مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2012-07-01

الدور الحيـوي لقـواتنا المسـلحـــة في عمليـات حفـظ الســلام الدولية

في تاريخ الدول مهام وأدوار ومحطات تاريخية فاصلة وأيام مجيدة يتذكرها مواطنوها بكل فخر واعتزاز، يستحضرون فيها أدوار تاريخية عظيمة اضطلع بها من تحدوا الصعاب بإيمان مطلق وعزيمة لا تلين ومضوا بسفينة الوطن إلى بر الأمان، ويستلهمون منها الدروس والعبر، ويستمدون القوة والإرادة على رفع راية الوطن خفاقة بين الأمم.
من هذه المحطات في دولة الإمارات العربية المتحدة  بالإضافة إلى انطلاقة دولة الاتحاد في الثاني من ديسمبر عام 1971، يوم السادس من مايو الذي تم فيه توحيد القوات المسلحة تحت علم واحد وهدف واحد في عام 1976، ومن ثم اكتملت أركان دولة الوحدة وتكامل بناؤها، وتوفر لها الدرع القوي الذي يحمي مسيرتها ويصون مكتسباتها ويذود عن أرضها ويدافع عن سيادتها، ويشعر مواطنيها بالأمن والأمان في حاضرهم ومستقبلهم، ومن هذه الأدوار والمهام والمحطات التاريخية أيضاً مشاركات قواتنا المسلحة في عمليات حفظ السلام الدولية، وهي مشاركات عديدة وفاعلة وتتسم بقدر هائل من الايجابية خصوصاً لجهة تحقيق الأهداف المنشودة من وراء عمليات حفظ السلام الرامية إلى تحقيق الأمن والاستقرار وتقديم العون والمساعدات والإغاثة الإنسانية للبشر في مناطق الصراعات من دون تفرقة بين لون أو دين أو عرق.
 
في هذا الملف تحاول "درع الوطن" تسليط الضوء على مهمة بعثات الخير والعطاء والتسامح ونشر القيم الإنسانية في مختلف أرجاء المعمورة، نرصد مهام أيادي الخير الإماراتية التي زرعت ولا تزال تزرع الأمل في نفوس المحتاجين والمستضعفين المتواجدين في مناطق الصراعات بمختلف مناطق العالم، هؤلاء الجنود الذين شاركوا في مهام حفظ السلام العديدة ورفعوا خلالها راية دولة الإمارات العربية المتحدة خفاقة بفخر واعتزاز، هم سفراء فوق العادة لهذه الأرض الطيبة، وهم ممثلوها وحاملو قيمها ومثلها الأخلاقية والإنسانية، كانوا في حقيقة الأمر ينشرون البشرى بغد أفضل للإنسانية في مواجهة أعداء الحياة وتجار الحروب، مهام إحياء الأمل ورياح الخير التي انتشرت وامتدت من الصومال حيث كانت المجاعة والفقر والحروب تطارد البؤساء إلى كوسوفا حيث الواقع العرقي والإنساني المعقد والصعب، إلى الكويت حيث أسهم أبناء الإمارات الأوفياء في تحريرها، إلى تحقيق الأمن والاستقرار في لبنان الشقيق، وأخيراً حلت بشائر الخير والعطاء في قرى أفغانستان التي لا تزال تئن تحت وطأة ضجيج المدافع وعويل البطون الجائعة والأجساد العليلة.
السطور التالية جميعها لن تكفي كي نسطر أمجاد سفراء الإمارات في المهام الصعبة، وكل الكلمات لن تكفي لتحيتهم، ولكن بالتأكيد دعواتنا قد ترتقي إلى طموحاتهم وتلبي رغباتهم في أن تكون عناية الله ورعايته هي من يعينهم ويحميهم في أداء الواجب.
 
إعداد: التحرير
 
 
التزام أخلاقي وواجب دولي
جاءت مشاركات القوات المسلحة الإماراتية في عمليات حفظ السلام ترجمة صادقة للعقيدة العسكرية الإماراتية القائمة على صون الحق واحترام القانون والشرعية الدولية، والالتزام الثابت بالمبادئ والقوانين، وانطلاقاً من أن عمليات حفظ السلام تعد بالأساس أحد أبرز أدوات حفظ الأمن والسلم الدوليين، ولم يكن الدور الذي اضطلعت به قواتنا في عمليات حفظ السلام نموذجاً للانضباط القيمي والأخلاقي والعسكري فقط، بل أيضاً قدمت هذه القوات القدوة والنموذج في العمل الإنساني من خلال أعمال الإغاثة والمساعدات الطبية والإنسانية التي كانت أحد محاور عمل هذه القوات من أجل تخفيف المعاناة عن المدنيين، وإبراز وجه الإمارات الحضاري والإنساني المشرق، وفي هذا الإطار يمكن النظر إلى مهمة قوات حفظ السلام الإماراتية في ساحات العمل المختلفة من واقع منظور قائم على أنها تمثل رسالة خير للتواصل الإنساني بين الشعوب، وجهداً مشكوراً لتوسيع مساحات التفاهم والتواصل الحضاري وتكريس مفاهيم التسامح ونبذ العنف. وشاركت دولة الإمارات ضمن قوات حفظ السلام الدولية تحت راية الأمم المتحدة في عمليات عدة، كما شاركت أيضاً مع قوات دول حليفة لتحقيق مهمة حفظ الأمن والاستقرار في مناطق عدة أحدثها أفغانستان حيث تشارك قواتنا المسلحة ضمن قوات "ايساف" انطلاقاً من قناعة الدولة بأن مهمة الحفاظ على الأمن والاستقرار الدوليين مهمة إنسانية بالدرجة الأولى، ولا تقتصر على العمل تحت راية الأمم المتحدة، ولكنها مسؤولية دولية ينبغي العمل على تحقيقها بمشاركة جميع الدول الصديقة تحقيقاً لمبدأ المساعدة على إغاثة المحتاجين ورفع الظلم على الشعوب المقهورة وحماية المدنيين من ويلات الحروب وشرورها، ويرى بعض الخبراء أن الأمم المتحدة التي "اخترعت" مفهوم حفظ السلام بحسب الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة د. بطرس بطرس غالي، تعتمد في مشروعية هذه العمليات إلى حد كبير على فكرة أن المسؤولية الأخلاقية أمر تشترك فيه على نطاق واسع الدول الأعضاء بالمنظمة، ومع ذلك يعترف هؤلاء الخبراء بأن وظيفة حفظ السلام هي من أصعب الوظائف قاطبة.
وقد كانت أولى مشاركات قواتنا المسلحة في مهام حفظ الامن والاستقرار الخارجية  عام 1976 في لبنان ضمن قوات الردع العربية لدرء مخاطر تفجر حرب أهلية، كما أسهمت قواتنا ضمن قوات درع الجزيرة في تحرير دولة الكويت عام 1991، وعملت قواتنا كذلك ضمن قوات الأمم المتحدة في عملية "إعادة الأمل" بالصومال عام 1992 عقب الحرب الأهلية، وفي أول مبادرة لها في أوروبا عام 1999 أقامت قواتنا المسلحة معسكراً لإيواء آلاف اللاجئين الكوسوفيين الذين شردتهم الحروب في مخيم "كوكس" بألبانيا، كما قامت بالمشاركة في عمليات حفظ السلام في كوسوفا، كما عادت قواتنا ثانية إلى لبنان عام 2001 لتخوض غمار تحد جديد تمثل في تطهير الأرض في الجنوب اللبناني من الألغام وتخفيف معاناة السكان، وفي محيطها الإقليمي عام 2003 كانت قواتنا المسلحة سباقة إلى المشاركة للدفاع عن دولة الكويت وشعبها ضمن قوات درع الجزيرة، وفي نطاق الإنسانية أيضاً تعاظم دور قواتنا المسلحة في عمليات الإغاثة الكبرى التي نفذتها خلال زلزال 2005 الذي ضرب شمالي جمهورية باكستان الإسلامية، وفي عام 2008 لعبت القوات المسلحة دوراً حيوياً في عمليات إغاثة في اليمن جراء السيول والفيضانات، وفي أفغانستان تلعب قواتنا المسلحة المشاركة ضمن قوات "ايساف" في الوقت الراهن دوراً حيوياً في تأمين وإيصال المساعدات الإنسانية إلى الشعب الأفغاني، فضلاً عن قيامها بدور مواز في خطط إعادة الإعمار والحفاظ على الأمن والاستقرار.
 
دروس مستفادة من المشاركات الإماراتية
في رده على سؤال حول المشاركات الإماراتية المتعددة ضمن قوات حفظ السلام الدولية، وأيضاً المشاركات في عمليات الإغاثة الإنسانية وما هي أبرز الدروس المستفادة من هذه المشاركات، أشار نائـب رئيـس أركـان القوات المسلحة اللواء الركن عيسى سيف المزروعي، في حديث لمجلة "درع الوطن" (عدد مايو الماضي) إلى المشاركات العديدة للقوات المسلحة الإماراتية ضمن قوات حفظ السلام وعمليات الإغاثة الإنسانية، والتي كان لها دور كبير في دعم وتعزيز الأمن والسلم الدوليين في مختلف أنحاء العالم، وأكد أن هذه المهام قد أكسبت  القوات المسلحة الإماراتية احترام العالم أجمع. وأشار نائب رئيس الأركان إلى أن المشاركات الإماراتية في هذا السياق تنتهج المبادئ الأصيلة للدولة، والسياسة الحكيمة التي أرساها القائد المؤسس المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه" والتي من شأنها نبذ الخلافات والصراعات وترسيخ الحكمة والدبلوماسية من أجل إشاعة الأمن والاستقرار في العالم، وسار على هذا النهج صاحب السمو الشيخ خليفـة بن زايـد آل نهيان رئيس الدولة القائد الأعلى للقوات المسلحة "حفظه الله" حيث كانت توجيهات سموه الحافز والدافع لأبناء الإمارات لكي يمدوا أياديهم البيضاء لكل المحتاجين ناشرين ثقافة السلام والمحبة في ربوع العالم بدون تمييز على أساس العرق أو اللون أو الدين، وقد أكسبت هذه المشاركات أبناء الإمارات خبرات واسعة في التعامل مع شعوب وبيئات مختلفة وضمن المشاركات الدولية مما أكسبهم المزيد من الاحترام والتقدير لهذه الجهود المقدرة، فمن المشاركة ضمن قوات الردع العربية لحفظ السلام في لبنان، إلى تقديم المساعدة إلى الشعب الصومالي في بداية التسعينيات، إلى المشاركة في جهود تحرير الكويت، وإلى المشاركة في قوات حفظ السلام وتقديم الإغاثة في كوسوفا و باكستان واليمن، وإلى سلسلة من عمليات الإغاثة الإنسانية في عدد من دول العالم حتى أصبحت قواتنا المسلحة اللاعب الرئيس في إيصال رسالة زايد الخير التي تدعو للسلام والمحبة إلى جميع شعوب العالم.
 
جدوى المشاركة في عمليات حفظ السلام 
تحرص العديد من دول العالم على مشاركة عناصر من قواتها ضمن قوات حفظ السلام الدولية، أو ضمن القوات التي تضطلع بمهام مشابهة، وتعتبر ذلك جزءاً أصيلاً من سياستها الخارجية، وذلك بناء على تقديرات إستراتيجية قائمة على أن مصالح هذه الدول ترتبط ارتباطاً عضوياً بهذه المشاركات، حيث تنظر إلى هذا الدور باعتبار أن قوات حفظ السلام العاملة في مناطق معينة تترجم سياستها الخارجية مثلما حدث بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة في مشاركاتها في البلقان وحرب تحرير الكويت ولبنان وحالياً أفغانستان، حيث تعتبر هذه المهام تعبيراً صريحاً وترجمة دقيقة لمواقف دولة الإمارات وسياستها الخارجية حيال هذه الملفات، كما تعتبر أيضاً أداة مهمة لخدمة مصالحها الوطنية وكذلك الدفاع عن الدول الشقيقة كما في حال الاعتداء على سيادة دولة الكويت الشقيقة وغزو أراضيها من جانب النظام العراقي السابق، ودعم الشرعية الدولية، وتحقيق السلام والاستقرار في جوارها الإقليمي والدولي. 
ويجمع الخبراء والمتخصصون على أن المشاركة في عمليات حفظ السلام والإغاثة الدولية توفر الكثير من الخبرات المهنية والمهارات الميدانية لعناصر الجيوش المشاركة، ومن أبرز المكاسب على هذا الصعيد كسب مهارات مستحدثة في العمل الميداني الخاص بمواجهة حالات الطوارئ والكوارث الطبيعية، مثل حالات الزلازل والفيضانات، والعمل ضمن ظروف مناخية مختلفة، بما يكسب أفراد هذه القوات مزيداً من الخبرات في التعامل مع هذه الظروف الميدانية والمناخية، كما تكتسب مهارات التواصل وتسهم بفاعلية في عملية تلاقي الأفكار وتبادل الخبرات مع عناصر أجنبية سواء في المناطق المنكوبة أو تلك التي تنتمي إلى قوات دول أخرى مشاركة في عمليات الإغاثة وحفظ السلام، ولاشك أن خبرات مثل الإغاثة الإنسانية والطبية باتت تمثل قيمة مضافة جديدة للأداء في الجيوش الحديثة، خصوصاً أن تعقيدات الحياة المدنية الحديثة تفرض في أحيان كثيرة الاستعانة بالقوات المسلحة في مواجهة الأزمات وحالات الطوارئ للاستفادة من حسن تدريب وتنظيم ونظامية القيادة لدى هذه القوات في التحكم وحسن إدارة الأزمات خلال هذه الظروف، علاوة على أن تعقيدات الحياة الحديثة باتت تفرز في بعض الأحيان أزمات غير تقليدية وتتطلب خبرات ومهارات جديدة في مواجهتها ما يفرض بدوره الاستعانة بعناصر بشرية تمتلك المقدرة على مواجهة مثل هذه الظروف غير التقليدية، وتمتلك من الحلول والبدائل ما يؤهلها للتعاطي مع افرازات الأزمات غير التقليدية، ومن بين الأمثلة على ذلك أحداث زلزال هاييتي خلال شهر يناير 2010 حيث لعبت فرق الإنقاذ التابعة للعديد من جيوش دول العالم دوراً بالغ الأهمية في عمليات الإنقاذ والإغاثة الإنسانية، حيث أبلى الجنود المدربون على مواجهة الأجواء الشاقة والظروف الصعبة بلاءاً حسناً في إنقاذ الضحايا من تحت الأنقاض. 
 
عنصر استقرار إقليمي ودولي 
تؤكد الشواهد جميعها أن القوات المسلحة الإماراتية تمثل عنصر استقرار إقليمي ودولي بوقوفها إلى جانب الحق والعدل بمساهمتها الفاعلة في جهود حفظ السلام في مناطق مختلفة من العالم، فالواقع يشير إلى أن دولة الإمارات من خلال تدعيمها جيشها وتوفير فرص التعاون التدريبي بينه وبين الجيوش المتطورة على المستوى العالمي إنما توجه رسالة سلام إلى العالم الخارجي، لأن القوة تضمن الاستقرار وتمنع العدوان، خاصة إذا كانت دفاعية ومحكومة بمبادئ سياسية راسخة ومستقرة تدعو إلى تعزيز السلام العالمي، والعمل من أجله، وحل المشكلات والنزاعات بالطرق السلمية، ورفض الحروب والصراعات المسلحة لأنها تستنزف جهد الأمم والشعوب، ولا تزيد المشكلات والنزاعات إلا صعوبة وتعقيداً، وهذا ما يحكم رؤية الإمارات ودور قواتها المسلحة وما يوجه سياستها بشأن تطوير هذه القوات وتحديثها.
وقد كشفت التصريحات التي أدلى بها الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة على هامش حضوره ختام فعاليات التمرين العسكري المشترك "خليج 2012" الذي أقيم على أرض الدولة بين القوات المسلحة الإماراتية وقوات الجمهورية الفرنسية خلال أوائل مايو الماضي، كشفت هذه التصريحات عن الموقع المتقدم والمحوري الذي تحظى به القوات المسلحة الإماراتية في فكر القيادة الرشيدة باعتبارها درع الوطن وحصنه الذي يدفع عنه الخطر، ويصون مكتسباته ويدمج أبناءه في بوتقة الوطنية الخالصة، ويزرع في قلوبهم وعقولهم حب الوطن والولاء له، فهناك قناعة راسخة بأهمية تطوير الأداء وتحسين المهارات والقدرات القتالية من خلال التدريبات النوعية المشتركة التي من شأنها تعزيز قدرة مختلف الأسلحة والتشكيلات على القيام بالواجبات الوطنية، والاستعداد الدائم للتعامل مع مختلف التهديدات المحتملة، وتأمين أفضل حماية وسبل دفاع عن تراب الوطن الغالي وسيادته واستقراره ومصالحه.
وثمة حرص من لدن القيادة الرشيدة وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله" على توفير كل ما من شأنه جعل قواتنا المسلحة على اتصال دائم بأحدث التطورات العسكرية العالمية في مجالَي الأسلحة والتدريب، وتعزيز قدراتها وتحديثها باستمرار من خلال التمارين والتدريبات المشتركة مع مدارس عسكرية مختلفة.
وقد لعبت قواتنا المسلحة منذ تأسيس اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة دوراً مشهوداً في ترسيخ الهوية الوطنية، وتعزيز الكيان الاتحادي، فضلاً عن دورها في بناء قوة ردع تزود عن مكتسبات الوطن وحماية مقدراته، ولذا فإن القوات المسلحة الإماراتية توصف دوماً بأنها مصنع للرجال، حيث تحظى المؤسسة العسكرية، بإمكانياتها وقدراتها وكوادرها البشرية، بمكانة بارزة ليس فقط على صعيد التدريب والتأهيل العسكري، ولكن أيضاً من حيث مقدرتها الفائقة على تكريس مفاهيم الولاء والانتماء للوطن، وتعزيز قيم إنسانية ايجابية لدى عناصرها مثل الصبر والاعتماد على الذات وتحمل المسؤولية والشجاعة، وتعميق التلاحم بين أبناء الوطن، وعندما يشار إلى المؤسسة العسكرية في دولة الإمارات فإن من باب الموضوعية الإشارة إلى أن شرف الانخراط بين صفوفها ينطوي على سمات فريدة تنبع من قيم الإمارات الإنسانية وتجربتها التنموية الفريدة، إذ يحظى العنصر البشري في قواتنا المسلحة باهتمام استثنائي من جانب القيادة الرشيدة، التي توجه دوماً بالعمل على رفع مستوى الكادر البشري، مادياً وتعليمياً وتقنياً واجتماعياً، بحيث بات الانضمام إلى القوات المسلحة مدخلاً حيوياً لمستقبل أفضل لكل من يلتحق بها، فلم تعد خطط التدريب مرادفة فقط للتأهيل العسكري وإجادة التعاطي مع أحدث الأسلحة والمعدات في العالم، بل بات يعني كذلك ضمان التطور الثقافي والفكري والمهني، من خلال المشاركة في عمليات حفظ السلام والإغاثة الإنسانية بالخارج، ما يستلزم بدوره إعداد الأفراد إعداداً يتماشى مع كونهم ممثلين يحملون قيم الإمارات وصورتها الحضارية في تعاملهم مع الشعوب الأخرى؛ كما أصبح التطوير التقني والتعليمي مرادفاً حيوياً بل حجر زاوية ضمن منظومة العمل في مؤسسة تحرص على أن تواكب عجلة التطور والتنمية المتلاحقة على أرضنا الطيبة، وتحرص الدولة على رفد القوات المسلحة بما تحتاجه من عناصر بشرية قادرة على ترجمة فلسفة هذه المؤسسة الوطنية إلى واقع عملي يصب في مصلحة خطط التنمية الشاملة. 
وعلى مدى السنوات الماضية حرصت القيادة الرشيدة على توفير كل ما من شأنه تحديث وتطوير قواتنا المسلحة على مستوى التسليح والتدريب واستيعاب أحدث التكنولوجيات العسكرية المتقدمة، وهذا ما عبر عنه بوضوح صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله" في كلمة لسموه بمناسبة الذكرى السادسة والثلاثين لتوحيد القوات المسلحة بقوله "إن التزامنا بتطوير قواتنا المسلحة وتوفير كافة المقومات التي تجعلها قادرة على النهوض بمسؤولياتها وأداء واجباتها هو التزام ثابت يشكل رأس أولوياتنا الوطنية"، ولذلك وصلت القوات المسلحة إلى ما وصلت إليه اليوم من تطور وتقدم في كل فروعها، وهو تطور تدعمه وتعززه إرادة قوية من قبل منتسبيها تجعله هدفاً مستمراً لا يتوقف من خلال المضي قدماً على طريق رفع الإمكانات والتفاعل الايجابي مع أحدث وأعقد التكنولوجيات العسكرية المتقدمة.
 لقد أكد صاحب السمو رئيس الدولة على أنه "كان وما زال الدفاع عن الحق والذود عن المبادئ أمضى ما لدينا من سلاح وأقوى ما نملك من عتاد"، وهذا هو جوهر العقيدة العسكرية التي تحكم عمل قواتنا المسلحة وترسم أهدافها منذ توحيدها، فهي قوة استقرار داخلي وإقليمي تقف دائماً إلى جانب الحق والعدل، وتشارك في كل ما من شأنه تعزيز السلام في العالم، وهو ما يثبته سجلها المشرف خلال السنوات الماضية سواء على المستوى الإقليمي أو العالمي.
 
تاريخ مشرف للقوات المسلحة الإماراتية
تحت عنوان "نقطة تحول للتدخل الإماراتي" رصدت نشرة Gulf States Newsletter الصادرة في لندن المشاركات الإماراتية ضمن قوات حفظ السلام الدولية قائلة أن القوات المسلحة الإماراتية قامت بتنفيذ مهمات حفظ سلام طموحة مباشرة بعد تأسيسها، وأضافت النشرة قائلة في تقرير لها أنه في الفترة بين 1976 و1979، كانت الدولة الحديثة من بين الدول الأولى التي ساهمت في قوة الردع العربي التي نشرتها الجامعة العربية في البقاع اللبناني، كما أرسلت قوة مكونة من دبابات AMX-30 وحاملات جنود في عمليات تحرير الكويت سنة 1991، كما قامت طائراتها الحربية بحوالي 173 طلعة جوية على المناطق التي احتلتها العراق في الكويت، وبعد عامين شاركت دولة الإمارات الإمارات في الصومال في إطار عملية إعادة الأمل التي قادتها الولايات المتحدة، وفي الفترة بين 1993 و1995، شاركت بقوات برية وطائرات هيلكوبتر SA330C/F Puma لمراقبة إحدى المناطق في الصومال، وبعد هجوم حلف شمال الأطلسي في ربيع 1999، تدخل المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان للدفاع عن المسلمين في ألبانيا وكوسوفو، حيث تم نشر قوة عسكرية من المشاة يتكون من أكثر من ألف فرد مع طائرات هيلكوبتر أباتشي AH64A وقوات خاصة، وبين 1999 و2001، نشرت دولة الإمارات قوتين على الأقل في كوسوفو موفرة خبرة ذات طراز عالمي في ميدان حفظ السلام بأكثر من ألفي جندي، كما تم إرسال طائرات Puma SA330C/F لنقل عناصر القوات الخاصة اللبنانية والمهندسين والأطباء الإماراتيين، لكن ـ كما تقول النشرة في تقريرها ـ ربما كان الدور الإماراتي في أفغانستان أهم تدخل عسكري إنساني إماراتي في إطار عملية رياح الخير، حيث أرسلت دولة الإمارات قواتها لأفغانستان في عام 2006 لتوفير الحماية للمعدات وأعمال البناء في مستشفى زابول الجهوي قرب قندهار، وقد قامت القوات الإماراتية بعمليات توزيع مساعدات وإزالة المتفجرات حول العاصمة كابول، ونشرت الإمارات في عام 2007 قوات في قندهار قدمت مساعدات إنسانية، كما قامت القوات الإماراتية بحماية مستشفى أشرفت على بنائه تقدم فيه طبيبات إماراتيات خدمات طبية للنساء والأطفال الأفغان، بالإضافة إلى تمويل محطة إذاعية تبث الأخبار والموسيقى بلغة الباشتون.
وتضيف النشرة أن الإمارات لعبت منذ 2006 دوراً نشيطاً في لبنان، حيث بدأت في توفير السلاح والمعدات للقوات المسلحة اللبنانية أواخر عام 2006 اعتماداً على النجاح الذي حققه برنامج إزالة الألغام في لبنان الذي مولته الإمارات (عملية التضامن الإماراتي منذ 2001).
 
المرأة وعمليات حفظ السلام..رؤية إماراتية
دعت الإمارات المجتمع الدولي إلى تعزيز المشاركة المتكافئة والمتكاملة للمرأة في جميع الجهود المبذولة لصون الأمن والسلم الأهلي والاستقرار في مجتمعاتها ومناطقها، بما في ذلك مشاركتها الفاعلة في عمليات صنع القرارات والوساطة والمصالحة والتفاوض وإدارة العمليات الإنسانية ونزع السلاح والتسريح وإعادة بناء القدرات والإدماج والتعمير، وقد جاء ذلك خلال البيان الذي أدلى به السفير أحمد عبدالرحمن الجرمن المندوب الدائم لدولة الإمارات لدى الأمم المتحدة أمام الاجتماع الذي عقده مجلس الأمن الدولي بشأن "المرأة والسلام والأمن" في عام 2008، ووفقاً لما ورد بجريدة "البيان" الإماراتية، نوه الجرمن إلى أن إصدار مجلس الأمن للقرار 1325 /2000 إنما شكل إدراكاً واعترافاً من المجتمع الدولي بأهمية الدور الرئيسي الذي يجب أن تلعبه المرأة على قدم المساواة مع الرجل في عمليات حفظ السلام ومنع نشوب الصراعات، وكذلك صون الأمن والسلم الدوليين، بعد أن أثبتت أحداث الحروب المفجعة التي شهدتها العديد من المناطق التي تشوبها النزاعات بأن ضعف مشاركتها في هذه المجالات ساهم في أن يجعلها وأطفالها الأكثر عرضة لأعمال العدوان والقتل والتشويه والعنف الجنسي والتجويع والتهجير القسري وغيرها من الممارسات غير الإنسانية الأخرى التي تنتهك حقوقها وتشكل بلغة القانون جرائم حرب يعاقب عليها النظام الجنائي الدولي، وقال الجرمن: "إن المنظور المنهجي الذي دعا إليه هذا القرار وسلسلة بيانات المجلس الرئاسية الأخرى ذات الصلة لم يكن يرمي فقط إلى توفير الحماية اللازمة للنساء والفتيات ووضع حد نهائي لممارسات استهدافهن وانتهاك حقوقهن الإنسانية في حالات الصراعات المسلحة فحسب، وإنما أيضاً إلى مراعاة احتياجاتهن وشواغلهن القائمة والمحتملة عند وضع الاستراتيجيات اللازمة"، ودعا الجرمن إلى اتخاذ بعض التدابير اللازمة لضمان المشاركة المتكافئة والمتكاملة للمرأة في جميع الجهود المبذولة لصون الأمن وتعزيز السلم الأهلي والاستقرار في مجتمعاتها ومناطقها، بما في ذلك مشاركتها الفاعلة في عمليات صنع القرارات والوساطة والمصالحة والتفاوض وإدارة العمليات الإنسانية ونزع السلاح والتسريح وإعادة بناء القدرات والإدماج والتعمير، ونوه الجرمن إلى أن دولة الإمارات تابعت عن كثب وبارتياح تام الجهود والمساعي التي تم بذلها حتى الآن سواء في إطار عمل منظومة الأمم المتحدة أو على الصعيد الوطني والمجتمعات المدنية من أجل تعميم المنظور الإنساني في عمليات حفظ السلام، واعتبر تمثيل المرأة في هذه العمليات بأنه مازال ضعيفاً للغاية وغير منتظم أو فاعل، وذلك نتيجة لاستمرار غياب الإرادة السياسية اللازمة وعدم توفير الموارد اللازمة لتأهيلها، وطالب بضرورة مواصلة مجلس الأمن وكل وكالات وصناديق وإدارات الأمم المتحدة الأخرى العاملة في الميدان كل حسب اختصاصاته لمسؤولياتهم في تحقيق المساواة بين الجنسين عند تنفيذهم لولايتهم الرامية إلى تعزيز الاستقرار والثقة قي سيادة القانون وقطاع الأمن.
وتنظر دولة الإمارات إلى مشاركة المرأة في عمليات حفظ السلام نظرة حضارية ترتكز على محورية دور العنصر النسائي في تحقيق أمن وسلام البشرية، وفي تنمية المجتمعات ونهضتها، وهو مفهوم تؤمن به الإمارات وتطبقه على أرض الواقع، وينعكس بوضوح في جميع مؤشرات التنمية البشرية بالمجتمع الإماراتي الذي تلعب فيه المرأة دوراً بارزاً من خلال منحها فرصة شغل الوظائف كافة، حيث تعمل المرأة الإماراتية كوزيرة وسفيرة وعضو برلمان وسيدة أعمال وطبيبة ومهندسة وصحفية ومديرة ومعلمة وغير ذلك من المهن والمهام التي تسهم فيها جنباً إلى جنب مع شقيقها الرجل في نهضة المجتمع وتطوره، كما تسهم بقدر عال في مسيرة نهضة القوات المسلحة الإماراتية، وتلعب دوراً بارزاً على وجه التحديد في مهام حفظ السلام، حيث لا تخفى على العين وجوه العنصر النسائي الإماراتي ضمن مشاركة القوات الإماراتية في مهمة "رياح الخير" على الأراضي الأفغانية، حيث تضطلع كوادر نسائية إماراتية بمهام عديدة في مجال الإغاثة الإنسانية وتقديم المساعدات ومعالجة الفقراء والمحتاجين من بين أفراد الشعب الأفغاني، علماً بأن بيئة العمل الشاقة والصعبة في ظروف بلد كأفغانستان تحتاج من القائم بالعمل خلالها قناعة إنسانية راسخة بنبل وإنسانية المهمة التي يقوم بها.
وفي هذا الإطار قد يكون من المفيد الإشارة إلى أنه في عام 1993، كانت المرأة تمثل 1 % من أفراد قوات حفظ السلام الدولية التي ترتدي زياً عسكرياً في مختلف أرجاء العالم، واليوم تمثل المرأة 4 % من مجموع أفراد حفظ السلام البالغ عددهم 125,000 تقريباً، كما تشكل 10 % من أفراد الشرطة في بعثات حفظ السلام، وتمثل المرأة قرابة 30 % من الموظفين المدنيين الدوليين، وفي جميع مجالات حفظ السلام أثبتت النساء من أفراد حفظ السلام أن باستطاعتهن القيام بنفس الأدوار، وعلى نفس المستوى، وفي نفس الظروف الشاقة مثل نظرائهن من الرجال، فقد أصبح من مقتضيات التشغيل تعيين نساء واستبقائهن ضمن أفراد حفظ السلام.
ورغم أن إدارة عمليات حفظ السلام بالأمم المتحدة تحاول من جانبها زيادة أعداد النساء في عمليات حفظ السلام عن طريق الدعوة إلى الاستعانة بمزيد من النساء، فإن واقع الأمر يشير إلى أن المسؤولية النهائية عن مشاركة المزيد من النساء في العمليات العسكرية لحفظ السلام تقع على البلدان المساهمة بقوات من العسكريين وأفراد الشرطة.
 
ووجود نساء بين أفراد حفظ السلام يمكن أن يساعد فيما يلي:
- الحد من النزاع والمواجهة.
- تحسين فرص الوصول إلى النساء المحليات ومساندتهن.
تمكين المرأة في المجتمع.
- توفير إحساس أوفر بالأمن لدى السكان المحليين، بمن فيهم النساء والأطفال.
- توسيع نطاق المهارات والأساليب المتاحة داخل بعثة حفظ السلام.
 
مسؤوليات ومهام إماراتية في أفغانستان
استناداً لدستور دولة الإمارات العربية المتحدة فان استخدام القوات المسلحة الإماراتية لأغراض دفاعية أمر وارد، كما إن عمل القوات المسلحة لدولة الإمارات العربية المتحدة في أفغانستان يرتكز على هذا المبدأ حيث تركز أفراد القوة العسكرية على حماية المبادرات الإنسانية وتوفير الأمن والاستقرار للمجتمعات المحلية، ومن خلال عملها في أفغانستان، تسعى دولة الإمارات العربية المتحدة إلى توسيع نطاق الحماية التي توفرها لمواطنيها في مجال الأمن القومي في هذا البلد إلى المواطنين الأفغان عند الحاجة.
 
وتسهم القوات العسكرية لدولة الإمارات العربية المتحدة بشكل مباشر في نشاطات التنمية الثقافية للمجتمع، وذلك بمشاركة المنظمات الإنسانية البارزة كالهلال الأحمر، وتمثل المهارات اللغوية والوعي الثقافي الذي تتميز به القوات المسلحة الإماراتية ميزة هامة في تنفيذ مبادرات التنمية الفعالة لمجتمع مسلم كالمجتمع الأفغاني.
إن حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة تفخر بعملها الإنساني المتميز وبأفراد قوتها العسكرية العاملة في أفغانستان منذ سنة 2003، وعلى الرغم من استمرار الحاجة للمشاريع الإنسانية، يمكن القول بأن الانجازات الأخيرة في مجال الرعاية الصحية، والتعليم وتوفير البنى الأساسية هي نتيجة لجهود القوات المسلحة لدولة الإمارات العربية المتحدة في توفير الأمن والاستقرار والتنمية الثقافية للمجتمع.
ومنذ سنة 2003 ودولة الإمارات العربية المتحدة تواصل تقديم إسهامات إنسانية متميزة لأفغانستان، فمن خلال منظمات مثل الهلال الأحمر، وتبلغ التبرعات التي قدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة 22 مليون دولار أمريكي لمشاريع الغذاء والدواء ومشاريع الإغاثة الأساسية التي تهدف إلى توفير المسكن والمأوى في أفغانستان، كما بلغت استثمارات الهلال الأحمر الإماراتي مبلغاً وقدره 19 مليون دولار أمريكي للمشاريع المحلية، فيما خصصت حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة مبلغ 30 مليون دولار أمريكي للجهود الدولية لإعادة إعمار البلاد.
تتعرض المشاريع الإنسانية في مجالات الرعاية الصحية والتعليم وتوفير البنى الأساسية للشعب الأفغاني إلى تهديدات مستمرة بسبب أعمال العنف وحالة عدم الاستقرار التي تشهدها البلاد، حيث تواصل الجماعات المتمردة والإجرامية تهديد أمن واستقرار المجتمعات المحلية وتسعى دائماً لإفشال المبادرات الإنسانية ومبادرات تنمية المجتمع التي تقدمها المنظمات والمؤسسات الدولية، ونتيجة لذلك، فقد كان لابد لدولة الإمارات العربية المتحدة من ضمان وجود دعم عسكري في المناطق المتضررة لحماية موظفي المنظمات الإنسانية، ولتوفير الاستقرار اللازم لإنجاح المشاريع الإنسانية. فمن منظور دولة الإمارات العربية المتحدة، فإن المشاريع الإنسانية في قطاعات الرعاية الصحية والتعليم وتوفير البنى الأساسية لا يمكن لها أن تنجح في بيئة تشهد حالة مستمرة من عدم الاستقرار، وتؤمن دولة الإمارات بأهمية التواجد العسكري في أفغانستان للإسهام في إرساء جو من الأمان والاستقرار اللازم لإنجاح العديد من المشاريع الإنسانية قيد التنفيذ في البلاد.
فهناك أوضاع أفغانية صعبة استناداً إلى التقارير الواردة من المنظمات الدولية الرائدة وأعضاء آخرين في المجتمع الدولي، أن أجزاءً كبيرة من أفغانستان تشهد وضعاً إنسانياً متدهوراً ولا تزال تعيش تحت تهديد عدم الاستقرار والعنف الذي تمارسه المجموعات الإجرامية والقوى المتمردة، وعلى الرغم من الجهود المتميزة التي يبذلها المجتمع الدولي عموماً ودولة الإمارات العربية المتحدة خصوصاً على مدى الخمس سنوات الأخيرة، فلا يزال توفير الرعاية الصحية النوعية، والتعليم والبنى الأساسية من أكبر التحديات التي يواجهها المجتمع الأفغاني، وبحسب تقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) فإن حوالي 22 مليون أفغاني، أي ما يشكل نسبة 70 % من السكان، يعيشون تحت خط الفقر، ويعاني 54 % تقريباً من الأطفال الأفغان من إعاقة شديدة أو متوسطة عن النمو، كما أن 39 % منهم دون الوزن الطبيعي بكثير أو بشكل ملحوظ، وعلى نحو مماثل، يعاني 7 % من الأطفال الأفغان من سوء تغذية حاد، فيما يعاني 54 % منهم من سوء تغذية مزمن، كما تُعد مسألة الوفيات بين الأطفال مصدر قلق دائم حيث تشير التقديرات إلى وفاة ما نسبته خمس وعشرون بالمائة من الأطفال في أفغانستان قبل بلوغهم سن الخامسة، وتموت أكثر من 50 امرأة كل يوم نتيجة لمضاعفات الحمل والولادة، وقد كان لانعدام المرافق الصحية الأساسية أكبر الأثر في ما وصل إليه الوضع الصحي الحالي حيث تشير التقديرات في يناير2008 إلى أن المياه الصالحة للشرب متاحة لـ 23 % فقط من إجمالي السكان في أفغانستان، في حين بلغت نسبة إتاحة المرافق الصحية 12 %. ولأسباب اجتماعية وديموجرافية، ينبغي إعطاء التعليم الأولوية القصوى، فبحسب تقارير اليونيسيف تتميز أفغانستان بشعب فتي نسبياً حيث أن أكثر من نصف السكان هم دون سن الثامنة عشر، وتشير التقديرات حالياً إلى عدم التحاق مليوني طفل (أي 60 %) في سن الدراسة بالمدرسة، كما إن أكثر من نصف هذه الفئة هم من الإناث. لذا، يُعد ضمان تعليم الأطفال والأحداث تحدياً مستمراً للمؤسسات على أرض الواقع، ولا بد من التأكيد على أهمية التعليم نظراً لتدنّي نسبة المتعلمات الشابات (بين 15 - 24 سنة) في أفغانستان حيث تبلغ 18 % فقط، فيما تبلغ نسبة المتعلمين من الشباب من نفس الفئة العمرية 51 بالمائة فقط. لذا، فان استمرار السير بهذا الاتجاه يحمل مؤشرات خطيرة.
 
على أية حال فان رصد الوضع التعليمي يشكل تحدياً استثنائياً بحد ذاته لأن المدارس، بحسب تقارير اليونيسف، غالباً ما تتعرض لهجمات من قبل الجماعات المقاتلة في أفغانستان، ففي النصف الأول من عام 2007 مثلاً بلغ عدد الهجمات المسجلة التي تعرضت لها المدارس إحدى وثلاثون هجمة منفصلة تمثلت بإحراق المدارس أو تفجيرها، ناهيك عن الهجمات والتهديدات التي يتعرض لها الطلبة والمدرسون على حدٍّ سواء في عموم أفغانستان، وتجدر الإشارة إلى أن الأطفال في بعض مناطق أفغانستان يتلقون تعليمهم في خيم أقيمت لهذا الغرض، وتعمل منظمة اليونيسيف وشركائها العالميين على إقامة مدارس دائمة للمجتمع المحلي، ولعل أبرز التحديات تتمثل في تشجيع الأطفال في سن الدراسة وتمكينهم من الالتحاق بالمؤسسات التعليمية على الرغم من الأعباء الإضافية العديدة الملقاة على عاتقهم في هذه السن المبكرة، ففي المحيط الاجتماعي والاقتصادي الحالي في أفغانستان، يعمل العديد من الأطفال في سن الدراسة لإعالة أسرهم مما يشير إلى عدم كون التعليم أولوية قصوى بالنسبة لهم. ويؤكد ذلك الحاجة لإحداث تنمية اجتماعية أكبر في أفغانستان جنباً إلى جنب مع تطوير المدارس والخدمات التعليمية والارتقاء بها، ولابد من الإشارة إلى أن إحداث تنمية كبرى في مجتمع مسلم مثل المجتمع الأفغاني يستلزم توفير أماكن العبادة كالمساجد وكل ما يستلزمه تطبيق التعاليم الإسلامية، وتؤمن دولة الإمارات العربية المتحدة بأن على المجتمع الدولي تحمّل مسؤولية رصد الاحتياجات الإنسانية الملحة في مجالات الرعاية الصحية والتعليم وتطوير البنى التحتية الأساسية، كما أن حقيقة كونها عضواً مسؤولاً في المجتمع الدولي وإلمامها بتفاصيل الاحتياجات الثقافية للشعب الأفغاني يفرضان على دولة الإمارات العربية المتحدة القيام بدورها والمساهمة في هذه الاستجابة الدولية.
ويحسب لقوات السلام الإماراتية وجهود فرقها الطبية في أفغانستان الوصول إلى مناطق خطرة لم يسبق لأي من القوات الدولية الأخرى الوصول إليها، بالإضافة إلى إيصال الدعم الطبي والغذائي إلى مناطق نائية عن طريق إسقاطها بمروحيات خاصة، الأمر الذي زاد من ثقة الأفغان بالفرق الإماراتية الموجودة هناك.
ويلخص الفيلم الوثائقي الرائع دور قوات حفظ السلام الإماراتية في حماية الشعب الأفغاني، وتقديم الدعم والمساعدات الطبية، إلى جانب دورها في التنمية الاجتماعية والاقتصادية على المدى البعيد من خلال بناء العيادات الطبية والمستشفيات الخاصة واهتمامها بالتعليم وبناء المدارس والرعاية الإنسانية ونشر الوعي بين السكان، ويرصد هذا الفيلم سمات عدة لأداء القوات الإماراتية المشاركة في مهمة "رياح الخير" منها روح الفريق الواحد الذي يعمل به الجنود الإماراتيون، ومدى التدريب العالي المتقدم على التعامل مع مختلف المخاطر والمفاجآت، وكيفية تقديم الإغاثة والتعامل مع الخدمات القليلة في المناطق المختلفة، والتفاني والمودة التي باتت تربطهم بسكان المناطق الأفغانية، ويعد فيلم «مهمة رياح الخير» الثاني ضمن سلسلة الأفلام الوثائقية التي تتناول عمل القوات المسلحة الإماراتية، وفي يونيو 2010 تم إنتاج فيلم «صقور الصحراء»، الذي يروي قصة مجموعة متميزة من الطيارين الإماراتيين وضباط الصيانة من القوات الجوية والدفاع الجوي لدولة الإمارات العربية المتحدة، في إطار تمثيلهم لبلدهم للمرة الأولى في تمارين العلم الأحمر بالولايات المتحدة الأمريكية، وهي من أكثر تمارين القتال الجوي صعوبة في العالم.
وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة تواصل منذ عام 2003 تقديم دعمها الإنساني القوي إلى أفغانستان، وقد التزمت دولة الإمارات العربية المتحدة بأكثر من 1.26 مليار درهم إماراتي مساعدات إلى أفغانستان في سنة 2009، وهو ما يمثل 14٪ من إجمالي المساعدات الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة على مدار السنة، وعلى الرغم من أن العديد من الجهات المانحة كانت نشطة في أفغانستان، إلا أن نحو 73٪ من المساعدات (918.3 مليون درهم إماراتي) كانت على هيئة منح تحت إدارة وإشراف صندوق أبوظبي للتنمية، ومعظم هذه الأموال (863.2 مليون درهم إماراتي) تم تخصيصها لمشروعات الإنشاءات، فيما تم تخصيص بقية المبلغ لمشروعات النقل والتخزين، كما خُصص مبلغ 26.8 مليون درهم إماراتي لمشروعات البنية التحتية الاجتماعية والخدمات.
 
إشادات
أشاد مسؤولون في حلف شمال الأطلسي ''الناتو'' بدور دولة الإمارات العربية المتحدة في حفظ السلام في أماكن التوتر في العالم، خصوصاً في أفغانستان، حيث أكد هؤلاء المسؤولون أهمية الدور الذي تلعبه الدولة من خلال المبادرات التي تتخذها باستمرار لتزويد الدول الفقيرة بالمساعدات والإغاثة ومساندتها في التغلب على عثرات التنمية والحد من التطرف وإشاعة الرخاء الاقتصادي عبر إقامة المشروعات التنموية لتوفير فرص العيش الكريم للمحتاجين، وقالوا إن دول مبادرة اسطنبول تواصل تعاونها العسكري والأمني مع الحلف من أجل محاربة الإرهاب والقرصنة البحرية وعمليات التهريب والحد من التطرف، حيث أكد حلف شمال الأطلسي أهمية الشراكة مع دولة الإمارات العربية المتحدة في إطار مبادرة اسطنبول للتعاون وضمن قوات «إيساف» العاملة في أفغانستان بقيادة الحلف، وأعرب مدير إدارة الدبلوماسية العامة في حلف شمال الأطلسي نيكولا دي سانتس عن تقدير "الناتو" لدولة الإمارات وقيادتها السياسية لتعاونها الإيجابي مع الحلف، وقال دي سانتس في تصريح لوكالة أنباء الإمارات على هامش قمة حلف الناتو في مايو الماضي إن الإمارات من أهم شركاء الحلف في مبادرة اسطنبول للتعاون، كما أن الحلف على تواصل دائم مع الإمارات إزاء الوضع في أفغانستان وعملية السلام في 
 
الشرق الأوسط.
كما أكد دي سانتس، وهو مدير إدارة مبادرة اسطنبول للتعاون، أهمية دولة الإمارات بالنسبة للحلف في مبادرة اسطنبول ومساهمتها في جهود حفظ الأمن والسلام في البلقان وأفغانستان، إضافة إلى مبادراتها المستمرة لمساعدة الدول الفقيرة بالإغاثة ومساندتها في التغلب على عثرات التنمية والحد من التطرف وإشاعة الرخاء الاقتصادي. وقال إن دول "الناتو" ومبادرة اسطنبول للتعاون تواجه تحديات وتهديدات أمنية مشتركة منها الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل والتي لا يمكن معالجتها بنجاح من قبل أي بلد بمفرده، وإنما تتطلب تعاوناً متعدد الجوانب بين كل الأطراف المعنية.
من جانبه، قال الرئيس الجديد للجنة العسكرية للحلف الأطلسي إن التحديات المستقبلية المتمثلة بالإرهاب والصواريخ الباليستية والحرب الإلكترونية تتطلب جهازاً دفاعياً يملي علينا التعاون الجماعي ليس عبر الناتو فحسب، وإنما عبر جميع الشركاء في الحوار المتوسطي ومبادرة اسطنبول للتعاون"، وأكد إن أمن الخليج ليس مهماً للخليج فحسب وإنما للجميع، فالاستقرار في المنطقة ينعكس استقراراً لدول الحلف.
وأشاد الجنرال دي باولا وزير الدفاع الإيطالي بدور الإمارات الإيجابي في إطار مبادرة اسطنبول للتعاون التي تضم أيضاً قطر والبحرين والكويت، وأثنى على دورها ومساهمتها الكبيرة في مساعدة أفغانستان بعمليات البناء والاستقرار، كما نوه بالدور الكبير للإمارات في تحقيق الأمن والاستقرار وقال: "إن الإمارات تشكل نموذجاً يحتذى في دعم الأمن والاستقرار في مناطق كثيرة من العالم". 
وقد أكد الفريق أول Edouard Guillaud رئيس أركان القوات المسلحة الفرنسية بأن الإمارات تلعب دوراً حيوياً في تقديم المساعدات الإنسانية على مستوى العالم، وهي واحدة من أهم الدول الرائدة في العالمين العربي والإسلامي، كما أعرب عن بالغ تقديره للمساعدات الإنسانية التي قدمتها دولة الإمارات في جميع أنحاء العالم.
كما أشاد سعادة الفريق آرتو راتي نائب وزير الدفاع الفنلندي بدور الإمارات في الحفاظ على السلام العالمي، حيث قال: تلعب الإمارات دوراً محورياً في الحفاظ على السلام العالمي، وأضاف: أن الإمارات لعبت دوراً فعالاً في مجالات عديدة باستخدام ما لديها من قدرات عسكرية وغير عسكرية من أجل دعم هذه المهام، وهو مؤشر جيد وإيجابي للغاية، فاسم الإمارات يحلق عالياً خفاقاً في العديد من المهام الإنسانية، ويجب على كل دولة أن تبذل أقصى ما في وسعها، وأن تتبنى سياسة شاملة تقوم على مساعدة الدول المنكوبة، ولا تتوقف المساعدة عند الجانب العسكري فحسب، بل لابد من استخدام الموارد الأخرى أيضاً، وقد قدمت الإمارات الكثير والكثير في هذا الشأن.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-02-26 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره