترك الصادر عن الولايات المتحدة الأمريكية ودولة الامارات واسرائيل في الثالث عشر من أغسطس الماضي بمناسبة الإعلان عن هذا الاتفاق، حيث أكد البيان وقتذاك أن ممثلي البلدين سيجتمعان “الأسابيع المقبلة لتوقيع اتفاقيات ثنائية تتعلق بقطاعات الاستثمار والسياحة والرحلات الجوية المباشرة والأمن والاتصالات والتكنولوجيا والطاقة والرعاية الصحية والثقافة والبيئة وإنشاء سفارات متبادلة وغيرها من المجالات ذات الفائدة المشتركة»، وقد تحققت بالفعل الكثير من هذه الأهداف في وقت وجيز نسبياً رغم تحديات الاغلاق العالمي بسبب تفشي وباء “كورونا”، حيث أدى محمد محمود آل خاجة أدى اليمين القانونية أمام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي ـ رعاه الله ـ بصفته أول سفير لدولة الإمارات لدى إسرائيل؛ وكان مجلس الوزراء قد وافق في الرابع والعشرين من يناير على إنشاء سفارة للدولة في تل أبيب، في حين أعلنت إسرائيل عن افتتاح سفارتها في أبوظبي، وفي الأول من مارس الماضي وصل  سفير دولة الامارات لدى اسرائيل محمد محمود آل خاجة، إلى إسرائيل، في أول زيارة منذ توليه المنصب حيث التقى كبار القادة والمسؤولين.
 
 
ويأتي  الجهد الملحوظ في بناء علاقات دبلوماسية مؤسسية بين الامارات واسرائيل رغم التحديات التي يفرضها انتشار جائحة «كورونا» في العالم أجمع، عاكساً رغبة قوية مشتركة لدى البلدين في الاستفادة من الأطر المشتركة للتعاون التي تتيجها قنوات العلاقات الرسمية في دعم فرص التنمية والتطور الاقتصادي والاستثماري باعتبارهما يمثلان نموذجاً تنموياً متطوراً على الصعيدين الاقليمي والدولي، إذ كان واضحاً من الاعلان عن اتفاق السلام أن هناك آفاق واعدة يسعى الجانبين لتحقيق أقصى استفادة ممكن من ورائها، بما فيه مصلحة الشعبين، وبما يسهم في تعزيز الأمن والسلم الاقليمي والدولية، فالامارات واسرائيل أعربا منذ البداية عن رغبتهما في الاسهام القوي في جهود النهوض بالمنطقة من خلال تحفيز النمو الاقتصادي، وتعزيز الابتكار التكنولوجي، وتوثيق العلاقات بين الشعوب، انطلاقاً من قناعة الدولتين بأن منطقة الشرق الأوسط بحاجة إلى بناء سلام حقيقي ودائم في المنطقة، أي سلام يرتكز على التعاون والتعايش السلمي والتسامح ويفتح آفاقاً للتنمية والأمن والاستقرار لجميع دول المنطقة، وذلك لن يتحقق سوى بالاستثمار في التنمية والأمن والاستقرار، ويتحقق ذلك كله من خلال تشجيع فرص الاستثمار ورسم خارطة طريق للسلام والتنمية كمحفز رئيسي وقاطرة لتحقيق التعايش والأمن والاستقرار بدلاً من الصراعات والحروب والأزمات.
 
 
استثمارات الامارات: إطار سلام حقيقي
يمثل إعلان دولة الامارات أوائل شهر مارس الماضي عن إنشاء صندوق بقيمة 10 مليارات دولار يستهدف الاستثمار في قطاعات استراتيجية في إسرائيل، مبادرة نوعية مهمة في مسيرة علاقات البلدين، ليس فقط لأنها تعكس جدية الامارات في اثبات عمق يقينها بجدوى دبلوماسية السلام والتنمية، وحرصها على ترسيخ ركائز هذه الدبلوماسية وبناء أطر سلام حقيقية فاعلة مع اسرائيل، ولكن أيضاً لأن هذا الصندوق يستهدف الاستثمار في قطاعات استراتيجية مهمة تشمل الطاقة والتصنيع والمياه والفضاء والرعاية الصحية والتكنولوجيا الزراعية وغيرها، فضلاً عن أن هذه المبادرة تشجع وتحفز الأطراف الشرق أوسطية الأخرى على الالتحاق بركب الاقتصادات المزدهرة اقليمياً، وبناء فرص الشراكة التي تسهم في دفع النمو الاقتصادي وتعزيز الرفاه الاجتماعي للشعوب.
 
 
وقد اعلنت دولة الامارات رسمياً أنها ستقوم من خلال هذا الصندوق بالاستثمار في إسرائيل ضمن قطاعات استراتيجية تشمل الطاقة والتصنيع والمياه والفضاء والرعاية الصحية والتكنولوجيا الزراعية وغيرها، وسيركز الصندوق على مبادرات التنمية وتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين. وسيتم تمويل الصندوق من مخصصات من الحكومة ومن مؤسسات القطاع الخاص. وتعد هذه المبادرة أحد نتائج اتفاقية السلام التي وقعتها دولة الإمارات وإسرائيل بدعم من الولايات المتحدة الأميركية، وتجسد روح الصداقة والتعاون بين الدول الثلاث، بالإضافة إلى إرادتهم المشتركة للنهوض بالمنطقة وتقديم نموذج لفوائد السلام من خلال تحسين حياة شعوب المنطقة.
 
 
وبالاضافة لما سبق، تكتسب هذه المبادرة أهميتها من أبعاد استراتيجية أخرى يمكن تناولها فيما يلي:
يجب الانتباه عند السعي لفهم هذه الخطوة إلى أن دولة الإمارات باتت مركز تجاري إقليمي وعالمي، لا سيما من خلال استثماراتها الكبيرة في البنية التحتية،  ويعزز ذلك الموقع الجغرافي الفريد لدولة الإمارات بين آسيا وأوروبا وأفريقيا، فضلاً عن كونها بوابة  الشرق الأوسط، ومن ثم تسعى الدولة إلى زيادة حجم التجارة، وهي تعتبر من أبرز المؤيدين للتجارة الحرة العالمية، كما أنها عضو في منظمة التجارة العالمية منذ عام 1996، فضلاً عن أن الدبلوماسية الاقتصادية باتت أحد أبرز آليات تحقيق أهداف السياسة الخارجية للدولة، وفي هذا السياق يصبح التعاون مع الدول المتطورة تكنولوجيا هدفاً حيوياً من أجل تحقيق النمو الاقتصادي المستدام وتطوير اقتصاد المعرفة وتعزيز مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي وتحقيق رؤية القيادة الرشيدة بشأن الاستعداد للاحتفال بتصدير آخر برميل نفط.
 
 
تقوية وتعزيز إطار السلام الذي تم اعتماده بين دولة الامارات واسرائيل، وفتح الباب أمام بناء سلام حقيقي يضمن لكل الأطراف الأمن والاستقرار، ويسهم جدياً في تشجيع اسرائيل على البحث عن حلول سياسية عادلة للقضية الفلسطينية، بحكم أن المصالح المتنامية مع الدول العربية يمكن أن تكون أحد محفزات إسرائيل للتوصل إلى صيغ عادلة تضمن تحقيق السلام وحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، بما يعكس المقاربة النوعية لدولة الامارات لتسوية القضية الفلسطينية وانهاء الصراع من خلال حلول غير تقليدية بعد أن اثبتت الحلول المتداولة منذ عقود فشلها وعدم قدرتها على بلورة صيغة سلمية ترضي جميع الأطراف.
 
 
يجب الاشارة إلى أن نهج الامارات في التوصل إلى طريق بديل في التعاطي مع اسرائيل يمثل أحد أهم أدوات التأثير في مواقف وسياسات الجانب الاسرائيلي، حيث تجدر الاشارة إلى أن اتفاقية السلام بين دولة الامارات واسرائيل قد نجحت في إزاحة “خطة الضم” الاسرائيلية من على رأس الأعمال الحكومية، وتجميدها لفترة توفر للفلسطينيين فرصة ثمينة للبحث عن حلول وتسويات سياسية عادلة للقضية.
 
 
التعاون التكنولوجي بين الإمارات وإسرائيل
 لاشك أن التعاون التكنولوجي مع اسرائيل سيسهم بشكل كبير في في تعزيز تنافسية دولة الامارات في قطاعات عدة مثل التكنولوجيا المتقدمة والصحة والسياحة، ومعالجة المياه، وزيادة إنتاجية الأراضي الزراعية وجميعا قطاعات تمضي الامارات فيها بوتيرة تقدم متسارعة، حيث تسهم عمليات تبادل الخبرات ونقل التكنولوجيا في هذه المجالات التي تتميز فيها اسرائيل بشكل واضح، في تسريع وتيرة تطور هذه القطاعات في بدولة الامارات، ومن ثم بالدول الخليجية والعربية. ومن المعروف أن قطاع التكنولوجيا المتقدمة في إسرائيل يمثل أكثر من أربعين بالمئة من صادراتها، حيث يطلق على اسرائيل اسم “أمة الشركات الناشئة”، وعلى الجانب الآخر تعد المدن الاماراتية الكبرى الأكثر استقطابا لهذه الشركات بفضل البيئة الحاضنة والدعم الحكومي لها، وتشير تقارير إلى أن أكثر من 35 بالمئة من الشركات الناشئة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تتمركز في الإمارات وحدها، ولذا تسعى الإمارات لأن تكون قوة في مجال التكنولوجيا عبر دعمها للعديد من المشاريع والاستثمار في هذا القطاع الرئيسي بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلي. وفي مجال الزراعة نجد أن صادرات إسرائيل في عام 2016 بلغت ما قيمته 9,1 مليار دولار من منتجات التكنولوجيا الزراعية، بحسب أرقام صادرة عن وزارة الزراعة الإسرائيلية، وفي الإمارات، هناك توجه للتركيز على أسلوب الزراعة الذكية لتجاوز التحديات التي تواجه الزراعة في البلاد، ومنها الحرارة الشديدة وقلة الأراضي الزراعية بالإضافة إلى شح المياه. كما تملك إسرائيل شركات رائدة عالميا في مجال تنقية المياه، من بينها “أي دي أيي” الرائدة في هذا المجال والتي أقامت 400 محطة في أربعين دولة. من جهتها تعتمد الإمارات التي تعاني من شح في المياه ومناخ صحراوي على تحلية مياه البحر لتوفير مياه صالحة للشرب. وهناك أيضاً قطاع الأمن الالكتروني، حيث يشير صدر عام 2016 عن منظمة “برايفيسي انترناشونال” البريطانية غير الحكومية، إلى وجود 27 شركة اسرائيلية متخصصة في هذا المجال، وهذا الرقم يضع اسرائيل البالغ عدد سكانها ثمانية ملايين نسمة، في طليعة التصنيف العالمي للشركات في هذا المجال مع 3,3 شركة لكل مليون شخص، مقابل 0,4 في الولايات المتحدة و 1,6 في بريطانيا.
 
 
تمثل الاستثمارات الاماراتية في إسرائيل توسعاً جديداً في اتجاهات الاستثمارات الاماراتية في العالم، حيث تؤكد التقارير والاحصاءات والمؤشرات العالمية أن دولة الامارات تصنف ضمن المستثمرين الأكثر نشاطاً، حيث تتبنى القيادة الرشيدة وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي ـ رعاه الله ـ وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، سياسة التنويع الاقتصادي المستدام للدولة، من أجل أن تكون الامارات عنصراً فعالاً في المشهد الاقتصادي على الصعيدين الاقليمي والدولي؛ وتصل حجم الاستثمارات الإماراتية في الخارج إلى 1.5 تريليون دولار (5.5 تريليون درهم)، يستحوذ جهاز أبوظبي للاستثمار على نحو %53 منها باستثمارات تصل إلى 800 مليار دولار، في حين تبلغ استثمارات شركة “مبادلة” للاستثمار نحو 220 مليار دولار، إلى جانب استثمارات بقيمة 100 مليار دولار لمؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية، فيما تتوزع الاستثمارات الأخرى ما بين الشركات الحكومية، والقطاع الخاص والشركات العائلية، بحسب مجلس الإمارات للمستثمرين في الخارج.وتحتل الإمارات بذلك مراكز ريادية في عدة مجالات، منها مجال الاستثمارات الدولية، حيث سجلت نجاحاً ملحوظاً على مستوى الشرق الأوسط وإفريقيا، بالنسبة لمجمل حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتدفقة إلى الخارج من خلال شركاتها الوطنية التي قامت باستثمارات متنوعة في مختلف القطاعات الاقتصادية للعديد من الدول التي تمتلك المقومات والبيئة الاستثمارية الجاذبة، وحجم إنجازات الشركات الوطنية المستثمرة في الخارج يعتبر كبيراً للغاية. وتشير التقارير كذلك إلى أن الدول العربية لديها استثمارات إماراتية كبيرة، حيث تقدر هذه الاستثمارات بقيمة 10 مليارات دولار في السعودية، و7 مليارات دولار في مصر، و15 مليار دولار في الأردن، 10 مليارات دولار في الجزائر، 15 مليار دولار في المغرب، إلى جانب استثمارات في السودان وموريتانيا وعمان، وغيرها من الدول العربية، وهناك كذلك استثمارات ضخمة في القارة الآسيوية حيث تستقطب الهند استثمارات إماراتية إجمالية بقيمة 10 مليارات دولار، إلى جانب استثمارات كبرى في الصين وكوريا الجنوبية.
 
 
تعمل دولة الإمارات على تسهيل الاستثمار الخارجي في كل دول العالم من دون استثناء، من خلال إنشاء صناديق الأصول السيادية الناجحة. وقد أصبحت الدولة من خلال هذه الأصول مستثمراً رئيسياً في العديد من الدول حول العالم. ويتم الاستفادة من عائدات هذه الأموال في نمو الدولة، مع تخصيص جزء كبير منها لمشاريع في مجالات الطاقة والصناعة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والبنية التحتية والرعاية الصحية والطاقة المتجددة، وهناك استثمارات إماراتية كبيرة في ممظم دول العالم ومنها الولايات المتحدة وروسيا والصين وكوريا الجنوبية واليابان وباكستان والهند وماليزيا واندونيسيا وتركيا وجورجيا وسيريلانكا والسعودية والعراق والأردن ومصر والمملكة المغربية وسلطنة عمان واثيوبيا والسودان والمملكة المتحدة والمانيا والصومال وبولندا وفرنسا والنمسا وهنغاريا ورومانيا والبوسنة والهرسك وقبرص ومالطا وتونس والجزائر والمغرب ومالي وموريتانيا وغينيا وساحل وبنين ونيجيريا وغانا وكندا، وبالتالي يصبح الاستثمار في إسرائيل بعد اقامة علاقات رسمية معها توجها بديهياً وطبيعياً في إطار القواعد والاعتبارات الحاكمة للتدفقات الاستثمارية الاماراتية للخارج، وهي قواعد تضع استشكاف الفرص وحسابات العوائد نصب عينيها وتعمل بموجبها. 
 
 
تمتلك دولة الامارات خبرات تراكمية ممتدة في أسواق الاستثمار العالمية، ولديها أيضاً باع كبير في استكشاف الفرص ودخول الأسواق الجاذبة والأكثر مردوداً وتسعى لتعظيم مكاسبها من دخول الأسواق المفتوحة ذات البيئات الواعدة اقتصادياً واستثمارياً، ويسهم ذلك كله في تعزيز جهود الدولة الرامية لبناء اقتصاد متنوع، مع الاستمرار في جني فوائد مواردها الطبيعية الوفيرة. وتلعب وزارة الخارجية والتعاون الدولي دوراً هاماً في ضمان استفادة الدولة من الاتجاهات الاقتصادية العالمية من خلال تعزيز مكانتها كلاعب رئيسي على الساحة العالمية، وتمثل القطاعات التكنولوجية الاسرائيلية نقطة جذب واعدة للاستثمارات الاماراتية.
 
 
تعد دولة الإمارات العربية المتحدة  ثاني قوة اقتصادية في العالم العربي بناتج محلي إجمالي يفوق 400 مليار دولار (420 مليار دولار عام 2019 بحسب بيانات البنك الدولي)، حيث يعزى نموها القوي والمستدام إلى السياحة والنقل والخدمات اللوجستية والمالية والعقارات والبنوك والطاقة المتجددة. وتتطلع دولة الإمارات إلى تحفيز اقتصادها في المستقبل، مع إعطاء الأولوية للاستثمار في التعليم وتكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي والصحة والتصنيع. بينما تعد إسرائيل واحدة من أفضل 10 دول ضمن مؤشر الابتكار للمنظمة العالمية للملكية الفكرية التابعة للأمم المتحدة لعام 2019، وتحتل الإمارات المركز الأول عربياً في في هذا المؤشر، واحتلت المرتبة 24 عالمياً في مكون مدخلات الابتكار، لذا تبدو فرص التعاون والتكامل بين الجانبين في قطاع التكنولوجيا واعدة للغاية؛ ويمثل توجه الاستثمارات الاماراتية نحو قطاع التكنولوجيا فائقة التطور في اسرائيل مسألة ذات جدوى اقتصادية وعلمية عالية الأهمية، كون هذا القطاع الاسرائيلي أحد الرواد العالميين في هذا المجال، حيث تشكل شركات هذا القطاع نحو 12% من الناتج المحلي الإجمالي من قطاع الاعمال، ونسبة 43 % من الصادرات الاسرائيلية، وفقاً لإحصاءات رسمية، ويعد هذا القطاع المحرك الرئيسي لنمو الاقتصاد الاسرائيلي،  وهنا تبرز جوانب استفادة الامارات ليس فقط من التعاون التكنولوجي ودعم مسيرتها التنافسية في هذا المجال، ولكن أيضاً من خلال نقل التكنولوجيا وتوطينها بما يعنيه ذلك من تعزيز القدرات التنافسية للكفاءات الاماراتية المواطنة ودعم قدرتها على تحقيق أهداف الرؤى التنموية الطموحة التي وضعتها القيادة الرشيدة.
 
 
ولاشك أن أحد عوامل تشجيع الصناعات التكنولوجية المتطورة في إسرائيل على تصدير التكنولوجيا للأسواق الاماراتية، أن اسرائيل تعاني نقصاً شديداً في القوى العاملة الماهرة والمتخصصة، إذ تظهر التقارير وجود آلاف الوظائف الشاغرة في هذا القطاع، حتى أن الخبراء الاسرائيليين يحذرون من ان يمنع هذا النقص نمو قطاع التكنولوجيا فائقة التطور بشكل أسرع، ولذا اتجهت شركات اسرائيلية في السنوات الأخيرة إلى تصدير العمل إلى دول أخرى، وهنا يمكن ان تكون الامارات وجهة مثالية لهذه الشركات بحكم تميز سوق العمل الاماراتية بالكفاءات البشرية المتخصصة التي تعيش في الامارات وتجد فيها مكاناً مناسباً لبناء المستقبل وتحقيق الأحلام.
 
أضف إلى ذلك هناك فرصة مثالية للتعاون بين الامارات الرائدة في مجال تبني حلول التكنولوجيا المالية واسرائيل باعتبارها مركزاً للتقنيات المالية، فضلاً عن قطاع تكنولوجيا الأغذية والزراعة، أحد أبرز مجالات اهتمام دولة الامارات، حيث يمكن أن تستفيدة من قدرات اسرائيل التي تمتلك أكثر من 350 شركة في مجال تكنولوجيا الأغذية، ومثلها تقريباً في مجال التكنولوجيا الزراعية التي تعد أحد رواها عالمياً، فاسرائيل تحتل المرتبة الأولى على مستوى التكنولوجيا الزراعية عالمياً، وكذلك بالنسبة للتكنولوجيا الخاصة بمعالجة المياه، وبالتالي يمكن أن نقول أنها الأولى عالمياً في مجال التكنولوجيا الخاصة بالأمن الغذائي، ولا شك أن هذا الأمر يخدم مصلحة الإمارات، التي تسعى بقوة إلى تعزيز أمنها الغذائي.
 
وهناك قطاعات تكنولوجية أخرى مثل الطاقة المتجددة، حيث يمكن للطرفين تبادل الخبرات في هذا المجال، وفي ذلك كله تلوح الفرص للدولتين، سواء باستقطاب الاستثمارات الاماراتية لدعم القدرات التنافسية لشركات التكنولوجيا الاسرائيلية أو سعى الأخيرة لتوسيع أنشطتها التجارية والتصديرية والاستفادة من المواهب والكوادر البشرية المتاحة في الامارات لتطوير برامجها التكنولوجية وتعزيز تنافسيتها عالمياً، وبالتالي فهناك امكانيات واسعة لتبادل الخبرات وتعزيز الفرص ودعم القدرات التنافسية في كلا الاتجاهين، ولا يجب أن ننسى أن اسرائيل تنظر للسوق الاماراتية باعتبارها مدخلاً للتكنولوجيا الإسرائيلية للعديد من الأسواق العربية، والأسواق العالمية لا سيما في آسيا وأفريقيا. باختصار يمكن الاعتقاد بأن تعاون الامارات واسرائيل يمكن أن ينتج عنه قفزات هائلة للجانبين بما يصب في مصلحة تحقق هدف الامارات على صعيد التنافسية العالمية.
 
 
لاشك أن توجه الاستثمارات الاماراتية إلى القطاعات الاستراتيجية في إسرائيل يمثل خطوة مدروسة في ظل تداعيات تفشي وباء “كورونا”، الذي ينذر بحدوث ركود عالمي وارتفاع معدلات البطالة عالمياً وانخفاض نسب التجارة لدرجة أن بعض الخبراء يحذرون من كساد كبير يشبه ماحدث في ثلاثينيات القرن العشرين، لذا فإن هناك حاجة ملحّة إلى تفكير خارج الصندوق يضمن الحفاظ على قيمة الأصول المالية الاماراتية من خلال توجيه مدروس للاستثمارات بما يعزز تنوعها ويسعى للتركيز على القطاعات الأكثر جدوى وفاعلية وتناسباً مع متطلبات مرحلة مابعد “كورونا”.
 
 
استثمارات متبادلة وعوائد مشتركة
من الضروري الاشارة إلى أن الإطار العام للعلاقات بين الامارات واسرائيل يرتكز على فكرة العوائد والمصالح المشتركة، بمعنى أن الاستثمارات لا تمضي في اتجاه واحد كما يحاول البعض الترويج لذلك، فالأمور تمضي بشكل مدروس، والجانبين تحدثا مراراً عن الرغبة في استقطاب الاستثمارات المتبادلة، وفتح آفاق جديدة لإرساء أسس الشراكة الاقتصادية والتجارية والاستثمارية في مختلف المجالات الحيوية ذات الاهتمام المشترك، والاستفادة من الفرص المتاحة من خلال اتفاقيات السلام الجديدة. كما اتفق البلدين على حماية وتشجيع الاستثمار وحماية وتعزيز الشراكة الاستثمارية، وتشجيع كافة القطاعات الحكومية وشبه الحكومية والخاصة في البلدين على بناء شراكات استراتيجية. ويلاحظ أنه منذ الإعلان عن إقامة العلاقات بين دولة الإمارات ودولة إسرائيل في 13 أغسطس الماضي، تحرك البلدان بشكل سريع لتوسيع التعاون في القطاعات الحيوية، بما في ذلك الصحة والتكنولوجيا والطاقة والسياحة والتعليم. حيث ترأس معالي عبيد حميد الطاير، وزير الدولة للشؤون المالية، اوفد الدولة الذي زار اسرائيل في العشرين من أكتوبر الماضي،  وضم كلا من معالي عبدالله بن طوق المري وزير الاقتصاد، وسعادة عمر سيف غباش مساعد وزير الخارجية والتعاون الدولي للشؤون الثقافية، وسعادة يونس حاجي الخوري وكيل وزارة المالية، وماجد علي عمران مستشار وزير المالية وذلك في خطوة تهدف إلى إرساء أطر التعاون الاقتصادي والاستثماري وتسهيل حركة التجارة بين الإمارات و إسرائيل. وقام معالي عبيد حميد الطاير على هامش الزيارة بتوقيع 4 اتفاقيات بالنيابة عن دولة الإمارات وهي اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمار، ومذكرة تفاهم للتعاون الاقتصادي المتبادل، واتفاقية إعلان النوايا بشأن إقامة تعاون في مجال الخدمات المالية، ومذكرة تفاهم في مجالات تحسين وتطوير العلوم والتكنولوجيا المتقدمة.
 
 
الدبلوماسية الاقتصادية وخطط الاستثمار
تشير بيانات البنك الدولي إلى أن قيم الناتج المحلي الإجمالي في الإمارات صعدت بأكثر من 200% خلال الفترة بين 2000 - 2018، بفضل تنوع الاقتصاد وتعزيز الصناعة النفطية في البلاد خلال تلك الفترة. ففي عام 2000، بلغ الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات قرابة 104 مليارات دولار أمريكي، وتشمل إجمالي الناتج المحلي لكل القطاعات بما فيها النفطي. وصعد الناتج المحلي الإجمالي في 2005، ليسجل نحو 180.62 مليار دولار أمريكي، وواصل ارتفاعه في 2006 ليسجل 222.1 مليار دولار، ثم 257.2 مليار دولار خلال عام 2007. ورغم الأزمة المالية في 2008، وتأثر العديد من الاقتصادات حول العالم، كان النمو مرافقا لاقتصاد الإمارات، إذ صعدت قيمة الناتج المحلي الإجمالي إلى 315.4 مليار دولار أمريكي بحسب أرقام البنك الدولي.  وصعد الناتج المحلي الإجمالي للإمارات، ليسجل في 2010، نحو 290 مليار دولار أمريكي، ثم قفز ليسجل مستوى جديدا صاعدا، عند قرابة 350 مليار دولار عام 2011، و374.9 مليار دولار في 2012. 
 
وواصل نمو الناتج المحلي الإجمالي صعوده إلى 390.11 مليار دولار في 2013، ثم إلى 403 مليارات دولار في 2014، وتراجع إلى 358 مليار دولار في 2015، ثم 357 مليارا في 2016، واستأنف النمو صعوده في 2017، لتسجل قيمة الناتج المحلي الإجمالي 382.5 مليار دولار، ويعزز صعوده في 2018 ليبلغ 414.18 مليار دولار،  ثم حقق 420 مليار دولار في عام 2019.
 
ولاشك أن الحفاظ على معدلات الارتفاع في الناتج المجلي الاجمالي في ظل معطيات البيئة الاقتصادية الراهنة، محلياً وعالمياً، ولاسيما مايتعلق بخطط خفض الاعتماد على النفط والتوجه نحو اقتصاد المعرفة، والاعتماد على عوائد الاستثمار في التكنولوجيا، يتطلب توجيهاً مدروساً للاستثمارات والفوائض المالية ليس فقط بما يتناسب مع هذه المعطيات والأهداف، ولكن أيضاً مع حركة الاقتصاد العالمي واوجه التنافسية التي اتجهت إلى قطاعات التكنولوجيا بشكل كبير، فضلاً عن أهمية تنويع القاعدة والوجهات الاستثمارية بما يحقق أعلى العوائد وأفضل مستويات الأداء لهذه الاستثمارات.
 
 
وفي ضوء ما تقدم من استعراض للأهداف والأبعاد المحتملة التي تقف وراء توجه الاستثمارات الاماراتية نحو القطاعات الاستراتيجية في اسرائيل، يمكن القول بأن الخطوة الاماراتية تتسم بقدر عال من الذكاء والحنكة كون الاستثمار في هذا القطاعات يمثل المجال الأنسب في ظل المعطيات والبيئة الاستثمارية العالمية الراهنة، إلى جانب أنه يحقق أهداف إماراتية أخرى مثل التوافق بين الأهداف الاقتصادية والتكنولوجية، فالامارات باتت لاعباً رئيسياً في محال التكنولوجيا المتقدمة، ومركزاً مالياً مهماً، ومن الطبيعي أن تتعاون مع إسرائيل التي تمتلك خبرات عالمية كبيرة في هذه المجالات، لاسيما بعد زوال العائق الخاص بعدم وجود علاقات دبلوماسية طبيعية بين البلدين، لتصبح إسرائيل شريكاً طبيعياً للإمارات في مجالات التكنولوجيا والأمن السيبراني والتقنيات المالية والفضاء والقطاع الصحي والزراعي والغذائي وغير ذلك، وهي المجالات التي تحتاج الامارات إلى إحداث نقلة نوعية فيها بما يتناسب مع الرغبة القوية في تحقيق أهداف مئوية الامارات 2071.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره